الجمعة ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠١١

فن الكتابة القصصية في إيران

(الجزء الثالث)

بقلم الدكتور يعقوب آجند

باحث وقاص

القصة الايرانية‌ في الستينيات

كانت الستينيات عقد تحولات سياسية‌ واجتماعية‌ واضحة‌ و مؤثرة في ايران، ففي هذه الفترة فرض نظام الشاه سطوته و استبداده علی المجتمع بواسطة جهاز السافاك ذي القدرات و الصلاحيات الهائلة‌. ففي بداية‌ العقد تم تنفيذ مشروع الاصلاح الزراعي و باقي التغييرات الاجتماعية‌ التي ابتكرتها امريكا لايران،‌ و كان لذلك ردود فعل عديدة منها انتفاضة 15 خرداد سنة‌ 1342 ش (5/6/ 1963) التي كانت صرخةً‌ ضد سلطة الشاه الاستبدادية و تنامي الهيمنة‌ الامبريالية و الصهيونية‌ في ايران. قمع النظام هذه‌ الانتفاضة‌ بشدة، فاتخذت مواقف المعارضين منذ ذلك الحين ابعاداً و اشكالاً مختلفة‌،‌ إذ شكل بعض رجال الدين و المستنيرون جماعات سياسية‌ سرية‌ تهدف الی مناهضة‌ نظام الشاه،‌ و في المقابل تصاعدت الاجراءات القمعية‌ للسافاك، و تم تنفيذ الاصلاح الزراعي و غيره من الاصلاحات التي عرفت باسم (الثورة‌ البيضاء)،‌ و أنفتحت الابواب امام تجاذبات و تحولات اجتماعية‌ مهمة‌، و تصاعدت وتيرة‌ هذه التجاذبات في نهاية‌ العقد مع ارتفاع اسعار البترول، فوجدت امريكا لنفسها اكثر من موطئ قدم في ايران. و قد شهدت الستينيات الايرانية‌ تحولات و ظواهر جديدة في مضمار الكتابة‌ القصصية ايضاً، فازدادت اعداد المجلات و المطبوعات الادبية‌،‌ و صدرت «كيهان الاسبوعية» أو (كتاب الاسبوع) التي اولت اهتماماً خاصاً‌ لفن القصة، و نقلت اعمال كثير من الكتاب الغربيين الی‌ الفارسية و نشرتها. و برزت ظاهرات عديدة علی المسرح الادبي الايراني خصصت في معظم الاحيان فصولاً للقصة. و عالجت مجلات (سخن) [كلام] و(جهان نو) [العالم الجديد] و(پيام نوين) [الرسالة‌ الحديثة] قضايا القصة باهتمام مميز و عرّفت الاروقة الادبية علی قاصين جدد. و شجعت مجلة (فردوسي) مناقشة الظواهر و القضايا المعاشة في المجتمع فنشرت قصص و مشاريع الكتاب الواعدين. واتسمت هذه المجلة باساليبها التروجية الادبية التي كان لها تأثيرها في تطوير فن القصة و الكتابة الادبية بصورة عامة، هذا من دون ان ننسی المسحة التجارية الشعبية التي شابتها.

أسفرت القصة الايرانية في الستينيات ببريق اكبر و نزل قاصون جدد الی ساحتها. و هنا، ينبغي عدم تجاهل التأثيرالذي تركه آل احمد في الادب القصصي خلال هذا العقد، فقد بادر اشخاص جدد الی خوض غمار الكتابة القصصية علی خلفية تراث من سبقوهم من الكتاب نظير جمال زاده، و هدايت، و علوي، وآل احمد، و چوبك و غيرهم. و كانت الطرق في تلك الفترة قد اتضحت معالمها الی حد كبير و تم السير فيها بخطی واثقة، كما تبينت المعايير و المبادئ و الاصول المتبعة في الكتابة القصصية التي كانت بحاجة الی وجوه و اقلام جديدة.

هكذا تبدي عقد الستينات ادبياً، و كان بحق من اغنی عقود الكتابة القصصية في ايران اشتهر في غضون تلك الفترة علي محمد افغاني باصداره رواية «زوج السيده آهو» (1961م)التي افصحت عن جوانب مهمة من العلاقات العائلية و الاحوال الشعورية و العاطفية المترتبة عليها. و رغم ما اعتری الرواية من نواقص في النثر و اللغة و بناء الشخصيات و الحبكة القصصية الّا انها احرزت لقب افضل قصة في تلك السنة و كرست اسم كاتبها في محيط القصة. اراد افغاني في روايته الثانية «مبتهجو وادي قره سو» (19٦٦م) تصوير العلاقات في الحياة القروية الايرانية بمعايير حديثه. و صدرت له فيما بعد روايات اخری مثل «اللفت فاكهة الجنة» (197٦م) و «نسيج الألم» (1980م) و «سيندخت» و «الدكتور بكتاش» و «رفاق السفر» و «المحكوم بالاعدام» (مجموعة قصصية). و لعل من ابرز خصائص الكتابة القصصية للافغاني نثرها الحكواتي الحافل بالمواعظ و الحكم و بروز الراوي بمناسبة و بدون مناسبة اثناء السرد و استخدام الكنايات و التعابير العامية.

نشر المعلم السابق في مدارس اصفهان هوشنگ گلشيري اول مجاميعه الشعرية بعنوان «كما في السابق» سنة 19٦8م، ثم اصدر في العام نفسه رواية « شازده احتجاب» التي كتبها باسلوب الانسيابية الذهنية مستلهماً تاريخ الفترة القاجارية باسقاطه علی الزمن الذي عاصره. و قد كانت روايته هذه اشبه بقصيدة بليغة المعاني في رثاء العوائل الارستقراطية التقليدية في ايران. في سنة 1971 نشر گلشيري رواية ( كريستين و كيد) التي صور فيها حب رجل ايراني لامرأة بريطانية. و صدرت له عام 1975م مجموعته القصصية «مصلاي الصغير» التي تضمنت عدة قصص بعنوان «معصوم». و تابع بعد ذلكقصص «المعصومين» هذه فاستخدم في المعصوم الخامس (1979م) نثراً قديماً مشدداً علی الجوانب الفنية و الشكلية للقصة اكثر من المضمون. و في المجلد الاول من روايته «الحمل الضائع» (1977م) وظّف الاسطورة و الرمز ليصور واقع الاغتراب الذاتي الذي يعيشه المستنيرون. تميز گلشيري بذهنية و سرد قصصي معقد و صعب. و كان متمكناً من تقنية الكتابة القصصية من زوايا مختلفة، الّا ان تمكنه هذا همّش محتوی كتاباته احياناً. تمتاز قصصه بجمالية الشكل و متانة البناء. حاول في «مكان الجبة» و «حديث الغول و صياد الاسماك» اكتشاف انماط و اساليب نثرية جديده لقصصه. و قد وجد أخيراً ما يصبو اليه من نثر جديد و مشذب خصوصاً في آخر اعماله «المرآيا ذات الابواب». وضع گلشيري قصته الطويلة هذه من زوايا عدة اشخاص و باسلوب القصص المتداخلة و كان موفقاً في تطويع القوالب و المفاهيم و ربطها مع بعض، و تعد هذه القصة رثاءً آخر لهزيمة القوی اليسارية في ايران. نشر گلشيري قصصاً قصيرة اخری في المجلات أو علی شكل مجاميع قصصية مستقلة، كما اصدر سيناريو بعنوان «إثنا عشروجهٍٍ» (1988م).

تأثر محمود دولت آبادي بالبيئة القروية التي انعكست تفاصيلها انعكاساً جلياً في منجزه القصصي. عنوان قصته الاولی «الرجل» و قد صور فيها مشكلات رجل قروي في مناخ مديني. ثم أصدر «طبقات الصحراء» (19٦8) و اشتهر بقصته الطويلة «آوسنه بابا سبحان» (19٦8م) خصوصاً حينما اخرج مسعود كيميائي فيلم «التراب» من وحيها، حيث لفت الفيلم الانظار الی القصة و كاتبها. من اعماله الاخری «گاواره بان» (1971م) و «السفر» (1972) و «باشبيرو» (1973) و «عقيل ، عقيل » (1974). و كانت القرية و مايسودها من علاقات و مشكلات و قضايا الموضوع الرئيس في معظم هذه النتاجات. شغف دولت آبادي بالواقعية الاجتماعية التي اعتمدها لاعماله مستخدماً نثراً متجانساً رصيناً ينمّ عن تأثره بالاسلوب الخراساني.

بلغت الواقعية الاجتماعية لدولت آبادي ذروتها في رواية «مكان سلوچ الخالي» (1979) و اكتسبت ابعاداً جديدة في رواية «كليدر» ذات المجلدات العشرة عبرمشاهد شاعرية و اجتماعية رومانتيكية. امتازت «كليدر» بنثر متماسك جمع بين اللغة الادبية و اللهجة العامية لاهالي سبزوار في اقليم خراسان. روايته الاخيرة «الزمان الماضي للمسنين» )1991م(كتبها بطريقة الانسيابية الذهنية، و عالج فيها ايضاً قضايا القرية و سكانها.

كان لدولت آبادي دوره الاكيد من خلال اعماله القصصية‌ في تنمية‌ نوع من الكتابة‌ القصصية‌ تختص بايران و نواحيها المحلية. و قد جرب قلمه في الكتابة‌ المسرحية‌ ايضاً فصدرت له مسرحيتا «تنگنا» و «ققنوس». و كانت له ايضاً‌ اعمالاً في النقد الادبي و السيرة الذاتية ‌و منها «المكانة‌ العامة‌ للفنون و الآداب المعاصرة‌» (1947) و «الفنان بين الاضطرار و «الاختيار» (1978م)، و«نحن ايضاً اناس» (1989). و له كذلك «لقاء‌ بلوش» ضمن ادب الرحلات كان حصيلة‌ سفره الی اقليم سيستان و بلوشستان جنوب شرق ايران.

احمد محمود (احمد عطاء)‌ كاتب من جنوب ايران نشر مجاميعه القصصية‌ الاولی بعناوين «مول» (1959) و «لايزال البحر ساجياً» (‌19٦0) و «العبث» (19٦2). و من مجاميعه الاخری «زائر تحت المطر» (19٦8م) التي لم تحقق له شيئاً‌ من الشهرة‌. و اضاف بعد ذلك الی‌ ملفه الادبي «الغرباء»‌ (1971) و «الوالد المحلي» (1971) التي عالج فيها قضايا الحياة‌ الصعبة‌ و الفقيرة‌ التي عاشها ابناء جنوب ايران. بروايته العصية علی النسيان «الجيران» (1974م) كرس محمود مكانته كقاص متمكن من ادواته و فنه. وجنح في «الجيران» الی الواقعية الاجتماعية‌، عارضاً‌ مشاهد من الحياة‌ السياسية‌ ـ الاجتماعية المعاصرة‌ في ايران من منظار صبي يافع (تتشكل شخصيته علی امتداد الاحداث)‌. و تميز بسرد نثري زاخر بالحركة‌ و الجاذبية كان له بالغ الاثر في التكوين الفني لروايته «الجيران». روايته الضخمة‌ التالية «قصة‌ مدينة‌»‌ (1979م)‌ تعد من حيث المضمون تتمة‌ً‌ لرواية‌ «الجيران»، و قد صور في روايتة‌ الجديدة‌ اتعاب البطل و نفيه و حيرته خلال مشواره الصعب في المناطق المحرومة جنوب ايران. و كانت له في ثنايا الرواية‌ انتقالاته الی التاريخ الايراني المعاصر بواسطة اسلوب الانسياب الذهني حيث اعاد تشكيل الاحداث الساخنة‌ التي اعقبت انقلاب 28 مرداد (19/8/1953) و اعدام الضباط الشيوعيين بطريقة‌ قصصية‌.

«الارض المحترقة» (1982م) روايته التالية‌ التي تناولت الحرب المفروضة‌ من زاوية‌ المفرد المتكلم، وخلق من خلالها نموذج من خواطر لها حيويتها و روحها المتوثبة. في مجموعته القصصية «اللقاء» (1990م) عاد محمود لزيارة‌ اهالي الجنوب الايراني فتناول معاناتهم و حياتهم الغارقة بالمحن. و استعان بزوايا نظر متعددة و اسبغ علی‌ قصصه مظاهر جديدة‌ فبلغ مرتبة‌ جد ممتازة‌ في الكتابة. قصة «اين تذهبين ننه آمرو»‌ هذه المجموعة‌ تتميز بمناخ عاطفي و ابعاد فنية‌ خاصة. «لقاء الصديق»‌ (1991) من المجاميع القصصية‌ الاخيرة‌ لمحمود صاغها ايضاً برؤية‌ جديدة‌ و نثر راسخ و متجانس. و كانت آخر رواياته «مدار الصفر» التي صدرت في ثلاث‌ مجلدات سنة‌ 1993م. امتازت قصص احمد محمود بقصر العبارات و تموضعها ‌ المناسب و استخدام مفردات و كنايات و التفاتات شعبية‌ مصاغة بطريقة شيقة‌، و كذلك بنثرها الموجز الرصين.

القاص نادر ابراهيمي اتسمت كتاباته بالتنوع و كانت له اعماله الثرة الممتلئة‌،‌ و اختار مضامين خيرة‌ قصصه من اقليم "تركمن صحراء" شمال ايران حيث صور تقاليد و عادات التركمن بدقة. علی ان مضامين قصصه لم تتوقف عند هذا الحد انما اتسعت لتشمل الحياة‌ المدينية‌ ايضاً‌ حيث اطلق بهذه المضامين احياناً‌ قصصاً جيدة الشكل. البعض من قصصه القصيرة تناظرمقطوعات ادبية، و من اعماله يمكن الاشارة الی «بيت الليل» (19٦2)،‌ و «آرش في دائرة الشك» (19٦2)، و «مصابا و حُلم گاجرات»‌ (19٦4م)‌،‌ و «الاماكن العامة‌»‌ (19٦٦)،‌ و «ذو الاربعة‌ و اربعين رجلا‌ً و قصة الصحراء»‌ (19٦9)،‌ «المدينة التي احببتها مرةً اخری» (1970)‌،‌ و «اسطورة‌ المطر» (19٦7)‌. و ‌صدرت له اعمال غير هذه آخرها روايته الضخمة في عدة‌ اجزاء «نار بلا دخان» (1993). و في «ابن المشاغل» صور شخصيته رجل يعمل في اشغال متعددة طلباً للرزق و القوت. و اعاد الكرة في «ابوالمشاغل». مضافاً‌ الی كتاباته القصصية‌ عمل ابراهيمي في الاخراج فكان له مسلسل تلفزيونيّ بعنوان «هامي و كامي» يتصل بقضية‌ تربية الناشئة. و وضع عدة مسرحيات ‌ و سيناريوات و مقالات في النقد الادبي، بالاضافة‌ الی كتاب حول الكتابة‌ القصصية للاطفال. «الصوفيات والعرفانيات» هي القسم الاول من الدراسة التي وضعها ابراهيمي مؤخراً‌ في عدة‌ مجلات حول الادب القصصي القديم في ايران. و من نتاجاته الاخری نذكر «في ارضي الصغيرة‌» (19٦8)‌،‌ و «هل تسمح سيد برشت» (1970)، و «الانسان،‌ الجريمة،‌ الاحتمال»‌ (1971)،‌ و «التناقضات الداخلية‌» (‌1971)‌،‌ و «سعة‌ معنی الانتظار» (1973)، و«نسخة بلا اصل» (1997).

سيمين دانشور استاذة‌ الفن في الجامعة و زوجة‌ جلال آل احمد دخلت عالم القصة باصدارها «النار المُطفأة» (1948)‌ التي ينبغي ان تعد من المحاولات الاولی‌ الساذجة‌ لصاحبتها في مضمار الكتابة‌ القصصية‌. الّا ان مجموعتها القصصية «مدينة‌ كالجنة‌»‌ (19٦1) بشرت بكاتبة سافر قلمها من طور التجربة الی‌ مرحلة النضج، و ازداد هذا القلم نضجاً في رواية «سووشون» (19٦9)‌ التي اضافت للادب القصصي الايراني عملاً لايبارح الذاكرة‌. صورت دانشور في هذة الرواية حياة‌ عائلة‌ شيرازية‌ بكل ما لها من عادات و تقاليد و ثقافة‌ في ذروة‌ الحرب العالمية‌ الثانية. بطل القصة (يوسف وزري) يواجه ضغوط المجتع فيبلغ بذلك مرحلة‌ الوعي الذاتي و يبدأ‌ ردود افعاله بنحو واعٍ قبال هذه الضغوط. و صدرت لها في عام 1979م مجموعة قصصية بعنوان «علی من أُلقي التحية؟»‌عالجت فيها واقع المرأة الايرانية‌ كما سبق ان فعلت في «مدينة كالجنة»‌. و قد عرضت في مجموعتها هذه ملامح المرأة الايرانية و هي تقف قبال‌ تحولات المجتمع. يعد الاسلوب النثري لدانشور ناضجاً و ملاصقاً للغة الدراجة عند الناس العاديين. روايتها الاخيرة‌ «جزيرة‌ الضياع‌»‌ (1993) ضبطت فيها طريقتها الكتابية و بلغت في ذلك شأواً مميزاً. في هذه الرواية التي دخلتها الكاتبة نفسها باسمها و هويتها الحقيقية نطالع صوراً للحياة الاجتماعية – السياسية عند أنماط أو شرائح معينة‌ من المجتمع في زمن ما قبل الثورة‌ (ولا سيما الشريحة الجامعية) و ما عانته من فقر ثقافي و فكري. قدمت دانشور في «جزيرة الضياع» مناخات حياتية‌ حالكة و ضاغطة‌، و صورت مراحل نضج الطبقة المتوسطة‌ و من ثم تراجعها و افولها معتبرة‌ كل ذلك جزيرة الضياع. و نقلت الی الفارسية قصصاً لقاصين من شتی بلدان العالم منها «الجندي الشوكولاتي» لبرنارد شو، و «الاعداء» و «حديقة‌ الكرز» لتيشيكوف،‌ و «أنينك ايها الوطن» لآلن پيتون، و «وصمة العار» لناتانيل هاثورن، و «الكوميديا الانسانية» لوليام سارويان، و «مع الشمس» و «شهر عسل مشمس» لكتّاب و قاصين من مختلف اصقاع الارض. و اصدرت بالاشتراك مع جلال آل احمد «الاربعون ببغاء». و صدر لها كذلك في اختصاصها الاكاديمي أي «الفن» كتابا «دليل الصناعات الايرانية» و «روائع السجاد الايراني».

اقتبس أمين فقيري خلفية قصصه من الاجواء القروية الايرانية. فقد ساهم احد المعلمين العاملين بالقری في فتح نوافذ ذهنه علی مجتمع القرية و حث قلمه علی سرد قضاياها و مشكلاتها، فكانت «القرية المملَّة» (19٦9) اول مجاميعه القصصية الخاصة بالبيئة القروية. و كان الماء و البذور و العمل و العلاقات بين افراد المجتمع القروي من المضامين الفاعلة لقصصه في هذه المجموعة. يبدو القرويون في هذا العمل مجموعة ضحايا تكدسوا علیبعضهم في القرية و انقطع بهم كل أمل في حياة افضل، فلم يبق لهم سوی واقع حالك تومئ اليه دائماً بيوتهم الطينية.

صدرت لفقيري قصص اخری عن القرية و الحياة فيها، بيد أن مجموعته الاولی بقيت متميزة عليها بسبب ما حفلت به من مشاعر انسانية متدفقة. من بين مجاميعه القصصية الاخری يمكن ان نذكر «حقول القلق» (19٦9)، و«الكوفيون» (1971)، و «الهموم الصغيرة» (1973)، و«جولة بين الشوق و الالم» (1974)، و«دف لعرس الجيران». لفقيري اسلوبه النثري البسيط الجزل الّا انه قد يتخذ في بعض المواضع طابعاً روائياً و يبدو رتيباً مملاً. أصدر فقيري بعد ذلك مجاميع قصصية اخری هي: «عينان صغيرتان ضاحكتان» (1985)، و «حديث الغابة و الجزار و الفأس» (1979)، و «كل امطار الدنيا» (1988)، و «المواء المنتشر» (198٦). كتبت جميع هذه الاعمال بنوع خاص من الصميمية و نثر خال التكلف. لم يأبه فقيري كثيراً لفنون الكتابة القصصية و تقنياتها. و قد كانت له اعمال مسرحية منها «الليل و صديق الناس».

و لج اسماعيل فصيح دنيا الكتابة القصصية بعائلة آريان التي تكررت بعد ذلك في معظم قصصه و فيما يرتبط بالاحداث المعاصرة. في سنة‌ 1965م أصدر رواية «النبيذ الخام» التي عكس فيها ضرباً من القلق والاضطراب البوليسي. وكانت «توبة‌ الأهل» (1970) عمله القصصي الثاني مهد به لرواية «القلب الاعمی» (1973)‌ التي ناقش فيها ماهية القدرة الاقتصادية و تنامي طبقة التجار علی ارضية التحولات الاجتماعية. من كتاباته الاخری «لقاء في الهند» (1947)،‌ و «العقد و قصص اخری » (1978). خرج فصيح من قوقعه اللاشهرة‌ بروايته «ثريا في الإغماء» التي صور فيها واقع الايرانيين في الخارج من منظار عائلة آريان ايضاً. و تطرق في روايته «شتاء 84»‌ الی قضايا الحرب المفروضةً. من رواياته الاخری «القصة‌ الخالدة‌»‌،‌ و «النسر وطيور البوم» (1990)، و «آلام سياوش»‌ (198٦) التي ابدی فيها خيالاً‌ ثراً متألقاً. ومن اعماله الاخری «رموز السهل المضطرب» و «مختارات قصصية‌» التي صدرت عام 1990. في «رموز السهل المضطرب» تطرق لتجاذبات المجتمع الايراني خلف الخطوط الامامية للحرب. يلوح احياناً‌ انه لا يكثرت لطريقة استخدام اللغة‌ و النثر و لا يبالي لمتانة‌ بناء القصة و اطارها العام.

و هنا لابد من الاشارة الی كاتب تخصص في ادب الاطفال و الاحداث، الّا ان حياته‌ و كتاباته تركت بصماتها الواضحة علی طائفة‌ من القاصين الايرانيين. انه صمد بهرنگي المنتمي لاقليم آذربايجان الايراني و الذي زاول التعليم في قری تلك النواحي. كان لكتاباته القصصية‌ منحاها التربوي،‌ أي انه وضع معظم قصصه لطلابه حتی يفتح اعينهم و آذانهمعلی مجريات الاحداث التي تحيطهم. شُغف بهرنگي بالفلكلور و الادب المحلي الآذربايجاني و اقتبس منه اغلب مضامين قصصه. و امتاز بنثر مبسط بعيد عن التكلف و التعقيد ممكن الفهم من قبل اغلبية الاطفال والاحداث. وضع بهرنگي قصة «السمكة‌ الصغيرة السوداء» باسلوب رمزي قصد منه تصوير الوقوف الشجاع بوجه القوة و الغطرسة و الجور. وفي مجموعته القصصيه «تلخون» ايضاً استلهم الادب الشعبي العامي، و انحاز عموماً‌ الی الواقعية الاجتماعية و كان يتطرف في آرائه احياناً. اسلوبه التربوي ايضاً بدا في طيات قصصه متأثراً‌ بهذه الرؤية و المنهج. وبالاضافة الی الكتابة‌ القصصية اهتم ايضاً بالنقد الادبي، فألف كتب «تنقيبات في القضايا التربوية بايران»‌ و «اساطير آذربيجان» في مجلدين،‌ و «الامثال و الالغاز». يحتوي ملفه علی نحو عشرة قصص للاطفال منها (اولدوز و الغربان، و الوالد بائع الشونذر، صاحب الطيور الاقرع، خوخة و الف خوخة،‌ اولدوز و الدمية الناطقة) و ترجمة مجموعة‌ قصصية لعزيز نسين بعنوان «نحن الحمير». مات بهرنگي سنة‌ 19٦8م غرقاً في نهرأرس شمال ايران.

التحق محمود گلاب درئي بمسيرة‌ القصة الايرانية سنة 1970م بروايته «كلب الافران» التي تدور احداثها في الاحياء الجنوبية‌ من المدينة حيث تكثر افران الطابوق، و قد اسبغت عليها النزعة الشعورية للقاص مشاهد جيدة‌. نشر بعدها رواية ضخمة‌ بعنوان «قشة‌ التبن» (1974) تدور احداثها ايضاً‌ في انحاء جنوب المدينة‌ و اختار لها المؤلف الفارق الطبقي محوراً‌ رئيسياً‌. معظم احداث الرواية‌ تجري في مساحات ذهنية‌ قد تتمدد احياناً الی الواقعية الاجتماعية. تقف في هذه الرواية عائلتان مقابل بعضهما: احداهما ثرية و الثانية فقيرة، غير أن الفقر الثقافي يخيم بظلاله الداكنة علی كلا العائلتين لأسباب متناقضةً، فأحداهما عديمة الثقاقة لشدة عوزها، و الثانية لشدة ثرائها. كان گلاب درئي موفقاً في تصوير المشاهد و المناخات، و في عام 1974م أصدر مجموعته «ابوذر النجار» وعاود في رواية «بادية» (1978) معالجة قضية الفوارق الطبقية. وفي ايام الثورة كتب «لحظات الثورة» (1980) من زاوية نظر شخص شارك في كل احداث الثورة من مظاهرات واطلاق نار و شعارات حماسية. و كتب للاحداث و الناشئة قصة طويلة اسمها «اسماعيل، اسماعيل» (1981)، و من رواياته الاخری «الصحراء الباردة» (1983)، و «مصير ابن حارة شمرون» (1984)، و «السنونو» و «دال» (198٦). في «دال» سلط الاضواء علی الواقع العاطفي و النفسي الذي عاشه الايرانيون خارج البلاد، و وصف طموحاتهم و المنعطفات و القضايا النفسية التي يكابدونها. من الخصائص النثرية لگلاب درئي تكرار الجمل الوصفية و استخدام المصطلحات الشعبية و صراحة اللهجة.

فريدون تنكابني هو الآخر أحد القاصين الغريزين في عقد الستينيات. لم يخل قلمه من مسحة ساخرة تبلغ أحياناً حدود الافراط الذي قد يضعضع البعد الفني للعمل. قصته الاولی «رجل في القفص» (19٦1)، ثم «اسير التراب» (19٦2) التي خصصها لعرض اجواء الفقر و العوز. في مجموعتيه «مشاة الشطرنج» (19٦5)، و «نجوم الليلة الظلماء» (19٦8) عرض تجاربه عن حياة طبقة الموظفين المتوسطة و عالج طموحاتهم و اخيلتهم. و في «مذكرات المدينة المزدحمة» (19٦9) رسم صوراً بارزة لطهران و اهاليها بكل ما يعيشونه من تفاصيل و مفارقات حيث عرض حيوات متنوعة لصنوف متعددة من الناس، وجسد صراع الاشكال المختلفة لحياة الناس وتشابكها. و في «المال هو القيمة و المعيار الوحيد للقيم» (1971)، و في «ارض السعادة» (1978) هاجم النزعة الاستهلاكية. و تناول في مجموعته «السير علی الجسر» شتی الابعاد التي تطبع حياة الطبقة المتوسطة و لاسيما المتعلمة و ما يسودها من سبات و انهزامية و فراغ. ثم انه كتب للناشئة «السفر الی الثانية و العشرين من العمر»، ومن اعماله الاخری «بين سفرتين» (1973)، و «احزان العقم». كان تنكابني من القاصين غير المكترثين للشكل و القالب في قصصه، وممن يرجحون كفة المضمون علی الإطار الشكلي.

لاري كرمانشاهي ايضاً بدأ كتاباته القصصية في هذا العقد فصدر له «العمال» (19٦٦) و «العيون الالفية » (19٦9) و هي اعمال بلغ فيها رؤية اجتماعية معينة. وكتب ايضاً «غروب البؤساء» (19٦4)، و «السنوات الضائعة» (1972)، و «حينما تتفتح الجنابذ و حينما تتساقط الاوراقِ» (19٦4) ضمن مناخات رومانسية و عاطفية. و في «بي بي خانم» (1975) و«الرحيل بألمٍ» (1975)، و مجموعته القصصية «كوماين» (1977) جنح الی الواقعية الاجتماعية فتحدث عن مآسي ومعاناة عدد من الناس الممتحنين في المناطق النائية. و في «جداول الربيع» تقدم خطوة الی الامام مصوراً حياة صعبة يعيشها طفل قروي يعمل بناءً في المدينة، و بدا لاري هنا شديد الواقعية رغم بعض رواسب الرومانسية التي لا تزال عالقة في أسلوبه.

اما ابوالقاسم پاينده فرغم أن اهتمامه الرئيس كان منصباً علی ترجمة الأعمال الكلاسيكية من التاريخ العربي حيث نقل الی الفارسية آثاراً مهمةً مثل «تاريخ الطبري» و«تاريخ المسعودي» و ترجم أيضاً القرآن الكريم، الّا انه اختبر موهبته في الكتابة القصصية ايضاً، و لم يلتزم كثيراً بالشكل و التقنية فسرد معظم قصصه بطريقة تقليدية مشربة بسخرية لاذعة، و قد انعكس تمكنه من اللغة و الثقافة العربية علی نثره القصصي. في سنة 1943م كتب رواية «القاتل»، و صدرت له عام 1958م مجموعة قصصية بعنوان «في سينما الحياة»، وفي 19٦8م «دفاعاً عن جُحا»، و في 19٦9م «حضرة دكتر ريش»، التي كتبها باسلوب ساخر عميق. من اعماله الاخری «مشيعو الاموات في جوزان و 17 قصة اخری»، و «قصص مختارة» (1971)، و«ظلمات العدالة» (1975).

و كان هناك كتاب قصة آخرين في هذا العقد صدرت لهم أعمال قليلة أو أنهم ساهموا في الكتابة القصصية بالاضافة الی انشغالهم بمجلات ثقافية اخری. المخرج ناصر تقوايي اصدر سنة 19٦9م مجموعة قصصية متسلسلة بعنوان «صيف ذلك العام». المكان الذي تقع فيه احداث هذه القصص هو جنوب ايران توُصف شخصيات مختلفة من الطبقات الفقيرة (عمال و امثالهم) و علاقاتهم المهنية من منظار مشاهد غير منفعل.

و دخل رسول پرويزي مضمار القصة بمجموعتيه «السراويل المرقعة» (1957) و«الشاطر المنتشي» (19٦7) التي صور فيها مشاهد من الحياة الاجتماعية لشرائح مختلفة من الناس بطريقة لم تخل من نزعة انسانية. معظم هذه القصص تُروی علی لسان طفل و تجري غالبية الاحداث في مدينة شيراز.

عباس پهلوان من الذين مارسوا الصحافة وكتبوا القصة. صدرت له عدة مجاميع قصصية، منها «صيد العنكبوت» (1973)، و «ليلة عرس أبي» (19٦1)، «اللادرويش» (1975)، و «موت بي وسائل» (1970)، و «التشريفات» (1973)، و «الاحداث» (1975). شغل پهلوان لفترة من الوقت رئاسة تحرير مجلة «فردوسي»، و تميز نثره بالايجاز و الصراحة و استخدام الاستعارات و المصطلحات العامية.

في سنة 19٦9م صدرت للقاصة گلي ترقي مجموعتها «أنا ايضاً تشي جيفارا»، ثم نشرت لها قصة طويلة بعنوان «السبات الشتوي» (1972). السرد النثري الذي اعتمدته هذه القاصة ساخر و عميق، و قد اختارت خلفية قصصها من طبيعة الحياة في المدينة. آخر مجاميعها القصصية «خواطر مشتتة » صدرت لها عام 1992م و تضمنت ذكريات حميمة عن فترة الطفولة و الصبا.

اشتهر بهمن فرسي بكتاباته المسرحية اكثر من الكتابة القصصية، الّا انه عرف ايضاً بمجموعته «بين انياب الكلب» (19٦1)، رواية «الليلة الاولی، الليلة الثانية» (1974). ابطال قصصه مستنيرون خائبون و خلفيتها الانحلال في علاقات الحب. من مسرحياته الملحّة علی الذاكرة «عصا تحت الأبط» (19٦2)، و «الربيع و الدمية» (19٦5)، و «قاعة النوم الهادئة» (1977)، و «المزهرية» (1972)، و «الفأرة» (1973) و «صوت الانكسار» (1971) التي وضعها بأسلوب جديد.

و كان محمود طياري شبيهاً بفرسي في حيّز الكتابة إذ ظهرت له نصوص مسرحية الی جانب اعماله القصصية. و نُشرت له في الستينيات مجاميعه القصصية «بيت من حديد» (19٦2)، و «المشاريع و الغربان» (19٦5)، و «كاكا» (19٦7)، و «صوت الاسد». من مميزات اعماله سلاسة النثر و تشرّبه باللغة العامية و صور من الحياة القروية في شمال ايران. و من بين كتاباته المسرحية نشير الی «المنجل» (19٦7)، و «الغطاء» (19٦7)، و «الهتاف» (1970)، و «الأفعی الاهلية» (1979).

نشر ايرج پزشكزاد اكثر رواياته الساخرة علي شكل حلقات في مجلة «فردوسي». و استهزأ في «الحبل و السماء» بالتيارات الادبية لتلك الحقبة. و صنع في «حاج مم جعفر في پاريس» (1945)، و «اصغرآقاي كل ميتي»، و «بوبول» (1959) شخصيات قصصية ذات ملامح خاصة. و كانت «ماشاء اللّه خان في بلاط هارون الرشيد» (1975) عملاً ساخراً تاريخياً ـ اجتماعياً و زاوج فيه پزشكزاد بين الأمس و الحاضر. أما روايته «خالي العزيز نابليون» (1972) فرفعت كاتبها الی مصاف الروائيين الجيدين في ايران، فقد زخرت بنثر دافئ و محبب و مضامين عذبة و اشارات دقيقة ملؤها السخرية و الايماءات ذات المغزی للحياة القديمة في طهران و حلاوة العيش في ضمير طفل يافع. نجح القاص عبر روايته هذه في تصوير الهيكل المتهرئ لعائلة ارستقراطية طهرانية و ملابسات استحالتها الی عائلة عصرية، و تابع احداث الاربعينات فما بعد بكل دقة و تمحيص معبراً بلغته الساخرة عن افول الاستعمار البريطاني و انبثاق الهيمنة الامريكية في ايران.

نشر جعفر شهري «السكّر المر» سنة 19٦7م الغنية بالتعابير و الامثال العامية الطهرانية، و التي تميزت بصراحة التعبير و المنحی الساخر، و وضوح المشاهد الخاصة بطهران القديمة. عرض شهري في روايته هذه حياة اشخاص بنثر انسيابي محبب يثير مشاعر حيّة في الخواطر. و كانت «الشوكة» (1972) بمثابة التتمة لتلك الرواية واتسمت كسابقتها بالحركية في الاحداث و صراحة النثر. قارب المؤلف هنا الاحداث بمشاعر و عواطف أعمق و فسح للحياة فيها مجال الحركة و التحليق كفلسفة لا يعوزها شئ. في 1970م صدرت له «أنسيه خانم» التي أعاد فيها ايضاً تشكيل مشاهد من حياة طهران القديمة في اطار رواية متوثبة حية. و صدرت له ايضاً «الحاج في بلاد الغرب» في مجلدين سنة 19٦5م بلغة ساخرة، و قد سجل فيها مجريات رحلة الی مكة المكرمة و بلاد الغرب بلهجة فيها كثير من التمادي و الاشارات اللاذعة، و أردفها ﺒ«الحاج مرةً اخری» (1977) التي تغيّرت فيها رؤيته. و لابد من اعتبار جعفرشهري أحد الفولكلوريين البارزين في ايران، فكتاباه «طهران القديمة» (1978)، و «طهران في القرن الثالث العشر» في ستة مجلدات (1987) ثروة عظيمة في الاعراف و العادات الاجتماعية لأهالي مدينة طهران خلال القرن الماضي.


تصاعدت في هذا العقد حمی كتابة القصص المسلسلة الشعبية علی صفحات المجلات و ادی ظهور كتاب جدد في هذا الميدان الی انبثاق رؤی و تحولات غير مسبوقة. و قد كانت مجلات «اسود و ابيض» و «اطلاعات الاسبوعية» و «اطلاعات الشباب» و «السيدات» و «أمراة اليوم» و «التقدم» و «قوس قزح» و «طهران المصورة» و «المستنير» و«أمل ايران» و «القراءات المفضلة» و سواها من المجلات التي اهتمت بالقصص المسلسلة فضاعفت بذلك من مبيعاتها. و قد اجتمع في كل واحدة منها عدد من كتاب القصص المسلسلة فسطروا قصصهم الغرامية و البوليسية و التاريخية، محتذين مسار اسلافهم من امثال مستعان و جواد فاضل، و كانت لهم مناحيهم الجديدة في النظر للاحداث الرسمية في زمانهم و تجميل الاجواء الاجتماعية في قصصهم.

كتب رسول ارونقي كرماني رئيس تحرير «اطلاعات الاسبوعية» معظم قصصه المسلسلة في هذا العقد، و قد كانت له رواياته و قصصه الصغيرة التي اختار لمعظمها موضوعات الحب و الجريمة و تجارب الحب الممنوع و الفراق و الحرمان و ما الی ذلك. من اعماله يمكن الاشارة الی «مدينة المطر» (19٦4)، و «الازهار الصحراوية‌» (19٦5)، «الليلة ستموت فتاة» (19٦٦)، و «ليلة بلا سحر» و «ابناء الشيطان» و «الفزع» (19٦4)، و «بابا جاء بالخبز» (1970). و له روايات و مجاميع قصصية أخری منها «الديك ذو الاربعين عرفاً» (19٦4)، و «الفّرار» (19٦3)، و «الشريد» (19٦5)، و «الزورق الذهبي» (19٦4). و في روايته «گلين» (1972) استطاع بلوغ ضرب من الرصد الاجتماعي، و كان من سمات نثره الجمل المقتضبة و الصور الرومانسية و استخدام لغة مبسطة مفهومة.

منوچهر مطيعي (عقاب) كان شبيهاً بارونقي من بعض النواحي. نشر العديد من القصص في عدة مجلات بعدة اسماء مستعارة. و تميز بنثر صحفي ناضج و قدرة جيدة علی نسج الاحداث بلغت ذروتها في روايته ذات المجلدات الثلاثة «نساء الآمازون المتوحشات» (19٦0). و كانت له قصصه الغرامية فضلاً عن التاريخية و البوليسية. من اعماله التاريخية يمكن الاشارة الی «باعة المومياء» و «قصر الاشباح» و «لصوص الخليج». و من نتاجاته البوليسية و الرومانسية و الغرامية «رجل للايجار» (19٦٦)، و «گل آقا» (19٦٦)، و «السيدة المسوِّقة» و «بيت في هانغ چونغ» (19٦٦)، و «الترنج الذهبي»(19٦٦)، و «مهدي الحجار» (197٦)، و «علی مفترق طرق» (19٦٦). و بعد الثورة كانت له روايات «السيد حشمت» (198٦)، و «السيد مهدي» (1987)، و «شراء بلا ثمن»(مجموعة قصص)، و «الميراث» (198٦) التي تقرب فيها الی مجال البحث الاجتماعي.

امير عشيري هو الآخر من كتاب القصص البوليسية المسلسلة في هذا العقد و له العديد من القصص الشبابية، مضافاً الی قصصه التاريخية. البطل في غالبية قصصه البوليسية و الجاسوسية شخص اسمه رامين. من رواياته التاريخية «قلعة الَموت» و «معبد العاج» (19٦5)، و «القصر الاسود» (19٦٦) و «عقاب الَموت» (19٦5) و من اعماله البوليسية يمكن الاشارة الی «الجزمة الصفراء» و «طريق في الظلام» و «وقع اقدام الشيطان» و «الرجل الرابع» و «جدار الصمت» و «الهروب الي اللاشئ» و «صورة القاتل» و «رجل لم يكن ابداً» و «الحبل الاخير» و «الفجر الدامي». و تقع احداث غالبية هذه القصص في بلدان اجنبية.

رجب علي اعتمادي رئيس تحرير مجلة «اطلاعات الشباب» أيضاً من كتاب القصص المسلسلة في هذا العقد و قد نشر جل اعماله في مجلته. في «المقيم في حارة الهموم» (19٦3) قدم صورة عاطفية سطحية لحارة سيئة السمعة إبان عهد الشاه. و في «امنحني دفئا ايها الرقص» تناول هموم الشباب التائه المتغرِّب في ايران (بطريقة عاطفية و سطحية ايضاً). و في «لمن أغنّي؟» (19٦٦) جسّد جوانب من الحياة الغرامية و الرومانسية لدی الشباب. اعماله الاخری ايضاً غلبت عليها المضامين الرومانسية و البوليسية، و منها «الجريء» (1970)، و «حبيبتي» (1971)، و «احذية الحب الحزينة» (1973)، و «الليلة الايرانية» (1975)، و «الباص الازرق» (1975)، و «ألحان حزينة» (1974)، و «الايام الماطرة الصعبة» (197٦).

و من الاسماء التي عملت ايضاً في كتابة القصص المسلسلة خلال هذا العقد پرويز قاضي سعيد الذي نشر اعمالاً بوليسية و غرامية ضعيفة في «اطلاعات الشباب» و«بنات و بنون»، منها «التمرد» و «عبور الحدود» و «صنارة السمكة» و «معبد الموت» و «فزع علی ساحل النيل» و «غصن زهور حمراء لأحزاني» و«قلبي يتململ».

و كان احمد احرار صحفياً وضع عدة روايات تاريخية منها «الامير و العيار» (19٦5) و «رجل من الغابة» (1957) حول الميرزا كوچك خان. و تابع بعد ذلك منهجه التاريخي فكتب «اسطورة الشجعان» (198٦)، و «الربيع و الدم و الافيون» (1985)، و «العُقاب الابيض» (198٦)، «الشيطان الاخضر» (1987)، و «الملكة مصاصة الدماء» (1985)، فكانت التسلية العامية و نسج الاحداث غير المعمق من سمات هذه الاعمال.

مع ان شاپور آرين نجاد بدأ كتابة قصصه التاريخية من الخمسينيات بنثر ساخن قويم الّا ان كثيراً من رواياته اشتهرت في الستينيات و اجتذبت الكثير من القراء. في سنة 195٦م أصدر روايته «الرجال العشرة النبلاء» ذات المجلدات الثلاثة التي صور فيها الحروب و التنافس بين اخلاف اردشير الثاني. و من اعماله التاريخية الاخری «الحب و الدماء» (1955) و «الفاتح» (19٦0) و «ثورة الاسماعيلية» (1975)، و «المشعل الخائب» (19٦٦)، و «ابطال الشوش» (1959)، و «شرف قاطع الطريق و بطل السهول». و نشر ايضاً علي شكل حلقات «جيل الشجعان» و «حراس العرش و التاج».

ثمة نقطة اخری جديرة بالذكر فيما يتصل بهذا العقد هي ازدهار سوق الافلام التجارية السطحية [التي عرفت في ايران باسم: الافلام الفارسية] التي استهوت بعض المستنيرين و الكتاب فكتبوا لها السيناريوات احياناً. منذ النصف الثاني لهذا العقد ظهر سينمائيون مستنيرون واعون قاوموا بانتاج الافلام التجارية، و من هولاء مسعود كيميائي، و داريوش مهرجوئي، و ناصر تقوائي، و امير نادري، و سهراب شهيد ثالث الذين استرعی انتباههم الأدب القصصي الايراني فنقلوا بعض القصص منه الی افلام سينمائية. اخرج كيميائي «داش آكل» عن قصة بنفس العنوان لصادق هدايت، و «التراب» عن قصة «أسطورة بابا سبحان» لدولت آبادي. فيما اخرج مهرجوئي فيلم «البقرة» عن قصة «اصحاب العزاء في بيل» لساعدي، ثم «دائرة السماء» عن «المزبلة» لنفس القاص. واخرج امير نادري رواية «تنگسير» فيلماً سينمائياً. بينما استلهم ناصر تقوائي رواية «خالي العزيز نابليون» الساخرة لايرج پزشكزاد ليخرجها علی شكل مسلسل تلفزيوني. و اخرج بهمن فرمان آرا قصة «الامير احتجاب»، كما أُخرجت رواية «البومة العمياء» لصادق هدايت فيلماً سينمائياً، و كذلك «السكينة بحضور الآخرين» لساعدي و «زوج السيدة آهو» لأفغاني. وكانت الروايات السطحية خير رصيد للمخرجين التجاريين، فأخرجت مثلاً «الليلة ستموت فتاةٌ» لارونقي كرماني، وكانت النتيجة هابطة الی درجة اضطرت حتی الكاتب لاعلان براءة ذمته منها.

(الجزء الثالث)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى