الاثنين ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم ناهض زقوت

الحركة المسرحية في قطاع غزة

للمخرج «حسين الأسمر»

يعد المسرح من أقدم الفنون، ويمثل واحدا من أرقى الفنون التي عرفها التاريخ, جسد الإنسان من خلاله طموحاته وآماله وهمومه وأحلامه في حياة أفضل ومجتمع أرقى, كتب له العديد من أشهر الكتاب العرب والعالميين, ومثلت على خشبته روائع الأعمال الإبداعية الخالدة.

عرفت فلسطين الفن المسرحي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر من خلال عدة محاولات لها قيمتها التاريخية برزت وارتقت في مطلع القرن العشرين خصوصا بعد الحرب العالمية الأولى حين نشطت المدارس في تقديم المسرحيات خاصة المسرحيات الوطنية والتاريخية, وقد جاءت محاولات إنشاء مسرح فلسطيني واضح الرؤية في زمن الانتداب البريطاني في فلسطين وتحديدا عام 1918 واستمرت هذه المحاولات نشطة حتى نكبة 1948. وبعد النكبة أصيب المسرح كما غيره من الوسائل الأدبية والفنية بنكسة كبيرة، وقد أدت هذه الانتكاسة إلى تشتت شمل فناني المسرح الفلسطيني فعاش المسرح ما بعد 1948 في داخل الوطن مرحلة ركود وكساد فني وأدبي وسكون تام للحركة المسرحية.

شهد قطاع غزة، مثل غيره من مناطق فلسطين بعد النكبة غياب تام للحركة المسرحية، بل للحياة الثقافية والأدبية بشكل عام، وذلك لعدة أسباب أهمها حالة التشتت وعدم الاستقرار التي عاشها القطاع بعد تدفق اللاجئين عليه اثر النكبة، ولكن بعد الشعور بنوع من الاستقرار بدأت الحياة الثقافية في استعادة عافيتها، وتحديدا في أواسط الخمسينات، حيث نشطت الحركة الوطنية المتمثلة في الأحزاب والتنظيمات السياسية، التي لعبت دورا أساسيا في تنمية الشعور بأهمية الثقافة والأدب وعلاقتهما بمعركة التحرير. في هذه الفترة صدرت عدة كتابات أدبية وصحف ومجلات، ونشطت الحركة المسرحية في المدارس.

يأتي كتاب المخرج المسرحي د. حسين الأسمر (الحركة المسرحية في قطاع غزة: واقعها ومعطياتها وأفاق تطورها) ليناقش ثلاث قضايا مرتبطة بالحركة المسرحية في القطاع، الأولى واقع الحركة وتاريخ نشأتها، والثانية المعطيات التي أفرزتها أي الأعمال المسرحية التي قدمتها، والثالثة رؤيته في كيفية تطوير هذه الحركة لكي تكون حركة فاعلة نشطة في المشهد الثقافي الفلسطيني، وذات تأثير في المجتمع الفلسطيني. وبهذه الدراسة يستكمل د. الأسمر مسيرة الكتابات والدراسات التي تناولت المسرح الفلسطيني، سواء في عموم الوطن أو خارجه، إلا أن دراسته تميزت بالفرادة والشمول في الكتابة عن الحركة المسرحية في القطاع، لهذا يرى د. حسين الأسمر في مقدمة كتابه، أن الخوض في الكتابة عن الحركة المسرحية في قطاع غزة، من الأمور الصعبة، والسير في منعرجات وطرق وعرة لندرة المراجع بل انعدامها. حيث أن الكتابة عن حركة المسرح في قطاع غزة نادرة، اللهم إلا مقالات في الصحف المحلية، أما الكتابة عن المسرح الفلسطيني بصورة عامة، فهي أيضا كتابات قليلة. وقد أشار الباحث إلى بعض الدراسات التي تناولت المسرح الفلسطيني، فذكر: "المسرح الفلسطيني بين التجربة والأصالة لـ "غسان عبد الله". والمسرح الفلسطيني حتى عام 2001 لـ "د. نهى العايدي".

والمسرح الفلسطيني: دراسة تاريخية نقدية في الأدب المسرحي لـ "د. كمال غنيم". وقد نسي الباحث أهم الكتب التي تعد مرجعا في الكتابة عن المسرح قبل عام 1948، وهي كتاب "تاريخ المسرح الفلسطيني 1918ـ 1948 لـ "نصري الجوزي". وكتاب نشاة الرواية والمسرحية في فلسطين حتى عام 1948 لـ "إبراهيم السعافين". وهذه هي الكتابات التي تناولت المسرح الفلسطيني. ويرى الباحث أن هذه الدراسات لم تعط صورة كافية عن واقع الحركة المسرحية في قطاع غزة.

كذلك الكتابات التي تناولت المسرح مناطقيا، مثل: مسيرة الحركة المسرحية في الضفة الغربية لـ "محمد محاميد". والحركة المسرحية في المناطق المحتلة لـ "محمد أنيس"، والمسرح الفلسطيني في فلسطين 48 بين صراع البقاء وانفصام الهوية لـ "راضي شحادة"، والمسرح الفلسطيني في الجليل لـ "عبير حداد"، هذه الكتابات وغيرها اقتصرت على تناول الحركة المسرحية في الضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة عام 48. وبناء على افتقار الدراسات السابقة للتأريخ للحركة المسرحية في قطاع غزة، خاض د. الأسمر هذا الطريق وكتب عن الحركة المسرحية في قطاع غزة. هو بذلك أرخ وأرسى قواعد للبحث في مجال المسرح في قطاع غزة.

وإن كان ثمة أسباب أو دوافع دفعته للكتابة عن المسرح في هذه البقعة الجغرافية من الوطن، يشير إليها قائلا: "ومن الحوافز القوية التي دفعتني للخوض في هذه الدراسة هي:
ـ التأكيد على أن قطاع غزة قد شهد تجارب ومحاولات مسرحية متعددة ومتنوعة في منتصف الخمسينات من القرن العشرين.

ـ وأن الحركة المسرحية في قطاع غزة لم تحظ بالدراسات المستفيضة الحقيقية في الدراسات (التي تناولت المسرح الفلسطيني).

ـ وأن بعض الدراسات للحراك المسرحي في فلسطين اتجهت اتجاها مناطقيا، فتناولت مناطق جغرافية بعينها.

ـ بل راحت بعض الدراسات (مثل دراسة د. العايدي) إلى إنكار وجود مسرح في قطاع غزة.
هذا الإنكار وتلك الدوافع، لرائد من رواد حركة المسرح في قطاع غزة، الذي نصب خشبة مسرح متواضعة في فناء بيته في مخيم النصيرات عام 1964، وأخرج ومثل مسرحية "أصل وصورة" بمشاركة أصدقاء له، بالضرورة أن تكون حافزا له لكي يكتب عن تجربة مسرحية غنية وكبيرة شهدها قطاع غزة منذ منتصف الخمسينات ومازالت متواصلة.

تنقسم دراسة الحركة المسرحية في قطاع غزة إلى جزئين، الجزء الأول، وهو الذي بين أيدينا، ويتعلق بالعرض المسرحي التاريخي، ويمتد من عام 1956 وحتى عام 2010. أما الجزء الثاني، وهو قيد الإعداد، يتناول دراسات نقدية حول النصوص المسرحية التي صدرت في قطاع غزة.

وقد اعتمد الباحث في دراسته (الجزء الأول) على المنهج التكاملي، ذلك أن الضرورة البحثية، كما يرى، قد اقتضت المنهج الوصفي أحيانا، والمنهج النقدي أحيانا أخرى، والتحليلي ثالثة، والتاريخي رابعة، وهكذا.

يستعرض الباحث في الجزء الأول من دراسته والذي يقع في (471) صفحة من القطع الكبير، البدايات التمثيلية الأولى وجماعات الهواة، والفرق المسرحية في القطاع سواء الفرق الأهلية أو فرق المؤسسات أو الفرق الحكومية، والمهرجانات المسرحية التي أقيمت للمسرح في قطاع غزة، وبعدها يحدد الاتجاهات المسرحية للعروض التي قدمت مسرحيا في القطاع، ويختم دراسته بالإشكالات والمعوقات التي تواجه الحركة المسرحية، وقراءة تقويمية للعروض المسرحية في قطاع غزة.

البدايات التمثيلية الأولى وجماعات الهواة:

نتفق مع الباحث انه لم تكن منذ حدوث النكبة عام 48 وحتى منتصف الخمسينات، أية نشاطات تمثيلية مسرحية في قطاع غزة، نتيجة لما حل بشعبنا من مأساة مروعة أحدثت شرخا غائرا في نفوس الفلسطينيين بعامة، والمثقفين والأدباء والشعراء والمفكرين بخاصة، فانصب الاهتمام على النشاطات الثقافية والإبداعية في مجالات الشعر والمقالة السياسية والأغاني الشعبية والحماسية، ونشاطات الأحزاب السياسية.

ورغم عدم وجود حركة تمثيلية مسرحية في الفترة التي أعقبت النكبة، إلا أن ثمة كتابات مسرحية كتبت في قطاع غزة، فقد كتب الأخوين وديع وشفيق ترزي مسرحية "في سبيلك يا وطن" ونشرت بالقدس عام 1934. وتعد هذه المسرحية من أولى الكتابات المسرحية في قطاع غزة، وأشار الباحث إلى أنها قدمت في قاعة كلية غزة في الخمسينات.
وفي منتصف الخمسينات، بدأت تظهر بعض النشاطات المسرحية في المدارس الإعدادية والثانوية، مثل مدرسة الشجاعية، تناولت النكبة والعدوان الثلاثي. ويذكر الباحث أسماء بعض الممثلين في هذه الفترة أمثال: "نصيف بدران، عصام حليوه، إبراهيم الوادية، وعبد الكريم الحية".

وفي مطلع الستينات وحتى منتصف السبعينات، بدأت تتطور الحركة المسرحية بظهور بعض المواهب والتجمعات، كما يذكر الباحث، من هواة فن التمثيل في المدارس الإعدادية والثانوية مثل: (مدرسة فلسطين الثانوية، ومدرسة صلاح الدين، ومدرسة خالد بن الوليد الثانوية، ومدرسة خان يونس الإعدادية، ومدرسة مصطفى حافظ الثانوية، ومدرسة المغازي الإعدادية للبنات، وكلية غزة)، وكان يشرف على العروض المسرحية مدرسين مهتمين بالمسرح كتابة وإخراجا، أمثال: عبد الله الحوراني، خضر الغول، طلال نطط، بهجت عرفات، صالح المشهراوي، فؤاد حماد، نخلة بولس، ومحمد أبو الفتح. وكذلك النوادي ومراكز الخدمات مثل: (نادي العودة، ومركز خدمات النصيرات، ومركز خدمات البريج، ومركز خدمات الشاطئ) والمؤسسات الدينية واتحاد نقابات عمال فلسطين. وكانت العروض تقدم في المناسبات مثل: عيد الأم، وعيد العمال، وذكرى وعد بلفور، وذكرى النكبة، والمناسبات الدينية، لهذا تنوعت العروض المسرحية ما بين الوطنية، والاجتماعية، والتعليمية، والدينية.
ولم تأت هذه المواهب والإبداعات المسرحية من فراغ بل كان ثمة عوامل شجعت في ظهور المواهب وتنميتها في قطاع غزة، كما يقول الباحث، وهذه العوامل تمثلت في:

ـ عروض الأفلام السينمائية العربية والأجنبية التي كانت تعرض في دور سينما الجلاء والسامر وعامر.

ـ الفرق المسرحية المصرية التي كانت تفد إلى القطاع لتقدم عروضها على مسرح سينماتي السامر وعامر.

ـ المجلات الفنية التي كانت تأتي إلى القطاع من مصر، وتعنى بأخبار الفن والفنانين، بالإضافة إلى ما كان ينشر من أخبار فنية في صحيفة أخبار فلسطين المحلية.

ـ وعروض الأفلام العربية التي كانت وكالة الغوث تعرضها على شاشات كبيرة متنقلة في المخيمات.

كل هذا ساهم وشجع في خلق محاولات للتمثيل والاهتمام بالمسرح. وبدأت تبرز أسماء كمواهب شابة آنذاك، ولكن أصبح لها شأن كبير في المسرح فيما بعد، فيذكر الباحث منها: خليل طافش، ومحمد حرارة، وعبد الوهاب الهندي، وجمعة قلجة، ومحمد صوان، وعبد الرحمن شحادة، وصلاح الدين الحسيني، ونعيم رضوان. وكذلك حسين الأسمر.

نلاحظ أن الفترة الأولى من الستينات لم يكن ثمة دور للمرأة في المسرح، بل كما يشير الباحث، بان الرجال كانوا يقومون بدور المرأة. ولكن في عام 1966 عرض اتحاد العمال مسرحية (30يوم في السجن) على مسرح سينما السامر، لعب فيها الباحث دور"أمشير"، في هذا العرض وللمرة الأولى تشارك المرأة في التمثيل، حيث قامت ثلاث فتيات جريئات يتمتعن بموهبة كبيرة في فن الأداء التمثيلي، وهن:" عايدة كمال، وهالة فخري، ومريم منصور" وكن الرائدات الأوائل في مجال فن التمثيل في القطاع. وقد كانت هذه التجربة وحيدة وفريدة إذ اختفت المرأة في السبعينات والثمانينات، ونرجع هذا الاختفاء إلى قسوة التقاليد والمجتمع المحافظ في ظل الاحتلال، وعدم الوعي بدور المرأة. وعادت للظهور مرة أخرى في الفن المسرحي في فترة التسعينات وما بعدها، إذ أصبح للمرأة بعد قيام السلطة دور في الأداء التمثيلي وان لم يكن أساسيا.

إن النشاطات التمثيلية والمسرحية، التي قام بها الهواة سواء كمجموعات أو كأفراد والتي شهدتها المدارس والنوادي والجمعيات والاتحادات النقابية، قد مهدت الطريق أمام الحركة المسرحية في القطاع. هذا ما يؤكده الباحث. مما دفع الحركة المسرحية في النصف الأول من السبعينات إلى الدخول في طور جديد أكثر نضجا وعطاء، حيث بدأت تتشكل الفرق المسرحية الأهلية والرسمية وبعض فرق الهواة.

الفرق المسرحية في قطاع غزة:

يقول الباحث، في الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 1974 ـ 2010 ظهر العديد من الفرق المسرحية، سواء فرق متخصصة بالمسرح أو فرق ضمن مؤسسات تعمل في الفن والثقافة، وهذه الفرق تجمع ما بين الهواية والاحتراف، منها ما كانت عابرة لم تستطع مواصلة نشاطاتها المسرحية، لعدة أسباب أهمها: عدم توفر الإمكانيات المادية اللازمة للإنتاج المسرحي، وضغوط سلطات الاحتلال، وكذلك أسباب إدارية. ورغم أن بعض هذه الفرق قدمت عروضا إلا أنها لم تكن مؤثرة وفاعلة بالقدر الكافي في إثراء الحركة المسرحية لتأسيس حركة مسرحية في القطاع.

ذكر الباحث في هذه الدراسة القيمة والغنية بالمعلومات عن الفرق المسرحية وعروضها، وأسماء كل الفرق المسرحية التي نشطت في قطاع غزة منذ عام 1974 وهو عام تأسيس أول فرقة مسرحية باسم "فرقة الشموع الفلسطينية للفنون المسرحية"، وتناول الباحث بالعرض كل فرقة من حيث تأسيسها، والذين قاموا على تأسيسها، والعروض المسرحية التي قدمتها مع ذكر المكان والزمان وأسماء الممثلين، والمخرج ومؤلف المسرحية، ونوعيتها سواء وطنية أو تعليمية أو اجتماعية أو صحية أو وعظية إرشادية أو كوميدية هزلية. وأشار الباحث إلى نوعية النصوص المسرحية التي قدمتها الفرق، فمنها نصوص محلية، ونصوص عربية، ونصوص أجنبية تم إعدادها للمسرح.

ومما تميزت به هذه الدراسة، هو عدم اعتمادها في الكتابة على طريقة البحث العلمي، بمعنى الاقتباس والتعليق، بل قام الباحث بإيراد النصوص أو المقالات النقدية كاملة أحيانا حول إحدى المسرحيات، وهي طريقة جديدة في عرض الرؤية، بمعنى مشاركة الآخرين في تقديم رؤيتهم حول عمل مسرحي ما، وليس الاكتفاء برؤية الباحث فقط، مما يعطي انطباعا بان الدراسة جماعية أكثر منها فردية في قراءة العروض المسرحية. وهذه القراءات النقدية التي ثبتها الباحث تؤكد على استحياء مواكبة الحركة النقدية للعرض المسرحي بالنقد والتحليل من جميع جوانبه الفنية (النص، الإخراج، التمثيل، الديكور، الإضاءة، العرض والجمهور)، مبرزة جمالياتها الفنية والإبداعية، أو كاشفة عن جوانبها السلبية ومدى إخفاقها في توصيل رسالتها للجمهور.

لقد قمنا بعمل جدول إحصائي لعدد الفرق المسرحية التي ذكرها الباحث في كتابه، فوجدنا أن ثمة (35) فرقة مسرحية أو مؤسسة أهلية غير حكومية قدمت مسرح منذ عام 1974 وحتى عام 2010، وهذه الفرق عرضت خلال (36) سنة نحو (177) عرضا مسرحيا. هذا مع استثناء العروض المسرحية التي قدمت في المدارس والنوادي في فترة التأسيس أو البدايات الأولى.

السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه الأرقام، هل كانت الحركة المسرحية في قطاع غزة نشطة ومتواصلة في الأداء المسرحي؟. وهذا السؤال نطرحه إذا عرفنا من خلال عملية الإحصاء أن أربعة فرق قدمت نحو (39) مسرحية توقفت تماما عن النشاط. وأن هناك فرقتين هما: "فرقة البيادر، وفرقة مسرح المشاهد" قدمتا (27) مسرحية، وكذلك هناك ثلاث مؤسسات مازالت تقدم عروضا مسرحية هي: "هيئة مجمع الكرامة، ومؤسسة بسمة، وجمعية فكرة" هذه المؤسسات قدمت نحو (52) مسرحية، هذه الفرق والمؤسسات الخمسة هي التي قدمت الكم الأكبر من العروض المسرحية (79) مسرحية. وقد توزعت العروض ما بين مسرح الكبار ومسرح الأطفال ومسرح الدمى.

نلاحظ كذلك أن أغلب تكوين الفرق المسرحية كان خروجا من فرق مسرحية أخرى، مثلا: سعيد البيطار ومصطفى النبيه كان ممثلين في فرقة الأمل، فخرجا من الفرقة ليشكلا مع آخرين فرقة حناضل، ثم خرج جمال الرزي ومصطفى النبيه وعبد الحميد الخرطي من فرقة حناضل، ليكونوا فرقة الجنوب، وكذلك خرج البيطار لاحقا من حناضل ليشكل فرقة كنعان، كما خرج ناهض حنونة من الجنوب ليشكل مؤسسة بسمة، وهكذا كان تأسيس الفرق المسرحية نتيجة خلافات إدارية أو عدم توافق فكري وثقافي بين أعضائها، وهذا في نظرنا اثر على الأداء التمثيلي وعلى مسيرة الحركة المسرحية في قطاع غزة.

يشير الباحث إلى أن العديد من المؤسسات التي قدمت مسرحا اعتمدت على التمويل الأجنبي، فقدمت مسرحا اتسم بالركاكة والسطحية على المستويين الفني والفكري، أما المؤسسات التي اعتمدت على التمويل الذاتي أو الدعم المحلي، قدمت أعمالا مسرحية جديرة بالاحترام والتقدير. في رأينا أن فرقة مثل "مختبر غزة المسرحي" والذي تأسست عام 1995، رغم العروض المسرحية التي قدمها متعلقة بالواقع الفلسطيني، إلا أن المهيمنين عليها كانوا من الأجانب وتمويله أجنبي، مما أثر على أدائه فلم يستمر طويلا، لان هدف الأجانب لم يكن تعليمنا المسرح بقدر ما كان بالنسبة لهم مهنة ارتزاق باسم العمل المسرحي.
وفي إطار تناوله للفرق والمؤسسات المسرحية، يستعرض المهرجانات المسرحية التي أقيمت في القطاع منذ عام 1980 وحتى عام 2010، وهي تحديد ستة مهرجانات فقط. ويتناول بالنقد والتحليل كل هذه المهرجانات والفرق المشاركة فيها والجهات التي نظمتها، معرجا على السلبيات التي لمسها والنتائج التي حققتها تلك المهرجانات.

المسرح الحكومي أو الرسمي:

آثرت أن اكتب عن هذا المسرح بشكل مستقل بعيدا عن دمجه ضمن الفرق أو المؤسسات المسرحية، وذلك لأهمية الموضوع. تناول الباحث أربعة أنواع من المسرح الحكومي في دراسته وهي: المسرح العسكري، ومسرح الطفل الفلسطيني، والمسرح المدرسي، والمسرح الجامعي)، وفي رأينا هو من أكثر الفصول ألما عند الحديث عن المسرح.

يتساءل الباحث، ونحن معه، لماذا لم تفكر وزارة الثقافة في إقامة مسرح وطني أو قومي يمثلها في المحافل والمهرجانات المسرحية العربية والدولية؟. سؤال مشروع ولكن الإجابة عند الوزارة غائبة. أما رؤية الباحث، فيرى أن المسرح الرسمي في الخارج كان نشطا، وفي ظل السلطة الوطنية قد انحسر تماما، ويرجع هذا الأمر إلى تقاعس المؤسسات الرسمية عن أداء واجبها المناط بها في إحياء وبلورة المشروع الثقافي بعد جلاء الاحتلال، والى عدم قدرتها على الفهم والاستيعاب لما لهذا الفن من أهمية كبيرة باعتباره مؤسسة إبداعية للأخلاق والتربية والتعليم وسلاحا حادا في مقارعة الأعداء على الصعيدين السياسي والنضالي الاجتماعي.

إن رؤية الباحث لأسباب عدم إقامة مسرح قومي، لا تصيب كبد الحقيقة، لان القائمين على الثقافة، كانوا دائما يتشدقون بإحياء المشروع الثقافي وعمل خطط إستراتيجية ومشاريع مستقبلية لإحياء الثقافة، ولكن لا ثقافة، أما الفهم والاستيعاب، لا نشك في قدرتهم على الفهم والاستيعاب، بل هم أساتذة في التعليم الثقافي ويدركون جيدا أهمية الثقافة والمسرح ودورهما في التغيير على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية. إلا أن السبب الحقيقي ما زال غائبا تمتلك إجابته وزارة الثقافة والقائمين عليها.

وإذا عدنا للمسارح الحكومية التي تحدث عنها الباحث، نجد أن المقصود بها هو المسرح الذي يمثل المؤسسات الثقافية والتعليمية التابعة للسلطة. فنجد مثلا المسرح العسكري هو تابع لدائرة الفنون والثقافة التابعة للتوجيه السياسي والمعنوي في جهاز الأمن الوطني، قدم مسرحية وحيدة باسم "الطاحونة" من إخراج الباحث وبجهوده الشخصية تم تنفيذ العمل المسرحي، وكان الأول والأخير، حيث فشلت كل جهوده التي قام بها لإحياء هذا المسرح الذي كان نشطا في الخارج. أما مسرح الطفل وهو مؤسسة حكومية وتمول من ميزانية السلطة، قدم مسرحية وحيدة "حارسة النبع" من إخراج الباحث أيضا ولم تكرر. وفي المسرح المدرسي والجامعي لم تعط وزارة التربية والتعليم الاهتمام الكافي والفعال للمسرح، فلا يوجد مسرح في أية جامعة فلسطينية، وفي المدارس بدأ الاهتمام بعد عام 2000 بالعروض المسرحية المرتبطة بالمناهج التعليمية على قاعدة التعليم اللامنهجي.

الاتجاهات المسرحية:

رغم أن هذا الموضوع يدخل في إطار النقد المسرحي أكثر مما يدخل في إطار التأريخ للمسرح، إلا أن الباحث أشار في ختام دراسته للاتجاهات المسرحية التي غلبت على الأعمال المسرحية التي قدمت في قطاع غزة، مع ذكر أمثلة على تلك المذاهب من العروض نفسها. وتمثلت هذه الاتجاهات في: الاتجاه الكلاسيكي، الاتجاه الرومانسي، الاتجاه الواقعي، الاتجاه الرمزي، الاتجاه التعبيري، الاتجاه الملحمي (التعليمي)، الاتجاه التجريبي، الاتجاه المسرحي الشامل.

إشكالات ومعوقات الحركة المسرحية:

يقول الباحث: إذا ما تتبعنا خارطة الحركة المسرحية في القطاع، وجدنا أنها تعاني من جملة صعوبات وإشكالات، ساهمت في عرقلة مسيرتها وعدم نموها، وتطورها الطبيعي. ونجمل هذه الإشكالات والصعوبات دون الدخول في تفاصيلها:

ـ رقابة الاحتلال.

ـ عدم توفر مسارح مجهزة بالإمكانات التقنية الضرورية.

ـ عدم القدرة والاستيعاب لدور المسرح ومهامه ومعطياته.

ـ عدم الاهتمام رسميا بالمسرح وتوجيه العناية به.

ـ غياب الممثل الممنهج.

ـ الافتقار إلى العنصر النسائي.

ـ أزمة النص المسرحي المحلي.

ـ غياب أو انعزال الحركة النقدية.

ـ غياب الرقابة الفنية المتخصصة.

ـ عدم توفر الدعم والتمويل الوطني.

ـ التمويل الأجنبي المشروط.

ـ سطحية وسائل الإعلام.

ـ عدم المساندة الشعبية.

ـ الأقلام المأجورة.

ـ الشللية والفئوية.

نلاحظ أن تلك الإشكالات والصعوبات سارت في عدة اتجاهات، اتجاه تحمله المؤسسة الرسمية، وأخر يحمله العرض المسرحي، وثالث يسجل على الحركة النقدية، ورابع على التمويل، وخامس على وسائل الإعلام والرقابة، وسادس على الفرق المسرحية وجمهورها.
انجازات الحركة المسرحية:
ورغم كل هذه الإشكالات إلا أن الحركة المسرحية في قطاع غزة حققت العديد من الانجازات، يذكرها الباحث كالتالي:

ـ إبراز عدد من الكتاب المسرحيين.

ـ الكشف عن مواهب مسرحية جيدة واعدة في الفن التمثيلي.

ـ إبراز عدد من الموهبين التقنيين في مجالي الإضاءة والصوت.

ـ إبراز فنانين مبدعين في المجال الموسيقي.

ـ تقديم عروض مسرحية متميزة ترتقي إلى مستوى الإبداع.

ـ ظهور بعض المؤسسات الثقافية والفنية ساهمت في انتشار وتطور الحركة المسرحية.

ـ تشكيل عدد من الفرق والجماعات المسرحية الجيدة.

ـ إقامة مهرجانات مسرحية محلية، وأن كانت نادرة وضعيفة الإمكانيات.

ـ ظهور بعض المقالات النقدية الجيدة في فترة التسعينات واكبت العروض المسرحية.

ويقوم الباحث في ختام دراسته القيمة بقراءة تقويمية للعرض المسرحي في قطاع غزة، من حيث النص المسرحي، وإعداد واقتباس النصوص الأجنبية، والارتجال في إعداد النص، والأعمال المسرحية المترجمة، والإخراج، والتمثيل، والديكور والزخرفة المسرحية، والأزياء والملابس، والإضاءة، والموسيقى التصويرية، وفنية التنكر "المكياج"، وأماكن العرض المسرحي، والجمهور والمسرح.

ويختم الباحث د. حسين الأسمر دراسته بسؤال: ما هي الخطوات الضرورية والمرتكزات الأساسية لإيجاد حركة مسرحية ناهضة ومتطورة في بلادنا؟. ويصوغ الباحث في الخاتمة رؤيته للخطوات الضرورية للنهوض بالحركة المسرحية في بلادنا وليس في قطاع غزة وحسب.

للمخرج «حسين الأسمر»

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى