الاثنين ٦ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم ميمون حرش

جلسة حميمية بين الأثافي

مبارك، بن علي، والقذافي..

قــال الراوي :

إنهم ثلاثة ربضوا على صدور شعوبهم مثل الأثافي: بنعلي، مبارك، والقذافي.

ولعل القاسم المشترك بين الثلاثي الهرم هو أن نار البوعزيزي لفحت كراسيهم، في وقت استثنائي، إذ حين كان بنعلي يحزم حقائبه كانت النار تطال ذيل أهداب مبارك، والقذافي دون هوادة رغم أن بعض أزلامهما قللوا من انتقال عدوى انتفاضة البوعزيزي إلى بلدانهما بصلف مجاني، سرعان ما كذبتهم الأحداث، وعلى الهواء مباشرة..

كنت أرى - يقول الراوي- سلطتهم في وجوههم، أما شعورهم، فأصغرهم تجاوز السبعين من عمره، ومع ذلك فإن الزمن لم يفلح في أن يزرع نبتته، ويترك بصمته البيضاء، ذلك لأنهم قهروا الشيب بمراهم تأتيهم خصيصا لنوع شعورهم، بأثمنة كانت ستحل مشاكل شعب بأكمله ولمدة طويلة، لكن رخاء الشعوب هو آخر ما يشغل هؤلاء، وبالمقابل كان همهم هو أن يظهروا بمظهر شاب في العشرين من عمره، و الظهور بالشعر الأسود الفاحم أمام كاميرات العالم هي الصورة التي كان يحرص الثلاثي على تسويقها.

العلماء، بعد عجزهم عن اختراع دواء للموت، ينشغلون الآن ببديل آخر وهو تأخير الشيخوخة إلى أبعد مدى؛ولأنه لكل ثمنه فما يخسره الثلاثي على شعورهم كان يمكن أن يحل مشاكل شعب بأكمله،إلاّ أن الرأس التي لا تظهر بما يليق فخير لها أن تقطع،وكان هذا شعارهم، ولأنهم أجلاف أصلا،فالشعر الأسود في رؤوسهم يناديهم من الأعماق، وتلبية النداء، بالنسبة لهم، واجب ،أما خدمة الشعوب ،وتلبية مطامحها فهذه من الكماليات برأيهم.

في منفاهم الاضطراري اجتمع الثلاثي الهرم، اتفقوا على أن ينزعوا القناع، ويتحدثوا بكل صدق، فما عاد شيء يمكن إخفاؤه، في زمن فيه هاتف نقال، وحاسوب، وشبكة اسمها انترنيت.

شياطينهم رددت في حضورهم :

"فلتسقط الأقنعة".. "فلتسقط الأقنعة"...

هذه المرة - يقول الراوي - كان الشيب قد بدا يغزو شعورهم، والهرم بدأ يأخذ منهم كل مأخذ.

القذافي:

ما حز في قلبي أكثر، ليس الكرسي، بل خيمتي، هي توقيع خاص بي وحدي، سأفتقدها.

بنعلي مشاكسا:

في كل الأحوال هي ليست عادية، بل تضاهي قصوري في تونس.

ضحك القذافي، وقال مبارك:

أهرامات مصر ممثلة في قصري أنا وحدي، فدعكما من المبالغة، فكل واحد منا له توقيعه.

القذافي:

اُصدقني القول[ الكلام موجه لبن علي] ، أليس صعبا أن يتخلى أمثالنا عن كرسي السلطة، كنت أولنا كيف شعرت؟

يتنهد بنلعي، ويقول :

مضطرا لا بطلا.

مبارك لبن علي:

آخر خطاب لك أعلنت فيه أنك فهمت شعبك، وكررت "فهمت" أكثر من مرة.. فهل يعقل ألا تفهمه، وأنت حاكمُه منذ 1987.

بنعلي:

كنت في المدرسة دائما أنا آخر من يفهم، وحين حكمتُ تونس انسقت مع نزواتي، ولست أنا من فهم شعبي بل ليلى زوجتي.

مبارك متسائلا:

كيف؟

بنعلي:

كانت تقول بأن بطون الشعوب يمكن أن تنتظر، لأن أصحابها جُبلوا على الصبر والتحمل، وبدلا من ذلك نعمل نحن على تسمين أهلنا أولا، وما بقي لهم تاليا.

القذافي:

وغالبا لا يتبقى لهم شيء طبعا.

أضاف بنعلي مؤكدا:

تلبية طلبات ليلى لوحدها استنزفت ثروات الشعب تماما، بالكاد كنت أقوى على طلبات ليلى..

القذافي :
إيه، كل يغني على ليلاه، قصّرنا حين لم ننتبه أن لشعوبنا ليلاهم أيضا.

مبارك:

وهل كنا لنفسح لهم المجال للحب أيضا، كان همهم هو جيوبهم، وتركها خاوية سلاح مضاد ليس ضد الحب إنما ضد كل تمرد .

بنعلي:

فهمت أيو فهمت ، لهذا كانت ليلى تقول دائما ، الجوع مثل دموع المرأة هو سلاح ضبط الشعوب، فأن يشبعوا معناه أن يتمردوا ، لهذا كنا نحرص على أن يظل الشعب جائعا دائما.

يسأل مبارك:

لماذا؟

يجيب القذافي:

حتى ينصب تفكيرهم في بطونهم ليس إلا..

مبارك :

كنت أحرص على ملء البنوك، في كل بلد، بنكا بنكا، وأقَبل ثرواتي، وما سويسرا، ولا ألمانيا، ولا بلجيكا، ولا فرنسا شغفن قلبي، لكن ما تخزنه بنوكها.

القذافي :

على ذكر البنوك، أنا أكثركم عزا، ونفرا وثروة...

بنعلي:

وهذا يعني أنك أكثر منا نفاقا،ولصوصية..

القذافي:

لا ليس الأمر كذلك، أنا مختلف، أنا العقيد، ولست رئيسا مثلكما، وحصة الأسد لي طبعا.

مبارك:

الفرق بسيط بيننا جميعا، بغض النظر عن التسميات، والألقاب، وهو أننا حكمنا جمهوريات ملكية، واستطبنا الكراسي الوثيرة، وبدلا من التناوب كنا نفكر في تمرير فكرة التوريث.

القذافي:

ومع ذلك أنا مختلف، أنا مثل ملكة بريطانيا، أحكم مثلها.

مبارك:

تقصد لا الأسلوب ولكن مدة الحكم..

بنعلي مشاكسا وقد واتته النكتة:

مصر بلد الفن، ألم تفكر في أن تصبح مطربا بعد تنحيك يا مبارك ؟

مبارك:

صوتي نشاز، لكن القذافي لا ، لقد أطرب العالم حقيقة..

الجوقة تغني وترقص:

"زنكة زنكة، بيت ، بيت، فرد، فرد، شبر،شبر..إلى الأمام ، إلى الأمام..
زنكة زنكة، بيت ، بيت، فرد، فرد، إلى الأمام.. ثورة، ثورة..."

أصوات أثيرية تلتقط آخر كلمة ثم تعلق بصوت واحد:

"ثورة تبغي كشف عورة"

"ثورة تبغي كشف عورة"

القذافي يتملل، ويشيح عنه أعباءه، ثم يقول حاسما:

أنا المجد، في كل شيء، حتى الطرب، ولم لا...

تُسمع أصوات تضحك ملء فيها ، يشاركها مبارك، وبنعلي القهقهة.

بنعلي يغير الموضوع:

كيف واتتكما فكرة التوريث،أوليس في بلداننا آباء أنجبوا هم أيضا أولادا ذكورا، ومن حقهم أن يفكروا في الحكم غير أولادكم.

القذافي لمبارك:

صحيح والله صحيح لهذا رفعوا في وجهك يا مبارك شعار" كفاية".

مبارك شارحا:

ألا تحفظان قول الشاعر:" ما ترك الأول للآخر شيئا"..

بنعلي متسائلا:

بمعنـــى؟

مبارك غاضبا:

اسأل ليلى، فعندها الخبر/ الشرح اليقين..

القذافي يضحك:

والله صحيح، نحن دوما الأوائل، وهم الآخرون ، والمفروض ألا نترك لهم شيئا..

بنعلي لمبارك:

قل لي رجاء، ما الشعار الذي رفعه الشباب في ميدان التحرير، وأثار أعصابك أكثر من
غيره.

مبارك:

الشعارات كثيرة، أشدها مضاضة قولهم : " لو كان عفريت كان مِِشِي".

ضحك معمر وزين الهاربين ملء شدقيهما، ثم قال القذافي متبجحا:

ولأني عفريت لن أرحل كما فعلتما.

قال بنعلي ومبارك كما لو كانت شفاههما على موعد:

بل سترحـــــل...

أضاف مبارك:

كنت مثلك، لكن ثورة الشعوب، حين تقوم،يصبح عنادنا أمامها شاذا متورما.

القذافي معقبا:

أنا ملك ملوك إفريقيا ، أرفض الإملاءات، لا أبغي الرحيل، وأنا لست راحلا...

مبارك لقذافي:

بل سترحل، والسؤال هو : حين ترحل، ترى هل ستأخذ معك خيمتك؟..

القذافي:

خيمتي هي ليبيا، وأنا لست راحلا قلت لكما..

شياطين القذافي تهمس لبعضها البعض:

إنه يهذي، دعونا نزود له في كمية حبوب هلوسة حب السلطة أكثر وأكثر..

وأصوات عبر الأثير رددت نيابة عن الشعب :

" الآن الآن وليس غدا
احزموا حقائبكم، وارحلوا
الآن الآن وليس غدا
نريدكم أن تفهموا،
الجياد لم تعد لكم..
وعليكم أن تترجلــــــــوا...
لقد آن الأوان أن تترجلوا...
الآن الآن وليس غدا".
مبارك، بن علي، والقذافي..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى