السبت ٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم مهند النابلسي

كبسولة القرن العشرين!

طلبت معلمة الانجليزي من طلابها تحديد عشرة بنود صغيرة لوضعها في كبسولة مغلقة، حتى إذا ما مر الزمان وجاء أحفادنا واكتشفوها، استطاعوا من خلالها تحديد طبيعة الحياة في العقد الأخير من القرن العشرين. وفكر تلميذ نابه واختار أن يضع ما يلي داخل كبسولة الزمان:
 صورة فوتوغرافية ملونة لمحطة الفضاء الروسية مير وهي تمخر عباب الفضاء.
 صورة فوتوغرافية صغيرة لطائرة الستيلت الأمريكية وهي تلقي بقنابلها الموجهة بالليزر نحو يوغوسلافيا أو العراق أو افغانستان لا فرق.
 رقاقة كمبيوتر صغيرة.
 تلفون خلوي متطور.
 كاميرا رقمية صغيرة.
 كاسيت لفلم كرتون جديد من إنتاج والت ديزني.
 صورة ملون معبرة لصفحة الانترنت لمحطة التلفزة الشهيرة سي إن إن.
 وحدة النقد الاوروبية الجديدة (اليورو).
 عينة صغيرة من الاسمنت الفائق القوة.
 صورة فوتوغرافية معبرة لمأساة لاجئ كوسوفو في الجزء الأعلى، ومنظر لمجزرة اسرائيلية تقتلع شجر زيتون في قرية فلسطينية في الجزء الأسفل من الصورة وذلك أمام رأي أصحاب الأرض المحتجين!

وبالفعل فقد دفنت الكبسولة في بئر مهجور، ومر عليها قرن من الزمان، وعثر عليها تلميذ نبيه آخر، ففتحها بدهشة وفضول واطلع على محتوياتها، وكتب موضوع إنشاء مدرسي واصفاً محتوياتها على الشكل التالي:

لقد كان هناك تعاون عالمي منظور في مجال استكشاف الفضاء الخارجي، وبقيت هناك قوة عالمية أحادية مهيمنة على مقدرات العالم ترسم خرائط الدول وتعاقب من تشاء بالقنابل والدمار، ولهذه القوة الكونية مصالح متناقضة فهي مرة تعاقب دولة ما لطغيان قادتها ونزعتهم الإجرامية في التطهير العرقي ومرة أخرى تدعم دولة ظالمة اسمها (اسرائيل) وتساعدها على الاستيطان وقتل الفلسطينيين (أصحاب الأرض) وهدم البيوت وقلع الأشجار. واستنتج التلميذ النبيه أن عالم العقد الأخير من القرن العشرين كان عالماً غير متوازناً تحكمه المعايير المزدوجة وشريعة الغاب بالرغم من التطور الحضاري المذهل نسبياً.

وعزا التطورات المذهلة لتقدم تقنيات الحاسوب وظهور الانترنت وانتشار وسائل الاتصال، حيث أصبح انتقال المعلومات بسرعة سمة العصر.. واستنتج ذاك التلميذ المجهول الذي سيأتي بعد مئة عام بأن هناك ثقافة أحادية التوجه تسيطر على العالم وتصهر الأفكار والعقائد في بوتقة واحدة، وأن حيز الثقافة البصرية – السمعية يحتل نفس الحيز الذي كانت تحتله ثقافة الكتاب المطبوع.. هكذا كتب في موضوعه الإنشائي:

لقد كادت إمكانات طفل في العاشرة أن تفوق قدرات شيخ في الستين من ناحية القدرة على تطوير مهارات التعامل مع الحاسوب والانترنت.. واستمر في استنتاجاته الذكية فلاحظ أن وحدة اليورو تشير لتشكل اقتصاديات إقليمية ضخمة جديدة تسعى لمواجهة المنافسة الدولية وربما الأمريكية، وهذا مؤشر على دخول عصر العولمة والتكتلات الاقتصادية الضخمة.. ثم انبهر لمرأى عينة الاسمنت ففهم أن الاسمنت بقي محافظاً على أهميته القصوى كمادة بناء أرضية قادرة على اجتياز تحديات الزمان. سره جداً اكتشافه للكبسولة ولم يخبر أحداً، فقرر أن يبقى موضوعه الإنشائي طي الكتمان، ونام وهو ملئ بالدهشة والحماس وحلم بالمكافأة التي سيجنيها بعد أن يقدم الكبسولة لقائد مركبة الفضاء عندما ينطلق مع والديه في رحلة المريخ الموعود بها في إجازته الصيفية القادمة!

وتمنى لويجد كبسولة اخرى جديدة تتحدث عن العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين وتستنطق التاريخ ! فتخيل كوارث بيئية وبراكين وزلازل، وربما كوارث فضائية تنجو منها الأرض بمعجزة ربانية! كما توقع تطورا مذهلا في كافة الابحاث العلمية والصناعية والفضائية والطبية قد يتوج بايجاد علاج للأمراض المستعصية واطالة عمر الانسان، وتفاءل عندما تخيل ايجابيات هذه الانجازات، وثمار العولمة وتطور الحاسوب الشخصي وتقنيات (تكنولوجيا المعلومات) التي توجت بانشاء مجتمع عالمي اسمه (الفيس بوك) (والتويتر)، وسعد عندما علم ان الشعوب العربية أفاقت أخيرا في العقد الثاني من غيبوبتها التاريخية وثارت على طغاتها، وحيث بدأت ثورات شعبية عارمة في تونس ومصر وليبيا، وانتقلت العدوى لدول عربية اخرى واحدة تلو الاخرى تباعا.....فالشعوب العربية تثور ولم تعد تقبل (الطغيان والفساد والتخلف والعنجهية والعبودية)، وتريد اسوة بالشعوب الاخرى أن تعيش وتستنشق هواء الحرية المنعش، وان تنطلق الى آفاق المستقبل والحضارة وأن تنعم بالكرامة والعزة والاحترام، كما انها تريد ان تستفيد من التوزيع العادل للعادل للثروات، التي كانت حكرا على الطغاة وأزلامهم ومحاسيبهم (والبلطجية والمرتزقة)، عدا (الامبريالة-الرأسمالية) العالمية والشركات الاحتكارية العابرة للقارات! وسر كثيرا عندما علم ان (انتفاضة شعوب العالم العربي) أصبحت نموذجا عالميا يقتدى به لكافة الشعوب الاخرى (المغلوب على أمرها) بل وأصبحت تدرس في المعاهد والجامعات العالمية اسوة بالثورات الفرنسية والروسية و(انهيار جدار برلين)، وسرح في توقعاته فتمنى بل وتوقع (انهيار اسرائيل المغتصبة وجدارها العازل) خلال سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وخاصة مع تحرر العرب من ثقافة (الهزيمة والخوف) ورموزهما، وامتدادا لانطلاقة (الشجاعة والجرأة) التي ولدتها الثورات العربية الشعبية .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى