الأحد ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم أحمد كمال زكي

أن تكتب رواية فيُساء تقييمها!

رسالة عتاب لديوان العرب

أن تكتب رواية، وتقرّر أن تشارك بها في مسابقة أدبية، فهذا أمر عادي ربما يحدث كل يوم بالبساطة نفسها التي تتناول بها كوبا من الشاي بالنعناع.. وأن تظهر نتيجة المسابقة التي شاركت فيها فلا تجد نفسك أحد الفائزين فهذا أيضا أمر عادي ولا شيء فيه.. لكن أن تجد كلاما عن روايتك من لجنة التحكيم يشي بعدم قدرة المُحكّم على الدخول إلى عالم الرواية، أو الإمساك بمفاتيحها.. فهذا هو الأمر غير العادي الذي يتطلب أن تتوقف أمامه حائرًا.. هل عليك أن ترد وتوضح.. أم تصمت ولا تعطِ للأمر اهتمامك؟ هل تصرخ في هذا الذي لم يُعطِ القراءة حقها، والتقييم قدره، فتسبب في ظلمٍ بيِّنٍ لعملٍ تعبت فيه وكنت تنتظر أن تجني ثمرة تعبك؟ أم تهمس بهدوء وموضوعية وتتحدث بلغة المُعاتب لا المُخاصم؟ وهل تطالب بتصحيح الوضع المغلوط، وإعادة التقييم الموضوعي لرد الحق إلى أهله.. أم تكتفي بإثبات الحالة، وتحتسب حقك عند الله؟

كل هذا دار في ذهني منذ اللحظة الأولى التي قرأت فيها تقييم لجنة التحكيم في مسابقة ديوان العرب للشباب لعام ٢٠١٠ لروايتي "موت".. لماذا؟ لأن كلام اللجنة عن الرواية يؤكد أن هناك تقصيرا تحكيميا جليا اعترى عملية التقييم!
ولن أدخل في تفاصيل نقدية، بالطبع، فهذا ليس دوري، وأتركه راضيا لكل من يقرأ الرواية سواء من النقاد أو من الأدباء والمثقفين، أو من القراء العاديين (وهم الأهم عندي).. ولكنني سأمنح نفسي – بعد إذن السادة أعضاء لجنة التحكيم المحترمين – حق التعليق على تقييم اللجنة لروايتي.

ولنبدأ من البداية.

فقد كتبت اللجنة الموقرة عن الرواية ما يلي:

رواية جميلة، تنهض على طرافة الموضوع وجدته: تجسيد التجريدي، نعني تشخيص الموت؛ منتظمة عبر نظام الفصول (١، ٢ ، ٣)، ومعتمدة على السارد في تقديم الأحداث ونسج المواقف. ومتبعة الزمن الطولي، وتنويع الضمائر بين الغائب عندما يتعلق الأمر بالسارد، والمتكلم في حالة حديث البطل ذاته ورصده للوقائع، وتستلهم التراث بما في ذلك توظيف الشعر والأساطير، وتتكئ بين الحين والآخر على الأسلوبين القرآني والرسائلي، واللجوء إلى الحلم، والتكرار، في دراية تامة بوظيفة الحكي المطلوبة روائيا. وأهم من كل ذلك، قدرة الروائي على التعبير بالصورة التخييلية المبتكرة، من مثل «كان الولد يضع في حصالة عمره أربعة عشر عاما»، و«لا ينسى رنة الحزن العبقري التي امتطت صوتها يومها»، و«امتطى صهوة الرجاء وطار إلى قريته»، و «وقال كلاما كثيرا أنبت للفتاة جناحين من الفل، وحلقا معا في سماء من البهجة».
والرواية تمجد الحب باعتباره قيمة إنسانية تساعد على مواجهة الموت.

هناك ملاحظة سلبية تتعلق بدخول البطل إلى مسرح الحدث. فقد تأخر ظهوره بعد مرور صفحات عدة من الرواية ووقوع إحداثيات متعددة تتصل بالموت. وكان من الأليق أن يحضر البطل منذ الصفحة الأولى. أما ما سبق ظهوره من وقائع، فكان من الممكن أن يستدعى عبر تقنية الفلاش باك أو التذكر مثلا.

انتهى كلام لجنة التحكيم، والآن يبدأ كلامي.

وحتى يكون التعليق منظما، ومنطقيا، سأجعله منتظما عبر نظام المقاطع (١، ٢ ، ٣)!!

1-
ذكرت لجنة التحكيم أن الرواية جسدت التجريدي، بمعنى تشخيص الموت، وهذا الكلام غير دقيق بالمرة.. فالرواية لم تسعَ في أي سطر منها إلى تشخيص الموت أو تحاول ذلك أصلا، وإن كان للمؤلف ديوان شعر بعنوان: "في حضرة الكائن الخرافي" يفعل ذلك.. ولكن الرواية لم تفعل؛ لأن هدفها ليس الموت نفسه، حتى لو كان اسم بطل الرواية هو "موت".. هل قلت "بطل الرواية"؟ معذرة.. أعني بطل/ بطلة الرواية! فالأحداث طول الوقت تتأرجح بين هذه الشخصية الغامضة التي تدور حولها الرواية.. فأحيانا نتعامل معه باعتباره بطلا (ذكرا)، وأحيانا نتعامل معه باعتباره بطلة (أنثى).. وحتى آخر كلمة في الرواية لا نعرف تحديدا هل هو بطل (ذكر) أم بطلة (أنثى).. وهذا الأمر لم يأتِ مصادفة بالتأكيد، ولكنه مقصود من المؤلف، وله دلالته وتأويله.. لكن – ويا للمصادفة – لم تنتبه لجنة التحكيم لهذا الأمر، أو انتبهت ولم تتوقف أمامه أو تكترث به!

وهناك ملاحظة أخرى تجاهلتها اللجنة أيضا.. فالرواية كلها، من أول كلمة إلى آخر كلمة لم تعرف الأسماء.. فالشخصيات كلها بلا أسماء تميزها.. الشخصية الوحيدة التي امتلكت اسما – حتى لو كان غريبا – في الرواية هو البطل/ البطلة: موت.. فهل كان هذا الأمر مصادفة؟ وكيف لم تلفت هذه المصادفة انتباه لجنة التحكيم الموقرة؟

وجدير بالذكر أن إطلاق اسم "موت" على الشخصية المحورية في الرواية لا يعني أننا نتحدث بالضرورة عن الموت، أو نحاول تشخيصه؛ لأن الحكم على الأشياء لا يأتي من مجرد أسمائها، ولكن من تصرفاتها وما يحيط بها من أحداث.

ولن أتورط بالطبع في ذكر الهدف من الرواية، أو المعنى الذي تحاول أن تناقشه، وإن كان الإهداء يكشف كثيرا من هذا الهدف، حيث جاء فيه: "إلى هؤلاءِ الذين يبحثونَ عن خرافةٍ للتعلُّقِ بها هربًا من الجهلِ والتخلُّفِ.. إلى مزيدٍ من الجهلِ والتخلفِ."

ولننتقل إلى نقطة أخرى ذكرتها لجنة التحكيم، والخاصة بتقسيم الرواية إلى نظام الفصول (١، ٢ ، ٣) وهو أمر غير دقيق، وأقول غير دقيق لأن الانطباع الأول قد يوحي بهذا التصور.. فالرواية مقسمة إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم يحمل مستوى مختلفا عن القسم الذي قبله، أو بالأحرى يحمل نقلة في مستوى السرد أو السرعة أو الحدث.. ولا شك أن اللجنة الموقرة تدرك الفارق الكبير بين تقسيم رواية إلى فصول، تسير على وتيرة واحدة بدون وجود نقلات سردية، وتقسيمها إلى أقسام متباينة الأداء السردي واللغوي والحدثي.. مع احتواء كل قسم على عدد من اللوحات أو المقاطع التي لا يميزها رقم أو عنوان.

2-
ذكرت لجنة التحكيم أن: "الرواية تمجد الحب باعتباره قيمة إنسانية تساعد على مواجهة الموت"، وهو كلام غير دقيق أيضا، يؤكد – مرة أخرى – عدم تعامل اللجنة مع العمل بما يستحق من تركيز واهتمام؛ لأن الرواية لا تطرح هذا المعنى أبدا، وإن كانت بالطبع تمجد الحب كقيمة إنسانية.. لكن حتى هذا التمجيد لم تقصد إليه الرواية، ولم تتعمده، وإنما جاء بشكل عابر من خلال بطلي الرواية الرئيسين في قسمها الثالث – والأخير – ولم يُذكر الحب باعتباره قيمة إنسانية تساعد على مواجهة الموت كما ذكرت اللجنة الموقرة، ولكنه ذكر كوسيلة لمواجهة، أو بالأحرى، إفساد تأثير اللعنة المفترضة التي تصيب كل من يقترب من بطل/ بطلة الرواية: موت! وأعتقد أن الفارق كبير جدا بين المعنيين، خاصة إذا عدنا إلى تأكيد أن الرواية لا تتحدث عن الموت أصلا إلا باعتباره عرضا أو وسيلة لإظهار تجليات اللعنة، خاصة في القسم الأول من الرواية الذي يقوم على أحداث غرائبية متسارعة.

3-
ونأتي الآن إلى الجزء الأخير في التعليق على لجنة التحكيم، والذي جاء فيه: "هناك ملاحظة سلبية تتعلق بدخول البطل إلى مسرح الحدث. فقد تأخر ظهوره بعد مرور صفحات عدة من الرواية ووقوع إحداثيات متعددة تتصل بالموت. وكان من الأليق أن يحضر البطل منذ الصفحة الأولى. أما ما سبق ظهوره من وقائع، فكان من الممكن أن يستدعى عبر تقنية الفلاش باك أو التذكر مثلا."
المثير في الأمر أن البطل لم يدخل أبدا إلى مسرح الحدث!

وربما هذا أكثر ما أثار استيائي عندما قرأت ما ذكرته لجنة التحكيم عن روايتي.. لماذا؟ لأنني شعرت أن اللجنة الموقرة تتحدث عن رواية أخرى غير روايتي.. أو أنها – أي اللجنة – لم تنجح في قراءة الرواية جيدا.. وفي الحالتين النتيجة واحدة: ظلم الرواية.

فلا شك أن هذه الملاحظة السلبية التي ذكرتها لجنة التحكيم كانت سببا في زحزحة الرواية من مركز متقدم – ربما – إلى مركز متأخر، وهذا ظلم بيِّن، خاصة إذا كانت الملاحظة السلبية، تسلب الرواية حقها في مكان مختلف لسبب غير صحيح. فلا البطل/ البطلة دخل إلى مسرح الحدث، ولا ظهوره تأخر بعد مرور صفحات عدة من الرواية، وبالتالي كان من الأليق باللجنة الموقرة أن تدرك منذ الصفحة الأولى أننا نتحدث عن بطل غائب/ حاضر منذ السطر الأول في الرواية، وحتى السطر الأخير فيها.

فنحن من البداية نتحدث عن مولود أو مولودة أشرفت على عملية خروجه إلى الحياة قابلتين، قالت إحداهما لأبيه – قبل أن يموت – إنه ولد، بينما أقسمت الأخرى أنه بنت!

وفي النهاية نتحدث عن الفتى والفتاة اللذين تزوجا، وكلاهما كان يعتقد أن الآخر هو "موت"؛ لأن كليهما التقى بـ "موت" في فترة من حياته، الفتى التقى بـ "موت" الأنثى، والفتاة التقت بـ "موت" الذكر.. لكن أحدهما لم يتأكد يقينا من هذه المعلومة المخاتلة.. فالفتى يؤكد أن موتا كان بنتا والفتاة تؤكد أنه كان ولدا.. والفتى يؤكد أن الفتاة ليست سوى "موت"، والفتاة تؤكد أن الفتى ليس سوى "موت"!

لكن كل هذا لم يلفت انتباه لجنة التحكيم المحترمة، ولم تنتبه إلى أن البطل لم يدخل أبدا في أي لحظة، أو أي مستوى، أو أي قسم، إلى مسرح الحدث.. لأنه دائما كان الغائب الحاضر.. ودائما كان حضوره من خلال الآخرين.. سواء هؤلاء الذين تعاملوا معه مباشرة، أو الذين سمعوا عن أسطورته فصدقوها ولاكوها في مجالسهم بعد أن أضافوا إليها الكثير من أوهامهم.. ولا أدري كيف كان من الممكن أن يتم استدعاء ما سبق ظهور البطل – الذي لم يظهر أصلا – من وقائع عبر تقنية الفلاش باك أو التذكر مثلا حسب اقتراح لجنة التحكيم؟!

إن هذا التقييم ترك غصة في نفسي، وجعلني محبطا من المسابقة ولجنتها، ليس لأن الرواية لم تفز.. فهذا كما ذكرت في أول المقال أمر يشبه تناول كوب من الشاي بالنعناع صباح كل يوم، ولكن ما ضايقني – غير ظلم الرواية – هو إحساسي بعدم منح لجنة التحكيم الاهتمام الكافي للعمل، وهو أمر يثير الأسى ويشيع في النفس قدرا كبيرا من عدم الثقة بالمسابقات ولجانها التحكيمية!

ولست في حاجة هنا إلى التأكيد على احترامي لأعضاء لجنة التحكيم المحترمين، وعدم التشكيك أبدا في نزاهتهم أو موضوعيتهم في تقييم الأعمال المشاركة.. وإنما ما أود طرحه هو أشبه بعتاب محب، كان يرجو أن تمنح اللجنة المحترمة عمله ما يستحق من اهتمام وتركيز.
رسالة عتاب لديوان العرب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى