الأربعاء ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم محمد أبو عبيد

وكمْ أبٍ هو حاكمٌ ديكتاتور !!

ليس للديكتاتورية شكل واحد في عالمنا العربي، وإنْ خالها الكثير على هذا النحو، فهي غير مُمَثلة ومُمارَسة في سلطة الحاكم "الأوحد" المتسلط على شعبه بما استطاع إليها سبيلاً، كما هو حال طواغيت بعض الدول العربية. ثمة أشكال فردية من هذا النوع من الحكم الجائر والذي تمتاز به المجتمعات العربية لكونها مجتمعات ذكورية بمعناها التسلطي .
أصقاعنا العربية تغص بقصص عن آباء ما عرف أحدهم من الأبوة سوى أنه ذو الماء الدافق، وبفضل النطفة التي جعلته أباً أجاز لنفسه كل أشكال القسوة يمارسها على بناته، على وجه الخصوص، بذريعة أنه رب البيت المُطاع. وهذه الحقيقة لا تنفي أبداً وجود الآباء العرب المثاليين الذين ضربوا أروع الأمثلة في أبوتهم ونهجهم تجاه بناتهم، لكن الأمل في مجتمع خال من هذه الشاكلة من الآباء معقود بنواصي الجيل الجديد، الذي أشاع أملاً في التخلص من الأنظمة الشمولية، لكن ذلك غير كاف لمجتمع حضاري.

ثمة أب أخذته عزة الأبوة بالإثم، فصار شكلاً من أشكال الديكتاتورية، وما زاد من جبروته هو التربية الخاطئة التي ينشأ عليها أطفال العرب بشكل عام، بدءاً من مفهوم طاعة الوالدين، وهو المفهوم الذي ظل وما انفك هلامياً، أو مطاطياً في المناهج المدرسية، منذ السنة الأولى فكبرنا على أن ما يقوله الأب هو الصحيح غير القابل للنقاش أو الرفض ليس من قبل البنات فحسب، بل أيضاً من قبل الأبناء أحياناً، علماً أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولو أن بعض تصرفات الآباء قد لاتُحسب في نطاق المعصية بمفهومها الشرعي لكنها معصية للإنسانية كذلك ولسيرورة الزمن المُعاش.

بذريعة الأبوة وحجة طاعة الأب، تفرض الكثير من الشرائح المجتمعية على البنت أن لا تنطق بكلمة "لا"، إنما عليها التلفظ بكلمة "نعم" فقط أو "حاضر" في حضرة الوالد، لذلك قُصّت القصص عن تلك التي حلمت أن تصبح يوماً ما طبيبة لكن المانع كان أباً، أو التي خططت لتكون رسامة أو عازفة تشيللو والمانع أيضاً كان أباً أو أخاً انتحل من تلك الأبوة القاسية سلطاناً، أو هذه التي تخيلت فارس أحلامها فقضى أبوها على كل أحلامها فارضاً عليها من اختاره هو حتى لو كان يكبرها بثلاثين عاما أو يزيد.

بسلطان الأبوة اتخذ أب من زواج بناته تجارة لكسب المال لجيبه ضارباً عرض الحائط بسعادتهن أو بعدم رغبتهن في مَن فُرِضوا عليهن أزواجاً. وبحكم هذه "السلطة" يرفض أبٌ رغبة ابنته في الطلاق ممن لم يكن له من معاني الزوجية سوى الآتي حرثه أنى شاء كي لا يُحكى عنه " أبو المطلقة".

أمام هذه الصور القاسية لبنات يكابدن " الأبوة" الشرسة التي تصل حد الضرب، وما جرائرهن سوى أنوثتهن، فإن المسؤولية الكبرى واقعة على الجهات الرسمية لإنشاء مؤسسات تفتح أبوابها أو خطوطها الساخنة للإصغاء إلى كل معذَبة حتى تفشي بما تعايشه كل يوم شرط توفير الحماية لها، وبالتالي يُعاقَب الأب على ظلْمه الذي إنْ خالَه يُخفى على الناس يُعلم. إنّ القانون الإنسانيّ أسمى من علاقة الأب بابنته، وهي العلاقة "المُقدَسة" التي لا تبرر له أبداً أنْ يكون طاغوتاً على فلذة كبده المُوصى بها رَباً ونبياً وديناً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى