الخميس ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠١١

«كأنها أنا» للشاعرة أمل جمال

وجدان عبد العزيز

سبق وان قدمت قراءة لأشعار هذا الديوان (كأنها أنا) للشاعرة أمل جمال: الشاعرة المصرية الدؤوبة في إثبات وجودها الثقافي وهذه القراءة الثانية وهي عبارة عن التقاطات لباقة من معاني الديوان ومحاولة استردادها مع لذة القراءة ودهشة المعاني، من حيث أن الديوان كان يبحث في تداعيات الغياب الذي يعيشه إنساننا العربي بصورة عامة وشاعرات العربية المعاصرات بصورة خاصة ولاسيما من أخذت قصيدة النثر ملاذا لها وناطقا سريا لإرهاصاتها العاطفية والاجتماعية وبلغة أخذت تحلق من مواضعها المتواضع عليها غالى أفاق المغايرة والمفارقة، وتكاد ان تلتقي هذه الأساليب كمشتركات لشعرية قصائد النثر عند شاعراتنا بالخاص، ونزوعهن نحو فنتازيا الغياب لـ(ان حياة الكائن في واقعها شكلا من أشكال الفانتازيا، تكمن في مصارعة الواقع وسط مفارقات لا يسيجها منطق الا منطق العجيب والغريب) من هنا فان الشعر كائن سماوي لايركن الى واقع او منطق، بل هو ينزع الى منطق العجيب والغريب وتهديد ماهو ثابت وساكن وفق رؤية الشاعرة داخليا بصراعاتها الذاتية التي تطمح ان تجد نفسها وسط هذا الخضم من الحياة الكاذبة، فكان اول سؤال طرحته امل جمال من خلال عنونة الديوان هو تشبيه ماهو مجهول وغامض وغائب أي من الاشياء الغائبة (كأنها انا) ثم لجأت في القصائد ومتونها الى الطفولة تارة والى الوجود وصراعه مع اللاوجود وكأنها أي الشاعرة ( محشورة في ضلفة دولاب عبأها الاطفال بهمجية)، وتتصاعد اناها الغائبة في قولها:

(أجبن من أن أرى وجهك
ينظر للناحية الأخرى
ولا يراني.)
 
فأنا (بهشاشتي
سأخرج للريح
أتغطي بالورق الذابل
وأقول لأشجار الدنيا العارية
احتضنيني
فتبكي الأشجار وحدتها)

اذن من شدة وحدتها وهي تعيش محنة الغياب، تشرك في محنتها هذه اشياء الطبيعة، فتكون الاشجار باكية بسبب وحدتها، وحينما تخاطب حبيبها الافتراضي بقولها:

(حسنا..
سوف أسلم لك جسدي
لكن روحي الهاربة
دهستها الخيل
كيف ستقبلها، بآثار سنابك
وبصرخات؟
روحي المختبئة في كهف الغرباء الآن
مشوهة
وتخاف العالم. )

هذا المقال الشعري وضعنا في خطوات ماسكة لروح المعنى، لان روح الشاعرة مختبئة في كهف الغرباء، لماذا ؟ لانها تخاف العالم وهنا قلبت الصورة وجعلت روح الشعر داخلها النازعة ابدا نحو الجمال مشوهة بنظر الاخر الذي يرى نفسه جميلا وهو القبيح وهذا خلق صدمة للمتلقي في تعديل اطراف المعادلة ومحاولة ايقاف اختلال الميزان بالاقتراب من روح الشعر الباحثة عن ماهو جميل وعن ماهو مهذب اصيل، وهذا لاشك اظهر مبحثا جماليا في مساحات الشعر يستدعي تهذيب الذوق وكد الذهن من اجل توجيه المعنى واستثناءات غياب الوعي وحضوره لدى المتلقي، ففي قصيدة (اغنية لسيدة وحيدة) كانت هناك صرخة ضد الوحدة والغياب، فالسيدة وحيدة وتعاني الغياب أي غياب الاخر المدرك لارهاصات الشاعرة ورؤاها ولكن الوانها اضفت على المشهد لحن الحضور والوجود، فكلمة سيدة وحيدة نفتها بوجود اربعة ملائكة وتقصد اطفال وحروف تركتها السيدة، ثم حاولت الشاعرة وبتصريح واضح بان غيابها مشغول بحضور الحرف والكلمة والجملة، حيث تتشكل رؤياها من خلال تشكل ذلك الوجود المتبرعم في بحثها الجمالي، وكأنها تقول من خلال قصيدتها (سفر) (وقطارات لاينتظرني على رصيفها احد) وبدون وعي منها تقع في (كهف الغرباء) تقول والذي (..يمكن ان ادعي ان الانتحار / يجلس على طرف انفي) ثم تقول:

(وأنا
في كهف الغرباء
أسلي الوقت
وأدعي أنني مكنسة
في كهف عجوز،
تعرف كل الأسرار وتنساها
وتكنس بي الحزن
عن بيتها الصغير.)

وبهذا عمقت امل جمال الاساس الذي انطلقت منه في رحلة الغياب ةهي تبحث عن شبيه لها في انطلاق اللامعقول، كأن تكون مكنسة، ولكنليس لكنس ماهو مرئي انما لكنس اللامرئي الذي يرافقها في رحلتها عبر كهف الغياب وهي تلجأ لبلاغة التشبيه وهو الدلالة على مشاركة امر لاخر في معنى باحثة ما وراء الحقيقة في قولها:

(كأنه بيتي
وكأن حبيبي يقسم روحه
لنصفين
ويعطيني نصفاً
ليعوضني عن روحي المكسورة
وكأنني
فراشة خفيفة
حطت علي كفيه
ونامت.
كأنني أنتظرك
علي كرسي بالحديقة)

هذه التشبيهات المتكررة تكرس حالة الغياب والبحث عن الشبيه والذي تعانيه الشاعرة في ديوانها هذا، وكأني بها ترسم هذا المعنى وتعمقه، بيد ان الموضوع هو الذي زحف ليتربع على كلماتها الشفافة الواضحة والراقصة كالفراشة الخفيفة المعلقة على اطراف الاوراد تروم رحيق الحياة، ثم انها تخاطب قطة بتصريح على هيئة سؤال:

(أيتها القطة
كيف يمكن أن تصدقي
حنان الغرباء؟!)

وهذه دالة اخرى لتعميق الغربة والغياب، بعد ذلك رسمت في (مشوار) خطا تصاعديا، انتهى بسؤال انطقت به حبيبها او شريك حياتها فـ(بعد ثلاثة اطفال /وعشر شجارات/ تقول لي: من انا؟!)، وبقصيدة (كاميرا) رصدت اشياء المكان بشبه فلم تسجيلي لايخلو من سطوة السرد التي تداخلت مع شعرية امل جمال في ديوانها هذا، وكمتلقي اطوف بفضاء الورقة وفضاء العنونة وفضاء الاسم، اجد ان الشاعرة استفادت من اسمها (امل) في قصيدة (امل ) خالقة اشكالية الامل مقابل الغياب وايهعما الاقوى في مساحة الشعر عندها تقول:

(وفي الصباح
ينزل قلبي لقدميّ، ويدفعهما للمسير
فأضع وردة علي نافذة غيابك
وأقول لقلبي لن أعود إلي هنا في الصباح
وفي الصباح تنزل دمعة إلي قلبي
ويصعد قلبي لسمواتك
فأهدي الوردة إلي روحي
وأقول لنفسي:
سأعود إلي هناك في الصباح)

اذن هي انتصرت بدلالة الامل على دلالة الغياب رغم معاناتها الكرسة في الديوان وبهذا انحاز الشعر لمنطقة الجمال.. وكشفت في قصيدة (جرح) عن معاناتها والمها في الحياة وهي تطلب اللذة اللامرئية اكثر من اللذة المرئية، لذا فهي تقول:

(عارية من حنانك
روحي خفيفة دونما شراب
ولا تهمني لمساتك
كلماتك أطردها من ذاكرتي
فتخرج هاربة من صرخاتي )

هكذا هي تلح في طلب الحنان وصدق العاطفة ولا تلمسها لانها منفعلة بسبب جوعها العاطفي للمسات لامرئية من الحنو والعاطفة، تقول: (سارتكن الى وجعي) لاني (كثيرا ما اقف بشباك الانتظار).. ومصير أي ديوان شعري حديث متعلق بالقراءة، فكلما تعددت القراءات توالدات المعاني والتأويلات !!!! ومن يدري فاني قد اعود بقراءة ثالثة للديوان..

 / كتاب (شعرية الرواية الفانتاستيكية /شعيب حليف / المجلس الاعلى للثورة الاسلامية لسنة 1972م

 / ديوان (كأنها انا) للشاعرة المصرية امل جمال / جماعة اضافة الثقافية

وجدان عبد العزيز

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى