الجمعة ١٨ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم أوس داوود يعقوب

2010م ... عام الرحيل الفكري

المتأمل في قائمة أسماء الشخصيات العربية التي غادرتنا العام 2010م يدرك مباشرة أنها سنة رحيل نخبة من أبرز المفكرين والمنظرين العرب ، كأن القدر جمعهم في عام واحد وزمن واحد. وكأن بالعام 2010 عام الرحيل الفكري، من شتى الاتجاهات والتيارات القومية والليبرالية والإسلامية واليسارية، ومن مذاهب دينية مختلفة، وفي أوقات متتابعة، وأزمنة متقاربة. لكن المشترك بين هؤلاء؛ أنهم كلهم رحلوا عن هذه الحياة وأصبحوا في ذمة الله والتاريخ، مخلفين آثارهم وإنجازاتهم الفكرية والعلمية والثقافية.

من هؤلاء الذين رحلوا عنا العام الماضي في الوطن العربي ، المفكر وعالم النفس السوري الدكتور فاخر عاقل ، الذي يعد واحد من أفضل من كتب في علم النفس على مستوى الوطن العربي، حيث وافته المنية في 11 نيسان (أبريل) الماضي بمدينة حلب عن عمر يناهز التسعين عاماً، والراحل من مواليد عام 1918م في كفر تخاريم "محافظة ادلب"، درس الطب في الجامعة السورية ثم تابع دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت حيث حصل على البكالوريوس والماجستير في علم النفس والتربية كما نال دكتوراه اختصاصية في علم النفس التربوي من جامعة لندن.

وقد عمل عاقل أستاذاً بقسم علم النفس في جامعة دمشق ورئيساً له قبل تقاعده عام 1983م، وأثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والتي وصلت لحوالي ثلاثين كتاباً في مجال علم النفس والتربية باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية بينها دراسات في التربية وعلم النفس، علم النفس وعلم التكيف البشري، رحلة عبر المراهقة، سلوك الطفل، الإبداع وتربيته. وأسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، هذا إلى جانب تأليفه لقاموسان هما "معجم علم النفس" و"معجم العلوم النفسية" الذي ضمنه حوالي 8000 مصطلحاً مشروحاً باللغتين العربية والإنجليزية، وهو حاصل على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.

وفي 15 شهر كانون الأول (أكتوبر) توفي في مدينة حلب أيضاً ، الكاتب والمفكر الموسوعي عبد الحميد الحسن عن عمر يناهز (75 عاماً) قضاها باحثاً ومحققاً في نفائس التراث العربي القديم والحديث.

والراحل من مواليد عام 1936م ، ومنذ نشأته عمل عاملاً في مطبعة «عبد السلام الكاملي» والذي كان يصدر صحيفة «التربية» في الخمسينيات. ‏

تابع تحصيله العلمي وتخرج من كلية الآداب في دمشق عام 1963م قسم الفلسفة، ومن ثم حضّر للدكتوراه في جامعة "بروكسل" وبعد تخرجه عمل مدرساً لمادة الأخلاق والتي كلفه بها أستاذه الراحل الدكتور عادل العوا إضافة إلى تدريسه في الكلية ذاتها اللغة الانكليزية.

قام منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي بدراسات معمقة على الحاسوب مكنته من أن يقوم بتجارب خاصة على تعريب الحاسوب في زمن لم يكن العالم العربي يحتوي سوى على بضعة حواسب ضخمة لأغراض إحصائية. وقد شكل بثقافته ونتاجه حداً عالياً لأفكار جديدة وغير مطروقة يمكن وصفها بأنها اصيلة، كما لفت الانتباه إلى ثراء المكتبة التراثية المهملة في أعين القراء والباحثين وبالأخص ما يتعلق منها بالفلسفة العربية والإسلامية. ‏

من مؤلفاته وترجماته المطبوعة: ‏ «مخطوطات الفلسفة في المكتبة الظاهرية». و «تحقيق الأعمال الكاملة لزكي الارسوزي»، بالتعاون مع الدكتور جورج صدقني. ‏و«د يستوفسكي، دراسات لروايته العظمى»، ترجمة عن الانكليزية لمؤلفه "ريتشارد بيس". ‏

و «الموت خبط عشواء» وهو من أهم الكتب التي احتضنت ذاكرته وشهادته عن الغزو الأميركي للعراق وهو أيضاً كتاب سياسي بامتياز. ‏

ومن أعماله المخطوطة تحقيق لأعمال «تعريفات الجرجاني» وديوان «ابن الفارض» وقصص من الخيال العلمي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي إضافة إلى العديد من الدراسات في الفن والفلسفة والتراث.

وفي يوم 4 تموز (يوليو) ودع لبنان العلامة محمد حسين فضل الله ، عن عمر يناهز (75 عاماً)، وهو يعد من أكثر المراجع الشيعية انفتاحاً على التيارات الأخرى، وهو صاحب العبارة الذهبية "دولة الإنسان" فضلاً عن مواقفه من قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والمقاومة، وكان له موقف بارز في الدفاع عن الشاعر محمود درويش ونفي صفة الإلحاد عنه التي روّجها بعض غلاة التطرّف الفلسطيني، وهم أنفسهم كانوا وصفوا موت درويش بـ)النفوق». وللعلامة الراحل العديد من المؤلفات بينها 8 كتب فقهية، و16 كتاباً في الإسلاميات، و5 كتب في شرح القرآن الكريم، و5 كتب أدعية، و8 كتب تتناول سيرة أهل البيت، و4 كتب اجتماعية، و3 دواوين شعر، و10 كتب جمع فيها فتاويه.

وفي الأردن، رحل صباح يوم 29 تشرين الثاني (نوفمبر) المفكر الفلسطيني والكاتب السياسي عبد الله حوراني، عن عمر يناهز الـ(76 عاماً)، إثر مرض عضال ألم به.

والفقيد الحوراني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية سابقاً، وعضو المجلسين الوطني والمركزي، ورئيس المركز القومي للبحوث والدراسات، وهو من مواليد قرية المسمية عام 1936م، وأكمل دراسته الإعدادية والثانوية في قطاع غزة، حاصل على الإجازة الجامعية في الآداب. ويعتبر حوراني من أهم المختصين بقضية اللاجئين والمدافعين عن حق العودة، والناشطين في تعبئة الشعب الفلسطيني وتنظيمه للدفاع عن هذا الحق.

تصدى أواسط الخمسينات لمشاريع توطين اللاجئين، وقاوم الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة عام 1956م في العدوان الثلاثي، واعتقل لفترة وجيزة، عمل في مجال التدريس، مدرساً ثم مديراً لمدرسة في مخيم اللاجئين بخان يونس، وعرفت باسمه حتى الآن، بسبب دورها في النشاط الوطني. - أُبعد من قطاع غزة عام 1963م بسبب نشاطه السياسي. وقد كان عنيداً في تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وقضى حياته متنقلا بين مخيمات اللجوء والمعتقلات العربية، ولم يساوم مطلقاً على قناعاته، خاصة تلك المتعلقة بحق العودة.

استقر في سوريا منذ عام 1965م وعمل فيها في حقل الإعلام، وكان مديراً لإذاعة فلسطين ثم مديراً لهيئة الإذاعة والتليفزيون السوري، ثم مديراً عاماً لمعهد الإعلام بسوريا ثم التحق بالثورة الفلسطينية، عمل مديراً عاما لدائرة الإعلام والتوجيه القومي منذ 1969م ثم عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من (1984م – 1996م)، وأسس الدائرة الثقافية في منظمة التحرير الفلسطينية، وأشرف على كل الأنشطة الثقافية الفلسطينية.

عارض اتفاقية أوسلو المشؤومة وخرج من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بناءً على ذلك لكنه لم يغادرها، فهو رئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني الفلسطيني وأسس المركز القومي للدراسات والتوثيق في غزة / فلسطين وتولى رئاسته، مهتم بالقضايا القومية، فكرياً وسياسياً، وجل نشاطه في مجال الكتابة والندوات والمحاضرات، والمؤتمرات القومية، مكرس لهذه القضايا.

من أعماله: »ثورة أكتوبر والقضية الفلسطينية»، ط 1- بيروت 1981م، والطبعة الثانية - تونس 1986م، و»اللاجئون إلى أين»، غزة 1998م، و» التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة العربية»، غزة 1998م، و»التطبيع الثقافي وأثره في الصراع العربي الصهيوني»، المركز القومي للدراسات والتوثيق، غزة 1999م، و»عبد الله الحوارني يتذكر» ( مذكرات)، تحت الطبع.
وكانت العاصمة الأردنية عمان، قد ودعت يوم 19 تشرين الأول (أكتوبر)، المفكر والمؤرخ العراقي الدكتور عبد العزيز الدوري عن عمر ناهز (91 عاماً)، أمضى أكثر من نصفها في الأردن بعد هجرته من العراق في أواخر الستينيات لظروف سياسية. ويأتي رحيل الدوري بعدما تمكن عبر مؤلفاته التاريخية الكثيرة من تقديم صورة جديدة للتاريخ العربي الإسلامي عن طريق دمجه أصالة البحث التاريخي في مؤلفات المؤرخين العرب القدماء مع أدوات التحليل والبحث التي استقاها من الغرب. وقد نالت جهوده الكبيرة التي قدمها في مجال التاريخ والمؤلفات المهمة التي أثرى بها المكتبة العربية وكذلك منهجه العلمي نالت إعجاب الكثيرين.

ويرى الباحثون أن منهج الدوري في كتابة التاريخ يعتمد على الرجوع إلى الأصل ومعالجتها معالجة منطقية، ثم استخلاص الحقائق التاريخية منها لذلك اتسمت كتاباته بالدقة والعمق. والدوري يعرف التاريخ على أنه : "موضوع حيّ يقوم بدور بليغ في الثقافة، وفي التكوين الاجتماعي والخلقي، وأيضاً له أثره في فهم الأوضاع القائمة وفي تقدير بعض التوجهات المستقبلية، وهو يتأثر بالتيارات الفكرية وبالتطورات العامة".

وقد انتقد الدوري الكثير من الروايات التاريخية إلى جانب الكتابات الحديثة عن تاريخ الإسلام في صدد الدعوة، وانتقد الأخطاء التي ارتكبت بحق العرب وجردتهم من كل الطاقات الفكرية والثقافية واعتبرت العرب مقلدين غير مبدعين.

وكان الدوري على عكس الكثيرين الذين كانوا يعتقدون أن الحضارة العربية الإسلامية كانت فقط جسراً بين "أثينا وأوروبا"، بل اعتقد أن الثقافة اليونانية كانت طارئة ولم يكن لها تأثير مباشر في الفلسفة والعلوم والطب إلا في العصر العباسي، أي عندما برزت حاجة العرب لتلك الثقافة. وكان الدوري يرى أيضاً أن تأثيرات الثقافات الأخرى التي سبقت الحضارة العربية الإسلامية لم تتم إلا عندما احتاج العرب إليها. وقدّم الدوري برؤية المسلم العربي مجمل العوامل الأساسية المؤثرة في التاريخ من دون تحيز الى نظرية معينة تضع أحد هذه العوامل أولاً، فلم يعلِ من شأن الإيمان مهملاً الاقتصاد ولم يهمل العصبية ليركّز على الاقتصاد. كذلك، وضع صورة أكثر وضوحاً لأزمات التاريخ الإسلامي مثل فتنة مقتل عثمان ومشاكل العراق الاقتصادية في تلك الفترة ونزاعات الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرها.

ومؤلفات الدوري كثيرة منها : »العصر العباسي الأول» و»دراسات في العصور الإسلامية المتأخرة» و»مقدمة في تاريخ صدر الإسلام» و»تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري» وغيرها الكثير من المؤلفات. كما أسهم الدوري في كتابة التاريخ الموسوعي العالمي وكتب في »دائرة المعارف الإسلامية». ومما يؤخذ على الدوري انه يقوم بتأويل التاريخ من منطلق نزعته القومية وأنه يركز كثيراً على الجانب المؤامراتي للشعوبية ضد العرب. إلا انه وبالرغم من ذلك استحق بجدارة لقب »شيخ المؤرخين العرب».

وفي العراق رجل الدين الكلداني العراقي الأب بطرس حداد، والذي فارقنا في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اثر أمراض كثيرة ألمت به. وكانت قد تدهورت صحته اثر حزنه العميق على ما حدث في كنيسة "النجاة" في بغداد لمجموعة من المصلين هناك. وقد دفن جثمانه في كنيسة مريم العذراء في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد.

وعرف عن الأب بطرس أنه كان ابرز دعاة نشر التسامح بين الأديان ونبذ التفرقة والطائفية. وقد وصفه الباحث عبد الحميد الرشودي حيث قال: " كان الأب حداد يجمع بين صفتين مهمتين تعبر عن كل مفاصل حياته وهو أنه رجل من رجال الكهنوت، كما أنه عالم ومترجم و مؤرخ" ، وأضاف: " نعتز بهذه الشخصية كثيراً كونه رجلاً يمثل الوطنية العراقية الخالصة، ولا يفرق بين الناس، وله أصدقاء من جميع الطبقات، إضافة إلى أنه رجل سلام ووئام".

من جانبه قال الباحث و الصحفي سعد سلوم: "إن حداد هو أول مؤرخ عربي يقوم على ترجمة النصوص الكلدانية إلى الايطالية " مشيراً إلى انه كان يكتب كثيرا عن التسامح في الدين الإسلامي والترابط بين الأديان". أتقن الأب حداد الانجليزية والفرنسية والايطالية واللاتينية وغيرها من اللغات، ومنها ترجم مؤلفات عدة تحكي صفحات من تاريخ العراق.

وقد نشر الأب حداد الكثير من المقالات على صفحات أكثر من خمس عشرة مجلة عالمية وبلغات عدة. وله ما يقارب من الأربعين مؤلفاً، فضلاً عن توجهه الأخير الذي انصب على متابعة نتاجات الرحالة الأجانب وما كتبوه عن بغداد والعراق، وترجم ذلك إلى العربية في سلسلة من الرحلات الكثيرة لأجانب إلى العراق، منها ترجمته من الفرنسية مقتطفات من »رحلة تيفنو إلى العراق»، وعن الايطالية ترجم »رحلة الأب فنشنسو إلى العراق»، وعن الايطالية أيضاً ترجم »رحلة فيدريجي إلى العراق»، كما ترجم »تقرير المطران باييه عن العراق» وغيرها.

أبو زيد وزكريا .. ويستمر الجدل

في مصر، توفي المفكر نصر حامد أبو زيد المعروف بسجالاته الكثيرة، في الخامس من تموز (يوليو) الماضي، عن عمر ناهز الـ(67 عاماً) في مستشفى بمدينة 6 أكتوبر غربي القاهرة، ذلك بعد صراع مع مرض غامض أفقده الذاكرة في أيامه الأخيرة. وقالت زوجته الدكتورة ابتهال يونس (أستاذة الأدب الفرنسي) إنه توفي إثر إصابته بفيروس مجهول خلال زيارة له لإندونيسيا قبل بضعة أسابيع من وفاته. وقد أثار أبو زيد جدلاً كبيراً بشأن كتاباته في الفكر الإسلامي والديني ومعارضته سلطة النص المطلقة، مما أدى إلى صدور حكم من محكمة الأحوال الشخصية بتطليق زوجته منه؛ لأنه اعتبر مرتداً عن الإسلام فاضطر لترك البلاد إلى هولندا منذ 1995م.

وقد أولى أبو زيد اهتماماً خاصاً للهرمنيوطيقا (أي علم التأويل)، وهذا المصلح قديم بدأ استعماله في دوائر الدراسات اللاهوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني خصوصا الكتاب المقدس.

وقد اتسع مفهوم هذا المصلح في تطبيقاته الحديثة، وانتقل من مجال علم اللاهوت إلى دوائر أكثر اتساعا لتشمل كافة العلوم الإنسانية. والقضية الأساسية التي تتناولها الهرمنيوطيقا هي في تفسير النصين الديني والتاريخي. فقد طالب ابو زيد بالتحرر من سلطة النصوص وإعادة تفسيرها.

للمفكّر الراحل كتب عدة من بينها «الاتجاه العقلي في التفسير... دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة»، و» دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي»، وهاتان رسالتاه للماجستير والدكتوراه. وله أيضاً كتاب » مفهوم النص. دراسة في علوم القرآن» و» الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية» و » نقد الخطاب الديني» و» دوائر الخوف. قراءة في خطاب المرأة» و» التفكير في زمن التكفير».

يُذكر أن تيارات إسلامية متشددة كفرت أبو زيد، فيما منعت بعض الدول العربية دخوله إلى أراضيه خوفاً من أفكاره وتفسيراته، ومع ذلك يمكن القول إن هذه الأفكار كانت متأخرة جداً عن أفكار طه حسين التي طرحها قبل عقود خصوصاً في كتابه» في الشعر الجاهلي»، أو أفكار علي عبد الرازق. ويبقى المغزى الرمزي في مسار أبو زيد أنه كان عنواناً لحرية الفكر في العالم العربي الزاخر بالدعوات إلى المنع والحجب أو حتى إلى القتل.

وفي يوم الأربعاء 10 آذار (مارس) 2010م توفي الشيخ سيد طنطاوي عن عمر يناهز (81 عاماً) متأثراً بأزمة قلبية مفاجئة في العاصمة السعودية الرياض، والشيخ وقد أثار طنطاوي في حياته كثيرا من الجدل لاسيما في قضية مصافحة رئيس الكيان الصهيوني الإرهابي شمعون بيريز. كما أجاز بناء الجدار الفولاذي العازل بين صحراء سيناء وقطاع غزة المحاصر ، وهو القائل: » النقاب مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد"، مما أثار حفيظة المحافظين والسلفيين عليه..».

وفي يوم 11 آذار (مارس) ودعت مصر المفكر والفيلسوف اليساري البارز فؤاد زكريا عن عمر يناهز الـ (83عاماً) ، وزكريا من مواليد مدينة بورسعيد عام 1927م، تخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1949م، ونال الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة عين شمس، وهو أكاديمي وأستاذ جامعي متخصص في الفلسفة.

عمل أستاذاً ورئيساً لقسم الفلسفة في جامعة عين شمس حتى عام 1974م وانتقل في العام نفسه إلى الكويت ليعمل رئيساً لقسم الفلسفة في جامعتها حتى عام 1991م. ترأس تحرير مجلتي "الفكر المعاصر" و"تراث الإنسانية"، وعمل مستشاراً لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو في القاهرة، وتولى منصب مستشار التحرير لسلسلة "عالم المعرفة" الكويتية.

وهو صاحب مقال »العلمانية هي الحل» رداً على دعوة »الإسلام هو الحل».
قدم الراحل خلال مسيرته إلى المكتبة العربية الكثير من الكتب، مؤلفاً ومترجماً، وخاض معارك شرسة مع رموز التيار الإسلامي ، وكذلك مع رموز الناصرية رغم انتمائه إلى اليسار.

من مؤلفاته: »نيتشه»، 1956م ، و »نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان..آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة»، 1975م ، و»التفكير العلمي»، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1978م ، و»الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة»، 1986م ، و »الصحوة الإسلامية في ميزان العقل»، 1987م ، و »آفاق الفلسفة»، 1988م ، و »برتراند راسل: حكمة الغرب»، سلسلة عالم المعرفة.

الجابري وأركون.. علامات فارقة في الفكر العربي المعاصر

في المغرب، رحل المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري عن عمر ناهز الخامسة والسبعين، تاركاً وراءه إنتاجا فكرياً ضخماً. عرف عن الراحل اهتمامه بالتراث الإسلامي وتخصيصه جانباً مهما من نشاطه الفكري في تجديد هذا التراث باستخدام مناهج علمية معاصرة.

ويعد الجابري أحد رواد الفكر العربي المعاصرين، أما الإشكالية التي شغلت ذهن الجابري طيلة ما يقرب من نصف قرن فهي: هل بإمكاننا بناء نهضة بدون عقل ناهض؟ و لقبه البعض بمجنون العقل العربي، حيث فككه إلى عقل برهاني وبياني وعرفاني وهو صاحب المؤلف المشهور بأجزائه "بنية العقل العربي". وقد تعددت الدراسات التي تناولت مؤلفاته تحليلا ونقدا ونقاشا، ولعل أبرزها دراسات الباحث السوري الدكتور جورج طرابشي، الذي قدم مجموعة مؤلفات في الرد على الجابري، وهي بأحد الأشكال تفكيك لأفكاره. وثمة من قال إن الجابري كان يرفض الحوار، خصوصاً مع أفكار الدكتور طرابيشي.

وللجابري أراء هامة في مسألة التراث تتمثل حصيلتها في أن التراث يشكل بالفعل المقوم الأساسي للنزوع الوحدوي العربي في كل العصور، كما يغذي هذا النزوع في العصر الحاضر بصورة أقوى، لكن مع ذلك لا بد من الاعتراف بأننا لم نتمكن بعد من ترتيب العلاقة بين أجزاء هذا التراث من جهة وبينه وبيننا من جهة أخرى، وبالصورة التي تجعله يؤسس ذاتنا العربية وفق متطلبات العصر، فالتاريخ العربي كما نقرأه اليوم في الكتب والمدارس والجامعات هو تاريخ "فرق "وتاريخ" طبقات "وتاريخ" مقالات "انه تاريخ مجزأ، تاريخ الاختلاف في الرأي، وليس تاريخ بناء الرأي. وما زالت أفكار الجابري تثير جدلاً في أوساط المفكرين وتغري الباحثين بالكتابة حولها.
وللجابري أكثر من عشرين مؤلفاً في حقول فلسفية متقاربة ومتشابكة نذكر منها: »فكر ابن خلدون»، و»نحن والتراث»، و»تكوين العقل العربي»، و العقل السياسي العربي»، و»حوار المشرق والمغرب»، و»التراث والحداثة»، و»الخطاب العربي المعاصر»، و»وجهة نظر»، و»نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر»، و»المثقفون في الحضارة العربية»، و»الدين والدولة وتطبيق الشريعة»، و»المشروع النهضوي العربي»، و»قضايا في الفكر المعاصر»، و»ابن رشد» وغيرها.

وفي 16 تشرين الثاني (نوفمبر) ودعت المغرب أيضاً، المفكر والأديب المغربي اليهودي ـ الكاتب باللغة الفرنسية ـ إدمون عمران المليح عن عمر يناهز (93 عاماً)، قضى قسطاً كبيراً منها في معترك الحياة بين النضال والتعليم والكتابة والصحافة ومتابعة الفنون الجميلة، جامعاً بين الفن الروائي والقصصي بكثير من العمق الوجداني والبعد الفكري، ومساهماً في التيار "الفرنكوفوني" مع إدريس الشرايبي وعبد الكبير الخطيبي ومحمد خير الدين وسواهم.

وهو وجه عقلاني متنوّر ، وكاتبٌ كانت الكتابة، بالنسبة إليه، انعكاساً لتجربة إنسانية عميقة، وكانت فعل مقاومة ضدّ كلّ أشكال الاستبداد والقهر والجهل والانغلاق والتطرّف. كانت أيضاً فعل أمل لا يستقيم العيش بدونه.

ولد المليح سنة 1917م في مدينة آسفي المطلة على المحيط الأطلسي، وهو ينحدر من عائلة يهودية مشهورة سابقاً في مدينة الصويرة، أصوله أمازيغية وينتمي إلى قبيلة آيت عمران جنوب الأطلس، كما تشير سيرة حياته. وقد نشأ بين المغاربة اليهود والمسلمين في مدينة آسفي، وعاش طفولة عادية، ونسج صداقات مع جيرانه المسلمين دون شعور بالاختلاف. وقد تحدث عن هذا الانفتاح في روايته الأولى «المجرى الثابت»، التي كتبها سنة 1980م وعمره يزيد عن ستين سنة، بعد تجربة عميقة في الحياة، وكانت أولى رواياته التي لفتت إليه أنظار الوسط الثقافي المغربي والفرنسي معاً، باعتباره كاتباً مغربياً باللغة الفرنسية. وقد ترجم هذه الرواية إلى العربية الكاتب المغربي حسان بورقية. ثم توالت بعدها اعماله الروائية والقصصية، مثل: «أيلان أو ليل الحكي» (1983)، «ألف عام بيوم واحد» ،1986م، و«عودة أبي الحكي» ، 1990م، و«أبنر أبو النور» ، 1995م، و«حقيبة سيدي معاشو» ، 1998م. كما ألّف كتاباً بديعاً عن الأم أسماه «امرأة، أم» ، 2004م، وآخر عن نفسه هو عبارة عن رسائل وجهها إلى ذاته، بلغة بديعة، وعَنْوَنَه انطلاقاً من ذلك باسم «رسائل إلى نفسي»، صدر سنة 2010م.
وقد تركت أعماله الأدبية والفكرية العميقة أصداء في الوسط الفكري والثقافي المغربي كما في الأوساط العربية والفرنسية ، نظراً إلى العمق الفكري والتخييل الغني اللذين وسماها، ونظراً أيضاً إلى اللغة الأدبية القوية التي كتبت بها. وكان في كتاباته مناصراً للقضية الفلسطينية، ومدافعاً عن الحق الفلسطيني والعربي، في هذا السياق تأتي دراسة المليح عن "جان جينيه" والتي لا يمكن إدراجها في خانة الأعمال الأكاديمية. وهي ليست عرضاً نقدياً بالمعنى المألوف للكلمة. إنّها نوع من القراءة العميقة. يقول المليح: "كنت اكتب بمقدار ما أغوص في قراءتي لجينيه وأرافقه في رحلته. كنت أستوحي مما أقرأ". ثمة تقارب فعلي بين جان جينيه وإدمون عمران المليح. في كتاب «أسير عاشق» يروي "جينيه" انطباعاته حيال الفلسطينيين. وكان الكاتب الفرنسي فكّر في إنجاز هذا الكتاب منذ زيارته مخيّم صبرا وشاتيلا ومعاينته المذبحة. في كتاب «ألف عام يوم واحد»، يرصد المليح أيضاً الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982م، ومن خلاله يعاين ألم الشعبين اللبناني والفلسطيني. هناك نقطة التقاء ثانية بين المليح و"جينيه" تتكشّف من خلال تعامل الاثنين مع الحدث ونقله بطريقة لا تأتي على حساب الرؤية الأدبية. فقد أدرك المليح أن ثمة بين الأدب والسياسة خيطاً رفيعاً، لكن إذا زال هذا الخيط لا يعود الأدب أدباً ولا السياسة سياسة.

هكذا حصل المليح سنة 1996م على جائزة المغرب الكبرى للكتاب عن مجمل أعماله، وترجمت معظم كتبه إلى العربية، وحظيت بمتابعات نقدية تشيد بها وبالعوالم السردية التي قدمتها. وصدرت عنه مجموعة من الدراسات والكتب، نذكر منها كتاب «إدمون عمران المالح : مسارات كتابة»، للناقد بوعزة بنعشير، وهو باللغة الفرنسية، وقد صدر عن دار لارمتان سنة 1997م، وكتاب «الكتابة والهويات القاتلة»، للناقد يحيى بن الوليد، وهو باللغة العربية، وصدر عن منشورات مؤسسة إدمون عمران المليح سنة 2007م.

في الجزائر، توفي يوم 14 أيلول (سبتمبر) الماضي في العاصمة الفرنسية باريس المفكر والباحث والمؤرخ الجزائري محمد أركون ، عن عمر يناهز (82 عاماً).

والراحل من مواليد عام 1928م ، في بلدة "تاوريرت" في ولاية "تيزي وزو"، بمنطقة القبائل الكبرى الأمازيغية بالجزائر، درّس في جامعات عدة في أوروبا وأميركا والمغرب، واهتم بدراسة الفكر الإسلامي والوحي وتحليلهما. وقد أمضى أركون قسطاً كبيراً منها منكباً على دراسة الفكر الديني ، قارئاً وكاتباً ، مقتفياً آثار المفكرين والفلاسفة الإسلاميين التنويريين الكبار.وقد أشتهر بتوجهه ما بعد الحداثي في نقد العقل الإسلامي وفكر الحداثة ، واعتناقه المنهج الألسني النقدي ، محدداً ما يقصده بقراءة ودراسة القرآن الكريم بمعنى التحرر من القيود الإيمانية في التعامل مع ما جاء في الكتاب المقدس، معتبراً أن القراءات الإيمانية تستند إلى مبادئ ومسلمات يصعب جعلها مادة للنقاش عند أفراد المجتمع كافة ، مشيراً إلى أن هذا التعامل مع القرآن الكريم يرفض رفضاً قاطعاً التشكيك في محتواه، وفي هذا الإطار كان يدعو أركون المستشرقين إلى تفكيك البديهيات المؤسسة للتماسك لكل الإيمان، مطالباً بتطبيق نظريات فلسفية تهتم بتشريح المحتوى الديني بعيداً عن المتدثرين بعباءته والمتعصبين لمبادئه.
وقد كرّس أركون فكره ونقده للنظريات المتأصلة في الدين، داعياً إلى المزج بين دراسة الأديان السماوية في علم واحد مشترك.

ويعود لأركون الفضل في تطوير اختصاص علمي في تدريس تاريخ الفكر الإسلامي في الغرب عرف بـ «الإسلاميات التطبيقية» ، داعياً إلى تجاوز التعاطي مع الإسلاميات الكلاسيكية (أي الاستشراق التقليدي). كما دعا إلى تطبيق ما أنتجته علوم الإنسان والاجتماع، أي التاريخ والألسنيات والفلسفة والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، بالإضافة إلى استخدام البنيوية والتفكيكية والنقدية لدراسة الإسلام كنص ودين وتاريخ وسياسة، وقد انتقد الطريقة التي استخدمها الغربيون في دراسة الإسلام، كما انتقد الطريقة التي عالج ويعالج بها المسلمون دينهم وتاريخهم وفكرهم.

وقد ترك أركون مكتبة غنية بالمؤلفات والكتب ، من أهمها «الفكر العربي»، و «الإسلام: أصالة وممارسة»، و «تاريخية الفكر العربي الإسلامي» أو «نقد العقل الإسلامي»، و «الفكر الإسلامي: قراءة علمية»، و «الإسلام: الأخلاق والسياسة»، و «الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد»، و «العلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب»، و «من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي»، و «أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟»، و «القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني»، و«تاريخ الجماعات السرية»، وغيرها.

وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ودعت الجزائر الشيخ عبد الرحمان الجيلالي عن عمر يناهز(103 عاماً). عمل العلامة الجيلالي أستاذاً جامعياً ومدرسا للفقه المالكي. وقد اشتهر الجيلالي في كافة أرجاء المغرب العربي وشمال إفريقيا، بكتبه في أصول الدين الإسلامي وتاريخ الجزائر، وكذا أصول المعمار الإسلامي والعملة الجزائرية، ناهيك عن تاريخ المدن الجزائرية، إضافة إلى مصنفين حول سيرتي العالمين "عبد الرحمن محمد ابن خلدون" و"محمد بن أبي شنب" وهو شيخه وأستاذه، ويُحسب للراحل أنّه كان السبّاق إلى جمع ذاكرة الجزائر على نحو شامل وكامل في مصنّفه الفريد «تاريخ الجزائر العام» (صدرت منه ثماني طبعات)، قيل عنه إن كل من تعلم شيئاً من العربية في عاصمة الجزائر، تعلمه على يد الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، في العشرينات من القرن الماضي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى