الأحد ١٥ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم إياس يوسف ناصر

ماذا يريدُ الليلُ منا غيرَ ما اشتهينا؟!

في لوعة المساء، كنا نَرقُصُ معًا... متعانقَيْن! وكانت الموسيقا تَرصُدُ وقعَ أنفاسنا المفعمة باللّهيب، كي تحوكَ فراشَنا الأرجوانيّ خيطًا خيطًا. وكانت أعينُنا تَرقُصُ كالعصافير على جسدينا، فتأكلُ من بيادر أشواقنا عبثًا طعامَها المشتهى.

يَنظرُ بعضُنا إلى بعض كما يَنظرُ ربّانُ سفينةٍ إلى ما تبقّى له من أمواج البحر، ونطيرُ بأجنحة المسافات في ملامح وجهينا، لنبني على أفنان المستقبل عُشًّا صغيرًا لنا.

نَرقُصُ معًا... فتَرقُصُ الكلماتُ على أرجوحة شفتينا، ولكنها تندثرُ من النشوة والفرح، حين يَضيقُ بها الليلُ الرحيب... خواطرُنا أحلامٌ تبحثُ عن وسادة، وبسماتُنا شراعُ سفينةٍ يترنَّحُ على وقع الرياح، وقلوبُنا أزهارٌ تَنبُت على شفتينا قُبلاً على قبل.

نَرقُصُ... كما يَرقُصُ السهمُ في حومة الوغى... أضمُّها بغيوم أناملي وألمسُ حريرَ شعرها الفينان، فأصقُلُ به حسّي ليكونَ طفلاً على صدرها. أسيرُ في حديقة وجنتيها كما يسيرُ الفتى في روضة أحلامه... وأنظرُ إلى عينيها، كما يَنظرُ الشيخُ إلى مدينة ذكرياته... فالعيونُ كلماتُ الحب العاريةُ من الألفاظ، والعيونُ قصصُ القلوب المنثورة على ضفاف الريح، والعيونُ لقاءُ العُشاق في فِراقهم حين يُفلتُ المجازُ من قيد الحقيقة.

أرقُصُ معها في غرفةٍ كالثلج برودةً. ألتحفُ بجمر أنفاسها وأقطِفُ عن شفتيها ما يدفئني من نبيذ. أسافر مع صوتها القرمزيّ إلى شواطئ أحلامي لأكتبَ بصهيل الموج أسماءَنا على الرمل. أنظر إليها وإلى صورتنا التي سكبها النورُ الضئيلُ على جدران الغرفة وأقول في نفسي: ماذا يريدُ الليلُ منا غيرَ ما اشتهينا؟!

أنا وأنتِ وحدَنا في باحة الحب، والليلُ يتشقَّقُ عن عناقنا! لا كأسُ النبيذ تُسكرُني، ولا جداولُ الموسيقا الرقراقة تطربني... إنما أنتِ... أنا وأنتِ وحدَنا في باحة الحب يا حبيبتي، نَسمَعُ خفقاتِ قلبينا فننتشي طربًا، ونشربُ أشواقَنا فيبعثرُنا الليلُ ويلمّنا الصباح...

ماذا يريدُ الليلُ منا غيرَ ما اشتهينا؟! أوقدْنا شمعَنا، وأخمدْنا دمعَنا، وتركْنا على الجدران شيئًا من ملامحنا. أبقينا الموسيقا تائهةً في غابة المساء، وتجرّدنا من ظلالنا ورحلنا عن أنفسنا فكتبْنا على شراشف الأحلام أجملَ قصائدنا... ولكننا!!! لا نزال نسأل... ونسأل: ماذا يريدُ الليلُ منا غيرَ ما اشتهينا؟!

(كفرسميع)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى