الأحد ١ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم حميد طولست

ذكريات عيد العمال

عيد الشغيلة قادم في موعده كالعادة في الأول من فاتح ماي من كل عام، وتتسابق شرائح غفيرة ممن يسمونهم بالبروليتاريا، ونسميهم بالكادحين، للخروج من الأكواخ والأقبية وأحياء القصدير بالمدن والقرى للاحتفال بذكرى تحرر ملايين البؤساء من إذلال اصحاب المعامل واستغلال مالكي المصانع واحتكار الأراضي وأدوات الإنتاج وآلاته، آت هو الآخر في وقته وفي كافة بلدان العلم للإعلان عن الثورة على عبودية العمل المأجور، ومن فاقته وبؤسه وصد كل خداع وبتر لحقوق الشعب، وجعله مجرد أداة بيد البرجوازية التي جعلت السهول والهضاب والجبال والبحار في ملكيتها الخاصة، واجبرت المحرومين الذين يتضورون جوعا في الأكواخ القروية، والأقبية والأعشاش بالمدن العشوائية، على خدمتها وخلق الثروات لها، بتدمير قواهم وصحتهم بالكد المفرط والسعي المرير إلى كسرة الخبز بالتوسل وطلب المنة من نفس تلك البرجوازيات التي ترتدع فرائصها خشية استيقاظ وعي هذا الجيش العمالي المهيب، فيشل كل مصانعها مصدر كل امتيازاتها وآلية تسلطها وقهرها لأوسع الجماهير العمالية..

وفي خضم مسلسل هذه المآسي، ولسبب ما، تذكرت لحظتها، الكثير من الأحداث المأساوية التي عرفها هذا اليوم العمالي وما كلف من نضالات كبيرة وتضحيات جسيمة ضد الرأسمال كافة البلدان، وما سالت من دماء غزيرة من اجل الدفاع عن الحق في الاستيقاظ على حياة افضل وفي حرية حقيقية. وما تعرض له المناضلون من اجل القضية العمالية من اضطهاد من قبل. وتبادر إلى فكري تاريخ فاتح ماي من العام 2005، فادلهت الافكار في ناظري، وتجهمت الصور والتصورات. وتذكرت ذلك اليوم الذي اصطفت فيه طائفية وعداء بعض الفرنسيين وعنصريتهم المذهبية، لتقتل المغربي إبراهيم بوعرام على ضفاف السين بسبب هويته فقط وتقوم بإلقاء جثته إلى النهر من على جسر الكاروسيل. وكم التمسنا ساعتها العذر للجالية المغربية في مصابها، ولا تثريب عليها حين كرهت هذا التاريخ حتى الثمالة، وهذا النهر حد التخمة.. لأنهما رمزا لها ولازالا للجريمة العنصرية التي هزت المهاجرين واعتصرت قلوبهم بالحزن والقهر، بما تسلل من طائفية إلى قلوب الجيل الذي عقدوا عليه آمال وأد الاختلاف والطائفي، والعنصرية والمذهبية المفتعلة التي يغذيها جنون التمييز العرقي الذي لا يجر هذا البلد جميل الذي عهدوه يحتمل ويحوي الجميع، وينحرف به إلى أتون محارق الفتن الطائفية، التي لا تخدم إلا مسترزقة الجبهة الوطنية المتطرفة التي يعيش أنانيوها على استمرار العداوة بين الناس، والركوب -في سباق محموم، يتصف بالغرور واللأخلاقية- على الآم المغتربين وعلى معاناتهم، لكسب ناخبي جان ماري لوبان وابته للوصول إلى المقاعد النيابية، والمراكز المحلية..

لكن، والحمد الله، أنه مهما امتلأ العالم بالظلم وتعاظمت قوى الشرّ فيه، فإن الله يبث وينثر من حولنا كمّا هائلا من ألطافه الإلهية الخفية والمرئية، تكفي لإعادة التوازن والنظام لعالم بات "يتخبّطه الشيطان من المسّ" وذلك بنشر ثقافة تقبل الآخر ورفض التمييز التي بتها في قلوب جل الفرنسيين الذين انفعلوا بالواقعة ونددوا بوحشيتها أنداك، كما فعل وقال دولانوي، عمدة باريس حين أمر بإقامة لوحة تذكارية تبرز انخراط سكان مدينته باريس في مواجهة العنصرية والتمييز والتي كتب عليها "إلى ذكرى إبراهيم بوعرام، 1965 - 1995، ضحية العنصرية، الذي تم اغتياله في هذا المكان في فاتح ماي 1995 والتي قال دولانوي اثناء تثبيت الحجر على جانب من الجسر، مندداً بكل أشكال العنصرية: "لا يجب أن ننسى إبراهيم بوعرام الذي تم اغتياله فقط لكونه عربيا".

إن إحياء ذكرى مقتل "بوعرام" والتنديد بجرائم العنصرية، مسؤولية في أعناقنا جميعا، فيجب ألا ننساه وألا نتهاون في إحياء ذكراه وذكرى كل الذين ناضلوا من أجل تنظيم المجتمع على نحو يجعل الثروات الناتجة عن كدهم المشترك، تنفع كل الذين يعملون وليس حفنة أغنياء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى