الجمعة ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم حسن توفيق

العرب واليابان.. ومآسي الإنسان

الجزيرة – كبيرة كانت أو صغيرة – قطعة أرض، يحيط الماء بها من كل جانب، سواء كان ماء عذبا أو مالحا، وهذا هو حال بريطانيا التي لم تكن الشمس تغرب عن مستعمراتها رغم أنها مجرد جزر تتمدد أمام قارة أوروبا، وكذلك هو حال اليابان التي تبدو على خريطة العالم مجموعة من الجزر الهزيلة، تطل على المحيط الهادي - الضخم، وأمامها – على أرض قارة آسيا – دولتان عملاقتان هما الصين وروسيا، وبشكل عام فإن الإنسان الذي يسكن في جزيرة ينتابه شعور بالوحشة حتى وإن لم يبح بهذا الشعور للآخرين، فضلا عن الخوف الذي يغزو أعماقه تجاه ما تخبئه تقلبات أمواج البحر أو طغيان ماء النهر.

على الرغم من تلك الطبيعة الجغرافية لليابان،فإن لليابانيين تاريخا عريقا، والفارق بينهم وبيننا – نحن العرب – أنهم لم يقطعوا بين ماضيهم وحاضرهم ولكنهم لم يسمحوا للماضي بأن يستعبد الحاضر، ومن هذا المنطلق تمكنوا من أن يصبحوا ثاني أكبر اقتصاد عالمي حتى الآن، أما نحن فإن مثقفينا ما زالوا يتجادلون جدالا عقيما حول التراث والمعاصرة، وما زال هناك أناس يدعون لإقامة الخلافة الإسلامية ويرون أن المجتمعات العربية الحالية مجتمعات تمشي في طريق الضلال!

لو أننا رصدنا مآسي الإنسان على وجه الأرض منذ أقدم الأزمان وحتى الآن، فإننا نجد أن المتسبب فيها بلا استثناء إما أن يكون الطبيعة الكونية – الجغرافية وإما أن يكون الطبيعة البشرية، فهناك الحرائق التي تلتهم الغابات، والزلازل التي تدك مدنا وقرى بأكملها، والفيضانات المدمرة التي تكتسح كل ما يواجهها، والأوبئة الفتاكة التي تنتقل عدواها من مكان إلى سواه، وكلها عناصر طبيعية تتسبب في مآسي الإنسان، وهناك الطبيعة البشرية المتمثلة في طغيان الأقوياء على الضعفاء وطمعهم في الاستيلاء على ما لديهم من خيرات وثروات ـ هذا إلى جانب الحروب الصغيرة أو العالمية الكبيرة!

واجهت اليابان مأساتين مرعبتين ومخيفتين في تاريخها الحديث والمعاصر، وكانت الطبيعة البشرية هي المتسبب في المأساة الأولى، حين قامت طائرة عسكرية أمريكية بإلقاء أول قنبلة ذرية في تاريخ العالم كله على مدينة هيروشيما اليابانية صباح يوم 6 أغسطس سنة 1945 وبعد ثلاثة أيام من وقوع تلك الجريمة - لا في حق الشعب الياباني وحده وإنما في حق الإنسانية جمعاء - ألقت طائرة أمريكية أخرى قنبلة ذرية ثانية على مدينة نجازاكي اليابانية، وقد أبيد آلاف اليابانيين خلال دقائق معدودات في كل من هاتين المدينتين، لكن اليابان تمكنت بعد كل ما حل بها من خراب من أن تنهض من جديد، بفضل الروح الجماعية الخلاقة التي تتجلى عند اليابانيين، وها هي اليابان تواجه المأساة المروعة الثانية سنة2011 أي بعد انقضاء ست وستين سنة على المأساة الأولى، لكن المتسبب هذه المرة يتمثل في الطبيعة الجغرافية وما كان كامنا في أعماق الأرض التي تضمنا جميعا بصرف النظر عن اختلاف الأجناس والأديان والألوان، وهكذا تحولت الطاقة الذرية من نعمة إلى نقمة على من كانوا يستفيدون منها ويسخرونها للارتقاء بحياتهم، ومع هذا كله فإني متيقن أن اليابان ستنهض مرة ثانية من وسط الأطلال، والسبب هو الروح الجماعية الخلاقة لليابانيين الذين لا نملك لهم إلا أن نقول: قلوبنا معكم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى