الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم أحمد بنميمون

استرجاع التراث.. أو.. تحرير الهوية الثقافية

هناك قطيعة أمست ملحوظة منذ أدار المثقف الليبرالي العربي، والحداثي بعده، ظهريهما للتراث، واعتقدا أن الانتماء إلى المستقبل يفرض التنكر للماضي ودروسه، من أجل الإسراع في اللحاق بالغرب، وقد تميز الخطاب الديمقراطي في مرحلة التحرر الوطني بـ "التحرر" من أي شعور بالتقصير، أو حتى مجرد الشعور بالذنب، إزاء ما كان يظهر على تكوين الكثيرين من رموزه من جهل بالتراث الفكري والفني واللغوي، في كل حقبه وأدواره وطبقاته الثقافية، وأشكاله التنظيمية الأساسية. وبالنسبة إلى التراث العربي الإسلامي، فقد كان سائداً في وقت من الأوقات، الحكم عليه من خلال مواقف النفور من طابعه المحافظ، والادعاء بتأسيس ثقافة تتجاوز نمطيته، فاعتبرت جماعة من "المجددين".

1) أن أي شكل من أشكال الاتصال بهذا التراث يهدد من يحاوله بــ "السقوط" بين براثن قوية لا يمكن أن ينجو منها إلا بعد أن يسلـّم بها، ويعد ألا يكف عن إعادة إنتاجها، وقد تمثل ذلك في مرحلتين عُرفت أولاهما بسيادة نوع من النقد الإيديولوجي الذي جعل مرجعه تراث ثقافة أخرى، وعرفت الثانية بانتشار مذاهب فكرية ونقدية اشتركت جميعها في إدارة الظهر للماضي، ومن ثمّ في "ظلمه" أو بالأحرى، ظلم الذات الذي تجلى في حرمانها من اللقاء بهويتها الثقافية، وتمييز ما ينبغي الاحتفاظ به مما يجب التخلي عنه من قديمنا الثقافي. وإذا كان صادقا من قال "إن التجديد هو قتل القديم فهماً" وكذلك القول بألا تحطيم للقاعدة مقبولا، إلا بعد معرفتها، فإن سلوك من ألقوا بأنفسهم في أحضان الجديد، دون قتل القديم فهما، كان مثالا للاغتراب والاستلاب وتذويب الذات في آخر حافظ بكل قوة ووعي ٍ على تراثه، الذي اختار أن يمتد به عبر كل عصور الإنسانية، يدرسها ويأخذ منها، دون موقف ضعف أو مركب نقص، وذلك هو جوهر موقف الغرب مثلا من كل تراث الإنسانية. لكنّ ما حكم موقف أصناف ٍ من المثقفين عندنا من التراث العربي كان التنكر أولاً، ثم الخوف فالجهل، فضياع الذات وتمزقها، في عالم جديد لا يخشى إنسانه من اللقاء بصورته في تراثه، قديماً كان ـ أي منتميا إلى عصور القديم ـ أو حديثاً، أي منتمياً إلى مرحلة الحداثة التي بدأت منذ أكثر من قرن ونصف القرن في أوروبا، التي تعيش الآن ما بعد الحداثة، وتؤسس لمرحلة من أخطارها أن الرأسمال العالمي يتدخل دون توقف لتحديد ملامحها وأسسها، بما يضمن استمرار تحقق مصالحه، رغم اختلاف المناطق عبر تعدد جنسيات شركات أخطبوطية، لا يهمها إلا إطباق قبضتها الحديدية، على عالم لا يزداد أمام تضخم الرأسمالية إلا صغراً وتضاؤلاً، فإذا كانت الرأسمالية هي أعلى مراحل الاستعمارـ كما يقول لينين ـ فإن " العولمة " أو الكوكبية، كما يعبر إسماعيل عبد الله صبري هي الرأسمالية في مرحلة ما بعد الامبريالية [1]

ومع ذلك نجد من يدافع عن "العولمة" ويجعلها مفتاحا لدخول القرن المقبل، ألا تكون العولمة بالفعل مفتاحا يملكه الآخر لمزيد من اقتحامه إيانا، وتحطيمنا وتحجيمنا، وإفقادنا خصوصيتنا؟ فقد انتبه أكثر من مفكر إلى أن هذه العولمة هي نقيض للخصوصية الثقافية، ومن هنا أفلا تكون وسيلة لهدم ما تبقى لنا من شخصيتنا، وتجريدنا حتى من مجرد الإحساس بذاتنا، ليعود الأمر بيننا إلى ما كنا عليه قبل قيام المشروع النهضوي في الوطن العربي؟ ففي لحظة تـَعرف فيها هويتنا القومية هجوما يحاول مصادرتها أو إلغاءها عن طريق تشويه أو إقصاء هويتنا الثقافية بالتشويش عليها أحيانا، أو بالانتصار للعاميات العربية في هذا البلد أو ذاك ـ وأكثر ما ينتصر للعامية في أيامنا هذه في مصر عبر وسائل اتصال مسموعة ومرئية ومكتوبة [2] أو بالتحصن والانعزال داخل لهجات الأمازيغية ـ وأكثر ما يتم ذلك كتحدٍ للهوية القومية في الجزائر، في صراع مكشوف النيات، مدفوع الأجر من جهات خارجية تروج للفرانكفونية كبديل ٍ مثلاً ـ أقول: في مثل هذه اللحظة يصبح الدفاع ـ وأعتذر عن استعمال هذا المصطلح العسكري ـ عن هويتنا الثقافية، بكل مكوناتها التراثية والحداثية، مسألة لا تقبل التأجيل، بل من مستعجلاتنا الحضارية المصيرية، أمام واقع تتزايد فيه أخطار مصادرة الهوية، في مواجهة مدّ العولمة ونظرية صراع الحضارات و" نهاية التاريخ " وغير ذلك من الأشكال التي تحمل مضامين إيديولوجيا المركزية الامبريالية، التي تهاجمنا الآن، مدججة بكل نظريات الدمار الشامل الذي لايني يستهدف تحطيمنا من الداخل: وهو عمل بدأ على المستوى النظري " مبشراً " مع سقوط الاتحاد السوفيتي، ببداية عصر " سقوط الإيديولوجيات "، وهذا طرْح كما لا يخفى، مغلوط وفاسد، إذ لم يكن سقوط اتحاد ما، في أي عصر، سقوطا لإيديولوجيته، وإلا لاعتبرنا سقوط نظام الخلافة الإسلامية ـ نظرا للعوامل التاريخية ومتغيرات موازين القوى السياسية المعروفة في وقت مضى ـ سقوطا للإسلام ونهاية له، وهذا أمر مناف للحقيقة، بالنسبة لعصرنا، كما كان منافيا للحقيقة في كل العصور.

***

ومحاولة مني أن أجعل من قضية هذا الموقف من التراث مسألة معرفية، أسجل أن أي تراجع عن الاهتمام بدراسة التراث يعتبر دليل هزيمة، وقبولاً بواقع الأمر، واستسلاماً أمام " الآخر " الذي امتلك تراثه، بوعي نقدي وتجاوزه، بينما امتلكه منا من امتلكه، بدون وعي نقدي، فسقط أسيراً له، أي أنه أصبح ممتلكاً ـ بفتح اللم ـ لما كان يريد هو أن يمتلكه، ولا أريد في هذه المقالة أن أناقش حالة هذا الصنف من المثقفين العرب، وإنما أقصد إلى الكشف عن بعض حالات التقصير في معرفة التراث، وعما أسفرت عنه من نتائج.

***

لم يكتب لنموذج المثقف الليبرالي العربي ذي الثقافة الكلاسيكية العميقة، المنحاز إلى الجديد ـ ممثلا في طه حسين ـ ما كان يستحقه من انتشار، بل إن المثقفين سرعان ما انقسموا إلى فئتين، وقد كانت طبيعة المجتمع العربي التي أصبحت أشد تعقيداً، عاملاً مؤثرأً في هذا الانقسام، وتانك الفئتان هما: فئة استأثرت بالتراث، وانغلقت عليه، وفئة هجرته، وأدارت ظهرها له، باحثة عن نموذج تحتذيه في ثقافة الآخر ـ الغرب. لكن جهلها بتراثها انعكس على مردودية أفكارها، وما اعتمدته من مناهج، وحتى المنهج المادي الجدلي الذي وظفته بعض دراسات هذه الفئة بدا شاحبا، أو على الأكثر، غير باعث على الثقة، فما حصل مثلاً (لمحمد عيتاني) في كتابه (القرآن في ضوء الفكر الجدلي) من استخفاف، ليس بالنص المقدس، ولكن حتى بضرورات البحث المنهجي، يؤكد ما نذهب إليه، حيث بدت كل شواهده من القرآن مصحفة ً أو محرفة ً، إما باللفظ أو الحذف أو بالإضافة، أو بالإساءة إلى كل وجوه القراءات المتواترة، الأمر الذي جعل عالماً مغربياً " ينبه "الباحث اللبناني إلى أخطائه في هذا الجانب ـ وقد كان باستطاعته لو أنه حرص على أخذ شواهده من هذه الآية الكريمة أو تلك، اعتماد المصحف، في أيٍّ من قراءاته المعروفة، والإشارة إلى الرواية التي أخذ عنها، لكن (عيتاني) يبدو أنه كان على عجلة من أمره في إعداد بحثه، والاعتذار بالعجلة غير مقبول علمياً ولا أدبياً، فكيف إذا تعلق الأمر بمسألة دينية، في مرحلة غرفت في جانب منها، بما كانت تراكمه من خلافات دينية، وفي جانب آخر، بضعف الاعتقاد الديني، أو يمكن القول إن ضعف الاعتقاد هذا كان قد تحول فيها إلى علامة على انتماء معين ٍ، كان في الإمكان الدفاع بإبعاد مثل هذه التهمة عنه، ودفع تهمة الارتجال، غير المقبول في جميع الأحوال، عن مجهوده في البحث، خاصة ً ونحن أمام باحث يصطنع منهج الفكر المادي الجدلي، فوق أرضية ملغومةٍ، قد تجعل من مجرد اصطناع هذا المنهج، ذريعة ً للطعن في (عقيدة) الباحث، دون النظر إلى النتائج، وأنى كان المجال الذي يخوض فيه، مع ما في هذا الطعن من خروج على قواعد المنهجية بصفة عامة.

2) وإذا أردت أن أقدم لك بعض أشكال العبث التي وقع فيها ( محمد عيتاني) في تناوله للنص المقدس، مما أضعف بحثه، مقدمةً ونتائجَ،، فتأمل معي بعض ما جاء به المؤلف في أقل من صفحة من بحث يقع في (119) صفحة ً في (محاولة لرتق الصدع الذي ساهم في خلقه أنصاف المحققين ـ بتعبير ناشر الكتاب ـ بين ديناميكية القرآن وديناميكية العصر). [3]

يقول القرآن عن المؤمنين " الذين لا يشهدون الزور، وإن مروا باللغو مروا كراما " وجاء في الكتاب الكريم " فإذا كذبتم فلن يبالي الله بكم، فإن كذبكم يلزمكم" وقبل ذلك وعلى نفس الصفحة نقرأ " والشعراء يتبعهم الغاوون وأنهم في كل واد يهيمون" [4] وواضح أن الشاهدين الأول والثالث محرفان بما لا يخفى على أي قارئ متمرس بالكتاب المقدس، أما الشاهد الثاني المنسوب إلى القرآن ـ الكتاب الكريم كما يعبر محمد عيتاني ـ فواضح أنه
" موضوع " وأنه لا يلزم إلا كاتبه، فهو ليس من القرآن الكريم، إلا أن يكون من أحد الكتب السماوية الأخرى، وذلك ما يدل عليه نعت الكريم الذي يؤكد أن عيتاني يعني به القرآن وليس غيره.

ولا أريد أن أضع في رُوع القارئ أنني أحمل على الباحث عقائدياً، فذلك ليس من شأني، ولكني أنعي عليه عيباً منهجياً ما كان يجب أن يرتكبه ليجعل الفئة التي انغلقت على التراث تحمد انغلاقها، وتدعو إلى مزيد من إغلاق باب الاجتهاد، هذا إذا لم تدع إلى مصادرة المنهج المادي الجدلي الذي سترى أنه المحرض على مثل هذه الأخطاء، إمعانا في التزمت واحتماءً بالجمود، وإبعاداً للتحرر وتحريما للتجديد، مما كرّس واقع القطيعة بين فئات المثقفين.

وأنا أرى أن أكثر من ضرورة تدعونا اليوم إلى الإحاطة بكل علوم التراث، لا لتملكنا بل لتحررنا. وليكون انطلاقنا إلى آفاق المعرفة المختلفة أمراً ممكناً. وليس أكثر إساءة إلى الفكر من قطيعة الوعي التقنوي للعلوم الإنسانية، بل وازدراء (رجل التقنية) بين مثقفينا لكل أشكال الثقافة الإنسانية، فناً كانت أم أدباً أم فلسفة أم حقوقا سياسية، وادعاء هذا الصنف من المثقفين ألا نهضة إلا باعتماد التقنية وحدها ـ ليس على طريقة النهضوي العظيم سلامة موسى بالطبع ـ وإنما على طريقة ليبرالية MADE IN MOROCCO بتعبير الاقتصادي المغربي اللامع نور الدين العوفي في أطروحاته النقدية الثاقبة.

وشبيه بما حدث لـ (محمد عيتاني) من استخفاف بأخطر نصوص التراث، قراءة مثقف مغربي هو أستاذ جامعي، في بحث له بعنوان ( نحو إسلام علماني) ازدان بسبع أطروحات جزئية، توّجها قوله الشجاع ( إن العلمانية اعتراف للفرد بالحق في اختيار تدينه أولاُ، حتى يعاش التدين كمسؤولية) وأن ( العلمانية ليست إلحاداً أو دعوة إلى الإلحاد، بل إنها إقرارٌ بالمساواة بين الأديان، إنها أم حتى لكل عقيدة، ولكل (لا عقيدة) (عبد الصمد الديالمي ـ الأحداث المغربية ـ العدد "60" الصادر بتاريخ 30/12/1998) فأمام هذا الكلام الشجاع الذي يقال في وضع ثقافي مأزوم ملغوم، وأمام أطروحات دالة على اجتهاد فكري مشهود، نجد هذا الأستاذ الجامعي، والذي يفترض فيه الإخلاص لطرق البحث المنهجي، يقع في ما سبقه إليه سلفه الباحث اللبناني، فيأتي في سياق الدفاع عن المرأة، وتسفيه النزعة الذكورية، بشاهد يدل على أنه منتزع من تفسير الطبري، لما يزعم الديالمي أنه آية كريمة هي من عنده ( ولا تتركوا أموالكم للسفهاء) (هكذا !) وواضح أن باحثنا الجامعي قعد عن تحقيق الآية بالرجوع إلى المصحف الذي نقرأ فيه ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيماً) سورة النساء الآية(5) مما يدل على استخفاف بأقدس ما في التراث، ومما يفتح على الباحث أبوبا للخلاف غير المجدي، ويدل دلالة قاطعة على ترفع عن البحث في علوم التراث، بل عن مجرد القراءة فيه، وهو الأمر الدال الذي ركزنا عليه في هذه المقالة، فأين ذلك مما يقع فيه كثير من الناس من أخطاء التفسير تبقى كلها مسوَّغة ً( ما لم تؤد إلى نقص معنىً أو تغيير حكم ٍ) [5] لدى من يختارون ما أطلق عليه الباحث المصري المرحوم د. طاهر الطناحي (منهج الاقتلاع الخاطيء من القرآن الكريم). [6]

وأنا أرى لأنه لا بدّ من إنهاء مرحلة تفويت حقنا في تأويل تراثنا، إلى من وكـّـلنا إليهم أمر قراءته، فاستأثروا بذلك ليستنبطوا منه ما يحلو لهم، وليؤكدوا على ما يوافق رؤيتهم إلى العالم فيه، ومن خلاله. وليستخرجوا أحكاماً يفرضونها على المجتمع، من خلال ما يكتسبونه من سلطة الرأي، في مجتمع لا يقرأ، فلا أقلّ من إنقاذ التراث، وليس استرجاعه، ما دامت فئة من (فقهاء الظلام) تدّعي الحق المطلق في حضانته، باعتبار أنها الوحيدة القادرة على قراءته [7] ، في وقت لا يكف فيه المثقف: داعية التحرر، عن تقديم الدليل تلو الدليل، على أنه لا يفكر بلغة التراث، بل بلغة الآخر، أو يرى رؤيته، وأنه لا يرغب في رفع (دعوى حضانة) يمكـِّـنه الانتصار فيها من استرجاعه إليه تحريراً للهوية الثقافية التي لا يمكن تحقيق أيّ تقدم ٍ في سبيل تأكيد هويتنا القومية بدون توكيدها، والانتصار في كل المعارك التي يملي الخصوم علينا خوضها، على أكثر من واجهة، وأخطر تلك الواجهات: واجهة الهوية الثقافية.

شفشاون سنة 1999


[1راجع بحث (الكوكبية:الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الامبريالية)إسماعيل عبد الله صبري ـ مجلة الكرمل ـ العدد(53) خريف 97

[2وذلك بخلط الأوراق وتسمية الزجل شعرا، وكتابة أعمال روائية ومذكرات بالعامية، وطغيان استعمال هذه الأخيرة في الأعمال المسرحية، ومسلسلات التليفزيون والسينما، وغير ذلك من مرافق الحياة اليومية.

[3كلمة الناشر على الوجه الخلفي للغلاف.

[4(القرآن في ضوء الفكر المادي الجدلي) محمد عيتاني ص. (56) طـ. الأولى، دار العودة، بيروت سنة 1972

[5حجة القراءات: لأبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة ـ تحقيق وتعليق: سعيد الأفغاني ـ منشورات جامعة بنغازي ـ ليبيا ـ 1974 ـ ص. 07 ط. 1

[6الدكتور محمود الطناحي: القرآن الكريم وتفسير العوام ـ مجلة الهلال عدد يناير 1999ـ ص 75، وفي البحث يعرف بهذا المنهج بأنه (طريقة من يتساهلون كثيراً، ويجترئون على تفسير كلام الله عز وجل، بما تمليه عليهم النظرة العجلى، وكثيراً ما ينسا قون وراء خداع الألفاظ، وتوجيه المعاني، وفق ما هو متعارف بين الناس الآن من الدلالات الخاطئة)

[7إذا عدنا إلى تفسير (سيد قطب) للقرآن الكريم في كتابه (تحت راية القرآن) لوجدنا أن هذا المفسر قد توصل إلى توضيح كثير من مواقفه السياسية التي يدعو فيها إلى تكفير الأمة في القرن الأخير، ففي تفسيره لسورة الحِجْر يرى (أن سمة الواقعية الحركية(...) في نظرنا هي مفتاح التعامل مع هذا الكتاب (...)وأنه لن يرى هذه الرؤية اليوم إلا الذين يتحركون بهذا الدين في مواجهة الجاهلية الحاضرة (...) وإن هؤلاء (...) يواجهون به ما كانت تواجهه الجماعة المسلمة الأولى، هم وحدهم الذين يرون هذه الرؤية) وقد أسّس (سيد قطب) لفقه الحركة، وهو في نظره الفقه اللازم في مواجهة الجاهلية الشاملة، وهو بهذا ( كان يمارس حقه في التأويل أوجبه له حقه في (ملكيته) للتراث، الذي سمح له بوضع مشروع حركة سياسية، لم تكن الدعوة إلى الحزب الديني إلا التجلي الأول لها، في أفق إقامة الدولة الدينية. وهو ما تجنب الدعوة إليه زعماء الإصلاح الديني في القرن ( 19) الماضي، وعلى رأسهم محمد عبده الذي أقرّ بمدنية السلطة والحكام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى