الأربعاء ٢ آذار (مارس) ٢٠١١
عبدالرحمن يوسف شاعر الثورة

ثورة الصبار

 منعت كتبي في العديد من الدول العربية لأنها تحرض على الثورة (وأخواتها).
 أعتقد أننا لا بد أن نمدح النهار، بدلا من هجاء الظلام.
 أعلن عن بدء إذاعة التغيير ومقرها ميدان التحرير بالقاهرة.
 لم أكن أتوقع مكافآت على ما أكتبه.
 غالبية النقاد يخافون أن يكتبوا عني أصلا.

  شاركت في الثورة منذ يومها الأول، هل تنوي أن تكتبها في يوميات؟
وماذا ستطلق عليها؟

 من فضل الله عليّ أن شرفني بالمشاركة في هذه الثورة، وقد بدأت كتابة مذكراتي في ميدان التحرير، منذ يوم 25 يناير، وحتى يوم تنحي الرئيس المخلوع مبارك.

وهذه اليوميات ستكون نواة لكتاب أكبر يحاول أن يجيب عن سؤال: كيف حدث التغيير في مصر؟

وأعتقد أنني سأطلق على الكتاب (يوميات ثورة الصبّار).

 أطلق البعض على الثورة اسم «ثورة الصبّار»، والبعض قال إنها «ثورة الورود»، أيهما أقرب للحقيقة؟
 أظن أنه لا مشاحة في الاصطلاح!
وأظن أيضا أنني أول من أطلق اسم (ثورة الصبار) على هذه الثورة العظيمة.
وأظن أن هذا الاسم أنسب، لأن بؤرة أحداث الثورة كانت في ميدان التحرير، ونحن كنا معتصمين هناك برغم من محاولات منع الماء والغذاء والدواء والاتصالات عنا!

الصبّار... يعيش سنوات مع منع الماء عنه!

وحين هاجمونا في الميدان ذاقوا أشواكنا في حلوقهم، وارتدت سهامهم إليهم.

والصبّار... يواجه كل الحيوانات التي تحاول التهامه بأشواكه، فلا يستطيع أن يأكله إلا حيوان واحد، هو الجمل، بل إن صبّارنا استطاع أن يقاوم هجمات جمال الحزب الوطني...!

وهناك أنواع كثيرة من الصبّار، ومنها ما يحمل الزهور والثمار، ونحن – كما نحمل الشوك – نحمل كذلك الزهور والثمار والخير العميم لأهلنا وبلدنا!

 وقوفك بجانب الثورة والثوار منذ اليوم الأول هل يعني أنك راهنت على نجاحها؟ أم كانت هناك مخاطرة؟
 لقد وقفت مع الثورة وحرّضت عليها قبل أن تقوم بسنوات طويلة!
كنت على يقين أن التغيير قادم، وفي العامين الأخيرين كنت أراه قريبا جدا، وفي الشهور الأخيرة كنت أقول لمن حولي إني أكاد ألمس النصر بيدي، وأبصره بعيني، وأسمعه بأذني، وأشمه كعطر من الجنة!

لقد خاطرت منذ قررت أن أسبح ضد التيار منذ سنوات، وأنا ولله الحمد راض بما فعلت، وفخور أنني كنت فردا في هذا الجيش العظيم الذي حقق هذا النصر.

  قلت إن هناك من ركب الموجة بعد نجاح الثورة، من هم؟ وما السبب في لجوئهم إلى هذا الامر؟ وهل نجحوا؟
 هناك من حاول أن يظهر نفسه على أنه "مفجر الثورة"، وهناك من حاول أن يظهر نفسه على أنه "منظر الثورة"، وهناك من حاول أن يظهر نفسه على أنه "محرك الثورة"...!

وكلٌ له غرض، والغرض مرض...!

البعض يحاول تسويق نفسه كأنه شاعر الثورة، والبعض يحاول إعطاء نفسه صفة المتحدث الرسمي باسم الثورة، وهناك من يحاول أن يغسل ماضيه القذر بأن يكتب مناصرا الثورة بعد أن أمضى عمره كله يعير كل الذين حرضوا على هذه الثورة العظيمة!

 ماذا عنك؟ ألست الآن شاعر الثورة؟
 أنا شاعر مصري، اسمي عبدالرحمن يوسف، هذا ما أقوله عن نفسي، ودائما أنبه على من يقدمني في الندوات أن لا يذكر كلمة (الشاعر الكبير)، ولم أقبل أن يكتب لي أي اسم كبير مقدمة أي ديوان من دواويني حرصا على أن تقدم القصيدة نفسها.

لم أسع يوما إلى لقب، ولم أتقدم طيلة حياتي تقريبا إلى مسابقة أو جائزة أو منصب، ولم أتلق أي مقابل مادي لإحياء ندوة، وأنا سعيد وراض بما قسمه الله لي...!

هناك من شرفني بهذا اللقب، وأنا لا أقبله أو أرفضه، لأن ذلك ليس من حقي، فأنا رجل صاحب تجربة شعرية، ومن حق الناس أن تقيمها بأي شكل من الأشكال.

 ما رأيك في العقبات التي تواجه الثورة الآن؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟
 الثورة الآن قد حققت إنجازها الأكبر، وهو إزاحة المستبد حسني مبارك، وإزاحة المنظومة السياسية الفاسدة التي كانت تخدم استبداده.

التحدي الأكبر الآن هو وضع منظومة جديدة تضمن للمصريين عدم مجيء مستبد آخر، وتضمن لهم قدرتهم على محاسبة ومعاقبة وعزل أي رئيس أو مسؤول لا يؤدي واجبه كخادم للأمة.

 ما هي القصيدة التي تتوقف أمامها بالإعجاب، وتتمنى لو تستطيع كتابة مثلها؟
 هي القصيدة التي تخترق حواجز الزمان والمكان!

الشعر الجيد، هو ذلك الشعر الذي يسمعه الناس في أماكن مختلفة، وفي أزمان مختلفة فيجدونه يعبر عنهم، ويصف حالهم، ويحلل مشاكلهم، ويؤشر باتجاه الحل.

  هل كتبت شيئا فيه هذه الصفات؟
من الصعب أن أقيِّم نفسي!

  هل قال الآخرون عنك أنك كتبت مثل هذا النوع من الشعر الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان؟
 قيل ذلك عن بعض قصائدي التي ظن البعض أنني كتبتها عن الرئيس المخلوع مبارك، ثم رأينا الناس يتغنون بها في تونس، والجزائر، والأردن، واليمن...الخ

 هل هجوت مبارك؟
 لقد هجوت الظلم، فإن كان ظالما فقد هجوته!
لقد تعمدت أن لا أذكره بالاسم، لكي لا يدخل التاريخ من بوابة شعري، فتعلمت من درس المتنبي مع كافور الإخشيدي.
ولأنني لم أذكر اسما في قصائدي، ولأن الداء في أغلب الدول العربية واحد، فقد وجد كل مواطن عربي شكواه في قصائدي، وظن كل عربي أنني أهجو رئيسه هو، ومنعت كتبي في العديد من الدول العربية لأنها تحرض على الثورة (وأخواتها)، فصارت قصائدي رقما يقبل القسمة على جميع الظلمة!

 ما هي القصيدة التي تليق بما يحدث في مصر الآن؟
 أعتقد أننا لا بد أن نمدح النهار، بدلا من هجاء الظلام...!

 كان لك السبق في إنشاء إذاعة أطلقت عليها اسم (التغيير) في إثناء الثورة، ما الهدف منها؟ وهل نجحت في تحقيق الهدف؟
 كان ذلك في يوم 25 يناير 2011، في ميدان التحرير، وكانت هناك مشكلة في كيفية التعامل مع كل هذه الحشود التي تجمعت في الميدان ولا يربط بينها رابط، فأغلب الحاضرين كانوا من غير المسيسين، وكان الجميع لا يعرف ما الذي ينبغي عمله بعد ذلك!

لذلك، كلفت الشباب بشراء سماعات وميكروفون فورا، وكان الهدف بالطبع هو عمل إذاعة لنتمكن من توجيه هذا الجمهور، بدلا من أن يظل بلا هدف.

وقررنا أن نأخذ كهرباء من عامود النور بجوار إشارة المرور المطلة على الميدان باتجاه مطعم (هارديز)، وحين احتجنا كهربائيا، وجدنا العديد من الكهربائيين ضمن المتظاهرين!

كنت في قمة السعادة، فهذا التجمع يضم طبقات متعددة، طلبة في الجامعة الأمريكية، وفي الجامعات المصرية، ومهنيين، وفلاحين، فقراء وأغنياء، بنين وبنات، وهذه ظاهرة جديدة في الحياة السياسية المصرية، فالمتظاهرون من طبقات شتى، ولا يعرفون بعضهم البعض!

بعدها، أمسكت بالميكروفون، وقلت:

بسم الله الرحمن الرحيم

يا شباب مصر...
أعلن عن بدء إذاعة التغيير ومقرها ميدان التحرير بالقاهرة...!
فانفجر جمهور الحاضرين بالتصفيق والهتاف...!

ثم أكملت كلامي: يعد برامجها، ويحررها، ويقدمها، شباب مصر الثائر المعتصم بميدان التحرير...!

 ما الدور الذي يلعبه النقد في رأيك؟ وهل نلت حقك من النقد بعد صدور 7 دواوين؟
 دور النقد معروف، فهو يحاول بشتى الطرق أن يعمق فهمنا للنص، لكي يزيد استمتاعنا به، وهو حين يؤدي تلك المهمة يسلط الضوء على ما يستحق، ويوضح ما لا يستحق، فيظهر للناس المعدن الأصيل، والمعدن المغشوش.

هذه ما ينبغي أن يكون!

ولكن ما هو كائن فعلا أمر آخر!

للأسف... أنا من الذين يعتقدون أن النقد انحرف عن مساره الذي ينبغي أن يسير فيه، شأنه شأن أشياء كثيرة فسدت وانحرفت، فقد أصبحت الشللية والمصالح عنوان المرحلة!

لذلك لم أنل حظي من النقد بأي شكل من الأشكال، بل إنني أزعم أن غالبية النقاد يخافون أن يكتبوا عني أصلا، وذلك بسبب مواقفي السياسية، وأنا في كتاباتهم ومسابقاتهم وجوائزهم زاهد كل الزهد، ومنذ البداية لم أكن أتوقع مكافآت على ما أكتبه، بل توقعت المحن، ويشاء الله سبحانه أن تتغير الأمور.

  لمن تكتب الشعر؟ ولماذا؟
 أكتب الشعر لنفسي أولا، فالقصيدة بالنسبة لي إنجاز فردي، وهي إنجازي الأعظم في الحياة، ولا يضاهيها أي إنجاز!

الشعر يحقق الوجود، والشاعر الحقيقي حين يعجز عن الكتابة يشعر أنه غير موجود على سطح الأرض...!

الحياة، والموت، كلاهما أمر مرهون بالبقاء على قيد الكتابة...!

 لماذا تنحاز إلى شعر الفصحى؟
 وهل يكون الشعر إلا فصيحا...؟

  قد يكون عاميا!
 كتبت بالعامية، ولكني أعتبر الشعر الحقيقي الذي سيبقى للناس على مر العصور، والذي سيدخل التاريخ (إذا كان يستحق)، هو ما كتب بالفصحى.

 مم تخاف؟
 من أشياء كثيرة، ولكني أخاف أكثر ما أخاف من المرض...!

 ماذا تتمنى للوطن ولمن تحب؟
 أتمنى للوطن أن يكتب قصيدته المشرقة، وأن يبدأ عهدا جديدا، وأن يتغير السلام الجمهوري!

وأتمنى لكل من أحبهم أن ينالوا شرف المشاركة في بناء هذا الوطن.

نقلاً عن جريدة الأخبار


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى