الأربعاء ٨ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم غزالة الزهراء

العض على الأصابع

اعتدلت شهيرة في وقفتها أمام المرآة وهي تلقي نظرة فاحصة، عميقة على ذاتها من فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق، شعيرات بيضاء برزت بشكل جلي تزاحم الشعيرات السوداء، هذه العلامة من علامات التقدم في السن، ناهيك عن بعض التجاعيد التي رسمتها ريشة القدر العنيد مستقيمة ومنعرجة فوق الجبين، القدر رسام بارع لن تخونه ريشته أبدا.

تنهدت تنهيدة تصاعدت حارة كالجمر، خالجها شعور قاس عنيف يطفح بالخيبة، والمرارة، والألم، طفرت من مقلتيها عبرات سخينة حارقة. خمسون سنة تبخرت من عمرها النابض بالحياة هباء منثورا، أنفقتها بإسراف فظيع مدهش في اللامبالاة، والتهكم، والسخرية، هزأت إزاء الذين طرقوا بابها بأدب جم قصد الحلال.

فاتحها سليم ذو القلب الطيب الناصع، والاستقامة المثلى: أطمح في أن تقاسميني حفنة أعوامي المزهرة، وتكونين لي بمثابة الحبيبة الحميمة، والأخت الصالحة، والصديقة الوفية والأم الحكيمة، والزوجة المثالية النادرة. فهلا تقبلين عرضي النبيل هذا؟ جودي علي بكلمة نعم لنعلن خطوبتنا الرسمية أمام الملأ.

قهقهت في استهتار، وردت عليه بوقاحة فجة انتصبت لها شعيرات رأسه: أنت عاشق سبورة وطبشور ليس إلا ...
 لا تشهري أصابع اهانتك في سماء وجهي أيتها المتعالية، متى كان المربي النزيه الذي لقن العلم لأجيال الغد مسخرة العصر؟ يبدو أنك مشاغبة وعابثة لا تقيمين للرجل الرصين وزنا ولا اعتبارا. أو تظنين نفسك الممثلة فاتن حمامة التي تربعت على عرش النجومية ملكة؟ أو بطلة من بطلات هوليود التي حازت على الثناء والأوسمة؟ أفيقي من أوهامك الضالة، الزائفة قبل فوات الأوان، وإلا سينهش الندم جوانب نفسك، وتصيرين كبناية بالية عشش فيها الشؤم، والبوم، والخراب.

 دعك من هذا الكلام السخيف الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وقل لي ماذا تملك في حوزتك، سيارة فاخرة تبهر الناظرين تتباهى بها أمام أترابك، فيلا أنيقة يطارحها البحر غرامه الملتهب، رصيدا ضخما تواجه به أزمات العصر الموحش؟ كيف تسعى للإقتران بي وأنت لا تملك من هذا القبيل شيئا؟ أليس هذا هو الجنون بعينه؟
 .............
 لماذا ركنت إلى جدران الصمت طيرا جريحا لا يقوى على الطيران؟
انبثق رجل ثان من أغوار السنين طالبا يدها،تمنعت في دلال زائد، وقالت وهي تخنق فرحته العارمة بين أضالعه: هل بإمكانك أن توفر لي حياة الملوك والأمراء؟ أقصد حياة البذخ والترف.
 ألا تهمك راحة البال و سعادة النفس و...
قاطعته قائلة: كلامك تافه وسخيف، لن يؤسس عشا زوجيا هنيئا ترتع تحت دوحته السعادة، والسعادة الحقيقية لن تتوفر إلا بتوفر المال الذي هو بريق الحياة ورنينها، هو سرها وعبيرها، هو النكهة، هو المذاق.
أدمنت على الاستهزاء وتجريح المشاعر.

مؤخرا تفاجأت بروضة عمرها تتعفن، نضارة الشباب المتوهج ذوت، وأحلامها الوردية المزركشة انتحرت في وحل كثيف من التساؤلات، والندم والانتظار.

لم يعد الآن بوسعها الانتظار، أخواتها اللواتي يصغرنها بأعوام طرن إلى بيوت الزوجية، وأنجبن البنين والبنات. كن محقات حين آثرن راحة البال على كل مغريات الحياة البراقة.

المادة زائلة لا محالة والشعور بالهناء شيء جميل ورائع يرتقي بصاحبه إلى أفضل مرتبة وأعلاها.
لا زالت ثابتة أمام المرآة كالصنم، تتأمل نفسها بعمق شديد وترهف سمعها لذلك النداء العاصف الذي انبجس في عالمها يقول بحدة: ليت الشباب يعود يوما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى