الثلاثاء ١٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم عبد الجبار الحمدي

غيرة العشرين

أشعلتَ عود الثقاب لتوقد شمع عيد ميلادي ..وبعدها شاركتني في إطفائه، ثم قلت لي:
 عيد ميلاد سعيد حبيبتي،

دون أن تدعو أحدا، لقد نسيت أن أدعو الأهل والأصدقاء هذا هو عذرك، ثم قبلتني على جبيني لتُذكرني أني بلغت الخمسين ... ولا يكفيك هذا!! فحين افتح هديتك أجدها وشاحا اسود، كأنك تقول لي.. إنك حزين على تلك السنين الماضية، وإلا ماذا تفسر جلوسك في غرفة المكتب طوال الليل، ومتى سألتك تبتسم لي وتنظر من فوق عدسات عويناتك، مُعَلِقا.. لدي قضية هامة، بعدها تحتسي القهوة المُرّة، بدل عصير التفاح، أهكذا عشرتي معك مُرّة!؟

حتى في يوم ميلادي! إذن لِمَ تحتفل!!؟ يا الله .. كم خدعني هذا الرجل؟ لا أدري كيف أصف مشاعري! لذا انزويت وحيدة في غرفتي، أهز نفسي على كرسيي عله يعود بي إلى الوراء لأعيد حساباتي، وجاء الصباح فحسمت أمري غاضبة فخرجت، أما هو فلم يحاول البحث عني، أو السؤال، وقلت لابنتي: أرايتي ما فعل والدك!! لقد تركني، وأخذت أقص عليها أحاسيسي وظنوني، لم تُعَلق فقد أشغلت نفسها بولدها الصغير، وسار اليوم بطيئا مملا، فأنا لم أتعود البعاد عنه، وجاء زوج ابنتي يحمل الضجر لي، كباقة ورد هكذا شعرت، رغم أني لم أتعود ذلك منه، كما شعرت بخيبة أمل، لم يحاول أي أحد من أبنائي السؤال عني، ولم تشي ابنتي سر غضبي إلى العائلة عبر الهاتف، وهو أيضا.. تنكر لكل السنين، ألا يقدر رحيق شبابي الذي نثرته ملاذا من صدمات! ألا يشعر بفراغ؟ وعدم احتوائي له بين ردهات وأيام حياته؟ يا له من ناكر للجميل، أتراني خدعت كل تلك السنين بكلامه المعسول ومشاعره؟! ضاق صدري، فخرجت إلى الحديقة، أبحث عن هواء نقي، بعد أن أتلفت العزلة وهواجس العمر كل صور ذكرياتي الجميلة، وطفق بي، أطبقت الأوجاع على شرايين قلبي، تمايلتُ ترنحا، الغمام يسدل شبحه على عينيي، لم أمُيز ماذا يحدث لي؟ وقتها لم اسمح سوى الصراخ.

غبت عن الوعي، لا أدري كم من الوقت مضى، وحينما أفقت وجدت الجميع واقفا حولي، أما هو فقد كان جالسا بقربي، ممسكا بيدي، والتي عصرها بشدة ما أن رآني أنظر إليه، فقال:
 كل عام وأنت بألف خير حبيبتي،

ثم قبل يدي وقبل جبيني وخدي، لكني هذه المرة أحسست ببراعم حروف الحب ينطقها بل يكتبها قصيدة على جبيني، كأنه شاعر يُلقي قصيدته لأول مرة، مرتعشا خائفا، وهمس لي: «لا تتركيني فأنت عمري، بل الهواء الذي أتنفسه، لا أقوى على الحياة بدونك، أرجوك لا تتركيني»، استغربت في نفسي كأني في حلم، أين لحظات الأمس من اليوم، وبينما أنا في سارحة في مخيلتي، فجأة دخلت عربة عليها (كعكة الميلاد) وكان بها خمسة شموع، فقالت نفسي: ما أن أدخل الفرحة على قلبي، حتى ذكرني بأني امرأة بلغت الخمسين، يا له من جاحد، دخلت الهواجس العمياء إلى براعم لساني، فلم أعد أحتمل ما أسمع من وسوستها، فصرخت وسط وجوم كل أفراد عائلتنا وأقربائي، ألا زلت تدعي أنك تحبني؟ هل ترون ماذا يفعل!! بالأمس احتفل بعيد ميلادنا لوحدنا، ودون أن يتذكر أن يدعو أي أحد منكم أو من الأصدقاء، واكتفى مطويا بغرفة مكتبه، يدعي أنه يُحضر لقضية المهمة، دون أن يشعرني أني نصفه المكمل لحياته، أتراها أهم مني؟؟ وهاهو اليوم.. وبعد أن تركت المنزل غاضبة، لم يحاول الاتصال بأي أحدا منكم، ليسأل عني، أو سؤالي حين خرجت من المنزل، وهاهو اليوم أمامكم يحتفل بعيد ميلادي، وقد وضع خمس شمعات ليذكرني بأني بلغت الخمسين، فجأة تحول الوجوم بعد سماعهم ما قالت إلى ضحكات عالية، أبنتها الكبرى قالت: أمي لم أعلم انك تحبين أبي إلى هذه الدرجة، وابنها قال:
 يا ليت زوجتي تغار علي وتحبني مثل حبك لأبي، ارتسم الحنق على وجه زوجته مع وكزة في خاصرته منها، ابتلعها ضحكا مع قبلة طبعها على خدها، وهكذا شعر الجميع ولأول مرة بغيرة والدتهم، فقالت ابنتها الصغرى: إن فكرة عدد الشموع فكرتي، كما أنها ليست خمس شمعات بل سبع، فكما تعلمين أن عددنا كعائلة سبعة، فنحن خمس أولاد وأنت ووالدي، فيكون المجموع سبعة، إضافة إلى أن عيد ميلادك يصادف اليوم وليس الأمس، فذلك العيد كان خاصا لكما أنتم الاثنين فقط، لم نعلم به إلا الآن ومنك أنتِ، احمرت والدتها خجلا، حين سمعت ما قالته ابنتها، وكانت قد أخبرت إخوتها ووالدها عن حنقها وخروجها من المنزل لهذا السبب، تلعثمت ولم تستطع أن تقول أي شيء، واخرج زوجها الوشاح الأسود الذي أحضره هدية لها وقال: أما الوشاح فلو نظرت إليه جيدا وقر أتي النقش الذي عليه، لما تخيل لك كل ذلك، وفتح الوشاح وإذا نقش عليه (إلى سر وجودي ... آمال )، الكل صاح يا الله انه وشاح رائع، فقالت ابنتها الكبرى: انظري يا أمي لقد طرزت العبارة بخيوط من ذهب، خجلت من تصرفها أمام أولادها، ومدت يدها لتمسك يده قائلة له: سامحني يا حبيبي فالفتاة العاشقة بداخلي، هي التي تصرفت، وليس السنون الخمسين، أغفر لي غيرتي عليك، فقال لها: لا عليك.. فأنا سعيد جدا، فهذا يعني انك لا زلتي فتاتي التي في العشرين، ورمت بنفسها في حضنه وسط تهليل وفرحة الجميع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى