الثلاثاء ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

شاطئ الأحزان

ألقى عبد الرزاق بشبكته وسط خضم اليم الواسع، وألقى بهواجسه وسط حبل التفكير الذي لا ينتهي، لقد منعوا عنه الكهرباء لأنه لم يدفع ثمنه، ومنعوا عنه الماء أيضا لنفس السبب، وهاهو صاحب المنزل يطالبه بدفع إيجار ثلاث سنوات:- لم يبق إلا أسبوعا واحدا لتدفع ما عليك وإلا سنضطر إلى تنفيد حكم المحكمة٠

لقد حكمت عليه المحكمة بالدفع الفوري أو الإفراغ. سيدفع! أجل سيدفع! ولكن ليس الآن٠
قد يحصل على عمل ثانية في المصنع نفسه، هراء لقد طرد منذ ثلاث سنوات فكيف يعمل اليوم والآلاف مثله يتسكعون في الشوارع؟

إن الشبكة تغوص في الأعماق، كم هي ثقيلة؟ جذبها عبد الرزاق بكل قوة وهو يتذكر كلمات زوجته التي لا ترحم:
ـ إن أولادك لم يذوقوا طعاما منذ ثلاثة أيام، إياك والعودة دون طعام، كعادتك٠
ـ إن البحر لم يعد يرزق أحدا. لا أدري أين تختبئ الأسماك؟

هكذا خاطب عبد الرزاق نفسه وهو يجر الشبكة العالقة بين الصخور، يبدو أنها ستكون وليمة شهية، نسي المسكين متاعبه وهو يرنو إلى محتويات الغنيمة، لكن لونه امتقع جراء قارورة فارغة وبقايا خردة، اللعنة ولا حتى سمكة واحدة. لقد تحول هذا النهر العملاق إلى قنوات لرمي الفضلات، ألقى عبد الرزاق بشبكته جانبا فتذكر جاره الثري، لماذا لا يسرق بعضا مما يملك، قد يستطيع شراء طعام للأولاد

وقد يدفع ثمن الإيجار، لكن كيف وأمره سينكشف بسهولة؟ كيف لمعدم عاطل مثله أن يدفع كل هذه الأموال دون سابق إنذار؟
ولكن الأغنياء الذين يعرفهم اغتنوا بين يوم وليلة، ولا أحد سألهم عن مدى شرعية أموالهم، لم يسألوا إلا عن مشاريعهم ومخططاتهم... غريب أمرهذه الدنيا، أشخاص ينعمون بالحرية الكاملة وهم يمتصون دم الدولة وآخر يبقى سنوات طوال وراء أسوارالسجون حقيرا لأنه انتزع رغيفا أو كسرة خبز من فم ذئب مفترس.

تنهد عبد الرزاق عندما شاهد ابن جاره وهو يرفص الفاكهة برجليه لكنه لمح كيس طعام من البلاستيك داخل القمامة، أسرع إليه ككلب مسعور، أخذه في لهفة ثم فتحه، أخرج عينيه من الدهشة والانبهار ثم أصدر صفيرا غريبا وهو يقول:- دجاج
وبطاطا وبط بالأرز في القمامة ؟ هاها هاها... أقفل الكيس مجددا وهرع إلى بيته في سعادة مقيتة، لكنه ما إن أشرف على مؤخرة الطريق حتى أسقط الكيس من يده المرتعشة حين شاهد ملابسه وأثاث بيته وزوجه مع أطفاله الخمسة في الشارع.
ماذا حدث يا بهيجة؟

الشرطة حضرت رفقة الحاج التازي وأفرغ هذا الأخير البيت دون رحمة ثم رمانا هنا كما يرمي قاذوراته٠
طبق القانون إذن٠ -
طبق ما أرادته المحكمة لكن ماذا سنفعل نحن الآن ؟
 لا شيء٠
 لا أفهمك٠
سنتسكع في الشوارع٠ سنستجدي عطف المارين٠ لعل أحدهم يمن -
علينا ببعض الريالات حتى نشتري علكا نلهي به أطفالنا الخمسة ، سنطلب الحسنة أمام المساجد ، قد نجد مؤمنا من بين المنافقين الذين يملؤون بيوت الله اليوم، لعله يشفق على عائلة مرشدة و يطعمنا خبزا
ويسقينا شايا مقطرا. سننام على الرصيف لنأكل ما تجود به القمامة من كرم وسخاء.
أرجوك يا عبد الرزاق إنك تمزق قلبي، كفى أستحلفك بربك أن -
تصمت٠

نظرت بهيجة إلى زوجها الذي كان يبكي ويهلوس بالكلمات ذاتها ثم انخرطا معا في بكاء مر، ما إن شاهد الأبناء الخمسة ذلك حتى انضموا إلى والديهما حيث علا صراخ الجميع٠ في حين أمسك الحاج التازي بطنه من الضحك٠
:عندها انسحب الشرطي الذي ينفذ الأوامر وهو يقول في خجل ورهبة من هول الموقف
لا حول و لا قوة إلا بالله ، اللهم استرنا وعافنا يا رب٠


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى