الأحد ٣ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم حميد طولست

التحريف والمداهنة

الكلمات الصادقة ليست دائما جميلة.. كما أن الكلمات الجميلة ليست صادقة على الدوام.
فإذا أنت يوما لم تقبل مثلي النفاق والمداهنة، ورفضت التحريف والانتهازية كجدلية لابد منها عند الكثيرين. وإذا كنت من أصاحب الفكر الحقيقي والرؤى الخلاقة وتحمل في دواخلك مشروع التعايش السلمي، وتِِؤمن بالموضوعية، وترفض التطرف، وتعمل بالحياد دون الغلو.. فاستعذ وتهيئ لحرب دروس يشنها عليك المتدين الجاهل و الماركسي المتطرف واللبرالي الجشع، و اصبر على كراهية ومعاداة الضعيف المستبد، وتحمل استغلال الانتهازي اللئيم. و إذا لم تستطع لذلك تحملا، فاحزم أمتعتك وارحل إلى أرض خلاء، ليس فيها بشر، لأنك لن تستطيع أن تحيا في مجتمع لا سيادة فيه للضمير ولا مكان للأخلاق ولا فسحة لقلب يحلم بالقيم والجمال. مجتمع مكدس بأفكار ميته وأخرى قاتلة. مجتمع لا تُطلق فيه الرصاصة إلا لقتل الحب والوئام، و لا تُرفع به الفأس إلا لإجثتات الشجرة الوارفة الظلال، ولدفن الأنوار الساطعة، وقتل العقول النيرة. مجتمع لا تقدمُ فيه المواعظ إلا لتبرير الارتداد والانحطاط والجمود، و لا تُلقى فيه الخطب إلا لشرعنة الاستبداد وأعراف الهيمنة والظلم.

وما أقبح استعباد الناس بعد أن ولدوا أحرارا !؟ وما أصعب أن يجد الإنسان نفسه، مقيدة حريته مكبلة حواسه، موصى على أفكاره، وهو أسير في بلده وبين أهله وإخوانه وأبناء عمومته!؟ كما أنه صعب على النفوس الحرة الأبية التي تأبى حياة الأسر وترفض تقييد الحريات، أن تجد أفكارها وإبداعاتها محاصرة بالتخويف والتعجيز والتنقيص!؟ فتضطر للنفاق والدجل في ظروف القهر والاضطهاد التي تعرض كل من يصدح بالحقيقة للملاحقة والسجن، ومن يطلب الحرية إلى الخروج إلى بلاد الغرب طريدا

كم أحترم الإنسان، أي إنسان كيف ما كانت ملته وشريعته، إن هو صان روحه ولم يخسرها، وابتعد بها عن نتانة النفاق والسياسوية، وكسر قواعد الطاعة العمياء المرسخة للواقع المريض، وقال "لا" دون تأتأة أو تردد، و لم يكن يوما من المداهنين ولا من أصحاب أنصاف المواقف، وظل دائما يعري وهن المجتع، ويفضح مكامن الخلل المريعة فيه التي تعيق السير على درب النهضة والكرامة، وهو يعلم أن ألف فأس وفأس تترصده وتتربص به، بدءً بفأس الصديق والقريب التي هي أشد مضادة من الحسام، وانتهاء بفأس الخصم المعارض والمقايض. يقول "لا" رغم أنه لا يملك درعا تقيه ضربات المستبدين، وتصد عنه ما قيض لأمثاله من المعاول والفؤوس تهوي على كل ما يزرع من شتلات النهضة و نبتات التحرر. إنه مجتمع يعتبر كل من فيه أن الديموقراطية هي أن تكون واحدا من القطيع، تتخندق أينما أُريد لك أن تصطف، رغم أنك ابعد الناس عن أوكار التخندق، وحركات التشرذم والسرية، وترفض أن تصفق لشعاراتها وأن تكون بوقا لمهازلها واحتفالياتها الباهتة، خاصة وأنت من أبعد الناس عن الأحاديات والثنائيات وترفض القفز بين هذا وذاك! ومع ذلك يريدونك من ورائهم حتى وإن كنت لا تنتم لعالمهم، وتمقت إيديولوجياتهم وتحزباتهم! فقد يحاول بعضهم شراء صوتك، والبعض الآخر إمتلاك كلماتك، وبعضهم الثالث وهو الأدهى، شراء ذمتك.. لم يفلح الجميع، ولن يفلحوا أبدا، في ثنيك عن قناعاتك المتجذرة الراسخة كالرواسي العاتية، لأنك أنت الأبي الذي لم يخلق لهذا أو ذاك السلوك الشاذ.. إنّهم يريدون لك أن تعيش على هامش الفعل الحضاري بما يروّجون-باسم الديموقراطية والثورة والاستقرار وغيرها من الشعارات والذرائع- لأخلاق الانحطاط وقيم التدهور... فلا تستسلم لتسلطاتهم الخاوية، ولا تخضع لاستفزازاتهم الواهية، وأثبت على العقيدة وعض عليها بالنواجذ. لأن الاستبداد معصيّة وأن الخضوع له معصية أكبر كما جاء في القرآن الكريم سورة الزخرف 54، "فاستخف قومه فأطاعوه" فكان قوم فرعون مثله في المؤاخذة والإثم حين رضوا بما لا يجوز الرضا به. فلا تكن مثلهم فقد عقب عليهم القرآن الكريم، بقوله: "إنّهم كانوا فاسقين". ولن يفلح الفاسقون أبدا، في ثنيك عن قناعاتك المتجذرة، وأبشر وهنيئا لك بإيمانك، وعظمتك، وقوتك، وكرامتك، وسيادتك وزعامتك، التي انقادت لك طائعة مختارة، بعد أن طلبتك سعت إليك دون أن تطلبها، في زمن ضاعت فيه القيم والأخلاق، لأنك أهل لها، فالمعدن الأصيل لا يصدأ أبدا كما يقولون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى