الأربعاء ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

العقد القبيح

نهاية شهر ديسمبر ليست خاتمة عام 2010 فحسب، إنما نهاية عقد بأكمله، ولعله العقد الأسوأ والأشد قبحاً على العرب قاطبة. وإن كان القبح صفة العقد المنصرم، فإن ذلك من باب المجاز لأن القبح هو صفة من جعلوه بهذه الصفة ولا ذنب له. «يقولون الزمان به فسادٌ...همُ فسدوا وما فسد الزمانُ».

في هذا العقد وهو الأول من الألفية الثالثة، اتسمت أحوال العرب والمسلمين بالتراجع في أمور شتى،. وبدلاً من مواجهة ما مسهم، اتخذوا لأنفسهم صياصي يختبئون فيها محمّلين بمساحيق التجميل ومباضع الجراحة لإظهار الوجه العربي بلا عيوب وكأنه لم يمسسه قرح. إنه العقد الذي عقد صورة العرب والمسلمين، فجاءت كما لو كانوا ماهرين فقط في تفخيخ الأجساد، ومنها الغض النضر، لقتل مسلمين وعرب من شتى الديانات والمذاهب. فيكاد العقل لا يصدق عدد من سقطوا خلال عقد جراء تلك الهجمات التي لا ترحم بشراً ولا شجراً ولا حجراً.

وأما عن الفقر فحدث ولا حرج، وهو الذي يعد من أهم أسباب التطرف، فظل ينشب أظفاره في الجسد العربي من دون تحرك جدي لوقف مده المتنامي، وكأنه مجرد زكام يصيب الأنف العربي لا أكثر.إن الأرقام التي تشير إلى عدد الفقراء في العالم العربي وعدد المتسولين من الأطفال يندى لها الجبين. المصيبة أن الفقر المدقع الذي ضرب الأصقاع العربية في العقد المنصرم، وسيضربه لاحقا كما يبدو، يرافقه عوز فكري و محاربة للغنى الفكري، بخلاف الغنى المادي لدى البعض لدرجة تفوق خيال الإنسان البسيط. إنه العقد الأسوأ في تاريخ الإبداع بكل صنوفه، فمثلما شنت بعض القوى حربها على جهات وضعتها على قائمة الإرهاب، شن العرب حربهم على نتاجات أدبية وفكرية وفنية عربية وضعوها بأيديهم على قائمة الإرهاب، وحادثة ألف ليلة وليلة ما زالت حديثة ولم يمض عليها ألف ليلة،وكذلك حادثة منع تدريس المسرح والموسيقى في معهد الفنون الجميلة في بغداد. لقد آثر العرب في عقدهم المنصرم أن يكونوا أكثر انغلاقاً من الناحية الفكرية، في وقت ينزل علينا "الفن" الهابط كالصواعق، مع اعتذاري لكلمة "فن". 

حتى المرأة العربية لم يسلم حالها من صواعق العقد المنصرم، بدءاً من وأد الفتيات بذرائع تقشعر لها الأبدان، مروراً بزواج القاصرات وإكراه البنت البالغة على الزواج ممن لا ترغب فيه زوجاً،وانتهاء بحالات الطلاق المتصاعدة وما يرافقها من استمرارية للنظرة الجائرة للمطلقة في العالم العربي.

هو العقد الذي شهد فوضى الفتاوى، وتوسيع دائرة التحريم حتى صار المرء يسأل إن كان أكل التفاح جائزاً أو آثماً، أو يسعى لاستصدار فتوى حول شراء حاجات البيت مساء الثلاثاء.. فلم يشهد عقد فوضى وجدلاً عقيماً لا،عميقاً، حول الفتاوى كعقد فاتحة الألفية الثالثة.

في نهاية كل سنة يواسي العربي نفسه بأماني أن تكون السنة الجديدة أفضل، بل، أحياناً، يتوقع فيها ما هو أفضل، فيصاب بالإحباط لأن ما تمناه حدث عكسه، فحبذا، إذنْ، أن لا نتمنى ولا نتوقع أمراً عملاً بالمثل الأوروبي: "طوبى لمن لا يتوقعون شيئاً،فإنهم لن يصابوا بخيبة الأمل".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى