الخميس ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمود محمد أسد

القصّة القصيرة جداً في قلب الحدث

لكلِّ جنسٍ أدبيٍّ خصوصيَّتَهُ ومقوِّماته التي ما زالت عرضةً للاجتهادِ والتطويرِ رغم مواقف بعض المتشنّجين والحرص على ثوابته. والآراء متباينة سلباً وإيجاباً حول تبنّي الأجناس الأدبية الجديدة. وهي أجناس أفرزتها تطوّرات الحياة والمجتمع. بعضهم يستنكرها جملة وتفصيلاً وهذا حكمٌ جائر فيه كثيرٌ من التعنَّتِ والعناد. وقسم آخرُ يتحمسُ لها ويلتقطها بكلِّ ما تحمِلُهُ وتطرحُهُ لا غياً كلَّ أحكامِ نقّادِها. وهذا تعصُّبٌ أعمى وحماسٌ متهوِّرٌ. وآخرون قبلوها وتدبَّروها ودعوا إلى الصبر والتأنّي وهضم التجربة وهؤلاء يمثلون العقلَ المتوازنَ، والموضوعية التي نحرص عليها ونتمنى أن تسودَ بين الغالبية كيلا نظلم الأجناس مرَّتين.

والقصة القصيرة جداً جنسٌّ من الأجناس الأدبية أو فرع من فروع القصة وهو الأقرب إلى التسمية والروح – أطلّتْ علينا من الأبواب الشرعية ولم تدخل عنوة. وجاءت سافرة عن وجهها وليس على استحياء. ولجت المشهد الثقافيَّ متحملة وزر التسمية والمنافسين والمعارضين. وقد تهيَّأ لها كتّاب وكتائب من الكتّاب. سعَوا بما ملكوا من موهبة وحبِّ العطاء. فكانوا حواملها ونا قليها إلى المنتديات والملتقيات وساعدهم على ذلك حضانة الإعلام المسموعِ والمرئي والمقروء. وحظيت إلى جانب ذلك بالدراسات النقدية التي كانت وما زالت منار جدل واخذ وعطاء. وبذلك كانت محرِّضة على البحث والنقد، في الوقت الذي كان يحتفي بعض كتَّابها الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بحثاً عن فقاعات الهواء والزبد...

في هذا الوقت كانت تنطلق بثبات متجاوزة المنغّصات والاستمراء والاستهلاك والاستسهال. وهذا ما أساء إليها لأنها فُهِمَتْ على أنَّها لعبة سهلة التداول.

ومع الزمن وتكرار الملتقيات والأمسيّات كتبها كثيرٌ ممَّنْ سخروا منها ومن كتَّابها. اقتربوا منها بعد تعنُّتٍ ورفضٍ فدخلوا عالمها مشاركين ومبتهجين ولله في خلقِهِ شؤون!

أيُّ جنسٍ أو إبداعٍ جديد سيكون عرضة للألسنة والآراء وهذا عين الصواب، لأنها ستكون لصالحِهِ إن كانَ المسارُ صحيحاً وسليماً، والحقيقة هي الأبقى والأرسخ والأقدر على الاستمرار
في السنوات الأخيرة قرأنا واستمعنا إلى كتّابٍ من الشباب قدّموا إبداعاً جميلاً واعياً على مستوى اللغة والفن والمضمون وكانوا مُتفهمِّين تجربتهم وما يعنونه. فتجاوزوا ما يسمى بالنكتة والحكاية والخبر الإعلاني والسرد المجاني. وما أذكره ناتج عن متابعة ومشاركة وقراءة. وهذا يستدعي النظرَ إلى الأدب فحسب بعيداً عن الانتماء والعمرِ والموقع والعلاقات الخاصة. آن الأوان كي نكون جريئيين وموضوعيين أمام المقارنة. وبذلك نكون قد أنصفْنا هؤلاء الشباب وأخذْنا بأيديهم إلى طريق الصواب فنبعدهم عن مجازرنا واستبدادنا وتجاهلنا تجاربهم. فالجاهل لحقيقة الأشياء لا يعرف جوهرها الحقيقي، ولا يستطيع الإمساك بمفاتيح الإبداع الدالة فالقراءة و الملامسة عن قرب تمكنِّنا من فهم الجديد وتقبّله. والاقتراب من أعماق النصوص وحدودها كفيل بإيجاد أرضيَّة سليمة مسيَّجة بالموضوعية واتّساع الصدر...

وفدت إلى الأدب العربي أجناس أدبية متنوِّعة أعادوها إلى الجذور العربية القديمة وبعضهم ربطها بالتأثر بالأدب العربي وبين هذا وذاك، وبين التنافس على الرّيادات أصيبَ هذا الجنسُ بالتوعك والتضخمِ والتكرار عند الكبار وفي الوقت ذاته كان الأدباء الشباب يشقّون طريقهم وكأنهم عرفوا من خلاله ذاتهم القلقة المستاءة. ولذلك قفزوا إلى الواجهة فنيّاً وهي وجهة نظرٍ قابلةٌ للتأمّل والمقارنة. وهي دعوةٌ جادّةٌ لكشف هذه المفارقات العجيبة.

القصة القصيرة جدّاً يُخْشى عليها من كثرة الأوصياء والمنظّرين وأدعياء الثقافة والأدب الذي وجدوا فيها سلَّماً للصعود والشهرة والذين يعرفون الصعودَ من غيرِ أن يقعوا قلّةٌ،ويُخشى عليها أن يعتبرها بعضُهم أو أكثرهم سهلةَ المنالِ والوصولِ. فتأخذك بساطتها فتنسى حقيقةً جوهرية إنَّ أدقَّ المبتكرات أصغرُها فهي تحتاج لنظرٍ ثاقب وتمعُّنٍ متسلحٍ بالمعرفة والبراعة والثقافة.

فالمولودُ الجميلُ الصغيرُ يخشى عليه من كثرة حملِهِ ودلعِهِ كما يقول المثل (( العميان جاءهم ولدٌ فقلعوا عينيه من كثرة التلميس )).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى