الخميس ٢ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم أوس داوود يعقوب

الشاعر الشيخ أحمد فرح عقيلان

(1924م- 1997م) وقصيدته فلسطين

يعد شاعرنا الشيخ أحمد فرح عقيلان من شعراء فلسطين الإسلاميين، ولد عام 1924م في الفالوجة ـ قطاع غزة. نشأ في بيت علم ودين، وكان والده من علماء الأزهر، تعلم في مدارس القطاع، وأكمل دراسته الثانويّة في «الكلية الرشيديّة» في القدس، ثم اجتاز الامتحان الأعلى لمعلمي اللغة العربية في الكلية العربية بالقدس عام 1946م، ثم عمل مدرساً للغة العربية في بعض مدن فلسطين.

ومثل كل أبناء جيله الذين شردهم الإرهاب الصهيوني عانى الشاعر الشيخ من ويلات نكبة فلسطين وشهد مأساة شعبه ومحنة اللاجئين، قد قدمت عائلته الكثير من الشهداء وقد انتقل بعد وقوع النكبة عام 1948م إلى (خان يونس) ودرّس بها حتى عام 1957م، ثم هاجر إلى السعودية ودرّس فـي «معهد العاصمة النموذجي» بالرياض لعدة سنوات، وعمل مديراً للأندية الأدبية برئاسة رعاية الشباب ثم مستـشاراً بها.

وعمل داعية وقدم برنامجا إذاعياً «في تفسير القرآن».

وكان عضواً في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

توفي في 19/02/1997م في السعودية.

نظم الشيخ عقيلان الشعر الإسلامي بفنيّة عالية، وتنوعت في نتاجه الشعري أغراض القول، ولكن قضية فلسطين، ممتزجة بالهمّ الإسلامي العام تبقى المحور الذي تتفرع عنه، وتعود إليه القضايا الأخرى، فهناك قضية الدعوة الإسلامية، والواقع الاجتماعي للمسلمين، وما يتصل به من قضايا المرأة والشباب، إنها تتجاذب وتتداخل لتدل على موقف الشاعر. لغته قريبة مأنوسة طيعة تأخذ الكلمات مواقعها المعهودة فلا تجد للضرورة أثراً، يجمع بين التعبير المباشر الذي يقترب من لغة الخطاب اليومي، والتصوير المستمد من الموروث الشعري، أو من تركيب مخيلته، كما يستعيض عن التصوير أحياناً بالوصف الدقيق الذي يقوم مقام الصورة المخترعة.

من أثاره الشعرية: «البردة الجديدة»، عام 1951م. و «جرح الإباء»، نادي المدينة المنورة الأدبي، السعودية ـ 1980م، و «رسالة إلى ليلى»، نادي المدينة المنورة الأدبي، السعودية ـ 1981م. و «لا يأس»، دار المعراج، الرياض، السعودية ـ 1998م.(نشر بعد وفاته). ثم جمعت دواوينه في «الأعمال الشعرية الكاملة»، وقد صدرت عام 1999م عن «بيت الأفكار الدولية».

وله مؤلفات دينية وأدبية، تدل على موقفه من قضايا الأدب والشعر، وعلى الأخص كتاباه: «جناية الشعر الحر»، نادي أبها الأدبي، السعودية ـ 1982م. و «بين الأصالة والحداثة»، نقد ومختارات، ، نادي الطائف الأدبي، السعودية ـ 1986م.

ترجم له الأستاذ أحمد الجدع في كتابه «شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث»، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1976م فكتب عنه مِفصلاً أشار فيه
لأهمية شاعرنا في خارطة الشعر الدعوي الإسلامي، ودوره في توجيه وترشيد بناء مجتمع عربي إسلامي قادر على مواجهة المخاطر التي تواجه مجتمعنا وبلادنا من الخطر الصهيوني وويلاته.

ومن قصائد الشيخ عقيلان الرائعة، قصيدة «إلى بلدتنا»، يقول في مطلعها:

أنا مانسيتك رغم ما فعل العِدا
بلدي أتذكرني أتذكر أحمدا
 
ذكرى شبابي عاطرًا ومورَّدا
في كل شبرٍ من ثراك تشدّني
 
روحي فداكِ وأنت أغلى مفتدى
فالوجتي الزهراء يا حلمَ المنى
 
عبدًا وكنت على ترابك سيّدا
منذ افترقنا يا حبيبةُ لم أزل
 
عيشٌ ولا برح الفؤاد مشرَّدا
واللهِ منذ فراقنا ما لذَّ لي
 
سجنًا من الموت البطيء مؤبَّدا
والعمرُ بعدك يا حبيبةُ قد غدا

ولشاعرنا الكثير من القصائد المشهورة، في مقدمتها قصيدة عنوانها: «لا يأس»، ومنها هذه الأبيات:

لا يأس مهما غرقنا في مآسينا وأمعـن الكفر ذبحاً في ذرارينا
لا يـأس ، فاليأس كفر في عقيدتنا وما ارتضينا سوى إسلامنا دينا
لا يـأس مـهما سبحنا في مذابحنا ولو جرى بدم الـثوار وادينا
لا يأس ... حتى لو أن العرب كلهم مع الـعـدا أغمدوا أسيافهم فينا

ومن أجمل قوله قصيدة «قذائف الكلام»، نشرت في ديوانه «جرح الإباء» ومطلعها:

يا بني العرب يا حماة البيد أين عشق العلا وعزم الأسود

ومنها قوله:

لا ترد الحقوق في مجلس الأ من ، ولكن في مكتب التجنيد
الشكاوى إلى المجالس لغوٌٌ وأزيز الرصاص بيت القصيد
إن ألفي قذيفة من كلامٍ لا تساوي قذيفة من حديد

فلسطين .. الأرض والشعب والقضية

تعد قصيدة «فلسطين» إحدى نماذج شعره الفني الراقي المعبر عن مأساة أبناء الشعب الفلسطيني، الذين سرق وطنهم، وسلبت ديارهم.

ويحلل الناقد الأستاذ محمد علي شاهين القصيدة قائلاً: «يتميز مطلع القصيدة بمشاعر الحب والحنين والعشق لفلسطين التي علّمته الفداء».

يقول الشيخ الشاعر: «كلّما غنيت لفلسطين الساحرة الجميلة رأيتها تبتسم لي ابتسامة هي أجمل من ورد نيسان (أبريل).. هي مثل امرأة بارعة الجمال، زانها الأدب والحياء، تأخذ بالألباب، هي أجمل من معشوقة قيس، ولا تقارن بها، يحيط بقصرها العالي وادي رام الله ومروجها الخضر، لم أتمالك نفسي وأنا شاب إلاّ طلب يدها.. كانت نافذتها فوق السحاب، طعامها الثلج وسقياها الماء الزلال، كنّا نحلّق معاً في جو السماء كالطيور، نتبادل الحب العذري والأشواق».

ثم ينتقل الشاعر من أجواء السعادة والعشق إلى الأحداث التي عصفت بقلب المحبين، ففاتنته اليوم حزينة شاردة، تبكي في موكب الفرح، تشير إلى مدينة مغبرّة بالجانب الغربي من لوحة السماء، وتتساءل: « أين يافا عروس الشاطئ؟ وأين أهلها؟ وأين شميم نسيم البحر وعطر البرتقال؟».

ويقسم الشاعر على أن كل الحلي جمّلت فلسطين بالحسن، ففي الغرب مصايف شواطئ البحر، وفي الشرق مشاتي البحر الميّت، أمّا المروج السندسيّة الخضر الممتدّة من عكا إلى رفح فهي منبت الفاكهة والزهور.

ويتساءل ألم يفتن المتنبي بروعة محاسن طبريّة وأمواج بحيرتها وطيب هوائها ودفئ شاطئها؟ فيصفها في ثمانية أبيات، يقول فيها:

لولاك لم أترك البحيرة والغور
دفيء وماؤها شبم
 
والموج مثل الفحول مزبدة
تهدر فيها وما بها قطم
 
والطير فـوق الحباب تحسبها
فرسان بلق تخونها اللجم
 
كأنها والرياح تضربها
جيشا وغى هازم ومنهزم
 
كأنهــا في نهـارهـا قمـر
حفّ به من جنانها ظلم

ويخاطب شاعرنا الشيخ عقيلان مقدسات فلسطين فيقول: «أفديك روحي وعيالي وأعز ما أملك، وما أشرف تلك الروح إذا فديت بهذه المقدّسات».

ويصف في خوف وهلع ما آلت إليه أحوال فلسطين، من تدنيس للمقدّسات، وانتهاك للحرمات، ويتساءل: «أين الملايين التي تنفق بسخاء على الغانيات وموائد الشيطان، ونضنّ بها في موقف البذل والتضحية ونداء الواجب؟».

مضيفاً: «لو كانت مشكلتي مع اليهود وحدهم لما اكترثت بهم، لكن مشكلتي اليوم مع حماة حدود (إسرائيل)، وكلّما زادت المعاناة في فلسطين، زاد إخواننا العرب مصائبنا.

وها أنا ذا ذاهب تحت جنح الظلام إلى عدوّي لأؤدبه، وقد وضعت روحي على راحتي، أحمل سلاحي الذي اضطرت زوجتي لبيع عقدها الذهبي بثمن بخس لتشتري بثمنه ذخيرة بندقيّتي.

حتى وصلت منطقة صفد، والثلج يهطل فوق رأسي، ولمّا هبّت نسائم سهل حطين سرى عبيره الطيّب في جسدي، وشعرت أن كبدي الملتهبة قد شفيت من أسقامها، وأخذت أنظر إلى بلدي المغتصب، ونار الثأر تدفعني نحو الانتقام من عدوي».

ويتابع الشاعر ملحمته فيقول: « وبينما أنا أتأهب للانقضاض، أمسكت بكتفي يد عربيّة، ظننت للوهلة الأولى أنّ أسود العرب جاءت لنصرتي، فأخذت أشكر هذه اليد وأثني عليها.

لكنّ هذه اليد سرعان ما أمرتني بإلقاء السلاح، وأخذت تكيل لي السباب والاتهامات».

فقلت: «يا حارس الأعداء، أيّها البطل المزيّف، هذه القنابل اشتريتها من تعبي، وعلى حساب قوتي، أمّا هذه البندقيّة فلا أستطيع أن أتخلّى عنها لأنّها بمثابة روحي، وأعلم أن لغة الشجب والتنديد لن تعد مجدية، ولن تنطل هذه الأكذوبة بعد الآن على أحد، فلقد تعلمت من صلاح الدين درس البطولة والفداء، وإنّ لحظة صمت من فدائي أكثر تعبيراً من هذه الخطب الحماسيّة البليغة.

ولن نتسوّل بعد الآن على أبواب السياسات المتآمرة على فلسطين، لأنّ حماة هذه النهج هم اللصوص الحقيقيّون».

ويتابع خطابه لهذا العربي: « إن كنت تبحث عن الكرامة فهيّا إلى القدس، فإنّها تتطلّع إلى من ينقذها».
ثم يخاطب الأمّة التي يلفّها الظلام من حولها: إعلمي أيّتها الأمّة أن الفجر قادم لا محالة، وأنّه كلّما اشتد الخطب، وادلهمت الخطوب، اقترب الأمل.

فلسطين

أفدي التي علمتني كيف أفديها
وأتحفتني نظيم الدر من فيها
 
أبهى من الورد في أبريل بسمتها
إذا رأتني أغني في مغانيها
 
كان الجمال الفلسطيني يأسرني فيها
وحلية آداب تحليها
 
لهفي عليها فلسطينية نظمت فيها
الملاحة في أبها معانيها
 
لو أن قيسا رآها في صواحبها
لقال يا ليت ليلى من جواريها
 
كانت على قمة شماء دارتها
وحولها مرج رام الله وواديها
 
وكان شرخ شبابي عارماً غزلا
يسوقني رغم أنفي نحو أهليها
 
ما زلت أذكر فوق الغيم شرفتها
والسحب تطعمها ثلجا وتسقيها
 
في ذلك اليوم كنا في السماء معاً
والجو بالبسمة العذراء يغريها
 
لكن فاتنتي صفراء ساهمة
كأنما موكب الأفراح يبكيها
 
تشير لي جهة الغرب البعيد إلى
مدينة قد بدت غبرا مبانيها
 
تقول لي تلك يافا أين آهلها
أيام يافا عروس في شواطيها
 
هل تبصر البحر معطاراً نسائمه
تهدي شذى برتقال من مجانيها
 
والله ما حلية في الأرض غالية
إلا بدت في فلسطين تحليها
 
البحر في الغرب حيا من مصايفها
البحر في الشرق ميتاً من مشاتيها
 
والحقل يتحفها تيناً على عنب
والبرتقال رحيق الخلد يسقيها
 
والحقل يمتد من عكا إلى رفح
في مطرف السندس الغالي يجليها
 
تعجب المتنبي من بحيرتها
لما رأى كل أشكال المنى فيها
 
الموج يهديك برداً من أواسطها
والغور يعطيك دفئاً من شواطيها
 
وعمة الشيخ في تموز تبردها
وحمة الغور في كانون تدفيها
 
والنهر يحكي عن اليرموك ملحمة
المجد يلحمها والفخر يسديها
 
في أرضنا كل ما في الأرض من متع
سبحان مودع أسرار السما فيها
 
كل النبوات في أحضانها درجت
تأوي إلى المسجد الأقصى فيؤيها
 
عفوا حنانيك يا مسرى محمدنا
يا صخرة المجد أعيت من يساميها
 
فداك نفسي وأولادي وملك يدي
ما أشرف الروح للأقداس نهديها
 
يا لهف نفسي أحقاً أن صخرتنا
القدس فد عاث أنجاس الورى فيها
 
وهل صحيح بأن المومسات بها
صيرن أقداسنا حمراً لياليها
 
يا أمة دفنت في الرمل هامتها
كي لا ترى الواقع المهزوم يخزيها
 
أما سمعت بأولى القبلتين وقد
تبختر الكفر في أقداسها تيها
 
أين الملايين للشيطان نرخصها
فإن دعانا نداء المجد نغليها
 
إذا القمار لنا مدت موائده بالراح
والغادة الشقراء تسقيها
 
فنحن أكرم أهل الأرض قاطبة
ترى ملاييننا كالرمل نذريها
 
شتان من همه كأس وغانية
ومن على القمة الشماء يحميها
 
لو أن همي عدوي ما اكترثت به
لكن أخي حول «إسرائيل" يحميها
 
وكلما عظمت بلواي في بلدي
رأيت أحبابنا زادوا بلاويها
 
سريت ليلاً إلى خصمي أؤدبه
الروح في راحتي أرخصت غاليها
 
والبندقية من زوجي ذخيرتها
باعت قلادتها بخساً لتشريها
 
حتى وصلت حدودي والثلوج على
رأسي وقد خنقت روحي دياجيها
 
حتى شممت شذا حطين من صفد
يسري على كبدي الحرى فيشفيها
 
ورحت أنظر عن قرب إلى بلدي
ونار ثأري تصليني فأصليها
 
وإذ على كتفي وسط الظلام يد
تصيح باللهجة الفصحى حراميها
 
فأشرق النور في قلبي وقلت إذا
هذه العروبة جارتني ضواريها
 
ودمت أهتف هيا مرحى يا أخي
وهلا يا للأخوة ما أحلى معانيها
 
ظننته جاء في الظلماء ينجدني
ورحت أوسعه شكراً وتنويها
 
فقال ألقى بهذي البندقية يا......
وراح يوسعني شتماً وتشويها
 
فقلت يا حارس الأعداء يا بطلاً
بعض البطولات تؤتى من مخازيها
 
هذى القنابل من قوتي ومن عرقي
والبندقية روحي لا أخليها
 
الشجب والسب والإنكار أسلحة
ما عاد شعبي بقطمير يساويها
 
درس العلا من صلاح الدين علمنا
أن البطولات تؤتى من أعاليها
 
ما نفع ألف خطاب صارخ زلق
تكفيك لحظة صمت من فدائيها
 
لن نشحذ الحق من لص ومغتصب
هذى السياسة حاميها حراميها
 
إن شئت فاذهب معي فالقدس منتظر
هذى الكرامة في أسمى معانيها
 
يا أمتي في ظلام الليل لا تهنى
لا يطلع النور إلا من دياجيها

أهم المصادر والمراجع:

  1. أحمد الجدع، معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين، دار الضياء، عمان ـ 1999م.
  2. أحمد الجدع وحسني جرار، شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ 1976م.
  3. معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، الكويت، النسخة الالكترونية: [www.almoajam.org].
(1924م- 1997م) وقصيدته فلسطين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى