الاثنين ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١

الحمار والبردعة وأمريكان مصر؟

مأمون فندى

فى مصر أكثر من مليون مصرى - أمريكى يعيشون فى مصر بصفة دائمة، فقط يتاجرون مع أمريكا، ولهم مستوطناتهم الخاصة فى مصر، ومنتجعاتهم المغلقة، أمريكا المصرية أغنى بكثير، ولكنها أكثر انحطاطا من أمريكا التى هاجرت إليه منذ أكثر من ربع قرن مضى، ويزداد عدد الأمريكيين فى مصر إذا أضفت إليهم الأمريكان الذين يعملون تحت بند المعونة الأمريكية والجامعات والمدارس الأمريكية فى مصر فنحن نتحدث عن جيش قوامه مليونان على الأقل، يمثلون فى الغالب أسوأ ما فى المجتمع الأمريكى من قيم، خصوصا فى مسألة النزاهة والشفافية، فى قضايا المال والتجارة، ففساد أمريكان الخارج أكثر عفنا من فساد الدول التى يعملون بها، ومصر هى نموذج واضح لمثل هذه السلوكيات.

طبعا لا أحد يريد أن يتحدث عن حجم الفساد الذى يسود هذه الطبقة من الأمريكان المقيمين، سواء أكانوا متجنسين بالجنسية الأمريكية أو من المهاجرين من أمريكا إلى مصر لكى يعيشوا حياة الأباطرة فى بلد فقير كمصر فى واحات رفاهية ومنتجعات مغلقة، قد يحرقها الجياع يوما ما، وكله بسبب فساد الماعون والمعونة، ولا أحد يتحدث عن هذه الطبقة المتنفذة بكلمة واحدة، ظاهرة لا يدرسها أحد ولا تكتب عنها الصحف، وكأن هناك مؤامرة صمت رهيب حول هذا الموضوع.

عندما ضربت إسرائيل غزة، وعندما ضرب أسطولها باخرة الحرية فى عرض البحر دعوت كتابة وعلى الشاشات لفضح المتعاملين مع إسرائيل بالاسم، ولم ينطق صحفى واحد، ولم يكتب كلمة واحدة وكأن هذه الجحافل من مليونيرات الغلفة غير موجودين، لم يقم صحفى واحد ولو بمحاولة لمعرفة هذا الجيش الجرار من أمريكان مصر وإسرائيليى مصر، فقط تشاطروا ولبسوا (بتشديد الباء) لواحد صعيدى، وكأن أمريكا كتبت باسمه أو ورثها عن أبيه وجده، رغم أنه لم يأخذ من أمريكا شيئا سوى أنه تعلم هناك، ودرس فى جامعاتها، يسيبوا الحمار (الذى قوامه أكثر من مليونين من أغنياء مصر الجدد) ويتشاطروا على البردعة وأحيانا على البرادعى.

ترى لماذا تخجل الأقلام التى تدعى الشرف والنضال باسم الوطن عن الشرف، عن فضح أمريكان مصر وفساد الكثيرين منهم. هذه ليست عيارا أو طلقة فوق الرؤوس، فلدى أدلة الفساد هذه وشكرا للتسريبات الجديدة، ليس من جوليان أسانج والويكى ليكس، ولكن من مصادر أكثر دقة، هل لأن الذين يدعون الشرف فى الصحافة متورطون أيضا فى صفقات التطبيع والكويز والتجارة والإعلانات؟ ليس اليوم هو يوم الحساب فأيام الحساب مقبلة وكثيرة.

هناك أمريكان يعملون فى مصر منذ منتصف الثمانينيات ولم يغادروا البلد إلى مكان آخر أو موقع آخر، بل بعضهم ورث العمل لأبنائه فى هذا البلد البعيد عن عيون الرقابة الأمريكية الصارمة، قابلت أمريكاناً يعملون فى مصر فى وظائف حكومية أمريكية فى القاهرة، وعندما عدت من أمريكا بعد أكثر من ربع قرن، وجدت ذات الوجوه وكأنهم حراس مصر الأمريكيين، بيروقراطية أمريكا فى مصر لا تتغير كما بيروقراطية مصر ذاتها. بكل تأكيد أى موظف يبقى فى مكانه لأكثر من ربع قرن، لابد وأن يكون فاسدا، خصوصا إذا كان أمريكيا من مجتمع يغير وظيفته أكثر من مرة كل عشرة أعوام.

ليس لدى أى تفسير عن بعد الصحافة المصرية عن فضح المتعاملين مع إسرائيل ومع الصفقات الأمريكية الفاسدة، سوى سطوة المحليين من رجال ونساء «الأعمال والعمولات»، ذلك العالم المغلق والمستغلق على الصحافة المصرية، التى تدعى الجرأة فى كل شىء ما عدا هذا الموضوع، هل هى شركات العلاقات العامة التى تدفع للصحف عن طريق الإعلان ووسائل أخرى حتى تتكتم عن فساد يؤدى إلى محاكمة فى أمريكا. لماذا تغسل الصحافة سمعة المطبعين من زوار إسرائيل وشركائهم فى التجارة، بينما تتشاطر الصحافة على واحد صعيدى، طوال حياته رفض التطبيع، ليس بشكل أيدلوجى ولكن لأن الطبع يغلب التطبيع.

لماذا ومنذ دعوت لفضح المطبعين والمشاركين بشكل غير مباشر فى قتل أهلنا فى فلسطين لم يستجب أحد، لماذا نعامل المطبعين كنجوم مجتمع فى الواقع، بينما فى عالم الشعارات نزعق بأعلى صوتنا ضد التطبيع، لماذا فقط نردد شعارات «نحن ضد التطبيع» ولا نكتب اسما واحدا من أسماء المطبعين؟ ولماذا نكرس حلقات تليفزيونية طويلة عريضة عن عيل غلبان سافر إسرائيل للشغل بينما لدينا المنتجعات الكاملة والشركات الكاملة التى هى النص بالنص إسرائيلية، ونكرم أصحابها ونجعل منهم أنصع رموز الوطنية، ذلك لأنهم يدفعون لمن يكتب ومن يذيع. هل هناك قتل حلال وآخر حرام، هل هناك تطبيع مذموم وآخر محمود؟ كيف يتحول من يلقون المحاضرات فى إسرائيل، ويتاجرون معها أبطالاً، ونلبس الموضوع كله لواحد غلبان من غير ذنب ولا سبة؟ هو إيه الحكاية؟ مين بيحط على مين؟ متى يتحول النضال الكاذب عندنا إلى نضال بجد، خصوصا فى صحافة النضال والمناضلين. أمسك الحمار يا ...، وسيبك من البردعة.

مأمون فندى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى