الأربعاء ٨ حزيران (يونيو) ٢٠١١

مشايخ كبار متورطون في قضية بنك فيصل

محمد الوليدي

استكمالا لما أوردته في مقال «بنك فيصل الإسلامي هو بنك الدم الفلسطيني» كانت هناك ثمة نقاط حساسة تركتها لأستكمل التحقيق فيها وحتى لا نظلم أحدا فيها، وكيف إذا كان هذا «الأحد» ممن يسبح الناس بحمدهم بكرة وأصيلا، كان على أن أكتب لبعضهم وأستفسر منه عن بعض القضايا المتعلقة به ثم أنتظر رده، والذي غالبا ما يطول مجيئه، أو لا يأتي أبدا.

قبل أن أبدأ أود أن اسأل وأجيب، لماذا كانت إسلامية هذا البنك خاصة إذا ما عرفنا أن أصحاب هذا البنك لم يعرف عنهم التدين في أي حال من الأحوال، بل عكس ذلك تماما!، فبعض قراء مقالي السابق عن هذا البنك، أبدوا شكوكهم في إسلامية هذا البنك من خلال تعاملاتهم معه، مع أن الأحوال التي عليها الآن أرحم بكثير عن بداياته .

أجيب بأن إسلامية هذا البنك لم تكن على البال، بل كانت فكرة جهنمية خلفها عقول كبيرة، ولها أهداف عديدة، أولها وليس أهمها: أن هذا المشروع ألقي كاهله على أكتاف مشايخ كبار ولا يعقل ان يتنازلوا هؤلاء عن سمعتهم الدينية بطريقة مكشوفة في سبيل إقامة هذا المشروع كبنك ربوي مثلا، ثانيا: لإبعاد الشكوك عن أصول أموال هذا البنك، وحتما من يختمر عقله بهذه "الإسلامية" لن يذهب خياله بأن هذا المال "المبارك" كان نتيجة أموال مسروقة من شعب حاولوا دفنه حيا، ورشاوى قبضت للتنازل عن حقوقه وبإسمه.

ولاحظوا معي أن البنك لم ينشأ في السعودية حيث كان يقيم مالكي البنك رغم إسلاميته المزعومة، وذلك بسبب القوانين البنكية الدولية التي ترتبط بها السعودية، مما سيعرضه للإشراف الدولي ثم الكشف عن أصوله، لذا بدأ في مصر والسودان وعبر تراخيص خاصة من الرئيسين المصري أنور السادات والسوداني جعفر نميري آنذاك وبإمتيازات لم تمنح لأي بنك من قبل، بالطبع لم يتم ذلك دون رشاوى ضخمة دفعت لهذين الزعيمين المشهورين بفسادهما، وكل ذلك تم على حساب إقتصاد مصر والسودان، ثم فيما بعد أمتدت عمليات البنك الى البحرين وبمشاركة الملك البحريني نفسه.

ولما كانت هذه الإسلامية غير كافية، تم رفدها بوجوه إسلامية شهيرة، لتكن واجهة ودعاية وتزكية لهذا البنك، وكم من المحزن أن يرتضي شيوخ كبار لهم تاريخهم، أن يكونوا سلعة وأداة رخيصة في أيدي لصوص ولو كانت مقابل أموال كبيرة، ولكن من يهن يسهل الهوان عليه، كما قال المتنبي.

لقد تم الإتصال تلفونيا بأكثرهم: "يا شيخ أنت عضو مجلس إدارة في البنك .. نرجو المقابلة " وهكذا أصبح أكثر أعضاء هذا المجلس من الشيوخ المعروفين، ونعلم أن أعضاء مجلس الإدارة في أي مؤسسة عادة ما يكونوا من ملاكها أو أصحاب الأموال والقرار فيها، الا أن الوضع هنا أختلف لغاية في نفس يعقوب.

ودعنا نرى ما كتب الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته عن هذه الإسلامية التي نزلت من السماء عند أصحاب هذا البنك، في قسم (عضوية مجلس إدارة بنك فيصل): "فليس عند أكثرهم أي فقه شرعي، ولا عندهم أي إيمان بفكرة بنك إسلامي، ولا عندهم أي التزام بخلق إسلامي، حتى كان منهم من لا يقيم الصلاة، ومن تدخل عليه وهو يدخن سيجارة. بل حكى لي بعضهم أن منهم من كان يفطر في رمضان! فهل يؤمن هؤلاء على إقامة مؤسسة إسلامية يأتمنها المسلمون على تنمية أموالهم في الحلال، وهم لا يعرفون حلالا من حرام؟!!. لقد دخلت على مسئول كبير في البنك يوما فوجدته يلبس في يده خاتما كبيرا من الذهب، فقلت له: هذا حرام على الرجال في الإسلام. قال: إن والدتي أهدته إليَّ حينما تزوجت! قلت: والدتك لم تكن تعرف أنه حرام. قال: ولا أنا أعلم أنه حرام. قلت: سأهديك كتابا يعطيك فكرة معقولة عن الحلال والحرام. فأهديته كتابي (الحلال والحرام في الإسلام). فلما قابلته بعد ذلك. قال: إن كتابك قد علمني كثيرا مما كنت أجهله. لقد كنا في جهالة وعمى، ففتح عيني. ووجدته قد خلع خاتمه الذهبي، ولم يعد في يده".

قبل أن أسمي هؤلاء المشايخ، وحتى لا يُصدم القراء من حجم الإسماء التي سنسميها، لا بد من إعطاء لمحة عن ظروفهم قبل ان يقدموا على ما أقدموا عليه، فهؤلاء المشايخ كانوا ممن قدم للأمة الكثير والكثير، والكثير منهم جاهد وسجن وعذب عذابا قضى على العديد من رفاقهم في السجون من شدته، كما أغتيل العديد من رفاقهم، لقد عايشوا الموت في كل لحظة من حياتهم، ثم جاءت ضغوط الأسرة، حيث أدى هذا الى تقديم "تنازلات" ومن ثم الخروج، في حين رفض العديد من رفاقهم تقديم أي تنازل حين فضلوا السجن بل والموت على ان يتخلوا عن أي مبدأ من مبادئهم، منهم الأمام سيد قطب رحمه الله الذي رفض ان يتنازل حتى وحبل المشنقة حول عنقه.

أما مشايخنا الذين تنازلوا فقد غادر معظمهم الى السعودية حيث أستقبلوا إستقبال الأبطال، فقد كانوا أعداء العدو (جمال عبد الناصر)، وتم إسكانهم فنادق الخمسة نجوم وسلموا سيارات فارهة ليتنقلوا بها، مع حياة رغيدة أنستهم مصر وجمال عبد الناصر وسجونه، ثم جاءت فتنة المال لتزيد الطين بلة، كما يقول المثل، والتي حولتهم من دعاة الى تجار تماما.

لم يكن كل هذا دون ثمن، بل ثمن باهض جدا، فثمة ما كان يتعلق بقضايا ليست من شأننا هنا، لينتهي الأمر بالعمل على إنشاء بنك فيصل الإسلامي .

إسمان كبيران جدا نبدأ بهما، كانا على علاقة بعبد الرحمن عزام ومع أولاده ونسيبه!، وكانا بالطبع على معرفة تامة بأصول أمواله.
الأول هو توفيق الشاوي، من الرعيل الأول للإخوان المسلمين ومن رفاق الإمام حسن البنا رحمه الله، كان من الذين عملوا بهمة وجد من أجل إخراج هذا البنك الى حيز الوجود، توفي عام ٢٠٠٩ وحسابه عند ربه.
الثاني هو يوسف ندا، من مشاهير الإخوان المسلمين ورجل الإقتصاد الأول عندهم لولا الحادثة الأخيرة - سنأتي على ذكرها - رفض العمل في البداية في إنشاء هذا البنك، لكنه كما يقول أنتهى الأمر بتقبيل "الخشوم" فأضطر للموافقة، سألته عن أسباب رفضه ووضعته بصدد ما توصلت اليه، ووعدني بالرد الا أنه ما جاء أبدا، وهو الذي أختار الشيوخ الذين عينوا كأعضاء في مجلس الإدارة، ترك البنك فيما بعد ومعه بعض هؤلاء الأعضاء، وأنشأ بنكا آخر يدعى بنك التقوى وكان من كبار المستثمرين فيه بعد يوسف ندا هو الشيخ يوسف قرضاوي، أنهار البنك بعد عشر سنوات من إنشائه، وقد أتهمت بعض قيادات الإخوان يوسف ندا نفسه بأنه هو من سبب إنهياره، وبالطبع القضية المرفوعة عليه لا علاقة لها بهذا الإنهيار، فالحكم صدر عام ٢٠٠١وبعد أن كان قاعا صفصفا، وعلى كل حال إن كان هو السبب فلم يكن هو الأول، فقد سبق وأن تم الإستيلاء على أموال الجماعة في إحدى الدول العربية ومن قبل قيادي وتم التستر على الأمر حتى يومنا هذا.

والآن فلننظر الى أسماء المشايخ في أول مجلس إدارة لبنك فيصل الإسلامي:
منهم الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين حاليا، عمل بجد وإجتهاد من خلال مجلس الإدارة على انجاح البنك، وقدم النصائح تلو النصائح للعامة من أجل التعامل معه ومع المؤسسات المالية التي أنبثقت منه فيما بعد، كتبت اليه ووضعته في صدد ما توصلت اليه، ثم جاء الرد من مكتبه عما هو المطلوب من الشيخ، فطلبت سحب التزكية والتي سبق وأن زكى بها البنك أمام عامة المسلمين وتبيين حقيقة البنك حسب معرفته به وتبيين الحكم الشرعي لمالكيه الحاليين وفي ما يجب ان يفعلوه في هذا الوقت بعد أن ظهرت حقيقته، فجاء الرد بأن الشيخ مريض وأدعو له بالشفاء.

ومن بينهم أيضا الشيخ المهندس أحمد حلمي عبد المجيد، أخطر شخصية عرفها الإخوان المسلمين منذ بدايتهم، كان المرشد السري للجماعة، وكان مصدر قوتهم لفترة طويلة، حيث وقف بالمرصاد لكل من آذى الجماعة، وبعد دخوله عالم المال أعلن براءته من ماضيه، وحين عاد لمصر صار الصديق المقرب للسادات "الرئيس المؤمن!"، حيث حمل الجماعة على الإهتمام بالإقتصاد وعلى حساب الدين، وكأنه يقول"المال هو الحل"، عمره ٩٣ عاما ولا زال غارقا في "فتنة المال"، قال عنه الدكتور محمد سليم العوا ومجموعة من قيادات الأخوان في بيان، بأنه المرشد المجهول الذي يقود جماعة مجهولة.
ومنهم الشيخ أحمد عادل كمال، من مشاهير الإخوان، كان مسؤولا عن التنظيم السري للجماعة وكان الرابط ما بينها وبين الضباط الأحرار، بعد دخول عالم المال، تبرأ من ماضيه، وقال أن أعماله لم تكن تمت للإسلام بصلة!، بلغ ان يكون نائبا لمحافظ بنك فيصل الإسلامي.
ومنهم أيضا الشيخ محمد خاطر، مفتي مصر سابقا، رئيس هيئة الرقابة الشرعية في البنك.
ومنهم الشيخ يوسف البدري والذي كشفته صحفية مصرية في عملية تدجيل واضحة عبر تصويره بهاتف محمول.
ومنهم الشيخ عبد الله بن علي المحمود، إماراتي، يعمل لصالح المؤسسات المالية المنبثقة عن هذا البنك في الخليج العربي، والمفتي لها، كتبت إليه أكثر من مرة ولم يجب.
ومنهم أيضا الدكتور أحمد النجار، والدكتور جابر عبد الحميد والشيخ صديق الضرير.

السؤال المهم هنا هل كان هؤلاء الشيوخ يعرفون بحقيقة أصول هذا البنك، أنني أجزم بأنهم كانوا يعرفون، ليس لأنهم كانوا أعضاء أول مجلس إدارة وحسب، بل لأن الخلافات دبت بين المالكين منذ البداية، فأولاد عزام لم يرتضوا والمال مالهم أن يكون نسيبهم محمد الفيصل; زوج أختهم منى، أن يكون هو السيد بلا منازع في البنك والمسيطر على كل شيء، فدب الخلاف وكانت تظهر الخلافات في إجتماعات مجلس الإدارة، وحتما حين تحدث هذه الأمور أمام شيوخ أصحاب خبرة ومن الطراز اللماح فلا بد وأن يصلوا للحقيقة، تعالوا معي لنر ماذا كتب الشيخ القرضاوي عن هذه المرحلة من مذكراته في فصل نشاة بنك فيصل، وقد كتب ما كتب بطريقة ذكية ودون أن يطرح أسبابا واضحة وحقيقية بحجم هذه الخلافات، وهي قد تمر على القارئ مرور الكرام لو لم يعرف حقيقة هذا البنك في الأصل :
".. ومن ذكريات بنك فيصل: ما كان يحدث في اجتماع الجمعية كل عام، من صراع على مقاعد المجلس، فقد كان هناك فئة لها مجموعة كبيرة من أسهم البنك من آل عزام ومن يلوذ بهم، وكانوا على خلاف مع الأمير محمد على ما بينهم من قرابة، وكانوا كل سنة يثيرون غبارا ودخانا في جلسة الجمعية العامة، ويقدمون الأسئلة المحرجة، ويرفعون درجة التوتر إلى أقصاها، ويزداد هذا ويتضاعف كل ثلاث سنوات، حين يكون هناك انتخاب مجلس جديد، فتراهم يرسلون إلى كل مساهم خطابات مطولة، فيها اتهامات وانتقادات، وربما شتائم لمجلس الإدارة، ولإدارة البنك. وعند عقد الجمعية، يتكتلون في القاعة، ويبدءون المشاغبة، ويدفعون بعض الناس معهم ليقوموا بذلك.. ونظل أحيانا معظم الليل في هذا الجو الخانق المؤلم من الصراع.."

بالطبع يعرفون كل شيء .. يعرفون أن هذه الأموال ليست الا ثمن فلسطين والقدس والأقصى، ثمن دماء شعبها ودموعهم، ثمن لقمة عيشهم التي سرقت قبل ان تصل أفواههم، ثمن دماء رفاق هؤلاء المشايخ الذين أستشهدوا في سبيل فلسطين، ثمن المعاناة التي لا زال يعانيها الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا..

لقد أجمعت كل الشرائع السماوية وكل القوانين الوضعية على رد المال المسروق الى مستحقيه إن كان باقيا، وها هو لا زال باقيا، بل أن ثلاثة من الأئمة: الشافعي ومالك وأحمد رضوان الله عليهم، أوجبوا ردها مع أرباحها إن تم إستثمارها، وقد يكون الحل الأسهل جعل هذا البنك وقف لفلسطين وللمتضررين من أبناء شعبها.

ثمة ضحايا لهذه الجريمة رحلوا عند خالقهم عز وجل، وثمة ضحايا باقون، ومنهم من يعيش في ظروف لا تمت للإنسانية بصلة حتى يومنا هذا، منهم خمسة آلاف لاجئ فلسطيني يعيشون في لبنان، يولدون أرقاما و"يعيشون" أرقاما ويموتون أرقاما، لا يورثون ولا يتورثون، لا إعتراف بميلادهم ولا حتى وفاتهم، لا إعتراف بزواجهم ولا أولادهم ..يأتون الى الدنيا ويخرجون منها بصمت ودون أن يعتدوا على راحة غاصبيهم أو سارقيهم، وكأنهم يعرفون أن حجم الظلم الذي تعرضوا له يفوق أي لغة وأي فعل وأي تصور، كأنهم يعرفون أن كل ضروب العدالة في هذا الزمن العربي الذي أمتهن الظلم الصارخ لا يكفي واحدا فيهم، لذا تركوا الأمر للواحد الأحد ..

أنني أطالب المجلس العسكري المصري والنائب العام بالتحقيق الكامل والمستوفي في قضية بنك فيصل الإسلامي، كما أطالب الرئيس السوداني عمر البشير بنفس الشيء، حتى لا يقفوا في صف المعتدين بصمتهم عند من لا يضيع عنده حق، وحتى لا يسجل التاريخ عليهم أنه تمت المتاجرة بثمن فلسطين وقدسها ودم ودموع شعبها على أرضهم وهم يتفرجون.

محمد الوليدي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى