السبت ٢١ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

وداعاً يا حبيبتي

اعتدتُ منذ يفاعتي أن أنسلّ بمفردي دون توديع أحبتي، وذلك لما للفراق من ألم ولوعة أكابدهما. بعد تلك اللحظات المفعمة بالدموع، والنشيج المكتوم.. الكثير من أحبتي يظنون إنني قاسي القلب، مقدام ورابط الجأش، بسبب ما يبدو لهم من ظاهر الأمور، دون معرفة بواطنها وما يعتمل في القلب والنفس.

وداعاً يا حبيبتي...

أي وداع يليقُ بحلم ٍجميلٍ مثلك أنتِ ؟ أي وداع يليق بفراشة جعلتْ عالمي وردياً بلون ردائها؟
أيتها الغالية (سابقاً، ولاحقاً)، لقد كنتِ بحق زهرة جميلة على غصن حياتي، الذي تسلل إليه الجفاف، بمجرد شعوري أنك سترحلين.. ما أصعب الرحيل بدون أمتعة، يثقل قلوبنا ويشقّ على كواهلنا، لقد حَملنا ما ثقلَ حمله دوماً؛ القلب الذي أشقانا بحبنا، وأحرقنا في فراقنا. هل كان الرحيل بسبب إهمالنا، كطفل يمسك بعصفوره، ويطير من يده فجأة لأنه نسي توثيقه بخيط من الأعراف والنظم الاجتماعية؟

أي وداع يليق بأمنية غالية كأمنية الحياة معك أنتِ.. بل أنتِ الحياة نفسها، وأنفس منها..أي ألم أكبر من ألم فراقك؟ وأي حزن أعظم من فقدك.. هل أفتح عيني بالتدريج وأستقبل نور واقع لا يحتويك، كي أروض نفسي؟

كنت مخطئاً، أيتها الغالية عندما تخيلتُ حبك طائراً صغيراً، أعلمه الطيران شيئا فشيئا، والخروج من قفص قلبي.. لم يدر بخلدي أنه لن يعود إليه أبدا.

هل أرسم وجهك وابتسامتك على شواطئ مدينة النسيان، وأراقب أمواج الضباب والهواء كي تمسحه؟ حتي لو مسحته الأمواج فقلبي بارع في فك الرموز والطلاسم، وقراءتها، يرى في كل ذرة رمل ابتسامتك المشرقة، وفي كل صوت قطرة ماء همسك الدافئ عندما ينساب يدغدغ مسمعي.

هل أقول إن حبك شمعة ذابت ووصلت إلى نهايتها، قبل أوانها بسبب ريح الغضب أحياناً؟ عيناي بارعتان في فك الشفرة، تريان في تضاريس الشمعة الذائبة وجهاً لا يمكن نسيانه. أصبح العالم كله ركاماً للشموع الذائبة، مدناً للنسيان المتخيل والمزعوم.. الكل يدّعي القوة ويتظاهر بها.

هل أطبع قبلة اعتذار فوق جبين حلمي بك، وأعلن فشلي المرير في حكاية عشقك، وفقدك؟
أيتها الأسيرة بحبي قررتُ أن أكون شجاعاً كـ (أغامنون) أو (هيرقل)، وأطلق سراحك من سجن أحلامي، وأمنحك الحرية بمرسوم عشقي سام ٍ؟ اكتشفتُ بعد أن فعلت ذلك أنني أنا من كان أسيرك، ورأيتك تبتسمين ابتسامة الشامت، ضحكت من جهلي، وحمدتُ الله إنني لم أتزوجك، كي لا يكون أبنائي مثلي، ويشقون بحبهم. "فتعنس" بنات أفكاري لأن لا أحد يجرؤ على الزواج منهن.

سأجمع حولي كل أطفال المدينة، وأحكي لهم حكاية البطل المهزوم الموهوم المشؤوم، وحكاية الأميرة المسحورة من بلاد العجائب.. وكيف تعرفتُ عليها في تلافيف أحلامي، فأصبحتْ حقيقة ماثلة أمامي، لكن لا أستطيع الإمساك بها لأنها نسمة هواء باردة.. لا أستطيع لثمها، لأنها رشة عطر، أنعمُ برائحتها فقط.

اكتشفت إني اقرأ ما أقوله في دفاتر خيالي ومن أحكي لهم عنك هم أطفالي، وأشرح لهم بحنان أن الحكاية انتهت.. لكنهم ورثوا العناد عن أمهم وطلبوا مني إعادة الحكاية من البداية.. هؤلاء الأشقياء جعلوني أقف حافيا فوق نتوءات جبال الألم، أنزفك قطرة قطرة. هل هو انتقام لك، أم تلذذ بحكاية مجنونين لم يعرف الدهر مثلهما؟

جعلوني أسير فوق شوك الوهم مدمي القدمين، أبحث عن قطرات الفرح المفقود في صحراء عمري، لقد وجدوك في ربعه الخالي، لأن الأرباع الثلاثة الباقية مزدحمة بحبك، وليس هناك موطأ دمعة.

اكتشفت الآن أن هؤلاء هم أصدقاء طفولتي، وإني لم أبلغ سنوات النضج بعد، وأني مازلت صغيراً ألعب بالكبريت، فأحرقتُ نفسي، وأبت ذكرياتنا أن تحترق.

طرقتُ بابَ عرافة، أو قارئة فنجان بحثتُ عنك بين الودع و في الدوائر والخطوط .. دُهِشَتْ وقالت لي: يا مجنون أنتَ تعشقُ وطناً


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى