الخميس ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١

الإنتفاضة التونسية.. بداية تصحيح النظام العربي

محمد ماضي

هكذا نظر السفير السابق للجامعة العربية في الأمم المتحدة ورئيس مركز دراسات عالم الجنوب بالجامعة الأمريكية في واشنطن، إلى الإنتفاضة الشعبية التونسية التي قال: "إنها تشكِّـل المرة الأولى في التاريخ العربي، التي أجبَـر فيها الشارع العربي حاكِـما عربيا مستبِـدّا على التنحِّـي عن الحُـكم ومغادرة البلاد".

تحريك المياه العربية الرّاكدة

وأعرب الدكتور كلوفيس مقصود في حديثه في ندوة "مركز الحوار في واشنطن" عن اعتقاده بأن ما وصفه بالمخاض في تونس، يشكِّـل أكبر مفاجأة للنظام العربي في العام الجديد وأنه يُـرسل رسالة واضحة للحكَّـام العرب، بأن الشارع العربي قد يكون في غَـفْـوة، ولكنه ليس في غَـفلة وأنه آن الأوان للجامعة العربية أن تتحرّر من كونها جامعة الحكومات التي تهمِّـش المجتمعات المدنية وتتحوّل إلى جهاز قادِر على منح منظمات المجتمع المدني في الدول العربية شرعِـية المشاركة في صناعة القرارات المصيرية، وسدّ الفجوة القائمة بين الحكومات العربية والشعوب العربية.

ويرى الدكتور مقصود أن العام الجديد لم يأتِ فقط بالانتفاضة التونسية التاريخية، وإنما جاء بظواهر مبشِّـرة أخرى تتمثَّـل في بداية التنسيق بين منظمات المجتمع المدني العربية في مجالات حقوق الإنسان وحماية البيئة والاتحادات النسائية وغيرها، مما يخلق تيارا عربيا جديدا، تُـوحِّـده الرغبة الشعبية في الارتقاء بالمجتمعات العربية، التي رحَّـبت على المستوى الشعبي بما حدث في تونس واعتبرته تحريكا حقيقيا للمياه العربية الراكدة.

الدكتور كلوفيس مقصود

وقال الدكتور مقصود في ندوة خصَّـصها مركز الحوار العربي في واشنطن لمناقشة أزمات العالم العربي، وما إذا كان عام 2011 سيشهَـد تسويات لها أمْ مزيدا من الأزمات: "ما حدث في تونس، نُـقطة مُـضيئة في الظلام العربي، ونأمل أن تكون الانتِـفاضة التونسية بداية لعملية تصحيح كُـلية للنظام العربي واختزالا للمُـعاناة المتواصلة لشعوب عربية أخرى لا زالت تئِـنّ تحت وطْـأة الفساد والاستِـبداد وفقدان الحقوق السياسية والمدنية والافتقار إلى مقوِّمات الديمقراطية. لقد تضافَـر أبناء الشعب التونسي مع منظمات المجتمع المدني والاتحادات النقابية ليُـفجِّـروا مفاجأة العام الجديد في العالم العربي، لتُـصبِـح تونس مِـثالا تحتذيه الشعوب العربية في نِـضالها من أجل المساواة والشفافية ومكافحة البطالة والفقر وسوء توزيع الثروة، بسبب فساد السلطة".

وأعرب السفير السابق للجامعة العربية عن الأسف لسقوط قتلى وجرحى في غِـمار الانتفاضة التونسية، ولكنه قال إن مَـن استُـشهِـدوا زرَعوا بُـذور الوعْـي الجماهيري العربي لمُـقاومة الظُّـلم والفساد، وعجَّـلوا ببداية استِـرجاع الشعوب العربية للبَـوْصلة التي تحدِّد توجّـه النضال الاجتماعي والسياسي من أجل الحصول على الحقوق الاقتصادية والسياسية والمدنية والإنسانية للشعوب العربية، وقدَّموا للأمة العربية في مستهَـل العام الجديد، تعويضا عن الخسارة التي مُـنِـيت بها من جرّاء ممارسات عُـنصرية وسياسات خاطِـئة لنظام الحُـكم في السودان، والتي تمخَّـضت عن انسِـلاخ الجنوب عن دولة السودان.

مأساة التحوّل نحو الديمقراطية

وتطرّق الدكتور كلوفيس مقصود في ندوة "مركز الحوار"، إلى حقيقة أن رياح التحوّل الديمقراطي التي هبَّـت على العالم، لم تفلح في زحزحة حاكِـم عربي واحد عن احتِـكار السلطة، فقال إن الشعوب العربية تئِـنّ من عدم تداوُل السلطة والافتقار إلى مقوِّمات الديمقراطية، بدْءا من المواطنة ومرورا بالقُـدرة على المشاركة السياسية المفتوحة وانتهاءً بالانتخابات.

وشدّد الدكتور مقصود على أن عدَم توفُّـر مبدأ المواطنة، فتح الباب على مِـصراعيْـه أمام تعرّض الدول العربية لانقِـسامات داخلية على خطوط طائفية أو قبلية أو عرقية، خاصة في العراق بين سُـنّة وشيعة وعرب وأكراد ومسلمين ومسيحيين، ومصر بين مسلمين وأقباط، ولبنان بين عصبِـياته الطائفية وتوازناته المذهبية، والسودان الذي انقسم على نفسه بسبب التمييز بين المواطنين في الشمال والجنوب وانغماسه في حروب عبثية، كان آخرها الصراع في دارفور.

وردّا على سؤال لـ swissinfo.ch عما إذا كان العام الجديد سيشهَـد تحوّلا نحو الديمقراطية في العالم العربي، قال الدكتور كلوفيس مقصود: "من المُـؤسف أن الأنظمة العربية تمرست في استِـخدامات ماكرة لوسائل مشروعة في كبْـح الديمقراطية. فالانتخابات التي يُـفتَـرض أن تعكِـس إرادة الناخبين، تمّ تزويرها والدساتير التي تُـقنِّـن حقوق المواطن وأسُـس الحُـكم، قد تمّ تعديلها لتُـستَـخدم في تمديد فترات الرئاسة أو التمهيد لتوريث الحُـكم، حتى في النظم الجمهورية، ولذلك، فعندما يحين موعِـد انتخابات الرئاسة في مصر في سبتمبر من هذا العام، سيُـدرك الجميع أنها لن تكون انتخابات تعدُّدية حقيقية، يتنافس فيها مرشَّـحون عن أطياف سياسية ببرامج مختلفة، وإنما ستكون إما تمديدا للرئيس الحالي في ظل استخدام التعديلات الدستورية، في الحيلولة دون ترشّـح منافسين أقوياء أو ستكون تمهيدا للتوريث وبالتالي، فإن ما سيحدُث في أكبر دولة عربية، هو تشويه لِـما تَـعنيه كلمة انتخابات وتحويل الناخبين إلى روح القطيع منزوع الإرادة".

وحذّر الدكتور مقصود من أن إصرار الأنظِـمة العربية على حجْـب فُـرص التّـداوُل السِّـلمي للسلطة واستِـخدام التعديلات الدستورية في التمديد للحكّـام أو التوريث لأبنائهم، سُـرعان ما سيؤدِّي إلى فقدان الأمل وانتِـهاج أسلوب الانتفاضة الشعبية على الطريقة التونسية.

فلسطين والعراق

وبينما كانت ندوة مركز الحوار تُـناقش أزمات العالم العربي وما إذا كان العام الجديد سيشهد تسويات لها أم مزيدا من الأزمات، كان السناتور جورج ميتشل، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط يُـحاول تقريب وِجهات النظر حول قضايا الوضع النهائي في اجتماعيْـن منفصليْـن في مقَـرّ وزارة الخارجية الأمريكية مع كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات والمسؤول الإسرائيلي عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين اسحق مولخو.

ولدى سؤال الدكتور كلوفيس مقصود عما إذا كان العام الجديد سيشهَـد استِـئنافا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، قال: "لم تكن هناك مفاوضات أصلا لكي يمكن استئنافها. فالمفاوضات تفترض وجود اتِّـفاق على هدف ونتيجة ولم يتوفّـر مثل ذلك الاتِّـفاق، لأن إسرائيل من البداية لم تقِـر بحقيقة أنها سلطة احتلال وإنما أصرّت على أنها صاحبة أرض مُـتنازع عليها واستعادت مِـلكيتها، لذلك، تواصل الاستيطان بدون إبطاء وتهويد القدس بدون مواربة، لذلك، فنحن أمام حالة اغتِـصاب لأرض فلسطين ولسْـنا بصدد التفاوض لإنهاء احتلال تمّ بالقوة".

ويرى السفير السابق للجامعة العربية في الأمم المتحدة أن على العرب في العام الجديد أن يُـعيدوا النظر في إستراتيجية التعامُـل مع الصِّـراع العربي الإسرائيلي والإصرار على إخراجه من حالة المحادثات العبَـثية المُـزمنة إلى مفاوضات حقيقية تستنِـد إلى المعادلة الصحيحة، التي تمثل فيها إسرائيل قوّة احتلال ويمثِّـل فيها الفلسطينيون شعبا محتلاّ مقاوِما يُـحاول استعادة حقوقه بالطُّـرق السِّـلمية، دون الارتهان إلى الولايات المتحدة وحدها، حيث أنها لا تسمح للفلسطينيين ولا للدول العربية باللُّـجوء إلى مجلس الأمن وتهدِّدهم باستخدام حقّ الفيتو.

وفيما سحبت الولايات المتحدة وحداتها القتالية من العراق وواصلت القوات المتبقِـية مهاما لمساعدة الحكومة العراقية على حِـفظ الأمن والاستقرار وتحسين البنية التحتية، يرى الدكتور مقصود أن مستقبل العراق وفُـرصته في الاحتفاظ بوِحدته، يتوقّـف على ما إذا كانت الحكومة العراقية مستعدّة لتحويل العلاقات في المجتمع العراقي إلى علاقات مواطنة، تتوفّـر فيها حقوق متساوية لكل المواطنين، بغضِّ النظر عن العِـرق أو الدين أو المذهب أو العشيرة والقبيلة، وتترتب عليهم نفس الواجبات. فإن الوحدة الوطنية في العراق ستُـصبح هشّـة وتطيح بوحدة العراق كدولة، إذا ما استمر العمل بتكريس الانقسامات العِـرقية والمذهبية والطائفية والقبلية.

محمد ماضي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى