الأربعاء ٨ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

الصراطان

 جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من «الجن»، قالوا: وإياك يا رسول الله؟! قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير)

 وفي رواية أخرى عن عبدالله بن مسعود، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - (ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من «الجن»، وقرينه من «الملائكة»)

 وجاء عن جابر- رضيَّ الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: - (لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم قلنا: ومنك؟ قال: ومني، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) - رواه الترمذي -

 وفي الحديث الصحيح الآخر، قالت السيدة عائشة- رضيَّ الله عنها - (خرج النبي- صلى الله عليه وسلم- من عندي ليلاً، فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: مالك يا عائشة؛ أغرت؟! قلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك!؟ فقال: أقد جاءك شيطانك؟! قلت: يا رسول الله أو معي شيطان؟! قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان شيطان؟! قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم)

 ولعل هذه «الإعانة» التي أشار إليها رسول الله الأمين هي من أهم نتائج دعاء المؤمن الصادق حينما يتوجه إلى ربه كل يوم خمس مرات قائلاً في دعائه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «الفاتحة/5» .. لأنها حينما تتم- بعد العمل لها، وشهود تحقق إعانة الله على ذلك- يكون الإنسان قد هُدِّيَ حقاً إلى وضع «خطوتيه» على الصراط المستقيم، استجابة لدعائه في الآية التي تليها: (اهدِنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) «الفاتحة/6» .. وهو الصراط المتجه إلى أعلى، وليس إلى أسفل، المفضي– بالفعل - إلى «دار اليقين والسلام» حيث طمأنينة ذلك الروح وخلوده، وليس هذا بالأمر المستحيل، فالرسول- عليه الصلاة والسلام - يقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد:

(إن المؤمن لينصي شيطانه، كما ينصي أحدكم بعيره في السفر)

ومعنى: «لينصي» - كما ذكروا - أي: ليأخذ بناصيته فيغلبه ويقهره، كما يفعل بالبعير إذا شرد

وفي هذا الحديث دليل على أن الله قد فطر في قوى هذا الإنسان القدرة والإرادة الكافيتان لتحقيق هذا الأمر وتنفيذه، متى ما صدقت النية، وخلصت، ليكون هذا هو معنى الإسلام الحق المشار إليه!!

فبمتابعة ما رسخ في أفئدتنا - سنين عددا – يمكننا القول الآن - وبلا تردد - وتأكيداً على كل ما مضى من أقوال- بأن: «الجن» المسلم يسكن فينا- أي في داخل أجسادنا هذي - وهو أشبه ما يكون بـ «المَلَـكِ» المستنير بعلمه، أو بالوحدة الكهربائية الموجبة، ومسكنه في الناحية «اليمنى» من هذا القلب، وله كل ما في هذه الناحية اليمنى من أعضاء ظاهرة وباطنة، ولعله المسئول عن تلك الدورة (النورية) الصغرى، كما القمر، والتي هي- من ناحية المثال الحسي المحسوس - تلك الدورة الدموية (الرئوية) ، ولا يشترك مع هذا الآخر إلا في «اللسان» الأعلى، و«اللسان» الأسفل، -لسان المضغة والعضو التناسلي - وكذلك «المدخل» و«المخرج» .. وهذان اللسانان هما ركنا قوام مفهوم «الحكمة» المنشودة، التي من أجلها كان ذلك التمييز التكريمي، فلابد- إذن- من الوقوف عندهما، لندرك ما معنى أن يكونا هما حقيقة «الصراط المستقيم» ،الذي وعد الشيطان بالقعود عليه: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ الأعراف/16.. وكيف يمكن أن يتحول هذا الصراط المستقيم المتجه إلى أعلى والمفضي إلى «الجنة» إلى صراط مستقيم آخر متجه إلى أسفل ومفضٍ إلى «الجحيم» احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ22 مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ23!! الصافات..

ويقول الله - سبحانه وتعالى -:

(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ8 وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ9 وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ10) «البلد»..
ويقول الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم -:

(من ضمن لي ما بين فكيه وما بين لحييه ضمنت له الجنة) ..

وانظروا إلى هذا الصراط المعنوي المستقيم المرسوم على خارطة جسد هذا الانسان الذي يبتديء من لسان المضغة مروراً بالعضو التناسلي وانتهاءً بالمخرج!!

وهذا كله يوضح بجلاء ويشير إلى أن هنالك صوتان خفيان يتعاركان في قلب هذا الانسان، يدفع أحدهما إلى الشر وإلى أسفل، ويدفع الآخر إلى الخير وإلى أعلى، وقد يتلفع هذا الأول بثوب الخير إضلالاً وتضليلاً، ولا يتلفع الآخر إلا بثوبه فقط!!

فلنتأمل تركيبتنا هذه!! ولنأخذ حذرنا من الإضلال الخفي!!

وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ الذاريات/21..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى