السبت ١٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم زاهية بنت البحر

تذكرتُ

بعد سنين وسنين طويلة عاد إليها زوجها معتذرا عن غيابه، قابلته، وكان هذا الحواربينهما.

تذكرتُ.. نعم تذكرتُ أنت لم تسافر، والبيت ما زال يسكنك، يرصد دقاتِ قلبك المتأرجة بين القوة والضعف، ويقرأ فكرك الضائع بين الشك واليقين، يعد أنفاسك شهيقاً وزفيرا، أنت لم تسافر، والبيت ما زال يسكنكَ.

 من هو المسافر إذن يا برتقالة ما بعد الفصول، يا وهج الخرافاتِ؟ أذكر أني أغلقت الباب ورائي، وأنا أحمل حقيبة السفر، كانت عيناكِ في تلك اللحظة مشبعة بالقهر دمعاً، وأنفاسك تتقطع بالحرقة ألماً، وعندما أُغلق باب الطائرة سمعت صوتك يخترق البعد نحيباً، رأيت ضفائر الشمس تحترق فوق كتفيك حسرة..
كان الجو حاراً في المدينة آنذاك، لاأظنك نسيت رائحة الدمع التي كانت تفوح من عينيك مخضَّبة بالرجاء، وظلت قابعة في أنوفنا يعبق بها المكان، واليوم تخمرَّ الدمع فوق جفنيك بفقد الكف التي كانت تمسحة بالحنان، ألم تري ذبول عينيك، واصفرار خديك، وترهل جسدك، وتشقق يديك بالفقدِ شوقاً ليدي وتقولين لم أسافر؟!

 ما زال البيت يسكنك هنا وفي كل مكان عشت فيه، لم تكن سعيداً خارج قفص الذكريات، أتظن أنك كنت حراً تفعل ماتشاء، وتقتل من تشاء، وتعشق من تشاء متى تشاء؟

- أو لم تكن تعلم أنني ورغم ابتعادك عني ويباس أغصان الحدائق في قلبي، وتساقط أوراق الشجر، فإنَّ الربيع ظلَّ يزورني بأسراب السنونو، و الشتاءُ بحبَّات المطر، والصباحُ بضفائر النور، أما أنت فقد ضاع منك كل شيء.. كل شيء..
 إلا أنت ِ
 أنا تقدمتُ بالسنين إلى الأمام فكرا وعاطفة، لم يعد باستطاعتي اللقاء بك لأنك مازلت في البيت العتيق، والبيت ما زال يسكنك..
 فلنعد إلى بيتنا إذاً ولنسكنه معاً ولنعـيـــ
 ألم أخبرك بعد بأن عمال البلدية هدموا البيت، وشقوا مكانه طريقاً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى