الثلاثاء ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم محمد أسعد قانصو

الأستاذ نعيم ..

بانهماك وجدّية مفرطة يقف أمام المرآة، يحاول تحديث الصورة ومواءمتها مع روح العصر .. لكنّ تاريخ بدلته البالية يبعثر محاولاته، وسحنة وجهه المولود في الزمن الجميل تقوى على كلّ الأقنعة المستعارة من زمن اللاهوية ..

لا تعيبه أصالته فهو متمسّك بها حتى النهاية، ولا يتبرّأ من عصره, كيف وهو الفخور به؟ ولكن يحرجه الشعور بالتطفّل على بيئة لا تنتمي إليه ولا يشرّفه الانتماء إليها .. ولكي لا يستفزّه التناقض أو يحاصره الاختلاف يحاول مرغماً أن يماشي السائد ويصالح النقيض ..

الأستاذ نعيم معلم الآباء والأبناء على السواء .. نسخة قديمة من المربين الأصليين المتمسّكين بالمثل المؤمنين بها, وهي عندهم لا تباع ولا تشترى ولا مجال للمساومة عليها أو الإتجار بها ..

"الأستاذ " لقب استحقّه نعيم بجدارة, فهو ابن فلاح فقير كان يقلّب الأرض بمحراثه ليجمع عناء الدهر بين كفّيه قسطاً لتعليم رفيقه في الحقل وشريكه في التعب .. وهكذا يكبر الحلم ويستحيل شهادة ممهورة بحبر التحدي والعناد!.

الأستاذ نعيم سنديانة عتيقة لا زلنا نتفيأ ظلّها ونستقي بارد معينها، نلجأ إليه محتاجين وابل نصائحه وإرشاداته، منصتين بخشوع لعصارة الأيام والسنين، ولا نخرج من عنده إلّا بالغنائم الوفيرة ولقاحات العقل والقلب معا .

جميل هو أستاذنا حين يقف أمام الجيل خطيبا، وقوف التاريخ أمام الحاضر، ولا يخفي حسرة تسكن عينيه أو تنهيدة جريحة تنفر من أعماق قلبه الكبير..

من المرارة حقّاً أن يصبح الأستاذ نعيم رقماً منسياً في لغة الأرقام الحاكمة، أو سهماً منكسراً في لغة الأسهم والبورصات، من الهزيل المضحك أن تُهدى الشهادات بالمجان وعلى قدر ما في الجيوب تنمح الصفات والألقاب، فيصبح فلان أستاذاً وهو لا يعرف كتابة أحرف إسمه أو هجاء هويته الشخصية، ويُقدّم فلان في الصفوف الأولى وتُقام له التشريفات وهو أشبه بكرة فارغة إلّا من هراء!..

خجولة هي المنابر حين يعتليها المتسلّلون إليها، بائسة هي الكتب حين يتخذها الأدعياء خلفيةً غنيةً لصورهم الفقيرة, يتيمٌ هو الزمان الزاهد بالأستاذ نعيم والمتسكّع على أعتاب عراة الفكر وأصفار الحضارة ..

هنيئاً لك يا أستاذ نعيم تطاول المجد والعلياء وتواضع المقتدرين النبلاء ..

هنيئأ لتلك البدلة البالية إلّا من عنفوان شمس لوّحت خيوطها بإشراقات نور صحيح ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى