الأحد ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم مصطفى أدمين

الرجل الفاضل

اجتمع تحت سقف دار العِمادة، أهلُ المدينة الصغيرة لمناقشة فكرة السيّد العُمدة. وهي فكرة بسيطة في طرحها:
ـ سنختار كلّ سنة أفضل شخص بيننا، وسنعلّق صورتَه في بهو هذا المكان، وسنعطيه شهادة تقديرية ومبلغاً محترما من المال...

وبعد أن هدأتْ همهماتُ ووشوشاتُ الجمع، أضاف:
ـ ... أقترح عليكم السيّد جمال محمد صابر؛ إنّه ـ كما تعلمون ـ رجل وحيدٌ، ولقد أفنى عمره في خِدمة مدينتنا الصغيرة... لولا هذا السيّد العظيم لصارت شوارعُنا كئيبةً من دون الأشجار التي غرسها واعتنى بها أكثر مِمّا اعتنى بِمُتبنِّيتِه إكْرام...

ـ أين هو؟ صاح أحد الحاضرين.
ـ إنّه في بيته، وهو مريض. أجاب السيّد العمدة.
ـ كم قيمة الهدية المالية؟ قال صوت.
ـ عشرون ألف جنيه. أجاب السيِّد.

فتعالت الأصوات، وانخرط الحاضرون في مناقشات ثنائية، وانبعث من الجمع رجلٌ متّسِخٌ ذو أنف معقوف ولحية طفيفة، وعينين جاحظتين؛ ووقفت بجنبه امرأةٌ في شكله، وقال:
ـ لا يمكن أن نسمح بتضييع أموال مُؤَدِّيي الضرائب...
وأضافت (زوجتُه):
ـ وما أدرانا أنّه رجلٌ ندل؟... يُقالُ إنّه يعبث بالطفلة التي تبنّاها... إنّه وحش... وإذا كانت هناك من مكافأة مالية، فالأجدر أن نمنحها لزوجي هذا، فهو عامل منجمي، ولولاه، ما تدفأنا خلال الأشهر الباردة...
وقاطعتها امرأة أخرى:
ـ ولماذا لا تعودُ المكافأة لزوجي، فلولاه، لصارت مدينتُنا مزبلة كبيرة...
وآخر قال:
ـ أنا أحتاج لمثل هذا المال، وأنا لي أسرة كبيرة، ولا تحوم حولي أيُّ شُبُهات.
وجاء صوتٌ من آخر القاعة:
ـ أنا أعرفك يا حفّار القبور؛ أنت سِكّير وتضرب زوجتَك وبناتك.

وتكاثرت الاتِّهامات، وتعالى السبُّ والقذف، واشتبكت الأيدي...

وها هو السيّد جمال محمد صابر يدخل القاعة مُتـَّكِئاً على ابنتِه بالتّبني إكرام، فصمتٌ كصمت القبور:
ـ أيّها السادة الكِرام... خُبِّرتُ مِراراً بأنَّ الإكْرامَ يُنجِبُ الجحود... وأنا في غير حاجة لا لشكر عن عملٍ حصلتُ على أجره، ولا في شهادة تقديرية غير أن يُقدّرني الرّب، ولا في حاجة لأن تُعلّقواْ صورتي في بهو... أنا مُسافر... أنا مُسامح.

وما كادتْ ابنتُه إكرام الرجوع به إلى البيت، حتى سقط ميّتا...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى