الخميس ١٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم عبد المجيد العابد

الحرية: الإرادة والحتمية

«متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!»

الفاروق عمر بن الخطاب

مهاد الموضوع

تعد الحرية قدرة الفرد على الفعل من دون قيد آسِرٍ لهذا الفعل، إن الحريةَ تجاوزٌ للقيود والإكراه، والحرية بما هي مقابل للخضوع والإكراه في الفعل الإنساني، فإنها يمكن أن تنفصل إلى طريقين: حرية بما هي نقيض للإكراه على الفعل أو الحرية الآمرة، والحرية بما هي مقابل للإكراه على عدم الفعل أو الحرية الناهية، سواء كان هذا الفعل فرديا أم جماعيا أم ووطنيا. وبالتالي، تغدو الحرية في أبهى تجليها إرادة الفعل و إرادة عدم الفعل في الوقت نفسه.

1. أنماط الحرية

تتمفصل الحرية، بالنظر إلى التحديد السابق، إلى الحرية الفردية التي ترجع إلى الفعل الذاتي، في علاقته بالأفراد والجماعات؛ ثم الحرية الجماعية المتعلقة بقدرة الجماعة على الفعل، بمعناه الاجتماعي، بعيدًا عن الخضوع والخنوع والإكراه؛ ثم الحرية الوطنية التي ترتبط بقدرة الوطن، من خلال مؤسساته الاجتماعية، على الفعل من دون ضغط خارجي يحد من قدرة الوطن، ويأسر إرادته في الفعل والاختيار.

تتجلى إرادة الفعل في الحرية الفردية على سبيل المثال في: حرية إبداء الرأي، والحرية في التملك، والحرية في الاعتقاد؛ ومثيل إرادة عدم الفعل في الحرية الفردية: الحرية في عدم العبودية والاسترقاق، والحرية في عدم التمييز.

وتجمع الحريةَ الفرديةَ بنوعيها حريةُ إثباتِ الذات عموما في كل مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، وغيرها، باعتبارها حرية الحريات الفردية.

وتبدو إرادة الفعل بالنظر إلى الحرية الجماعية في تكوين الجمعيات، والأحزاب السياسية، وغير ذلك؛ ومثيل عدم إرادة الفعل في عدم التحجيم والقولبة، وعدم الإخضاع.

وتتضمن الحريةَ الجماعيةَ بنوعيها حريةُ إثبات الذات الجماعية، باعتبارها مجموعة من الحريات الفردية المنصهرة في جميع مجالات الحياة.

بينما تتضح إرادة الفعل في الحرية الوطنية، مثلا، في حرية اختيار الممارسة السياسية الملائمة، والحرية في تدبير الشأن الداخلي؛ بينما تتجلى إرادة عدم الفعل في عدم الخضوع لسياسات خارجية، وعدم التدخل في الشأن الداخلي الوطني.

وتلف الحريةَ الوطنيةَ بنوعيها حريةُ السيادة الوطنية سياسة واقتصادا وتدبيرا وأمنا وغيرها.
ترتبط الحرية الفردية والحرية الجماعية والحرية الوطنية بمبدأ الحتمية، وبمفهومي الواجب والحق. ولعل هذا ما يجعلها مقيدة، إذ تخضع لشروط تجعلها نسبية وليست مطلقة، فحرية الفرد تنتهي عند حرية الغير، وحرية الجماعة تُحَدُّ عند بداية حرية الجماعات الأخرى، وتقف حرية الوطن عند حرية الأوطان الأخرى.

وهكذا يتبين أن مفهوم الحرية ليس مائعا، بل مقيدا بضوابط يلزم الأخذ بها حين الحديث عن المفهوم، وإلا ستؤدي الحرية إلى "السيبة" والفوضى، وسيخرج الإنسان من عالم الآدمية إلى الحيوانية أو أضل من ذلك.

2. الحرية بما هي خاصة إنسانية

انتظم الحديث عن الحرية منذ خلق الإنسان، إذ كان طلب إرادة الفعل أساس نزول آدم من الجنة إلى الأرض، لذلك عُدَّت خاصة إنسانية، مادامت شأنا ثقافيا، لأن الإنسان الكائن الوحيد الذي يعاني من الإكراه والخضوع بموجب الأمانة الإلهية ابتداء. ولهذا بينت مختلف الشرائع السماوية مفهوم الحرية باستفاضة كبيرة، رابطها الأساس ثُنَائِيَتَا الجبر والاختيار.

ولم تكن الفلسفة اليونانية بمعزل عن هذا النقاش، إذ كان طلب الحرية الفردية في التعبير سبيل محاكمة سقراط، كما قرن أفلاطون بين الحرية والفضيلة، وربط أرسطو بين الحرية والعقل.
أما في التداول الإسلامي، فقد ساهم ظهور الرسالة المحمدية في إعادة النظر في كل ما يخدم الكرامة الإنسانية ومنها الحرية، لهذا أُمِر الناس بالمساواة وحرمت العبودية والاسترقاق إلا العبودية الإلهية الحتمية، ثم طفا هذا المفهوم زمن الفتنة وخاض علماء الكلام كثيرا في ثنائيتي الجبر والاختيار، والبحث في: هل الإنسان مخير في ما يفعل، أي حر، ومنه يمكن محاسبته على أفعاله (المعتزلة وغيرهم)، أم أنه مجبر على أفعاله وبالتالي لا يمكن أن يحاسب عليها (الاتجاه الجبري)؟ فقد كان الجبر والاختيار مثار نقاش على مدى سنوات في تاريخ الأمة، أدى في بعض الأحيان إلى تعطيل صفات الله (المعطلة)، والخوض في ما لا يمكن للعقل الإنساني أن يصل إدراكه إليه كالإرادة الإلهية.

ولم يقف نقاش الحرية عند علماء الكلام، بل تعداهم إلى الفلاسفة وغيرهم، كابن رشد والغزالي وابن سينا، ثم ابن خلدون والناصري وغيرهم.

وقد لعب هذا المفهوم دوره في إرادة الحياة لدى الشعوب العربية في العصر الحديث، إذ كان السبيل إلى مواجهة الاستعمار ابتداء، وإلى نبذ القمع والتسلط نهاية (ثورتا الفل والياسمين).
بينما في التداول الغربي، فقد ارتبط مفهوم الحرية بالحداثة الغربية منذ عصر الأنوار الذي نادى بالمساواة والحرية والديموقراطية، حيث كان مفهوم الحرية طريقا نحو تقويض النظام الفيودالي القائم على العبودية، وعلى ذم الكنيسة في اغتيال العقل، إذ منذ أن نادى ديكارت بالحرية في التفكير بعيدا عن التحجيم الكهنوتي، شكل مفهوم الحرية عند كثير من الفلاسفة مثل روسو وفولتير ومونتسكيو، ثم هيجل وكانط وسارتر، كل بحسب نسقه الفلسفي المخصوص، شكل نسقا متكاملا في التفكير وفي النظر إلى العلاقات الإنسانية.

غدت الحرية اليوم، أخيرا، معيارا للحكم على الدول وفق اتفاقيات حقوق الإنسان، منها الحرية في التعبير، والحرية في تقرير مصير الشعوب، والحرية في تدبير الشأن المحلي وغيرها بالنظر إلى الحتميات الفردية والجماعية والوطنية.


مشاركة منتدى

  • لما كانت الارادة والمشيئة الالهية متلازمتان ، ولا يمكن الفصل بينهما ، فأن " يريد أي أن يشاء !! ولا شيء في الكون ممكن يلغي مشيئته ، من هذا نصل الى ما يلي :

    1 - عدم قدرة البشر من الانفلات من قدر الله ومشيئه !! ولا يملكون لأنفسهم لا ضراً ولا نفعاً !!
    2 - الانسان حسب هذا " مُسير" بما تم تسجيله مسبقاً في اللوح المجفوظ .
    3 - كل أفعال الانسان من خير وشر ليس من نفسه ، وإنما خضوعاً للارادة الالهية .
    4 - لا معنى للقول : " أن الله يأمركم بالبر والاحسان ، وينهاكم عن الكفر والبغي والعدوان " ، فالانسان اذا فعل أي شيء فهو يطيع ما تم تقديره له .
    5 - لا معنى للدعاء والاستخارة والنذور ، فهذه لن تزيد عن كونها رغبات وأُمنيات ، وليس لها مردود عملي .ولا مجال للتغيير ولا التبديل حسب رغبات شخص أو مليار من الأشخاص .
    6 - لا مبرر لارسال الأنبياء والرسل والمصلحين ، فكيف تدعو انسان " مقيد " بالمشيئة الالهيه " منذ مولده ، فمشيئة الله سائرة ، و" رُفعت الأقلام وجفت الصحف " .
    7 - لا مبرر لوجود " مراقبين وجواسيس ومخابرات وقرائن جالسين " ، لا عن اليمين ولا عن الشمال لتسجيل الهفوات " السيئات " أو الحسنات من الأفعال . فكل شيء جرى تسجيله مسبقا قبل الخليقة ، ولا داعي لتكرار التسجيل .
    8 - لا مجال للتغيير أو التمرد ، أو الثورة لتغيير الحالة الشخصية أو الاجتماعية ، فالأرزاق مقدرة وموزعة ، فالفقير ، فقير ، والغني غني ، والناس درجات مقدره ، وأيضا لا يمكن تغيير نظام الحكم ، سواء كان " ملكياً " أو دكتاتورياً " أو خليفة ، أو ولي فقيه . فهذا قدر الهي لا قِبل لنا به ، ويجب اطاعته .
    9 - لا معنى للقول أن الله قد وهب للانسان عقلاً يستطيع به التمييز بين الصالح والطالح من الأفعال ، فالقدرة على التمييز لن تزيد عن وهم ليس له مفعول تغييري ، " فلا راد لما أراد " . فقد يدفعك الله لفعل السيء لحكمة يريد بها غيرك .
    10 - عليك التسليم المطلق بقضاء الله وقدره مهما كانت النتائج ، وما الحرية إلا وهم أمام سطوة المشيئة وقدر الله ومحتوم قضاءه .
    = اذا رفضت كل هذا فإنك ستصل الى نتيجة معاكسة وهي :
    = أن تؤمن بمركزية الانسان وحريته وقدرته على اختيار أفعاله .
    = رفض كل القصص والنصوص التي تجعل من الانسان ترس في آلة القدر وملحقاته .

  • الله ليس ظالما ليحاسبنا على شئ مسيرين لفعله في الاساس
    ربنا وضع لنا قوانين الخير والشر و الحسنة والسيئة ووضعنا في الحياة بارادة حرة ليبلونا اينا احسن عملا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى