الثلاثاء ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم عبد الجبار الحمدي

أحلام مُراهقة ...

مثل كل الفتيات في سن المراهقة، نسجت لنفسها قصرا في الهواء لتسكنه خيالا أبديا، ترى نفسها تجري، بين جنائن معلقة تناثرت هنا وهناك، وحولها طيور مختلفة الألوان، أليفة تلهو معها كأميرة الإوز، تحب دوماً أن تلعب دور البطلة، وأغلب الأحيان تقضي وقتها في قراءة قصصا وروايات إلى كاتبها المفضل، الذي أدمنته عشقا بين سطور، غالبا ما كانت تخضب وسادتها دموعا من وَله عذاب بطلة القصص، تنام وتأخذ دور العاشقة في أحلام الحب، فتراها رغم معاناتها تنال من تحب، لتنتشي سعادة وتنتصر على خبايا خوف بين حجرات قلب، هذه هي حياتها، يوميات تعمل على تمثيلها في قصصها حين تكتب، تضم بين سطورها أمنيات بطلتها في مغامرات، وذات يوم وأثناء الدوام المدرسي، شاءت إدارة المدرسة أن تنظم مسابقة لكتابة القصص القصيرة، والشعر والنثر، وطلبت من طالبتها أن يشاركن كلاً بما ترغب من نشاط، على مستوى ما تحبه وتجيده.

أما المفاجأة التي لم تكن تتوقعها، هي حضور ضيف شرف المسابقة، كاتب القصص القصيرة الذي عشقت أسمه، ورسمه وكتاباته، لم تصدق أذنيها حين سمعت بالخبر، تدفقت الرعشة باردة، دخلت عبر مسامات جسد، وقفت براعمه بأبهى شكل، أحمرت وجنتاها، ترك وقع الصدمة حين سماع أسمه، غددا أنثوية تهرع لتجميل نفسها، وتعكس صورتها عبر عيون وجسد فتاة، عشقت تقاطيع رسم الغرافيك وكلمات مقدمة، أذابت نفسها خيال رسم، ثم ماذا ستفعل حين تراه؟ هل تخبره عن حبها له؟ وهل سيقبل بها حبيبة كبطلة قصصه؟ هل تتربع على عرش قلبه كما هو بالنسبة لها أسئلة كثيرة ؟؟؟؟ ثم قالت .. سأغزو قلبه، سأجعله يشعر بلهيب فؤادي، وتوصلت في النهاية إلى فكرة التقرب منه وإخباره عن حبها، حلق خيالها في جنة عدن، وهي تلبس أجمل ثيابها كأميرة للإوز، عند نهر الحب حيث عزف زرياب بعوده، ليطرب خمائل أنثوية، غفت بين ضباب عشق مراهقة، حاكت لها قصرا بألوان قوس قزح، كم ضحكت وهي تقص لمن حولها من طيور الحب، أمنيات بقفص ذهبي، صاغته من عشق بطلات قصصه، لتسكنه هي وحدها كبطلة أخيرة لتكتب النهاية.

كانت إشراقة الصباح بالنسبة لها ميلاد جديدا، دخلت هي من بوابة شمسه، تحمل بين يديها قلبا أينع تفتحاً، مرسلا عبق الحب راهبا يتعبد طالباً تلبية أمنيته، يدعو بصوت خافت مثل هديل حمام، مدت النظر إلى طيور راودتها في أحلام يقظة، حملها على أجنحة ملونة، تريد أن تكون أجمل فتاة يراها، تحتويه قبل ان تلتف حوله عيون غير عيونها، فرشت له الكلمات ثغرا نديا، تريد له أن يلثمها قراءة من شفتيه، أما جسدها فقد سولت لها نفسها ان يكون بيتاً يسكنه إلى الأبد، دلفت تسير على الهواء، كحمامة بيضاء تنشد السلام، تود لو حطت فوق غصنه الذي تعشق، لم تعير همس حمامات أخريات حديث غمز ولمز، جلست في أول صف، حاضنة إحدى روايات من تعشق، حتى تكون أول من تقع عيناه عليها، دق جرس المدرسة ليعلن بداية الحفل، هرولن الطالبات نحو المقاعد كأنهن يلعبن لعبة الكراسي، من سيجلس ومن سيبقى واقفا، لم تكن من بين اللاتي يهرعن لنيل مقعد، بعد أن حظيت بالامتياز، بدأ الحفل بالترحيب بكل الحاضرين، من الزائرين وأولي أمر الطالبات، الجميع لاحظها وكأنها دمية باربي، تغامزت بعض فتيات غِيرة، سمعت تعليقاتهن، لكنها اليوم تحيا حلما واقعيا لن تهتم لمعكرات صفو وحسد ضعيف، أما المدرسات فقد لاحظن رونقها، وأعجبن بها لذا تركنها في الصف الأول أسوة بكل المشتركات في المسابقة، تقدمن بعض الطالبات لإلقاء قصائد شعر ونثر، ولوحات من العزف، وهي تنتظر سيد الحفل، لم يظهر لحد الآن!! متى سيأتي؟ انشغلت.. أخذت تحملق بعيدا نحو الباب، هل سيدخل ويفاجئني؟! ماذا يلبس؟؟ فقد تعودت عيناها على ذلك الرسم الغرافيكي المطبوع على كل أغلفة القصص، وتلك الابتسامة المشرقة، التي توزع قيودا لعذارى القلوب.

أنه وسيم بهي الطلعة، رجولته ترتسم من كثة شعره وذقنه، أما سيجارته التي يمسكها فهي تغار منها، كم ودت لو مسك خصرها هي بدلا من تلك السيجارة، داهم خلوتها ضجر وقلق، الى الآن لم تعلن عريفة الحفل عن تأخره، لعله وصل وأنا لم أشعر به!!؟ أم ترك أمره مفاجأة ؟؟؟ بدأت تَتَلفت نحو الصف الأول، ربما يكون بينهم، وهكذا بدأت تبعث برسل نظرها وهم يحملون عبارات هيام، لكنهم رجعوا بخيبة أمل، أحست بشيء من الخوف، يبدو ان أحلامها قد تبددت، فهو لم يأتي لحد الآن، وقد اقترب دورها في قراءة قصتها القصيرة، التي حبكتها له وحده، لتحاكي قبله طارقة إياه، عله يتقبلها بطلة حب أبدية، طافت غيوم سوداء فوق رأسها، صعقت تيارات برودة هلعها شعورا بإحباط، أغمضت جفوناً لتسقط دموعا تطفأ اضطرام نار في جوفها، كادت أن تقع من على مقعدها، أمسكت الطالبة التي بجانبها بيدها، سألتها ما بك؟؟ هل أنت بخير؟ هل أستدعي أحدى المدرسات لك؟ أمسكت هي على يد الفتاة، وقالت: لا داعي أنني فقط مرهقة، فقد سهرت الليل أعد قصتي لأقرأها في هذا الحفل، ولكن يبدو أنه لا نصيب لي، وهناك قالت عريف الحفل ... والآن سيكون دور قراءة القصص القصيرة وبحضور القاص ... تلفتت ماذا؟؟؟؟ هل حضر كاتب القصص القصيرة ( صباح عبد الرحيم )!!!

هل ما سمعته صحيح!! تنبهت الفتاة التي بقربها، الى فزعها وتلعثمها علقت أظن ذلك ما قالته عريفة الحفل، لقد حضر وسوف يلقي بكلمته الآن، مسحت دموع الخيبة واليأس، وأخذت تهيأ نفسها، أشاحت بيدها فدفعت الغيوم بعيدا، لتترك شمس الحب ترسل ضيائها باتجاهه، رمت بخيوط مشاعر الحب، نظرا نحو من سيصعد إلى منصة الحفل، انتظرت ... ماذا؟؟؟ .. بهتت!! غير معقول؟؟! لا يمكن أن يكون حقيقة، وغابت عن الوعي، وهناك ... وبعد فترة ليست بالقصيرة، وجدت نفسها ممددة على الأريكة، في إحدى غرف الإدارة والكل يضحك، إلا هي ... فلم تكن تعلم أن كاتب القصص صباح عبد الرحيم هي امرأة وليس رجل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى