الأربعاء ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم حميد طولست

الزواج على الإنترنيت.«6»

رغم أن الزواج خيار صعب بما يحمل في طياته من مسؤوليات تُرمى على عاتق الزوجين، ومن ثم عائلتهما، فيبقى إعلان حياة جديدة من المحبة والألفة والمودة والتعارف ، وإعلان عن ميلاد جديد يجدد امتدادنا في هذا العالم من خلال لأسرة جديدة تربط عائلتين متباعدتين برباط الزوجية والقربى وأواصر المحبة.

وقد كانت الأم والأخوات والعمات والخالات، والنكافات والخاطبات، هن اللائي يتكلفن باختيار العروس لمن يريد الزواج من شباب العائلة، ويقتصر دور الرجال على التفاوض بخصوص الأمور المادية التي كانت بسيطة هينة، كالزواج نفسه الذي كان سهلا ميسرا كما قال عنه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة"، لكن الناس عسروا ما يسَّر الله عز وجل، وعقَّدوا ما سهل الشرع. عسَّروه بما وضعوا من عقبات، وصعبوه بما اخترعوا من تكاليف وأعباء انعدمت معها استطاعة الشباب المسلم على تحمل أعباءه وتكاليفه التي تحولت مع العادات المبتكرة إلى هدر للأموال والطاقات. وأصبح العرس الذي سنه المجتمع لإشهار الزواج، مجالا للتبذير والبهرجة أفقدته مغزاه الأصلي، فتأخر بذلك الزواج أو تعطل بين من قال فيهم الرسول الكريم "من استطاع منكم الباءة فليتزوج". وتفاقمت بينهم العنوسة والعزوب حتى غدت أكبر المشكل التي يعاني منها المجتمع، ما دفع بالكثير من الشباب- ذكورا واناثا- إلى التفكير في ربط علاقات زوجية خارج الطرق التقليدية، واللجوء إلى وسائل ذات الطابع العصري والصبغة الحداثية، التي ظهرت في الآونة الأخيرة مع ما عرفته كل المجتمعات، وفي مجالات واسعة، من انفتاح اجتماعي سريع طال تياره الجامح كل قيمنا وثقافتنا وعاداتنا الاجتماعية وصبغها بصبغة التجدد ومواكبة العولمة، وعلى رأس هذه القيم "الزواج" الذي كانت وسائله وطرقه التقليدية مقدسة ومحددة وواضحة لا تخرج عن النهج الذي كان يقوم فيه الأهل والآباء والأقارب بدور الوسيط لتعارف الأسر وربط علاقات الزواج. ومن أبرز هذه الوسائل الحديثة، التي باتت أكثر رواجا وانتشارا، "إعلانات الزواج" التي ملأت كل وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات ومحطات تليفزيونية وهواتف نقالة واكتسحت الإنترنت بعد ظهوره كوسيلة للاتصال والتواصل- بل كمعجزة القرن العشرين والواحد والعشرين على السواء- فبات الزواج عبر هذه الوسائط ظاهرة جديدة ومتفشية ومنتشرة على شكل شركات متخصصة قلصت أدوار غيرها من المتدخلين التقليديين في عملية الزواج، بفضل سهولة استعمالها، ورخص أثمان خدماتها، إلى جانب ما تمنحه للشباب من شعور بالحرية والاعتماد على النفس في الاختيار بعيداً عن ضغوط الأهل وقراراتهم التي كثيراً ما لا تتلاءم وطموحات الشاب أو الفتاة في اختيار شريك حياة متآلف ومتفاهم.

فهل الإقبال المتزايد على الزواج عبر شبكة الانترنت يساهم في معالجة العنوسة والعزوبية التي تعاني منها الكثير من المجتمعات ؟ أم هو موضة أو هروب من قيود المجتمع؟

قبل الإجابة على هذا التساؤل ، وحتى لا يحدث أي خلط عند التطرق لهذا الموضوع، لابد من الإشارة إلى أن المقصود بالزواج عبر الأنترنيت ليس هو "الزواج الإلكتروني" -الذي يعقده "المأذون التكنولوجي" المنتشر في الغرب، وبعض المجتمعات الشرقية أيضا، والذي لا يتناسب وشروط وأركان رباط الزواج الوثيق الذي وصفه الله عز وجل بالميثاق الغليظ، والذي أجمع علماء الدين وخبراء الاجتماع وقانونيين على رفضه مؤكدين أنه كلام فارغ وتهريج اجتماعي وإهدار للأخلاق وعبث بأعراض الناس، ويدخل كما يقال في باب: " مايأتي سريعا يذهب سريعا" وإذا ما تم، فيعتبر زنا مقنعا ولا يحفظ حقوق الطرفين- بل المقصود هو التعارف بواسطة الانترنيت بغية الزواج، وتحل الوسيلة الالكترونية محل الخاطبة، أي أن يتعامل الشباب مع المتعارف عليه في أمور الزواج، بما يختلف اختلافا جذريا عن ما تعليه عارف المجتمع العربي والإسلامي، الشيء الذي خلق جدلا مجتمعيا ودينيا كبيرا قسم الناس إلى فآت مختلفة... فاعتبره البعض وسيلة جيدة للاختيار من منطلق عقلي وليس عاطفي يساهم في معالجة مشكلتي العنوسة والعزوبية، وانه لو ساد وبطريقة فعالة لانكمشت العنوسة ولزالت الكثير من العقبات المصطنعة التي اجتهدنا ونجتهد بوعي منا أو بغير وعي على وضعها أمام الزواج وتحت ذرائع ومسميات شتى؛ وذلك لنجاح العديد من التجارب والعلاقات التي عثر من خلالها كل من التقى على النية والصدق، على ضالته.

وقد ربطت هذه الفئة التي لا ترفض هذا الزواج وٍتشجع عليه خصوصا بعد ازدياد نسبة العنوسة في الوطن العربي، بشرط أن يكون وأن يكون الطرفين صادقين في البحث عن شريك العمر، وأن يكون هناك إشراف من هيئات دينية واجتماعية واقتصادية وقانونية لتوفير حد أدنى من فرص النجاح والاستمرار والخبرات والاستشارات غير الواضحة للفئات العمرية المختلفة..

وقد أجاز مفتي مصر الشيخ علي جمعة بتحفظ الزواج عبر شركات الزواج المتخصصة بما قد يشمل الشركات على مواقع الانترنت، كما جاء في رده الذي نقلته عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية على سؤال حول مدى مشروعية إعلانات شركات الزواج. قوله: "يجوز شرعا التوسط في مسائل الزواج بين الناس من خلال ما يسمى بإعلانات شركات الزواج أو من خلال بعض المراكز وذلك بإعطاء المعلومات عن كل طرف للآخر بدون غش أو تدليس وبعلم ولي الزوجة الشرعي بكل هذه الخطوات عند إتمام عقد الزواج في مراحله الأولى وحتى تمام انجازه". لكنه أشار في المقابل إلى أن: "المركز إذا كان يهتم فقط بالمكسب التجاري ولا يراعي الحدود الشرعية في حرمة البيوت وقام بالتدليس في المعلومات أو تشجيع للفتاة على الانفراد براغب الزواج منها من وراء أبيها أو أسرتها فإن هذا العمل يكون حراما والأموال التي يستفيد منها هذا المركز تصبح أموالا محرمة ولا يجوز التعامل مع هذه المراكز في تلك الحالة".

وقد رفض البعض هذا الزواج بل حرمه بالمرة لأنهم يرون أن هذه الطريقة في الزواج عبر الإنترنت أو الكمبيوتر لا يتماشى مع أخلاقيات المجتمعات الشرقية وتقاليدها ولا يصلح تطبيقه فيها، لأنها تخل بشروط الزواج الشرعي وعقوده التي لا يترتب عليه حقوق شرعية لأي طرف من الطرفين والتي إذا تمت فالزواج "نكاح شبهة" لقيامه على أسس ومواصفات لا تتوفر فيها مقومات الاستقرار والاستمرار، وتخضع لمقاييس شكلية افتراضية تؤدي إلى ارتكاب الكذب والخداع عند عرض الجوانب الإيجابية في شخصية المتقدم/ة للزواج دون ذكر العيوب. ويذهبون إلى أنه لا يعالج قضية العنوسة والعزوبية، بل بالعكس فإنه قد يفاقم مشكلة الطلاق لافتقاده المصداقية والنزاهة في تقديم كافة المعلومات والتفاصيل المهمة.

بينما تحفظ البعض الآخر بدعوى عدم إمكانية ضمان نتائج هذا النوع من الزواج الذي اعتبر مجرد تقليعة شبابية لمجاراة الموضة في كل شيء، وأن الذي يرغب في الزواج الحقيقي لابد أن يدخل البيوت من أبوابها، ويطلب الفتاة من أهلها، لما للزواج من قدسية خاصة وإنه حياة طويلة لا بد أن يتم في هدوء واستقرار ولا بد أن تتعارف العائلات على بعض ليتعرف الجميع على عادات وسلوكيات بعضهم البعض. فالزواج ليس تزاوج بين الأفراد فقط وإنما مصاهرة بين مختلف العائلات..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى