الاثنين ٦ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم محمود محمد أسد

ما الذي يمكن أن نفعله؟؟

قي زمن يصعب فهمُهُ وفكُّ ألغازه ورموزه، تتنامى الأسئلة، وتتلاقحُ لتولِّدَ حالات من الأسئلة المثيرة والمقلقة.

في زمن متمرِّدٍ على القانون والأعراف السائدة ومتجاوزٍ كلَّ القوانين الالهية والموضوعة يصعب على المرء أن يمسك أعصابه، ويعصر بنات أفكاره ليجيب عن كمٍّ عصيٍّ ومحرج من شبكات الأسئلة الموهمة والموحشةَ.

في هذا الزمن الأغبر الأذعرِ تتعرّى المواقف والنفوس وتبدو القضايا المصيرية على كفِّ عفريت أو على قرن الكرة الأرضية الأوحد الذي راح يتطاول ويمتدُّ ببسط هيمنته وعنجهيته البربرية والعالم شاهِدٌ على الجريمة النكراء ولا يملك سوى كلمات مهذّبة من التنديد وهي كلمات لا تبلُّ ظمآن، ولا تشبع الثكالى..

بين السؤال الملحِّ والمولِّد للأسئلة الموخزة للذين دفنوا رؤوسهم في الرمل فظهرت سوءاتهم على الملأ وبين الصمت المطبق الذي يغني عن كثير من الإجابات الجوفاء العرجاء.

وما هي إلاَّ إجابات طائشة كحمم العدوان وقنابله. وهي تنهل من نظريات سياسية وايديولوجية مسبقة الصنع... بعد كلِّ هذا هل تستطيع أن تتمالك وتمسك أعصابك الهشة التي سرعان ما يكسر خاطرها كتلك التي فُرِّقت وفُتِّتَتْ بعصا جائرة ومن أهل البيتْ.
حاول أن تمسحَ ما تبقَّى على وجهك من سخط وغضب كيلا تلتقطها الأعين وآلات التصوير.
هاهي الأمة العربية وفي مهد الجزيرة تبسط رداءَها وتفتح صدرها وأجواءَها لمعتَدٍ آثم وتردِّدُ معه عبارات العدوان والعداء وهاهي حقول النفط تنقلب صواريخ وراجمات وطائرات معادية. وأنت تنظر بعين مكسورة الخاطر إلى فلسطين وبعين دامية إلى العراق المحترق فلا تجد سوى النظر والامتعاض وفي أضعف الأحوال تتظاهر وربما هذا أحسن التصرفات الممكنة وسوف تكون سعيداً إذا لم تلاحَقْ بالقنابل المسيّلة للدموع أو الهراوات أو الكلاب البوليسية

ما الذي نفعله إذا كنت تغضب عفوياً، وتردِّد الشعارات عفوياً ثم تعود أدراجك وتلجأ إلى سريرك علَّك تمسك حلماً جميلاً هارباً من عيون الرقابة تستأنس به قبل أن يصادروك ويصادروه..
في أحلك الظروفِ تتضخم الأسئلة، وتشرد الإجابات فيضيع العاقل في دوّامة الحيرة والشكِّ والقلق والاستسلام لليأس المبرمج والمقدّر. فلا يبقى أمامه إلاَّ أن يَدْفع يديه للدعاء وإنّي لأنصحه باصطحاب أطفالٍ وحيوانات أليفة ونساءٍ عاجزات.. ليشاركوه الدعاء. وإذا قدرعلى إجراء التفتيش فليفتِّشْ حرصاً على نظافة الدعاء وبراءة التوجُّه كيلا يهربَ الدعاءُ من بين شفتيهم وراحتيهم.

كيف يمكن للمرء أن يكون فاعلاً ؟ وكيف يستطيع تجاوز حزنه وآلامه وهو لا يستطيع رسم حدود ابتسامته ومشاغل يومه، ولا يستطيع ضبط إيقاع غضبه أو حبِّه مع الأهل والأصدقاء؟
يحتاج أحدِنا لألف ساعة من التدبُّرِ و التوليف وهو يسعى لإيجادِ طريقة تنقذه من غضب الآخرين. قالوا لي كم صديقاً عندك؟ ببساطة وعفوية قلتُ لهم: بعدد الأعداءِ قالوا كيف عرفتَ ذلك؟ قلت لهم وأنا أبتسم ابتسامة صفراء: الحساب بسيط فالأصدقاء هم الأعداء لطالما يعيشون بوجهين ولسانين وقلبين. طالما أنَّهم أصدقاءُ اليوم إذا سايرتهم ومدحتهم وناصرتهم على الباطل. إذا كنْتَ تستطيع أن تجعلَ من العاديِّ أمراً معجزاً ومن الضعيف قوياً. وهم أعداءُ الغد إذا عارضْتَهم، وناقشتَهم وصدقتهم القولَ. فإذا جرحْتَ غرورهم وجمودهم ولامَسْتَ خيباتهم وضيقَ المساحة التي يعيشون فيها.

اسألني: ما الذي يمكن أن تَفْعَلَهُ لتحافظ على ما تبقّى من الأصدقاء؟! ما الذي يمكن أن تفعله الكلمةُ في هذا المعترك القاسي وفي هذا الظرف الملبّدِ بقسوة الانسان وطغيانه؟ قالها ببراءةٍ وصدرَتْ عن حسن نيّة... قلْتُ له وبعد عراك وصراع مرٍّ: ما الذي يفعله السلاح أمام شعب عرف قيمة الكلمة والموقف فالتزم بالقول والعمل. وابتعد عن الختل والطعن من الخلف والتزم بأخلاق الفرسان وأنت بعيدٌ وأعزل. يبدو أنَّ المسألة صعبةُ إذا لاحقَتْ من أغلقوا أعينهم وغلَّفوا عقولهم وقلوبهم.

في البالِ قصص وحكايات عن المروءة والنجدة وإغاثة الملهوف. إنها قصص تجعلك تستردُّ العافية وتنعش الوجدان، فتنهض من سباتك وغفلتك فينتعش الوجدانُ وأنتَ ترى ضمير الشعب العربي وصرخات غضبه وإصراره على التضحية فتكبر الدنيا أمامك، ويتجدَّد الأمل فتلعن أولئك الذين رضوا بالواقع المرِّ واستلذّوا البقاء وقالوا (( غرفتي تكفيني )) ما الذي يمكنك أن تفعله أمام أحفادك وأولادِك في الغد القريب؟ فالأمور ستبقى عالقة بالذهن وهي ترصد حركة الوجدان العربي الذي خرج من قمقم الهزائم الرسمية والمؤسساتية وتجاوز شعارات العقود السابقة التي باتت محنّطة خاوية الروح. كلُّ هذا يجري لأن الشعب انضمَّ لحبِّ الوطنِ والعروبةَ، لأنَّهُ حطَّمَ الطائفية والعشائرية والمذهبية والحزبية وتجاوز الاقليمية الى ما هو انساني.
خطواته أوسع من كلِّ الطروحات،وقلبه أدفأ من حنين الكلمات البّراقة. ما الذي يمكن أن تقوله أمام هذه الشلاَّلات البشرية الآدمية وهي تدين العدوان ووحشية أمريكا المتغطرسة..؟ في أمريكا وبريطانيا وأسبانيا واستراليا وغيرها مشادّات ومظاهرات ومقاطعات وعنف وما زال بعض العرب يبحثون عن علبة دخان أمريكية وعن دولارٍ يخبئه لليوم الأسود كما يعتقد أسود الوجه والضمير. ما الذي يمكن التكهُّن به وأنت ترى شعبنا العربي في العراق يقاوم ببسالة، ويستشهد بشرف، ويتصدى بكبرياء لا شكَّ أنَّنا سنعضُّ أصابعا ونقول " لا حول و لا قوة إلا بالله " وبعد ذلك نقولُ لزوجاتنا ماذا تطبخْنَ غداً؟ وأين سنسهر هذه الليلة؟ ما الذي يمكن أن تقول لمن ترك الحرية لرجاله وكلابه تنهش وتعضّ وتلاحق المتظاهرين على مختلف مسمَّياتهم وانتماءاتهم. لم تأخذْه الغيرة، ولم تراودْه نفسه أن يبحث عن مصيره في التاريخ وفي ذاكرة الأجيال بالتأكيد أنَّه يعرف مصيره ومصير سمعته وهو يسمع الصرخات...

ما ذا تعمل يا وطناً مُسَوَّراً بوجعِ الشعراءِ وعقدِ المنّظرين؟ وبوجع المبدعين الذين باعوا إبداعهم وكرَامتهم وسمعتهم بالقليل القليل، فماتوا خيانة وماتت موهبتهم في سرداب الوهم وسراب الضياع و الامتهان..

مالذي أقدر عليه وتقدر عليه إذا كانت الكلمة تنام في حقيبة الخبز وزنزانةِ الشفتين و أعماق الصدر؟ ها أنت بحماقتك مازلت تراهن على ديمقراطية الغرب و أمريكا. أراك تتشدَّق بالآلات و العمران وتنسى هدم إنسانية الانسان. ها أنت تتغابى وتصدِّق كلَّ ما يقولونه وتتناسى عقلَك ورؤيتك. لو مرَّة واحدة تبحث في حقيقة الأسئلة وتقرأ ماوراء السطور و السلاح.
ماذا بقي من الديمقراطيات المريضة ومن القضايا الانسانية و المواقف الحضارية المزّيفة؟ إنَّها أسئلة ستبقى في طيِّ المخاوف و المجازفة ويصعب على المرء أن يجيب عنها قبل مئة سنة من العمل و الصمت و لاحترام للآخرين..

الآن عاد الأمر للحديث فاجمع أوراقك, وقل للمدى ماتراه، وللعقول ما تتبصّره، الولادة أطلّت في وضح النهار وأدارت وجهها عن المشعوذين والشطّار والحانقين الخائبين إلا من التنظير والتأويل، بسطت الموا قف أجنحتها، وفرشت أهدابها فاقرؤوا وعوا أيها النائمون على أسمائكم البلهاء..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى