الاثنين ٢١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم صبحي فحماوي

الكُتّاب والنقاد والناشرون هم السبب!

عندما زلزلت الأرض العربية، وانبثق ربيع مشرق جديد في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، قادته عقول الشباب، بتدبيرهم، وبقدرة سواعدهم، وبتقديم دمائهم رخيصة للوطن، قرأنا وسمعنا وشاهدنا في وسائل الإعلام المختلفة عن الكُتاب العرب المنكفئين على أنفسهم، وغير المساهمين في تنوير الأمة، والدفع باتجاه تخليصها من براثن الدكتاتوريات المتحالفة مع الرأسمالية المتوحشة، والسائرين على طريقة: (مشي حالك يا رجل!) أو (اركب الموج يا راجل!)

 وعندما زارنا الروائي صنع الله إبراهيم في رابطة الكتاب الأردنيين قبل عدة سنوات، بعد أن رفض جائزة الدولة التقديرية، وقيمتها مائة ألف جنيه مصري، معلناً أن هذه الجائزة هي من حكومة لا تنتمي لشعبها، فاستحق بذلك جائزة الشعب التقديرية، وهو المحتاج اجتماعياً للقرش، قال في عمان: (..إنني لا أثق بالكُتاب..) وفسر ذلك بقوله: إن مثل هؤلاء الكتاب، يكتبون لك عن أي شيء تريده، أو يتماهون مع الوضع الراهن، فلا يقدمون شيئاً جديداً ذا بال، ولا يدفعون بالأمة نحو التغيير والتطوير.. ومن بعض ما شاهدنا، من كان يكيل المديح تلو المديح للقائد الزعيم، وبعدما يأفل نجمه، يلحقه بالتجريح فوق التجريح، كما يحصل في هذه الأيام!
 وللمثال على ذلك نجد أن جابر عصفور الذي كانوا يسمونه" مثقف التنوير" قد قفز على جائزة العقيد معمر القذافي، بعد أن رفضها الكاتب الإسباني الإنساني الكبير غويتيسولو، تضامنا منه مع الشعب الليبي المقهور! أليس الكاتب العربي أولى برفض التمسح بالزعيم العربي الدكتاتور، من الإسباني، الذي ندعي أنه إفرنجي؟ أليس الإسباني غويتيسولو بحاجة للنقود أكثر من حاجة العربي جابر عصفور، المتمتع بالنعمة، من إدارة ثقافية عليا إلى إدارة ثقافية عليا، ومن إدارة لجنة ثقافية قطرية إلى عضوية لجنة ثقافية قومية؟

 وأمام هذا الوضع الذي كشف عن عورات كثير من المثقفين العرب، يرى نفر من النقاد أن الكُتاب هم السبب في كتابة ما لا طعم ولا لون ولا رائحة..على طريقة(سكِّن تسلم!) وأنهم كتبوا عن كل شيء، ما عدا قضايا الوطن، واهتموا في كتاباتهم بالشكل، دون المضمون الفكري والأيدولوجي، وسعوا -حالمين بالجوائز- ليزاودوا على سلوك مجتمعاتهم، ويناهضوا الحركات الوطنية، أو على الأقل يتجاهلوها، كما يريد لهم الآخرون. وهذا هو السبب في تهميش الكاتب العربي، وعدم الاهتمام بالكتاب العربي، وتفضيل الكتاب الأجنبي عليه، حتى ولو كان فيه من الاستشراق، السم الزعاف!

 ويقول نفر من الكُتاب أن الحق على النقاد، فالكُتاب يكتبون بواقعية اجتماعية، ويقدمون الأدب ذا المضمون الفكري الأيدولوجي، والجميل الشكل في الوقت نفسه، ولكن كتاباتهم هذه لا تجد من ينشرها، خوفاً من الرقيب، وإذا وجدت كتاباتهم من ينشرها، فهي لا تجد من ينقدها، والسبب في ذلك أن النقاد أيضاً- ومعظمهم أكاديميون مسكونون بالرقيب الذاتي، ولا يريدون أن يتضعضع وضعهم الوظيفي- يسيرون على درب (زي السوق بنسوق!) فهم لا يريدون أن يورطوا أنفسهم في كتابة ما قد يزعج السلطة!" النقاد أيضاً لا يكتبون عن الروايات والأدب العربي، بقدر ما يكتبون عن التفكيكية والبنيوية والتكعيبية و"التثليثية والتربيعية..." ولا تنسى التشظي! وكل كتابة عندهم هي "وجهة نظر" لها ما يبررها،لأنها تقع ضمن مساحة التشظي..! وبدل أن يكتبوا عن أبناء جلدتهم العرب، تجدهم يكيلون المديح لكاتب أو لكاتبة أجنبية مغمورة، ربما لا يعلم عنها أبناء جلدتها شيئاً! وبعض النقاد يقول: أنا لا أريد أن أكتب عن فلان حتى لا أزعله! وبعضهم لا يكتب إلا عن أصدقائه أو صديقاته الجميلات. وكنت قد حضرت ندوة كبرى في جامعة مصرية احتفت بأحد روائييها في عشرين قراءة نقدية، فلم أسمع من ناقد واحد جملة واحدة غير مدحية، في هذا الروائي!

 وكلمة نقدْ من نقدَ أو انتقد، أي كشف نقاط ضعفه، أو بيّن مثالبه، ولكن النقد العربي صار مديحاً،لا يختلف عن مديح السلاطين الأمويين والعباسيين، ومن جاء بعدهم إلى يوم الدين! وفي النتيجة صار الكُتاب في واد، والنُّقاد في واد آخر، وضعف النقد! وليس أدل على هذا الضعف مؤخراً، من حضور ثلاثة عشر ناقداً فقط، من أصل ثمانية عشر ناقداً فقط؛ هم كل الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم في جمعية النقاد الأردنيين- بين أكثر من ألف كاتب أردني مسجلون في مؤسسات ثقافية، في مختلف المجالات- وفوز الهيئة الإدارية بالتزكية.

 ولكن الكُتاب والنقاد حين يلتقون معاً، فإنهم يتهمون الناشرين بأنهم هم السبب، فهم لا ينشرون الكتب الجادة، ذات المضمون الأيدولوجي والفكر الناقد، بل يفضلون الروايات التي يدفع أصحابها لطباعتها مهما كان محتواها، أو طباعة الكتب التي تبيع أكثر، مثل كتب الطبخ، وكتب الأبراج، والكتب الصفراء.. ولا يهمهم ما إذا تطور المجتمع أم لم يتطور.(قريوا اولاد يعبد، ولا إن شالله ما قريوا!) المهم أن يربحوا، ولا شيء آخر في عالم العولمة الباحثة عن الأسهم المرتفعة!

 وبين كل هؤلاء الأعدقاء نقول: إن بعض الكتاب والنقاد والناشرين ما يزالون يقبضون على جمر الالتزام بقضايا الوطن، وعليهم نعول في رفع مستوى الثقافة العربية، لتحمل مسؤوليتها في الإعداد للدفع باتجاه التطوير الحضاري العربي، الذي هو فرض على كل مواطن يحب وطنه!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى