الخميس ٢ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم بلقاسم بن عبد الله

النادي الأدبي تجربة متميزة

.. وإلى أي حد يمكن العودة إلى صحافتنا الأدبية، والاعتماد عليها في التأريخ لتطور حركتنا الأدبية والفكرية؟.. تساؤل مثير للجدل المثمر، واجهني وصافحني من جديد، بعد متابعة شتى الآراء والمناقشات التي أعقبت الحوار المتميز الذي أجرته معي مشكورة الأديبة الإعلامية جميلة طلباوي، ونشر كاملا بموقع أصوات الشمال، وقالت كلمتها بشأن جميع التعليقات الهامة الواردة.

وبدون أن أدخل في التفاصيل والهوامش، أعود الآن لأنشر مداخلتي التي ألقيتها في أول ملتقى وطني حول "الصحافة الأديبة في الجزائر" أقيم بجامعة قسنطينة يومي 6 و7 ماي 2001 ونشرت كلمتي كاملة مع بقية المداخلات والمحاضرات في كتاب من الحجم الكبير، ضمن منشورات جامعة قسنطينة (2002)، ثم أعدت نشر هذه الكلمة في كتابي حرقة الكتابة،الصادرفي جوان2005 عن منشورات وزارة الثقافة.

.. وحتى يتمكن القراء الكرام من الإطلاع على هذه التجربة المتميزة في الصحافة الأدبية، سأعيد من جديد نشر مقالتي المذكورة. وتظل الأبواب مفتوحة للحوار المتحضر والنقاش المثمر، فمن حق الآخرين أن نحترم رأيهم وإن اختلفنا معهم.

كيف و من أين تبدأ الرحلة الطويلة؟.. و كأنك تتحدث عنه بضمير الغائب، هو قريب منك، و أنت أحب الناس لديه.. فلماذا تستعير منه لسانه لتعبر نيابة عنه ؟.. عايشته و لا تزال تلازمه في رحلته الممتدة عبر مجالات الأدب و الصحافة، منذ خطواته الأولى من خلال إشرافه طوال سنتين على ركن: "عالم الثقافة: بمجلة الجيش الشهرية في بداية السبعينات، ثم مساهمته الجدية المستمرة ضمن هيئة التحرير في ملحق "الشعب الثقافي"(7219 - 7419). إلى تجربته المتــميزة أثناء فترة إعداد البرنامج الإذاعي: "دنيا الأدب" طوال عشرين سنة ممتدة عبر مرحلتين،لتعود إلى أبرز تجربة مثمرة متمثلة في النادي الأدبي بجريدة الجمهورية لمدة عشر سنوات،ثم ملحق خير أنيس بنفس الجريدة لثلاث سنوات. هي رحلة طويلة و تجربة ثرية، ما في ذلك شك.

لذا سأحاول اليوم في هذه المداخلة المتواضعة أن أحصر باختصار هذه التجربة المثمرة في نموذج ملحق النادي الأدبي الذي استمر عقدا من الزمن ( 78-88 ) و شكل محطة بارزة في مسار الصحافة الأدبية في الجزائر.

.. بعد استفادتي من تجربة أربع سنوات من إعداد وتقديم برنامج دنيا الأدب بالإذاعة الوطنية،راودتني في جانفي 78فكرة تأسيس النادي الأدبي، وبادرت بوضع مشروعه التمهيدي بأركانه ومحتوياته،ثم مناقشته مع إدارة جريدة الجمهورية، تم الاتفاق على بداية التنفيذ، و بالفعل ظهر العدد الأول يوم 8 مارس 78 بإعداد كل من: بلقاسم بن عبد الله والحبيب السائح. كانت البداية بسيطة و جريئة في آن واحد، بصفحة واحدة لتتحول إلى صفحتين في الشهر الموالي. و قد تضمن العدد الأول كلمة افتتاحية كتبتها بعنوان: أدب الشباب هل هو امتداد لأدب الثورة؟.. وظل النقاش حول هذه المقالة الافتتاحية متواصلا على مدى ثلاثة أشهر بأسابيعها المتتابعة.

كانت الانطلاقة مغامرة جميلة،وكنت حريصا على تنقيح الكتابات وجودة إخراجها، في ظرف كانت حركتنا الأدبية و الصحافية تعرف نوعا من البرودة و الإهمال، خاصة بعد أن "خنقت" تجربة "الشعب الثقافي" و هو ملحق نصف شهري كان يشرف عليه الأديب الروائي: الطاهر وطار من جوان 72 إلى مارس 74 وكنت يومئذ ضمن هيئة تحريره، حيث ظهر منه 42 عددا، قبل أن يتم توقيفه وهو في عز العطاء، ثم برز بعد ذلك ملحق "الشعب الأسبوعي" و توقف قبل أن يصل العدد العشرين. و تعثرت و توقفت كذلك مجلة "المجاهد الثقافي" بعد صدور 18 عددا بمشاركة نخبة من الأدباء و الجامعيين.

في تلك الظروف بالذات، ولد النادي الأدبي، بعد مرور سنتين على تعريب جريدة الجمهورية، و حرص على أن يجد له شخصيته المتميزة من خلال شعاره: "الأبواب مفتوحة أمام جميع الأقلام الجادة و المبدعة. و من حق الآخرين أن نحترم رأيهم و إن اختلفنا معهم".

و اتسعت رقعة النقاش و الإبداع و النقد، وتنوعت الإنتاجات والكتابات الواردة من شتى الأرجاء، بالإضافة إلى الحوارات الهامة التي كنت أجريها مع الأسماء البارزة في دنيا الأدب والفكر، و ظل الحال كذلك إلى جوان 1980 عندما اضطر الصديق الحبيب السائح لمغادرة وهران بعد إتمام دراسته الجامعية، و الإنتقال إلى مدينة سعيدة ليقوم بمهامه التعليمية هناك. واصلت المغامرة الجميلة، وتوالت الأصوات المتعددة و الكتابات الجادة والواعدة، وعرف البعض نشوة النشر لأول مرة على صدر النادي الأدبي.

بدأت التجربة تتجذر و تتجدد بفضل مساهمات جميع كتاب المنطقة بالدرجة الأولى، نظرا لمحدودية توزيع الجريدة، إلى جانب كتابات الأدباء الأصدقاء من وسط و شرق و جنوب الوطن، بالإضافة إلى تلك الأوراق المثيرة و الممتعة التي كانت تصلنا من دمشق، عن طريق زملائنا هناك: أمين الزاوي، ربيعة جلطي، واسيني الأعرج، زينب الأعوج. ثم من أحمد دوغان بعد ذلك، قبل أن يلتحق الأخضر بن عبد الله من باريس، و نور الدين بوصاع و عز الدين مخزومي من القاهرة.

و ظل النادي الأدبي محافظا على درجة من الجودة والإتقان، بفضل مساهمات أقلام عديدة من مختلف ربوع الوطن، لا يتسع المجال لذكرها و حصرها، إلى أن عرفت التجربة قفزة نوعية يوم 11 فيفري 1985 و تحول إلى ملحق أسبوعي متكامل من 8 صفحات من حجم "تبلويد"، لكل صفحة زاويتها و كاتبها.

و تم توقيع "عقد تعاون" بين إدارة الجريدة و أربعة كتاب هم: عمار بلحسن، عمار يزلي، أم سهام، زهير العلاف ثم ربيعة جلطي بعد ذلك، ليتولى كل منهم على التوالي الأركان الآتية: من الأدب العالمي، من المكتبة، مع المجلات، حقيبة الإبداع.

هكذا عرفت التجربة نفسها الجديد المتجدد، و استقطبت شريحة واسعة من القراء المهتمين، و خلقت لها تقاليدها الواضحة من خلال مشاركة كتاب و أساتذة جامعيين في أركان ثابتة و متغيرة، تبعا لخطة التنويع و التطوير.

في هذه الفترة انتعشت الحركة الأدبية و الثقافية و الاعلامية، بفضل انتظام الملتقيات و المهرجانات و الأيام الدراسية عبر كبريات المدن الجزائرية، و ظهرت جريدة "أضواء" الأسبوعية و جريدة "المساء" اليومية، و مجلة "المسار" الشهرية و مجلة الرؤيا الدورية، إلى جانب ملحق "الأفق الثقافي" لجريدة النصر الذي كان يشرف عليه الصحفي الأديب: جروة علاوة وهبي. بالإضافة إلى استمرارية صدور مجلات: آمال، الثقافة، الأصالة، و لو بشكل دوري.

و طوال عشر سنوات، ما انفك النادي الأدبي ينشر دوريا و بانتظام ملفات خاصة، امتدت من عدد واحد للمحور إلى ستة أعداد. و من أبرز تلك الملفات نذكر: الأدب و الثورة، الأدب و المرأة، الأدب و الطفل، الأدب و الأرض، الأدب الشعبي، الأدب المقارن، الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية. إلى جانب أعداد خاصة عن قضايا كل من القصة و الرواية و المسرح و الشعر و النقد في الجزائر. بالإضافة إلى ملفات أخرى عن الوجه الجديد للحركة الأدبية في كل من المغرب و تونس، و ليبيا، و مصر، و لبنان و العراق.

و خصص النادي الأدبي مساحة هامة لدراسة إنتاجات أبرز الأدباء الجزائريين، من جيلي الثورة و ما بعد الاستقلال، على اختلاف ألسنتهم و مدارسهم و مناهجهم. نذكر منهم على سبيل المثال: مفدي زكريا، محمد العيد، رضا حوحو،مالك حداد، مولود معمري، كاتب ياسين،محمد ديب، الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة، محمد مصايف، عبد الله ركيبي، أبو العيد دودو، عبد الله شريط،أبو القاسم سعد الله، زهور ونيسي، آسيا جبار، أحلام مستغانمي،رشيد بوجدرة، بقطاش مرزاق، عمار بلحسن،الأخضر السائحي، بلقاسم خمار،محمد الصالح حرز الله،عبد العزيز غرمول،حمري بحري،عياش يحياوي، جميلة زنير، أحمد حمدي،محمد زتيلي،عمر أزراج، أحمد منور،مصطفى فاسي،لدرع الشريف،بشير خلف، سليمان جوادي، عبد العالي رزاقي، عبد الملك مرتاض،محمد مفلاح،أمين الزاوي وربيعة جلطي، واسيني لعرج وزينب لعوج،عمار يزلي،أم سهام،علي ملاحي،بختي بن عودة،الحبيب السائح،مخلوف عامر،الطاهر بلحيا،محمد سعادي، خلاص جيلالي،محمد ساري،عبد الحميد بورايو،عبد الله حمادي،علاوة وهبي، شريبط أحمد، جمال فوغالي، عبد الحميد شكيل، و غيرهم.. إلى جانب مواصلة الإهتمام بشخصيات أدبية و فكرية من البلدان العربية،بدون إهمال أعلام و رموز الأدب و الفكر عبر العالم.

وسنعود في القسم الثاني والأخير لتناول عدة قضايا حيوية حساسة عالجها النادي الأدبي بكل جدية و موضوعية، وكان لها الأثر الإيجابي الطيب لدى الصحافة الوطنية، من غير أن نغفل أو نهمل رأي وموقف عدد من الأسماء البارزة في الساحة الأدبية والفكرية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى