الثلاثاء ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
شفيــــق حبيـــب
بقلم محمود مرعي

ديوان «تعاويذ من خـزف»

(شاعرٌ وصل حافـّةَ اليأس ِ والإحباط، ترى إلى أين بعد هذه المجموعة؟)

قسـَّمَ الشاعرُ ديوانـَه إلى ستة أبواب هي:

  1. ضَياع ٌ في بحر الذات،
  2. ألطـّحالب،
  3. سُقوط ُ القِناع،
  4. دروبُ السـّفر،
  5. أغلقتُ أبوابي،
  6. معزوفة ُ الخروج واللاعَوْدة،.

مجموع ُ القصائد في الدّيوان أربعٌ وعشرون قصيدة، تتوزع ُ بين الشعر العموديّ وشعر التفعيلة غير الجاري، وهذا هو المؤلـَّف الثاني عشر للشاعر شفيق حبيب؛ ويتميّز الشاعر بالتزامهِ عَروضيّا ً، وخبرتـُهُ في هذا المجال ليست موضعَ شكّ، وينطلق ُ أحيانا ً إلى شعر التفعيلة أو (شبه العَروضي) وهو من المُجيدين، وصاحبُ قريحة ٍ غزيرة.

من القراءةِ الأولى للمجموعة، يظهرُ أنّ نفـَسَ الشاعر ونبرتـَهُ لا تتغيّر من أول قصيدة حتى آخر قصيدة في الكتاب، وحتى قصائدُ الرثاء فيها نفـْسُ الصّوت رغم جوِّ الحزن والألم لفقد الأحبـّــة.

من القصيدة الأولى يُدخلنا الشاعر معه في أجواء من اليأس والسَّوداويّة التي تخيِّمُ عليه بسبب تلاحق ِ النكبات على أمَّتِهِ وشعبهِ وحتى السلام، يراهُ عكسَ ما يراهُ الآخرون.

أنا لا أرى في الأرض ِ سِلما ً وإنما سأصبحُ عبْـدا ً في بلاط ِ المُحـارب ِ
يبيعونني الآمــالَ، يغـدو رواؤُهـــا عويلا ً ودمعـا ً في بلاد ِ الطـّحالب ِ.(ص 76 )

إذن شاعرُنا مُصابٌ بالإحباط ِ وخيبةِ الأمل، ولندخلْ معه في أجواء القصيدة الأولى:

ينسابُ في صوتي الضـّبابْ...
وعلى شراع ِ سفينتي،..
في بحر ِ ذاتي
ينطوي أملُ الإيابْ ..
ألليلُ يلفظني...
فيجرعُني الضَّياع ُ والاكتئابْ. ص7

وحتى لا يتركنا في حيرة التساؤل، يُجيب:

هذا أنـــا...
كأسٌ من المُرِّ المُحنظل ِ والعذابْ...
هذا أنـــا...
طيفٌ تطاردهُ النوائبُ
والسواءبُ... والكلابْ..
شِلـْـوٌ قضت ْ أشلاؤهُ
بين التخنــدُق ِ
والتمزُّق ِ في الشـِّـــعابْ. ص8

ثمّ يحاولُ شاعرُنا تبرئة َ الذئاب(السوائب والكلاب ) فليس لها ذنـْب:

لا الذنبُ ذنبك ِ يا ذئابْ
بل ذنبُ كلِّ الراقصينَ.. الهائمينَ
على متاهات ِ الخـــرابْ.ص8

ألشاعرُ لا يدع ُ القارىءَ يلتقط ُ انفاسهُ فيدخلهُ مباشرة ً في حالة التصوُّر، وبعدما استعرض حالتهُ وصوَّرَ أوضاعه
يتساءل:

أين اخضرارُ ربيع ِ أوردتي..
وأجنحتي التي طالت شماريخ َ السّحابْ؟
أين الهوى؟.. والعِشق ُ؟..
والصّدرُ المُشـَرَّعُ للتحدّي والخضابْ..
ومواسمُ النار التي تـُهدي السنابل َ
والبلابلَ والجداولَ والغلالَ
وعِطرَ أفراح ِ الشـّباب.

ومباشرة ً بعد هذه الأسئلة المؤلمة يأتي بما هو أشدّ إيلاما ً:

ما للغريب ِ سوى نعيقِك َ يا غرابْ.. ص10

وأسئلتـُهُ ليست لمجرّد السؤال بل هي للوخز في الضمير.

ويمكن أن نقسِّم هذه القصيدة إلى ثلاث مراحل، الأولى: ألتعريف... الثانية: ألتساؤل أو الوخز للإيقاظ.... والثالثة: التقرير.....

وهذه هي ما سنوردهُ الآن وهي آخر القصيدة:

لا الشمسُ شمسُك َ
لا النجومُ نجومُ ليلى والرّبابْ
فاشربْ كؤوسَ القهر ِ...
واستعذبْ ثــُمالات ِ الشـّرابْ
واصبرْ على مُــرِّ التلظـّي
والتشظـّي... والعِقابْ
فالموتُ شـَهْـدُ العاشقينَ القابضينَ
على القصيدة ِ... والعقيدة ِ... والكتابْ.

ولكَ أن تسأل عن نجوم ليلى والرّباب وإلى أين يتجهُ حنينُ الشاعر من خلال الإشارة إلى ليلى والرّباب والسبب أنه لا يرى سوى خـُواءٍ وانشطار:

كلُّ ما فينا خـُواءٌ في خـُواءْ
نتداعى حاضرا ً يغرق ُ في البؤس ِ
وأوحال ِ الرِّيــاءْ
.........
ربُّـنا المالُ
وفي أخلاقِنا عهرٌ وفسق ٌ واهتراءْ
نحن كالديدان في الظلمة ِ
تعشى عندمـا يبدو الضـِّياءْ
نحن لا نبني حضارات ٍ
ولكن نتغنـّى بتسابيح ِ الدُّعـــاءْ
نحنٌ صـحـراءٌ..وجَدْبٌ
وظلامٌ.. وشقاءْ
فِكرُنــا قـَحْـط ٌ كغيم الصَّيف ِ
منثورا ً..هباءًا في هبــاءْ
كلُّ ما فينــا...
ركوع ٌ.. وسجودٌ.. وانحِنــاءْ. ص44-45

بهذا الوضوح الذي لا يحتاجُ ركضا ً خلفَ المُفردات، ولعلّ من الواجب أن نشير إلى صِدْق ِ الشاعر، وصِدْق ِ رؤيتــهِ:

آه ِ يا شعبَ الفراغ!
الضارب الأطنابَ فينا كالوباءْ...
كلّ ما حولـَكَ من صـُنع ِ عقول ِ الغـُرَبـــاءْ
ما الذي أعطيْتَ يا مشلولُ للدنيا
سوى ذ ُلـِّكَ ممزوجا ً بآهات البكــاءْ
أنتَ مهزومٌ وللمهزومِ موتٌ وفنــــاءْ. ص46

والآن سأستقصي "الأنــا " لدى الشاعر فهي خيرُ من يصوّرُ هذا الإحباطَ وهي ربما تكفي القارىء لفهم المجموعة ِ كلـِّهــا.

هذا أنا،
كأسٌ من المُــرِّ المُحنظل ِ والعذابْ
هذا أنا،
طيفٌ تطاردُهُ النـّوائبُ.. والسّوائبُ الكلابْ
شِلـْوٌ قضت أشلاؤهُ..
بين التخندق ِ والتمزّق ِ والعذابْ. ص8

******

أنا فارسٌ،
ضاعت سنابكُ خيْلهِ
في حانة ِ الزمن الوضيع ِ
أنا شاعرٌ،
ضاعت قوافي شِعرهِ
في هزَّة ِ الرِّدف ِ الخليع ِ ص21

******

أنا أيّها الحلاج ث زلزلة ٌ
يُخبِّئـُها نجيعي. ص22

******

أنا ورق ٌ خريفيٌّ
تطاير كاشتعال الريح ِ في أحضان ِ تشرين ِ. ص24

******

أنا صـدا ٌ..
أنا صدأ ٌ..
وصوتٌ غاضَ في لجٍّ
رُكاما ً صارخ َ النبـْر ِ
رغيفُ الخبز ِ من رمل ٍ
وماءُ النهر ِ مأســـونٌ
وأيامي مُحنطة ٌ
تنوءُ على لظى الأوباءِ، والصحراءِ، والفقر ِ.. ص31

******

إني أضعتُ ملامحي، وتفرُّدي وجوارحي
وغدوتُ عنوانا ً على صدر النوائبْ. ص38

******

 أنا شاعرٌ يقتاتُ من مُرِّ الهزيمة. ص39
 إني كفرتُ بذات ِ ذاتي ص40/
 إنني أكرهُ نفسي/حاضري مرآة ُ نفسي/ كلما رُمْتُ انعتاقا ً / شدّني جهلي لرمسي.ص52/
 أنا ما كنتُ يوما ً كالبعير ِ/على رمال ِ البيد ِ في نجد ٍ وفي نجرانَ. ص63/
 أنا الباقي/أنا الباقي/إذا انهار الجرادُ على دروب ِ /البيف ِ... والكوكا/وماك- دونالدزَ والأجبان/ أظلُّ على الطوي شبعانْ ص66/
 أنا لا أرى في الأرض سِلما ً وإنما/سأصبحُ عبدا ً في بلاط ِ المُحارب ِ ص76/
 ألا أيها البعد!!/ هذا أنـا/ أنادي طلولَ الدِّيار ِ / وفحمَ الدّمـار ِ/ وخيلَ القبائل ِ في المنحَدَرْ ص94/
 ألا أيها السِّلمُ !!/ هذا أنـا... جريحٌ يوَدِّعُ ما قد غبرْ . ص95/
 يا رملَ ضياعي / في الصحراء.../ إني منثورٌ كرماد ٍ/ في قبضةِ عاصفة ٍ هوجاءْ ص104/
 سردابا ً أضحت دائرتي/ وأنا شرنقة ٌ ضامرة ٌ/ تملأها ألغازٌ حََيْرى/ وينوحُ خـُواءْ. ص105.

إني سجيـنٌ كالهَــزار ِ ومأمَـلي هذا الفضاءُ الرّحْبُ خلفَ إســاري. ص111
إني أضعتُ العُمرَ خلفَ سَرابها وأضعتُ دربي في شِعــاب ِ قِفاري. ص113

هذه هي "الأنـا " لدى شاعرنا شفيق حبيب وهي كما يراها القارىء مُحْبَطة ً تتفجّرُ حسرة ً وألمـا ً ولا ترى منفذا ً واحدا ً للأمل، وحتى أنني لم أعثر في المجموعة كلها على قصيدة غزل ٍ واحدة،.

هناك ثلاثة ُ أبيات ٍ جاءت فيها "الأنـا " لدى الشاعر بشكل ٍ مُغاير ولكنها في نفس الوضع والواقع،.
البـيـــــتُ الأول:

إني انتصبتُ معً القوافي شاهـــرا ً حرفي بوجه ِ الظالم ِ الجبّـــار ِ

والواقع هو الظلم، وما دام الظلمُ موجودا ً فإنّ هناك ظالما ً ومظلومـاً، والشاعر نفسه في مواجهة الظالم،.

البـيـــت الثاني:

أنـا في سمائكَ يـا جليلي! راصدٌ أنا في فضائكَ صَيْحة ُ الأحـــرار ِ

وهذا البيت ينطلقُ من نفس الرؤية.
الـبـــيتُ الثالــث:

هذا أنــا صوتٌ يشقُّ صدورَهم ونعيبُهم كالنار ِ في أعصابي

وهنا أيضا الشاعر في مواجهة ٍ معهم ولكن نعيبهم كالنار في أعصابه.

لقد آثرتُ أن أذكـُرَ في المقالة جميعَ الحالات ِ التي وردت فيها "الأنــا " لدى الشاعر لأثبتَ ما زعمتُ من أن الشاعرَ يقفُ على حافةِ اليأس والإحباط ممّا يرى حولـَهُ، ويصحّ بالتالي أن نطلقَ عليه "شــاعـــر الــوجـــع " ؛ ولعلّ قولـَهُ الآتي يختصرُ حالتـــه:

أشعَلـْتُ مجامرَ أقـلامي..
وحمَلـْتُ قناديلي ظـُهْرا ً...
أبحثُ عن مَـوْتى أحلامي...
ذاتي هائمــة ٌ... شاحبـة ٌ..
تبحثُ عن ذاتي وحُطامي....

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى