الجمعة ١٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم أوس داوود يعقوب

أشعارهم خلدت روح المقاومة

شهد العام 2010 رحيل عدد من شعراء فلسطين، بعضهم أكمل مشروعه تاركاً وراءه تاريخاً حافلاً، والبعض الآخر توقف في منتصف الطريق. ومنهم من جمعت أشعاره في دواوين ومنهم من ينتظر تحركاً فردياً أو مؤسساتياً لترى أشعاره النور، لتكون لنا زاداً في درب التحرير والجهاد حتى يعود حقنا السليب، وتعود فلسطيننَّا إلينا، ولأنه لا راد لقضاء الله عز وجل، ولأن الموت حق، فإننا نسلم برحيلهم معزين أنفسنا أن أعمالهم الأدبية والشعرية لازالت باقية بيننا تشعل جذوة المقاومة والصمود.

الشاعر الغزي الأستاذ ناهض منير الريس ـ وزير العدل الأسبق ـ كان أول الشعراء الراحلين في العام 2010، حيث ودع قطاع غزة المحاصر يوم الثلاثاء 13 نيسان (أبريل) الشاعر والأديب ناهض الريس، عن عمر يناهز( 73 عاماً)، اثر وفاته في إحدى المشافي في القطاع بعد صراع طويل مع المرض.

ويعد الريس من الشخصيات الوطنية المرموقة التي لها باع طويل في الحياة السياسية والأدبية والقانونية في فلسطين، وقد شغل منصب النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

ولد الريس في مدينة غزة عام 1937، ومن مدارسها حصل على الثانوية ، نال إجازة في الحقوق من جامعة القاهرة عام 1963. وكان أحد مؤسسي الاتحاد العام لطلبة فلسطين بالقاهرة عام 1958، ثم عمل وكيلاً لنيابة مدينة غزة حتى عام 1965، ثم ترك عمله وتطوّع ضابطاً في جيش التحرير الفلسطيني، وتنقل في مواقع كثيرة وكان احد قادة القطاع الغربي في بيروت، وغيرها من المواقع في حركة فتح ومنظمة التحرير، ولدى عودته إلى غزة مرة أخرى مع عودة السلطة الوطنية عُيّن مستشاراً بالمحكمة العليا ثم انتخب نائباً في المجلس التشريعي عام 1996 عن دائرة غزة وشغل منصب النائب الأول لرئيس المجلس وترأس لجنة صياغة القانون الأساسي، ثم عين وزيراً للعدل.

وعلى الرغم من هذه الرحلة من الكفاح والعمل السياسي، إلا أن ذلك لم يثنه عن اهتماماته الأدبية والشعرية، حيث ألف العديد من الكتب في الأدب والسياسة وقصص الأطفال والشعر كـ «عندما يزهر البرتقال» (1978)، و«أنشودة القسام وقصائد أخرى» (1982)، و«أوزان باسمة» (1984)، و«غناء إلى مدن فلسطين» (1986)، و«فلسطين في الزمن الحاسم» (بدون تاريخ)، «ممالك النارنج» (2007)، وشاعرنا الراحل يكتب القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلية.

وقد جسد المرحوم الريس خلال الفترة الأخيرة من خلال مقالاته وكتاباته الرفض الشامل للتسوية العبثية وللمفاوضات الهزيلة، وقد أصدر العديد من المؤلفات السياسية والقانونية والتي كان أخرها كتاب يروي يوميات الحرب على غزة.

وفي بيان صادر عن بيت فلسطين للشعر تقدمت أسرة البيت الشعرية باسم كافة شعراء فلسطين إلى الشعب الفلسطيني بالعزاء والمواساة لوفاة الشاعر والأديب والمفكر ناهض الريس، الذي ظل رمزا للتمسك بالحقوق والثوابت مدافعا عنها وفي مقدمتها حق العودة .

كما نعت حركة حماس وكتلة التغيير والاصلاح والدكتور أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفقيد ناهض الريس.

وقال الدكتور أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، خلال كلمة له بمناسبة (يوم دراسي نظمته الجامعة الإسلامية بغزة حول حياة الأديب والشاعر الراحل ناهض الريس ـ يوم 26/05/2010) أن الراحل الكبير عاش لوطنه وشعبه وقضيته أكثر مما عاش لنفسه وأسرته، وكله قناعة أن الوطن والقضية لن يعلو شأنها أو يرتفع مجدها إلا عبر مزيد من الفداء والتضحيات الممزوجة بالألم والمعاناة.

وعدد د. أحمد بحر مناقب المستشار الراحل ناهض منير الريس، مشيداً بمسيرة حياته وجهاده في جميع مجالات الحياة الثقافية والقانونية والفكرية والأدبية والعسكرية، مشددا على ضرورة استفادة الأجيال القادمة مما ترك من مخزونه الفكري الوطني الذي يهدف لحب الوطن والعمل من أجل نهضته وتخليصه من الاحتلال.
وشدد بحر على أن "مدرسة ناهض الريس الفكرية والسياسية والقانونية والثقافية والوطنية يجب أن يتم توثيقها ورعايتها في إطار جامع بغية الاستفادة منها وحثّ الأجيال على الاقتداء بها".

رحيل شاعر مجد الإسلام في أشعاره

في صباح يوم السبت 17 نيسان (أبريل) نعى بيت فلسطين للشعر الشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود الذي وافته المنية فجر هذا اليوم السبت الموافق 17/4/2010.، وجاء في بيان النعي: "ببالغ الألم والأسى إلى الأمة العربية والإسلامية وإلى شعراء فلسطين والعالم الشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود.. ونحن إذا ننعى هذا الشاعر فإن عزاءنا في إرثه الوطني والإسلامي ثقافيا وتربويا وشعريا ، هذا الإرث الذي كان في خدمة قضية فلسطين ، وسيظل نبراسا للأجيال تضيء لها الطريق" .

ويعد الدكتور بارود، من كبار الشعراء والأدباء الإسلاميين الفلسطينيين وأحد قدماء جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين منذ الخمسينيات من القرن الماضي، كان ممن اعتقلوا مع المفكر المصري الراحل سيد قطب وآخرين سنة 1965، واستمر اعتقاله سبع سنوات، وهو من الذين واكبوا إنشاء حركة حماس منذ بدايتها.

ولد في قرية بيت داراس المجاورة لقطاع غزة عام 1937، وهُجر منها عام1948 مع عائلته بعد أن احتلتها العصابات الإسرائيلية وكان عمره آنذاك 11 عاماً، حيث استقروا في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين.

وعن نفسه يقول بارود : "الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وأصحابه ومن والاه. وبعد:

فقد ورثت عن والدي (أحمد جبريل بارود) رحمه الله العاطفة الجياشة التي هي ينبوع الشعر وقد غمرني بحبه وكان هو أمياً وصوفياً.

وقريتي (بيت دراس) قريبة من (عسقلان) من لواء (غزة) بجناتها وخيراتها رائعة الجمال ولا تزال منطبعة على قلبي. ولا أزال إلى يومنا هذا أراها في منامي عامرة بأهلها الكرام مع أني منذ عهد بعيد أطلال دارسة.

المرحلة الأولى من حياتي عشتها في تلك الجنة من جنات فلسطين وهي أحد عشر عاماً وكانت في ظل الاستعمار فحولنا مطار عسكري إنجليزي ومستعمرة (بير طوفيا) الصهيونية، ومعسكر (خسة) الإنجليزي. وإلى الغرب معسكر (69) الإنجليزي وبجواره إلى الغرب (معسكر أبو جهم) الإنجليزي، ومستعمرة (نتسانيم) اليهودية وإلى الجنوب الشرقي (معسكر جولس) الإنجليزي. درست في القرية حتى منتصف الصف الخامس الابتدائي وقُبيل هجرتنا تعاون أهل القرية على بناء مدرسة جديدة جميلة حتى الصف السادس الابتدائي وقد نسفها اليهود. وقد رأيتها وهي منسوفة باكية وكتبها مبعثرة بين الأنقاض وقد أخذت أحدها وأظنه لتوفيق الحكيم. ولم أنظم في تلك المرحلة شعراً. أما هجرتنا من الوطن ورحيلنا وتشردنا فقد بدأت في الشهر الثالث أو الرابع من عام 1948م بعد معركتين كبيرتين وكان ذلك قبل مجيء الجيش المصري . وقصة هجرتنا ملأى بالأهوال والعذاب".

عمل بارود في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بوظيفة أستاذ جامعي، وقضى في الجامعة نحو ثلاثين عامًا متنقلاً بين أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وكان له الكثير من المشاركات الأكاديمية والبحثية في هذه الفترة. تفرغ بعد ذلك للعمل العام في السعودية، حيث قضى أغلب وقته في الكتابة وتأليف الشعر. وقد بدأ الدكتور بارود قوله الشعر، في مرحلة متقدمة من صباه، وتأثر بقضية بلاده فلسطين أيَّما تأثر، وتفاعل معها أيما تفاعل. وقد ظهر ذلك جليًّا في أشعاره، وبرز واضحاً فيما يُستقى من صوره وأفكاره.

في مطلع العام 2010 نشرت مؤسسة فلسطين للثقافة، مجموعته الشعرية الكاملة، وهي تقع في 383 صفحة، وتشتمل على مقدمة بقلم الشاعر، وتوطئة كتبها الدكتور أسامة الأشقر، وتقديم بقلم رئيس رابطة علماء فلسطين في اليمن د. محمد الشيخ صيام، إضافة إلى مقدمة أخرى بقلم موجه التربية الإسلامية بدولة الإمارات عبد الرحمن الغمصي، إلى جانب صفحات عن بلدة بيت دراس بقلم د. بارود، و107 قصائد وملحق صور نادرة.

وفي ذلك تحدث د.أسامة الأشقر في افتتاحية الإصدار قائلا: "يحق لنا القول هاهنا أن الشاعر عبد الرحمن بارود ظلم نفسه من حيث أراد إرضاءها بتأخير تقديم فنه وأدبه للنخب الثقافية والجمهور الشاعر". وأشار إلى أن محيطه الشعري كان محدوداً مقصوراً على جملة من أصدقائه وإخوانه في دائرة علاقاته، بل إن كثيراً مما نُشر في شبكة الانترنت وبعض الدواوين المحتوية على بعض قصائده كان الفضل في نشرها لهؤلاء بإصرارهم.

ويشير د. محمد صيام في تقديمه لكتاب الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود، إلى أن بارود مجد الإسلام في أشعاره. ويضيف د. صيام: "على أن الدكتور عبد الرحمن بارود، قد طَوَّقَ بشعره في مختلف الأنحاء، وحلَّق به في مختلف الأجواء، الأنحاء التي تخدم كلها قضية فلسطين، وقضية الإسلام والمسلمين. والأجواء التي يستنزل منها الرحمة من رب العالمين، على أهل فلسطين، والنصر على المجاهدين. فتحدث عن فلسطين، وعشق الوحدة بين أقطار الأمة، لأنها السبيل الوحيد، لطرد العدوان، واسترداد الأوطان. وذكر صيام أن بارود "كان حَدِباً على الأمة، يفرح لفرحها، ويأسى لتَرَحها.

ويشير صيام إلى أن "بارود لم ينس في شعره جرائم المحتلين المجرمين، وما يقومون به من مجازر ليس فقط في البشر، ولكن أيضاً في الحجر والشجر. فتحدث عن شجر الزيتون، ونعى على أولئك الغاشمين، ما يفعلونه بهذا الشجر الثمين، تنفيساً عن حقدهم الدفين، وذلك في قصيدة نظمها في جدة"، في 27/8/1408هـ - 14/4/1988م، وفيها بقول:

ويَقْتَلِعُ الزَّيْتُونَ شُلَّتْ يَمِيْنُهُ ويَغْرِسُ في كُلِّ البَسَاتِيْنِ غَرْقَدَا
لَكَ المَوْتُ فانْظُرْ كُلَّ زَيْتُونَةٍ هَوَتْ فَقَدْ أنْبَتَتْ تِسْعِيْنَ سَيْفاً مُهَنَّدَا
فَيَا أَيُّهَا السَّاقِي كُئُوسَكَ أَحْصِهَا سَتُسْقَى كَمَا تَسْقِي إِنِ اليَوْمَ أَوْ غَدَا

رحيل شاعر الثورة الفلسطينية الأول

وفي نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي ودع أبناء الجالية الفلسطينية في القاهرة، شاعر الثورة الفلسطينية الراحل محمد حسيب القاضي، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في العاصمة المصرية.

ولد القاضي عام 1947 في يافا. وهجرت عائلته أثناء نكبة 1948 إلى قطاع غزة. بدأ مسيرة الكتابة كمحرر أدبي في جريدة أخبار فلسطين التي كانت تصدر في غزة وذلك في ستينيات القرن العشرين. اعتقلته قوات الاحتلال الصهيونية بعد سيطرتها على قطاع غزة سنة 1967 وفصل من عمله. غادر قطاع غزة بعد ذلك إلى القاهرة حيث ساهم بإنشاء إذاعة صوت العاصفة ثم صوت فلسطين. وعمل لاحقا مديرا لإذاعة فلسطين في الجزائر وصنعاء. ترأس مهمة تحرير جريدة "الأشبال" التي صدرت في تونس وقبرص. وقد ترجمت قصائده للغات الإنجليزية، الإيطالية، الفارسية والبلغارية. حاز على جائزة القلم الدولي للشعر عام 1995 إلى جانب عدد من الجوائز الأخرى في تونس والقاهرة.

كان القاضي شاعر الثورة الفلسطينية الأول وأبرز كاتب لأناشيدها أمثال: «طالع لك يا عدوي طالع»، و«فدائية فدائية»، و«يا جماهير الأرض المحتلة»، و«المجد للثورة»، و«بإيدي رشاشي»، و«حرب الشوارع»، و«حنا ثوارك يا بلادي، و«يا شعبنا في لبنان»، و«يا غاصباً حقنا» ..الخ. مما اعتبره الشعب جزءاً لا يتجزأ من الفولكلور الشعبي الفلسطيني والذاكرة الجمعية الوطنية. ومازال الجميع يصدح بأغانيه حين تشتد المقاومة.

من أعماله الشعرية: «فصول الهجرة الأربعة» بغداد، (1974). و«نشيد البندقية والرجل» بيروت، (1975). و«مريم تأتي» القاهرة، (1983). و«أربعاء أيوب» (قصيدة طويلة) ـ القاهرة، قبرص، (1983). و«أقبية الليل» (1985). و«أنه الصراخ وأنا فيه» بيروت، (1989). و«الرماد الصباحي»، القاهرة، (1989). و«قمر للعواء»، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، القدس، (1996). و«ثم رمادك في رقصة»، وزارة الثقافة، غزة (1997). و«دولة أيوب»، (مسرحية شعرية) ـ هيئة الكتاب، القاهرة، (1998). و«السدى قطرة قطرة»، بيت الشعر، رام الله، (2000). و «شمهورش»، (مسرحية شعرية) 2001.

وشعر القاضي معاصراً بمعنى الكلمة ينتمي لزمنه، وقد كان الراحل قريباً من الشعراء الشباب ويساندهم ويقرأ نصوصهم بكل تمعن ويقدم لهم ملحوظاته القيمة دون أن ينتظر منهم الشكر.
يقول القاضي عن تجربته الشعرية: "إنني واحد من المعنيين بالحداثة وهذا ما تؤكده كتاباتي الشعرية التي أنهج فيها منهجياً مغايراً رؤية وأسلوباً لما استقرت عليه القصيدة الفلسطينية التي تتعامل، في الغالب، مع السياسي والمباشر والغنائي.. فالقصيدة عندي ليست وعاءً جاهزاً من الممكن أن تعرف مسبقاً شكله وحجمه ومقدار ما يمكن أن يحتويه مادة الشعر، القصيدة شيء مختلف تماماً... فهي لا تخضع لقوانين معدة سلفاً بقدر ما يجب أن تنزع إلى التمرد على القاعدة وشق عصا الإذاعة الأبوية... والقصد أبوية الرواد الأوائل... قصيدتي لا تمتثل لسلطة خارج النص سوى المنبع الأساسي الذي ننهل منه جميعا "تراث الشعر واللغة". فالقصيدة- في رأيي- تفرض قوانينها الخاصة أثناء الكتابة.. ولا تتبع نظاماً مقرراً وخطة سير ونقطة نهاية... فهذا شان القصيدة التقليدية التي تعتمد على المتلقي الكسول غير المشارك. فحداثة النص الشعري تتمثل في الإقامة في سؤال الحالة... وسؤال السؤال... وانفتاح الكتابة على اللحظات المنفلتة دون أن يعني ذلك فوضى الكتابة... بل المقصود هو ابتكار منافذ جديدة تتوخى الابتعاد عن الجماليات المستهلكة في الشعر العربي".

ويقول الأستاذ سليم شراب في رثاء القاضي: "رحيل الشاعر الكبير محمد حسيب القاضي، خسارة كبيرة للحركة الثقافية الفلسطينية والعربية، لقد نقل القصيدة العربية إلى مستويات متطورة، وأصبح علامة مهمة في الأدب العالمي ككل، وعبر عن قضية شعبه العادلة بلغة إنسانية وأدبية رفيعة، ولذلك سيبقى أدبه خالدا بعده، وسيصبح جزءاً مهما من التراث الأدبي الفلسطيني والعربي والإنساني.. إن فقدان قامة عالية مثل محمد حسيب القاضي، سيترك أثراً بالغاً في حركة الشعر العربي الحديث، لقد كان اختراقاً شعرياً وحالة استثنائية، واستطاع بإبداعه العالي أن يجر الجمهور إلى مساحاته الإبداعية وتخومه ضمن شروطه هو، لا شروط الجمهور".

وقد جاء في نعي الإتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين للأمتين العربية والإسلامية، ما يلي: "بألم عميق وأسى بالغ، تلقى الإتحاد العام للكّتاب والأدباء، نبأ رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير، محمد حسيب القاضي، الذي يعد واحداً من أعمدة الثقافة العربية والوطنية في العصر الحديث، ومنارة أدب، سطر برحلته أنشودة الحق والكفاح، وعكس بروحه الإبداعية قضية شعب بأكمله، من سجون الاحتلال حتى المنافي الباردة، مروراً بجزء من وطنه، غزة، وصوته مازال هدير المحبرة في سكينة المحتل، كان حاضراً بجلال الحدث، بين القصيدة والمسرحية والأغنية، ومراغم أدب أخرى، شملها إبداعه الغزير.

رحيل الشاعر الكبير محمد حسيب القاضي، رحيل بصمة إبداعية في مرحلة نضال مازالت ملتهبة، تبحث عن بيت حريتها، بعد أن أوقدها ورفاقه الكبار من الأدباء والمثقفين الفلسطينيين، ومما لا شك فيه أن رحيله سيترك فراغاً كبيراً في الساحة الثقافية العربية والفلسطينية، ولكن ما يركن إليه المرء للإطمئنان من بعده ما تركه الشاعر الكبير خلفه، من نتاج رحلته الطويلة؛ شعراء وأدباء وكتّاب تتلمذوا على يديه، سيواصلوا من بعده وعلى هديه الأنشودة والمسيرة".

الشاعر العمد فقيد الرسالة والعلم

وفي 25 آب (أغسطس) 2010 نعى المنتدى التنويري في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، علم الفكر والقلم، فقيد الرسالة والعلم، المناضل الفلسطيني القومي، والمربي الفاضل والأديب الشاعر محمد العمد، ابن مدينة نابلس، مدير كلية النجاح الوطنية ومعهد المعلمين سابقاً والذي قدم جهوداً طيبة في خدمة مسيرة الكلية والمعهد واسهم كثيراً في نموها وتطورها.

وفي حفل التأبين الذي أقامته جامعة النجاح الوطينة، في مدينة نابلس، في (7\11\2010) قال الأستاذ الدكتور رامي حمد الله، رئيس الجامعة، في كلمة بالمناسبة إن "الذكريات تمر بالإنسان تستوقفه أمام شريط يجتذبه ليرى فيه محطات لا يستطيع المرور عليها وانما يتفحص كل حركة ويتفاعل مع كل معنى فيها، وعندما تمر ذكرى المرحوم محمد العمد أقف عندها ويملأني شعور الأصالة والانتماء والوفاء والاعتزاز".

من جهته، ألقى الدكتور حسني المصري، كلمة لجنة التأبين قال فيها: "لا أزعم لنفسي القدرة على تقديم عظمة ونبوغ فقيدنا أبي أحمد، إذ حسبي أن أومىء إلى سماتها، وأتطلع إلى سمائها، إنها حقائق تشكل ما كان لأستاذنا الكبير من شخصية وحياة حافلة، إنها لتسمو وتتألق لا بمقدار ما أريد وما أصف، بل هي بمقدار عظمة صاحبها، لقد أتاه الله من أنعمه عقلا وفكراً، ووطنية بالقدر الذي جعله أهلاً بأن يذكر وأن يتحدث عنه، بل ويجعله أهلاً لأن يكون المحتفى به والتأسّي عليه، وكان ضمير مجتمعه وقومه، فأظهر قدرة عطائهم ونضالهم بالخير والحق والثبات، وأضاف، كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الإنسان، إنساناً، ومعلماً، ومديراً، ووطنياً، وقومياً ومناضلا كبيراً، وشاعراً"
.
رحيل الشاعر الغزي الذي آمن بقضيته حتى آخر نفس

وفي شهر أيلول (سبتمبر) 2010 رحل الشاعر خميس لطفي، الذي وافته المنية إثر نوبة قلبية ألمت به أثناء وجوده في العاصمة الأردنية عمان.

وقد نعى بيت فلسطين للشعر في بيان له الفقيد، ومما ورد في نص البيان: " كان (خميس لطفي) يرنو في كل دفقة قلب ورعشة حرف إلى الوطن المسلوب فلسطين، فعاش مؤمنا بقضيته ، متمسكا بثوابت أمته ، ورحل وهو كذلك لم ينكس راية ولم يبدل محابره بمحابر الخذلان والهزيمة" .

كما نعت رابطة الكُتّاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر الكبير خميس لطفي وقالت الرابطة في بيان لها اليوم "إن الحركة الثقافية والشعرية الفلسطينية فقدت شاعراً مرموقاً صاحب قلم مبدع ومميز، لطالما خط به الكثير من القصائد والدواوين الجميلة والتي رسم من خلالها معاناة شعبه وجسد صموده ومقاومته وصلابته".

وتابع البيان " عزائنا أن أعمال الفقيد لازالت بيننا تشعل جذوة المقاومة والصمود، كما أشعلتها إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي ازدهرت خلالها قصائد ودواوين الشاعر، حيث شكلت دافعاً للمقاومين ورماة الحجارة".

الشاعر الفلسطيني خميس لطفي، اسم إبداعي فلسطيني لمع متأخراً، بالقياس إلى عمره الإبداعي، وذلك بفضل موهبة فذّة وشعر سهل وسلس لكنه ممتنع، غير أنها بقيت طيَّ الدفاتر والأوراق والحدود.

ولد الشاعر خميس في النصيرات وسط قطاع غزة من أسرة مهاجرة من فلسطين المحتلة عام 1948، و قضى طفولته الأولى في دير البلح ثم نزح منها عام 1968 إلى الأردن .
أكمل تعليمه الجامعي في أوروبا وحصل على بكالوريوس الهندسة الإلكترونية، وعمل مهندسا للاتصالات في المملكة العربية السعودية.

بدأ كتابة الشعر في مراحله الدراسية الأولى وله قصائد كثيرة منها : المهاجر، زمان الكفاح، النسر يأكل قلبي ، الآخرون.

واشتهر للشاعر قسّمه الشعري لفلسطين والذي يقول فيه:

أَنا الْمَدْعُوُّ : غزِّيٌّ أصيلٌ ، وابنُ غزيِّةْ
وَعُنْوانِي: خطوطُ النارِ ، في حيِّ " الشُّجاعيَّةْ "
وَأَعْمَلُ: في سبيل الله، أعمالاً فدائيةْ
أُدَوِّنُ عَنْ: هوى وطني قصائدَ لا نهائيَّة
وأُقْسِمُ أنْ: سأبقيها على شفتيَّ أغنيَّةْ
وَأَنْ أَبْقَى: على عهدي، ورأسي، غير محنيَّة
وَأَنْ أَحْيَا: لكي تبقى بلادُ العرْب محميَّة
وَلي حُلُمٌ: له أسعى، حثيثاً، صادق النيَّة
وَفِي نَفْسِي : إلى الأقصى حنينٌ ساكنٌ فيَّ
إِلَى أَجَلٍ: فها هي ذي قوى شعبي الطليعيَّة
تبشرنا بنصر الله ضد قوى الصليبية
وَلَنْ أَخْشَى : أنا إلاَّ من الذات الإلهيَّة
فَإِنْ أَقْضِِ: صريعَ الحقِّ ، والأوطانُ مسبيَّة
فَلا أَسَفٌ عَلى عَيْشٍ بِلا حُلُمٍ، وَحُرِّيَهْ

يقول الدكتور أسامة الأشقر في رثاء الفقيد: "إننا فقدنا شاعراً لطالما استوقفنا بأسلوبه اللذيذ وكلماته الذكيّة وإيقاعه القويّ ، وأحسب أنه لم ينل حظه من الذيوع والانتشار والنقد لكنني متأكد أن هذا الرجل سينال ذلك الحظ يوماً وسيعرفون قدره، وسيقدّرون أنهم غفلوا عن شاعر فنان ظل يؤمن بقضيته حتى آخر نفس".

وللوقوف على مكانة خميس لطفي الشعرية نورد فقرات مما جاء في مقدمة ديوانه "وطني معي"، التي كتبها الدكتور الأشقر: "يحرص خميس دائماً على تلوين شعره بنمط إيقاعي جديد في كل قصيدة يستولدها، وهو مُغرَم بالبحور الوسيطة والقصيرة إلا أنه قد يميل إلى البحور الطويلة نظرا لإلحاح الذاكرة عليه وشدة الدفق الشعوري الذي يحتاج إلى ماعون واسع لاستيعابه ، كما في قصيدته " عندما حدثني البحر" إذ يجدّد خميس ذكرياته القديمة حيث وُلد ونشأ في هذا ( الواقع - الحلم) ويحكي بروحه الشفافة التي تشكّلت على هيئة رؤيا طارئة عن حنينه القديم ومنزله الأول .

ويختتم خميس كل بيت في هذه القصيدة بقافية مطّاطة فيها ذاك المدّ الممتدّ على اتساع الشعور ليختتم مدّه بميم مُشْبَعة فيها تلذُّذ بالذكرى وكأن شفتيه تتلمّظان من حلاوة ما يتكلم به".

ويتابع الدكتور الأشقر: "لخميس جرأة شديدة في اختيار رويّ بحور شعره ، ويتعمّد أحياناً الإتيان بالرويّ الصعب في بحور قصيرة كما في رائعته "طلع البدر" وكأني به كان مضطرب الفؤاد مشدود الأعصاب سريع الغضب عندما استولدها ، وأظن أن خميس قد اختار النأي عن عيال الله طلباً لصفاء النفس ليُدِرّ حليب قصيده وإلا فإن مثل هذا الشعر كالكارثة على صاحبه يُهزِله ويُسقمه ويرفع ضغطه لساعات ما قبل الولادة وما بعدها، فهي حالة طلْق وجيعة"
صدر للشاعر خميس لطفي: «طني معي» (شعر)، و«عد غداً أيها الملاك» (شعر) دار مؤسسة فلسطين للثقافة ودار الأوائل، دمشق. أما عن مجموعته الثالثة فيخبرنا الدكتور الأشقر: "بعد انقطاع دام سنتين ألححتُ عليه أن يستمر في إنتاجه وأن ينشر المزيد فوافق على نشر ديوانه الثالث «فوق خط التماس» وصدر ضمن إصدارات الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 وكان أول إصدار فيها".

رحيل المهندس شاعر الثوابت الفلسطينية وحق العودة

وفي فجر يوم الأربعاء 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 رحل الشاعر المهندس غازي الجمل عن عمر يناهز الستين عاماً إثر نوبة قلبية في إحدى مستشفيات مدينة الزرقاء الأردنية.
وقد نعى بيت فلسطين للشعر شاعرنا الكبير في بيان جاء فيه: " لقد عرفنا الشاعر الراحل من خلال تفاعله المتميز في الحياة الثقافية والأدبية والشعرية، مدافعاً عن هوية أمته، وعن قضية وطنه فلسطين ".

ولد الفقيد الراحل في مدينة غزة عام 1950 بعد أن هاجر والده إليها في نفس العام حيث انتقل من قرية جمزو قضاء اللد إلى مخيم بلاطة في نابلس ثم انتقل سنة 1950 إلى مدينة غزة وعمل مديراً لمدرستها الثانوية وكان والده -رحمه الله- من قدامى المثقفين في فلسطين وكان أديباً وشاعراً وخطيباً وكان يكتب المسرحيات ويتقن تمثيلها وإخراجها حيث قام بكتابة مسرحية (موقعة اليرموك) وشارك في تمثيلها وإخراجها في مدينة القدس قبل عام 1948، كما كتب تمثيلية (نضال الجزائر) وتمثيلية (نضال فلسطين).

وفي سنة 1954 انتقل والده إلى الأردن حيث عمل مدرساً ثم مديراً في مدارس الشونة والسلط والزرقاء، فالتحق الشاعر بالمدرسة في الزرقاء وأنهى الثانوية العامة من مدرسة الزرقاء الثانوية، ثم ذهب إلى يوغوسلافيا ودرس الهندسة الميكانيكية ثم درس الماجستير في الهندسة في جامعة اليرموك.

وهو عضو في عدد من الجمعيات والاتحادات ومنها: مساعد رئيس جمعية الكتاب الإسلامي، عضو الهيئة الإدارية لرابطة الأدب الإسلامي. مساعد رئيس جمعية جمزو الخيرية، عضو في نقابة المهندسين الأردنيين.

كان له أذن شاعرية تهتز للشعر وتطرب له وبخاصة شعر الحماسة وأحب الإلقاء الذي تعلمه من والده -رحمه الله- .

اشتهر الجمل بقصائده المدافعة عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس والأقصى وحق العودة، إضافةً على العديد من الأعمال الداعمة لحق الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

يقول الدكتور الجمل عن نفسه: "لما كان لي من العمر ثلاث سنوات خرجت بمفردي من المنزل وضِعتُ فالتقطني أحد العرب (الحناجره) ومكثت فترة من الزمن عنده وكان يصطحبني مع أولاده لكروم البطيخ ونعود في المساء إلى أن لقيني والدي بعد لأْي ونشأت صداقة حميمة بينه وبين الأعرابي وبقيت أتردد على بيت ذلك الأعرابي الذي يدعى (أبو غانم) كولد من أولاده.. عملت مهندساً في مؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية سنة 1989 ثم سافرت إلى نيويورك وهناك عملت في التجارة مدة خمس سنوات ثم عدت إلى أرض الوطن لأتابع العمل في سلك التجارة ولغاية الآن.

كانت ولا زالت لي أذن شاعرية تهتز للشعر وتطرب له وبخاصة شعر الحماسة وأحب الإلقاء الذي تعلّمته من والدي رحمه الله. بدأت محاولاتي الشعرية وأنا طالب في المرحلة الإعدادية وساعدني على ذلك ثفة أساتذة اللغة بي حيث كانوا يسندون لي دور القراءة في حصة المطالعة ويقولون (هذا الطالب هو الطالب الوحيد الذي يجيد فن القراءة في الصف) وكان الطلاب يسمونني (الشاعر) لما يرون من بدايات قصائدي المتواضعة".

وللشاعر الراحل ديوان مطبوع بعنوان (دمع اليراع) وديوانان مجهزان للطباعة وهما: ديوان (نفح الطّيب) وديوان (قناديل العرش).

دمشق تودع الشاعر القيق

في يوم الأحد 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 توفي في مدينة دمشق الشاعر والناقد الفلسطيني محمد فؤاد القيق عن عمر يناهز الستين عاماً بعد معاناة في مرض في القلب.
والشاعر القيق عضو في جمعية الشعر في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. وينشر في الدوريات العربية دراسات نقدية وأدبية بالإضافة إلى قصائده التي عرفت بنفس وطني والتزام بمبادئ القضية الفلسطينية.

وقد شيع الشاعر القيق إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك، في موكب شارك فيه كوادر مؤسسة "بيت فلسطين للشعر"، كما حضر التشييع عدد من الأدباء والشعراء والمثقفين وأصدقاء وذوي الشاعر.
ويذكر أن الفقيد توفي في اليوم الذي كان فيه ضيف أمسية شعرية في المركز الثقافي في اليرموك مع الشاعر صالح هواري والشاعر سمير المطرود بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2010.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى