الخميس ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم حميد طولست

الصحافة من مدينة صفرو إلى مدينة فاس

على هامش اللقاء الثاني لنادي مدينة صفرو للصحافة.

على سفح جبال الأطلس المتوسط، وعلى بعد ثمانية وعشرين كيلومترا جنوب شرق مدينة فاس، تقبع روضة من رياض المغرب الجميلة وحوض من أحواضه الفاتنة الخلابة، والأخاذة بأسوارها العالية، وأحيائها العتيقة، وجنانها الوارفة وأشجارها الظليلة الباسقة، وغاباتها الكثيفمة، ومغاراتها المأهولة، وعيونها المتدفقة، وشلالها المنهمر وواديها الجارف ومهرجانها العريق.

إنها المدينة التي اشتهرت بتعايش مواطنيها رغم اختلاف الديانات واللغات، المدينة التي سماها من استوطنها من اليهود مند أزمان غابرة ب(أورشليم الصغيرة) وسنوا بها تقليد مهرجان الاحتفاء بنهاية موسم جني الكرز منذ عام 1919. والتي كناها الفرنسيون ب(حديقة المغرب) إعجابا بفتنة طبيعتها التي كانت تخلب الألباب، وتحبس الأنفاس، ولقبها سكانها والمغاربة قاطبة باسم (مدينة حب الملوك) عشقا في فاكهة الكرز (حب الملوك) الذي يستهوي الذواقين ويجلب العاشقين. وأحرزت في السنوات الأخيرة على لقب (مدينة الغضب) بعدما عمت مظاهر (الحكرة) والهشاشة والتهميش والإقصاء كل مداخلها ومحاورها، وطرقها المتآكلة الممتدة إلى الأحياء والبلدات المنتشرة على أطرافها.

لاشك أنك، أيها القارئ الكريم، قد تعرفت عليها، كيف لا؟ وهي المدينة الأمازيغية القديمة التي اعتبرها المرحوم الحسن الثاني أجمل مدينة في المغرب، وشهد لها التاريخ والعمران والثقافة والتراث، بالعراقة والأصالة.

وحتى لا يذهب بك الفكر بعيداً، فتظن أن هذه مقدمة في تاريخ المدينة المغربية، أو هي مباراة في البحث عن كنز مخبأ في مغارة من مغاراتها الما قبل تاريخية المنتشرة بكثرة بهذه المدينة والكثير من نواحيها كإيموزار كندر، والمنزل، وبئر طمطم، والبهاليل، وعزابة، ورباط الخير، وهرمومو، ولعنوصر، والتي لازالت مأهولة إلى اليوم كما كانت في عهود الإنسان الأول.

لا فليس هذا ولا ذاك، إنه بكل بساطة مقدمة لتغطية أشغال النسخة الثانية من ملتقى تواطؤ صحافة الجهة وأعيان المدينة ومسيريها الذي نظمه أحد أندية المدينة بتنسيق مع المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية وبدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تحت شعار "الصحافة الوطنية في خدمة المجتمع والتنمية" الذي انعقد أيام 25ـ26و27 مارس 2011. والذي أبدع في ابتكار جنس صحافي جديد، ومهام مبتكرة للإعلام المكتوب تدخل البهجة والسرور على نفوس المواطنين، والتي سماها السيد عبد اللطيف معزوز رئيس بلدية صفرو ووزير التجارة الخارجية في تنظيرته أثناء مداخلته (الصحافة السارة المسرورة) أو (الصحافة المبتسمة)، والذي أطنب في شرح –مشكورا- هذا الجنس الصحافي الجديد الذي لم تعلم به بعد معاهد التكوين الصحفي، حيث قال إنها الصحافة التي تدخل السعادة على القارئ وتصيبه بالانشراح وتصنع الفرح والسرور الذي يجلب السائح والمستثمر وينمي البلاد والعباد،عوضا عن المشاريع التنموية الاجتماعية والاقتصادية التي لم تستطع انتزاع الناس من حزنهم وعبوسهم الدائم رغم تزويد الفرقة الفولكلورية المحلية "تمسمونت أولمو" ببنادير فريدة تبقى أجمل وأهم ما جمع شمل صحافة الجهة والنقابة وسلطات المدينة للاحتفاء به في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة صفرو إلى جانب بضع مشاريع من قبيل خلايا نحل وأقفاص أرانب وحضائر ماعز وتشييد دور الطالبة وبنايات صغيرة لتعاونيات نسوية. والتي أراد السيد الوزير ورئيس الجماعة من الصحافة – التي قال عنها الأستاذ محمد رامي في مداخلته في نفس اللقاء:لقد انخفضت أسعار شراء صمت أو تطبيل الصحافة الجهوية بشكل كبير، وصار ثمن بعض الصحافيين لا يتعدى مئة درهم وأحيانا كأس قهوة أو قنينة نبيذ- أن تروج لها على حساب القضايا الوطنية وحقوق الإنسان وحماية المجتمع وفضح خروقات مسؤوليه ومنتخبيه وإسماع صوت وتظلمات مستضعفيه، الدور الحقيقي للصحافة، الذي اعتبره السيد الوزير تغطيات مجيشة للأحداث والانتفاضات التي تحد من الاستثمار وتمنع الرواج السياحي وتجعل مدينة حب الملوك تفقد لقب (حديقة المغرب)، وتتحول إلى ثاني مدينة احتجاجية بالمغرب بعد الرباط عاصمة احتجاجات المعطلين والمعتصمين أمام البرلمان، وتستحق عن جدارة لقب((أم الانتفاضات الشعبية، ومدينة الغضب الشعبي))

أليس في هذه الدعوة شيء شرير من سوء النية والفهم لدور الصحافة، بل إنها تضمر إذلالا للصحافة والصحفيين الشرفاء، لأنها إن لم تكن كذلك فيكف يستوعب الذهن البشري دعوة السيد الرئيس الوزير الصحافة للتخلي عن رسالتها ومسؤوليتها تجاه من يغرق في أوحال ومستنفعات، الاستغلال والفوضى، والجوع، واللامساواة التي أبسط مثال عليها، معانات ساكنة صفرو ونواحيه مع تناثر غبار مقالع تفتيت الحصى التي اجتث تربة الإقليم ولوثت بيئته وقضت على أشجار فاكهة الكرز به.

و حتى لا نتهم كصحافة مستقلة وطنية جادة، بتبخيس روح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وأهمية الالتفاتات الملكية التي نعتز بها جميعا أيما افتخار، لما لها من آثار فعالة في محاربة فقر وهشاشة مستضعفي المملكة، وذلك لرفض (هذه الصحافة) ترجمة شعار "كولو العام زين" في أبهى صوره البنديرية المخجلة، التي يريدها من سعوا لهذا الجمع، وتلك الحملات الموسمية المعزولة في محاولة واضحة لامتصاص الغضب وإطفاء لهيب أحاسيس القرف والتشييء والإهمال الذي تستشعره ساكنة الإقليم، بدل الانخراط الصحفي الشفاف والمسؤول في متابعة المشاريع المنجزة تقويما ومساءلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى