الثلاثاء ٢١ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم زياد يوسف صيدم

رهان مع الشيطان

حلقة (1)

عندما أسدل الليل عباءته على تلك القرية النائية، المنسية من ركب الحضارة والتطور في ابسط صورها، كانت أزقتها الترابية تغرق في ظلمة دامسة، تكتحل بحلتها السوداء، أطفأت فوانيسها بعد ساعة من صلاة العشاء، تنام مع دواجنها ،تستيقظ على أصوات ديوكها، تعلن انشقاق الصبح، فينهض رجالها لصلاة الفجر، وتنصرف نساؤها إلى إعمالهن مع أول خيوط الشمس إلى الحقول، وأخريات يشتغلن في إشعال طوابين الطين، لتجهيز أرغفة الخبز وإعداد الطعام على انتصاف الشمس في كبد السماء، ليأكلن مع أزواجهن الكادحين في الحقول، حيث الخضراء والماء والوجه الحسن، من خراف وماعز ترعى منتشية، تقفز من أمامهم راقصة على أنغام الناي، القادمة من راعيها في أوقات يتجلى وينسجم فيها مع الطبيعة العذراء، التي هي كل ما يعرف من الدنيا.. مثله مثل الآخرين من رجال القرية، في حياة فطرية بسيطة يعيشونها، لا ينازع الأزواج فيها مهند التركي .. بل كانوا يتقاطرون بعد صلاة العشاء على ديوان المختار "العمدة"، يجتمعون مشغوفين إلى سماع الراوي، يقص حكايات عنترة بن شداد، وكيف كان يطيح بالرقاب فتتدحرج الرؤوس كأنها ذبائح يوم الحج، ويحتد صوته، وتنتفخ أوداجه بينما يصف كيف كان يصول ويجول في ميدان المعركة، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم منشيين متحمسين لنزال من نوع آخر! على طريقة أهل القرى؟ في عتمة إلا من سراج يضاء بالزيت، يبعث بنوره في أرجاء الغرف على خجل واستحياء مما يسمعه من تأوهات مكتومة تحت طبقات من أغطية وظلام في صيف حار، وهذا لم يمنع حاسة اللمس أن تكون بديلا عن حواس أخرى قد تعطلت؟ بالرغم من خشونة الأيدي وتشققها، وبروز نتوءات وندب جلدية على معظمها، إلا أنها كانت أفضل من لا شيء بالنسبة للزوجات، اللواتي قنعن بالمثل القائل: "ظل راجل ولا ظل حيط " .

ذات مساء، حل بالقرية رجل غريب الأطوار، مهيب الشكل، يخفى في مؤخرته شيئا ملتفا يشبه الثعبان بتكوره ! يخفيه تحت طيات سرواله الواسع، المضموم على خصره بحزام من جلد البقر الأسود، يعتمر طاقية نسجت من خيوط الصوف المزركشة جوانبها، يخفى داخلها بروزين على جانبي رأسه، كانا أشبه بقرني خروف !وقد اتخذ سكنه على أطراف القرية وحيدا .. أيام قليلة مضت على وصوله ، حتى بدأ يتجول في سوقها، يغدق الأموال على التجار دون مفاصلة لاثمان ما كان يشتريه من أقمشة فاخرة من الحرير الهندي والسيتان، حتى أصبحوا يرصدون تجواله بفارغ الصبر، مترقبين قدومه للسوق، فيسرعون في عرض بضاعتهم وكل جديد قادم لديهم من الأقمشة غالية الأثمان، والخاصة بكبار التجار والأغنياء التي تعود ابتياعها حتى ذاع صيته في القرية بالغنى والكرم والسخاء، فأصبح حديث الرجال في مجالسهم العامرة في ديوان المختار. كانوا يتمنون حضوره ومشاركتهم في سماع حكايات الراوي عن أبى زيد الهلالي، وعنترة ابن شداد، وحرب البسوس..تمنوا أن يكون بينهم على الرغم من هيبته، والمهابة التي تصاحبه حد الرهبة والغيرة فى نفس الوقت، فالأموال التي أنفقها في الأسبوع الأول لقدومه، فاقت كل التوقعات، حتى عميت أبصارهم، وتكلست بصائرهم عن طبيعة شكله ومظهره واصله وفصله.. لا يعيرون اهتماما لما كان يخفيه وراء مؤخرته، و على جانبي رأسه ؟ .

لم يمض وقت طويل على وجوده في القرية الآمنة الحالمة، حتى تغيرت أحوال رجالها ونسائها، فقد ساءت أمورهم كلها، استفحلت الخلافات العميقة فيما بينهم، تزايدت حالات الطلاق بين الأزواج، فتشتتت الأسر الآمنة، لم تعد القلوب حانية طيبة تشتاق بعضها، تمزقت الروابط بين العائلات، قرعت أجراس العداوة والضغينة رؤوس معظم رجالها، وهبت رياح صفراء عاتية، اقتلعت آخر جذور المحبة والوئام في القرية التي كانت ذات يوم حالمة وادعة.
بينما كان الغريب يقبع هناك منزويا في بيته، تنفرج أساريره، وتلمع أسنانه المدببة تحت أشعة الشمس،يقهقه في الليل مدويا بصرير تُسمع أصداؤه في الوديان وعلى امتداد السهول والأرض الخلاء. بدأ في التوافد عليه زواره من تجار القرية المحتاجين من الذين كسدت تجارتهم، وأصحاب الدكاكين التي خلت من بضاعتها، كانوا يقصدونه لسلفه أو استجارة أو لمجرد النميمة التي وجدت أذانا صاغية لدى الغريب وصدرا رحبا شغوفا بسماعه لتلك الأخبار، التي أصبحت تجارة رابحة في مضافته العامرة.. كان لهم المُقرض والمُواسى ومُفرج الكروب، فقد أُعميت قلوبهم وبصائرهم عن كل منطق، حتى تلاشت من عقولهم فكرة البحث عن حقيقة وأسباب ما حل بالقرية، حتى مختار القرية وعمدتها المعروف بالحكمة والفصل والحنكة والدراية بأمور شتى، والمتصل مع الحضر في المدينة كما كان يتباهى ويفتخر دوما، وقف عاجزا حائرا عن اى تفكير قد يوصلهم إلى خيط الحقيقة، المغيبة عن عقول مسلوبة ومبهورة...
أيقن الغريب بأنه قد نال ما يريده، فبدأ في مد شروره ومكائده إلى القرى النائية الأخرى، يغيب ثم يعود أدراجه إلى حيث استوطن وتربع، متخذا من القرية هذه نقطة انطلاق، لا يفارقها إلا في مهماته الخسيسة والدنيئة، كأنه تعاقد مع أهلها، أو تحالف معهم بوثاق لا ينكسر أو يسقط بالتقادم.

عاد الغريب من جولته خارج القرية، عندما مالت الشمس في الأفق بعد ظهيرة حامية، تنذر بقدوم صيف شديد القيظ، سيزيد من سوء أحوال العباد أكثر مما هي عليها، ليجد امرأة في انتظاره خارج بوابة بيته، وقد اتكأت على عكازها، تجلس القرفصاء على حجر،كان احد أحجار كبيرة تحدد وترسم الفراغ المحيط بالبيت بطريقة لم يعهدها احد من قبل! .. رمقها بنظرات ملتهبة غيظا وحنقا، وقد انقلبت سحنته عبوسا، لم يكن وجهها غريبا عنه، إنها أم فاطمة، هكذا يعرفونها في القرية، وهى أشهر من أن تُعرف، كان يخاطب نفسه...

لم يرق لأم فاطمة هذا الغريب من أول يوم وطأت أقدامه القرية، حاولت الحديث جاهدة مع كبار رجالات القرية ومختارها بادئ الأمر، لتلفت انتباههم إلى ما تفكر به ؟ وتدلل على ما تقول بتلك الشواهد العجيبة التي تبدو عليه، كانت تواجه ضحكاتهم بصبر، وتحتمل سخرياتهم على مضض، فتعود خائبة في كل مرة، مكسورة الجناح إلى بيتها، تبكى حظ القرية وما سيحدث لها؟ فانزوت في بيتها معتكفة، ترقب من بعيد ما آلت له أحوال القرية .. ترد بإيماءات من رأسها، أو بصمت حزين من عينيها، عندما كانت تقصدها نساء القرية متلهفات مذهولات، يبحثن عن تفسير ما، يشكين لها هول ما يقع لهن .. فلا حياة لمن تنادى ؟حتى اعتقدن بان أم فاطمة قد أصبحت خرساء، فقدت القدرة على النطق و الكلام.

اقترب الغريب منها أكثر، توهجت عيناه المحمرتان كالجمر، دار حولها برقصات عجيبة! توقف قبالتها، لم تُنزل عينيها من عليه ، رمقته بنظرات تحد.. كانت ما تزال تبحلق في وجهه بإصرار غريب، وعدم ريبة أو خوف، وهى تنهض من قرفصائها منتصبة، متكئة على عكازها من خشب السنديان، قابضة عليه حتى برزت عظام يدها، من أسفل جلد اختفى اللحم منه...

حلقة ( 2)

انتصبت واقفة كشاهد لتاريخ ممتد عبر أزمان الماضي الغابر، إلى الحاضر بفجوره وعبثيته وضغائنه المتجسدة عبر هذا الغريب، برقصاته البهلوانية أمامها، بدوران وقفزات في الهواء يرتعب من هولها صناديد الرجال.. مما ولد في جسدها الهزيل طاقة، وقوة في قلبها غريبتين على التحدي فاقت توقعاته، مما زاد من فضوله لمعرفة واكتشاف ما جاءت تحمل إليه من أنباء وأحداث.. فلم تمهله كثيرا في الغرق في تحليلاته فبادرته القول:

 أيها الغريب، أنت شيطان، لن تكون آدمي تنتمي لجنس بني البشر.. عرفتك منذ وطأت أقدامك القرية، لنبرم رهانا إن كنت قادرا على رهان امرأة عجوز مثلى، جاءت تتحداك في عقر دارك!

- ماذا ؟ أيتها الشمطاء الخرفة، كيف تنعتيني بالشيطان؟ وكيف تتحد رجل فرض احترامه ومهابته على الجميع؟ أيتها الوقحة.

 لا داعي للإنكار، والاختباء وراء كلمات لن تسعفك بعد الآن، لتقر بحقيقتك.. فقناعاتي ويقيني أنك تعلم باني املك الدليل على كونك لا تنتمي لنا كبشر، وإنما إلى عالم الشياطين من جنسك.. فهل كشفت ذيلك في مؤخرتك القذرة ؟ الذي تخفيه داخل طيات سروالك، وعن قرنيك أسفل قبعتك؟

استشاط غضبا، وراح يفرغ شحنات قهره بحركات دائرية متواصلة حول نفسه، تناغمت سرعتها في الدوران، حتى شكلت زوبعة أشبه بقمع مقلوب، قاعدته في علياء السماء، وبدايته تخرج من منتصف رأسه.

تراجعت أم فاطمة إلى الخلف قليلا، مدت عكازها أمامها، تمسكه بقوة بيدها اليمنى، بينما أيسرها يقبض على منديلها الذي كاد أن يطير في الهواء.. تماسكت بصعوبة وهى تردد على مسمعه آيات مختارة من القران الكريم، وكثير من التعويذات التي أخذتها عن أمها الحاجة فاطمة منذ عقود مضت، تلك الحاجة التي كانت مزارا للناس من جميع القرى والبلدات، لقدراتها الخارقة ومعجزاتها المباركة. فجأة، أخرجت من جيبها زجاجة ماء، لوحت بها أمام عينيه اللتان كانتا تقدحان شررا مستطيرا، ما أن رآها حتى امتثل لرغبتها في التوقف وعدم المس بها ..وهنا كشف عن حقيقته فابرز ذيله، واظهر قرنيه بشكل سافر قائلا:

 ليكون اللعب بيننا على المكشوف أيتها الشمطاء بعد الآن .

 ليكن لديك علما، باني هنا من اجل عقد صفقة ورهان !

قهقه طويلا، بزئير ممتد زلزل الأرض، ورج الهواء، فتطايرت الطيور من على الأشجار فزعه، وتزاحمت الخراف من حول البيت في جلبة وفزع واضطراب، وصهل حصان بالجوار، ونبحت الكلاب المرافقة لقطيع الأغنام،ثم صمت فجأة..و بنظرات حارقة وصوت الواثق أجابها:
 قولي رهانك أيتها الشمطاء، وأنا موافق عليه قبل سماعه؟ فقد تعودت النصر على بني ادم دوما، انه مسكين ضعيف، موسوس متوجس، بالرغم من امتلاكه عقل لم يمنحه الخالق لأحد من خلائقه، ومع ذلك يقف مستسلما أمام همساتي في أذنيه.. منقادا مسلوب الإرادة، ينصاع لغوايتي له صاغرا بلا تفكير أو منطق، وهو نفسه من اخترع المنطق! يقهقه من جديد.. بضحكات الغرور واليقين بالنصر المظفر، كانت ضحكات تشبه صهيل الخيل وزئير السباع، ثم تحولت إلى عواء كالذئاب الجائعة.. صمت فجأة .. رمقها بعينين كالجمر وقال: أسمعك أيتها الخرفة الشقية.. أفصحى عن رهانك أيتها الخاسرة.

 اعلم قدرتك الفائقة على زرع بذور الشر بين الناس، وتفريقك بين الزوج وزوجته، بين الأخ وأخيه، وانك أحلت القرية إلى ظلال وأشباح و ضغائن وأحقاد، لم تكتف ولم تقنع، بل ما زلت تنشرها إلى باقي القرى والبلدات، لكن قدراتك محددة ؟ ذات طابع واحد هو الشر، و رهاني معك باختصار عكس هذا تماما ؟

 كيف؟ أوضح كلامك، واختصري حديثك معي، ولا تراوغي كثيرا فقد ضاق صدري، ويكاد صبري ينفذ، وحينها سأصب حمم لعناتي عليك إن لم تقنعيني بما جئت من اجله.

 اسمعن للنهاية ولا يضق صدرك، فمعي من القول ما يسرك !

 يسرني أيتها الشمطاء! يقهقه، ثم يصمت : أكملي، لن أقاطعك حتى تنتهي، وإياك أن تتلاعبي فلا تقنعينني.. فالويل والثبور.

 تعلم جيدا الشيخ حسان تاجر الأقمشة، تعرفه جيدا وتشترى منه أفخم القماش.. وقد فشلت معه أنت في الإيقاع بينه وبين زوجته، وخابت قدراتك وانهزمت أمامه، ولذت بأذيال الخيبة والقهر، وحزنت كثيرا، وما زلت تتألم من فشلك الذريع.

 هذا صحيح أيتها الخرقاء، أكملي ..

 كيف تكرر صفة الخرقاء على مسامعي إذا! وأنا من أوقع الخلاف بينهما، وقد طلق زوجته وهى الآن في بيت أهلها، بعد عشرين سنة من زواجهما،كانا يعيشان بسعادة وهناء، وأولاد ونعيم، في عيشة رغده، يملؤها الحب والوئام، والعفة والشرف.

 اللعنة ..أأنت فعلت هذا ؟ ونجحتى حيث فشلت أنا! ثم انفجر كالبركان يزمجر ويهذى بكلمات غير مفهومة، لكنه طرب لخبر طالما أرق منامه وما يزال.. وكم مرة حاول دون فائدة، ليعود إلى بيته في كل مرة يجر ذيل الخيبة والفشل، مقهورا ذليلا لكنه استدرك قائلا:

 ما الفرق بيني وبينك إذا أيتها الداهية؟ فلنعمل معا، فنحن على طريق واحده، وأهداف مشتركة، يقهقه عاليا من جديد، يزعج الطير والحيوان، يلوث الهواء برائحته الكريهة المنبعثة كلما ضحك.

 صحيح ما تقوله يا سيد الشياطين، فقد برهنت لك على قدراتي الشريرة، والتي عجزت أنت على فعلها.

يحس بضعف أمامها، وانحسار ومحدودية لقدراته الخبيثة، وعدم تميزه أمام بني ادم. ابتسمت أم فاطمة فقد استطاعت استفزازه، وقد نجحت في ضمان قبوله للرهان وتبعاته، نتيجة لشعوره بعدم التميز عن بني البشر.. فها هم يفعلون الشر وينجحون، حيث فشل هو بذاته وعظمته.

لقد اهتدت أم فاطمة، تلك المرأة الحكيمة المجربة والخبيرة، بذكائها وقدرتها على استفزاز الشيطان للرضوخ لرهانها عن قناعة، بل وعن زرع التحدي لها في عقله.. فهي تعلم بان شرط الرهان هو أصل التحدي ؟ وسبب مجيئها إليه بأقدامها، وهى تعلم أنها في حالة فشلها في إقناعه سيكون حتفها لا محالة، وستوقع نهايتها المحزنة بيدها.. فالخاسر من الرهان، سيترتب عليه أمور عظيمة، وعواقب فادحة على سكان القرى جميعهم، وعلى قريتها على وجه الخصوص، سواء بالنفع أو الضرر.

 اتفقنا إذا أيتها الداهية، ولكن ما هدفك من هذا؟ وماذا تريدين؟

 اعلم أنك ذكى وماكر، و أدركت لا شك بان ما وراء الرهان أمر محدد، انه شرط وحيد لا غير، يسرى علينا الاثنان معا على السواء.

 انطق رهانك أيتها الداهية الماكرة في الحال، والشرط الذي يتبعه وإلا...

 لا لا تستشط غضبا، إليك الرهان وشرطه: من يستطع الإصلاح والتوفيق بين الشيخ حسان وزوجته المصون، الشريفة بنقاء الشاش الأبيض، ويجعله يعيدها إلى ذمته، والى بيتها وأولادها يكون قد كسب الرهان.. وأما شرطه الوحيد: يتمثل في أن المهزوم يغادر فورا القرية، وعليه أن لا يسكن في أي قرية أخرى، ولا يجاور الناس، بل يذهب إلى الجبال حتى آخر عمره، يبقى وحيدا هناك حتى يموت.
صمت برهة.. ثم راح يطلق ضحكاته المتتالية المزلزلة والمغرورة، موافقا على الرهان وشرطه....

حلقة ( 3)

وافقها الشيطان على ما جاءت ساعية من اجله.. على أن يلتقيا في نهاية الشهر في نفس هذا المكان.. ضمت إلى صدرها اتفاقية الرهان بينهما، الممهورة بقسم لا يستطيع معه الفكاك أو الانسحاب لاحقا.. كانت الغبطة تملأ قلبها عندما عادت أم فاطمة أدراجها، تطوى بأقدامها طرقات زراعية ممتدة ومتلوية بين الحقول كثعبان الأساطير، حتى اختفى بين الأشجار بيته،عندها ضحكت مع نفسها مزهوة بأولى خطوات النصر.. فطالما كتمت ضحكاتها أمامه، بينما كان يقهقه في كل وقت، دون أن يستطيع استفزازها بقهقهاته المتتالية، استهزاء وغرورا...

مع إشراقة خيوط الشمس الأولى، كان الغريب بهيبته المعهودة، وشخصيته النافذة بين عقول مغيبه تائهة من أهل القرية، قد وصل قاصدا ديوان المختار، مطالبا إياه بعقد اجتماع عاجل مع أعيان وكبار رجالات القرية، فكان له ما أراد.. فكلماته دوما مستجابة ومسموعة، لا يرد له طلبا أو أمنية حتى تلبى له في الحال.. وهذا ما دعاه إلى قبول الرهان وشرطه، مستخفا بأم فاطمة وسذاجتها !.

عندما انفض الجميع بعد استماعهم للراوي، بقيت مجموعة المدعوين المختارة، والمنتقاة بعناية ممن كانوا أصحاب الشيخ حسان أو من اللذين تربطهم به مصالح تجارية، اتجهوا جميعا إلى مضافة المختار الخاصة، للاستماع إلى دعوة الغريب العاجلة، وما أرادهم من اجله، استهل حديثه قائلا:

 أيها الجمع الكريم، أعيان القرية الكرام، هدفنا كما تعلمون هو الخير والإصلاح أولا وأخيرا في هذه الدنيا الفانية ! ثم أردف: بصحبة المختار، سنتوجه غدا بعد صلاة العصر إلى منزل حبيبنا الشيخ حسان، فقد بلغنا انه طرد زوجته بلا أسباب معروفة، وأهمل تجارته، واقفل دكانه، حيث يقبع الآن مريضا في بيته.. سأسبقكم إلى هناك، حيث سأكون منتظركم جوار النخلة الواقعة قرب بيت الشيخ، فعندي مصلحة خاصة لابد من قضائها بشكل عاجل،لهذا لن أتمكن من أداء الصلاة معكم .. كان يحاول الالتفاف بان لا يصطحبوه للمسجد معهم! فحتى الآن لم يتساءل احد ، لماذا لم يروه ساجدا في يوم من الأيام؟ لكن بصائرهم المغيبة، لم تجعلهم في وضع يسمح لهم بالسؤال .

في الميعاد المحدد، تقابل الجميع جوار تلك النخلة.. كان يتقدمهم المختار عندما وصلوا بيت الشيخ ..قاصدين الإصلاح والتوفيق وفعل الخير، إلا واحد منهم، كانت نواياه على غير مقصد.
 من بالباب؟

بدت نبراته ضعيفة، فقد أتعبه المكوث في البيت طويلا، مما زاد من أوجاعه وهزاله الذي لم يكن في حقيقة الأمر مرضا عاديا، وإنما هواجس تملكت عقله، واضطرابات نفسية سيطرت عليه، فاردته في براثن الشك القاتل، وعدم الرغبة في فعل اى شيء ..فكلما فكر في خيانة زوجته له! وتشتت أسرته، وكساد تجارته، تفاقمت أحواله سوءً يوما بعد يوم.

 نحن يا شيخ حسان.. مختار القرية وبرفقتي جمع كريم من أصحابك وأعيان القرية.
فتح الباب مرحبا:

 تفضلوا على الرحب والسعة.. يا مرحبا، أهلا وسهلا بالضيوف الكرام، أجابهم.

كان يحاول جاهدا الابتسام وإخفاء سره في قلبه، فحتى الآن، لم يستطع احد معرفة ماذا حدث، لان الصمت كان عنوان الشيخ الدائم، كلما حاول احدهم فتح الموضوع معه عند زيارته للاطمئنان عليه، كان لسانه ينعقد عن الكلام والنطق.

نظر الغريب إلى المختار كأنه يريد الحديث أولا.. فعرف مغزى نظراته وتحفزه للحديث، فهو الذي طلب هذا اللقاء، فسمح له المختار بالتحدث بداية:

 يا شيخ.. جئناك في أمر فيه الخير لك ولجميع أهالي القرية، ولا نعتقد بأنك ستُفشل الجاهة الطيبة هذه.. جئناك بأمر يعود بالنفع على أسرتك وعليك شخصيا، أن ترد زوجتك المصون إلى بيتك وأطفالها.. ويعود على الجميع بالخير لأننا نحتاج تجارتك، فلا يعقل أن تغلق دكانك طويلا، فتحرمنا بضاعتك الفاخرة، التي نحتاجها في المناسبات والأفراح .

اعتدل الشيخ حسان كأن سوطا قد لسعه على ظهره، قطب ما بين حاجبيه، وتغيرت معالم وجهه فقال: أرجوكم يا أصدقائي وأحبتي.. مجيئكم عندي شرفني، وقولكم هذا أحييه واقدره كثيرا ..لكنى أقسمت بالله وقد حججت بيت الله هذا العام للمرة الرابعة، بان لا أتحدث ولا استمع لأي كان في هذا الموضوع بالذات.. فالبيوت أسرار، وأستسمحكم الأعذار.

كانت كلماته حازمة جازمة، لم تجعل للغريب منفذا، أو لأحد آخر من التدخل بالحديث، فصمت الجميع.. واكفهر وجه الغريب حتى ازرق، فعاد للونه الطبيعي دون اكتراث أو انتباه من الحاضرين؟ قطع الهرج الحاصل بين الضيوف، داخلا الابن الأكبر للشيخ ومعه صينية الضيافة، كانت تعج بفواكه كثيرة من كل صنف.. وعصير التمر والقصب، ثم شراب التوت.. أكلوا وشربوا، ثم انصرفوا، وتفرقوا كل إلى بيته...

لم يستسلم الشيطان بسهولة، لم يرفع بعد رايته البيضاء، فقبل انقضاء مدة الرهان، حاول جاهدا التوسط عند الشيخ، بإرسال آخرين قريبين على قلب الشيخ، أو بإغرائه بتجارة مشتركة فيما بينهما، وبأموال سيجنونها لا عدد لها ولا حصر .. وعلى قدرته من استحضار الحرير من الهند مباشرة عبر سفن في البحر، تأتيهم خصيصا من تجار كبار هناك ، فيستأثروا بتجارة الحرير لا سواهم .. لكن دون فائدة، بالرغم من كل هذه الإغراءات التي فاقت حدود الخيال..فالأمر بالنسبة للغريب يتعلق بمسألة مصيرية، يتقرر فيها بقاءه أو خسارته للرهان المشفوع بقسم الشياطين؟ وبالتالي في إبعاده واختفاءه نهائيا.. أما بالنسبة للشيخ، فالأمر يتعلق بالشرف والعفة التي لا تقدر بمال، أو تقاس بمقاييس، فأغلق الأبواب أمام كل الوجوه الساعية عن حسن نية إلى إصلاح ذات البين وراب الصدع، بإعادة زوجته.. ولم ينبس بكلمة واحدة لأي كان، فقد بقى على صمته المطبق كاتما سره في قرار قلبه؟ لا يعلمه سواه وزوجته، ولم يكن يدرى عن أم فاطمة أنها على علم بكل التفاصيل التي يجهلانها معا حتى الآن ؟.

في الميعاد المحدد على آخر الشهر، وصلت أم فاطمة .. كان بانتظارها مكفهر الوجه، عابسا، وقد اشتدت زرقته حتى تفحم وجهه .. كان الشرر يتطاير من عينيه.. يضرب الأرض بذيله وهو جالس القرفصاء، بينما كانت أم فاطمة واثقة الخطوات، تمشى بثبات وهى تمعن النظر إليه، وتنقر الأرض بعكازها، بإيقاع متناغم مع خطواتها الحثيثة باتجاهه، حتى دنت منه، وأصبحت على بعد ذراع لا غير..عيناها في عينيه، بادرته قائلة:

 فشلت يا سيد الشياطين.. خسرت ورجعت خائبا.. يا لقلة حيلتك وضعف حجتك، ونهاية قدراتك الخارقة ..والآن جاء دوري أنا.. فحسب الرهان المبرم، لقاؤنا هنا ثانية على انتصاف الشهر، وحين يصبح البدر مكتملا في السماء.

 نعم أيتها الداهية الماكرة، لنر ماذا أنت فاعلة.؟ فلا نستبق الأحداث، فالشيخ حسان لن يكون سهلا حيث فشل الجميع.. وهل يتساهل معك أنت؟ ..أنت يا خرقاء!!

 هل عدت لوصفي بالخرقاء؟ قهقهت أم فاطمة بحضرته لأول مرة، ثم رمقته بنظرة تحد:
سنرى لاحقا العجوز الخرقاء كما تدعى ما هي فاعلة؟.. ثم أدارت ظهرها وهى تنقر بعكازها الأرض، بدبيب كأنها تنقر في أذنيه، مما جعلته يغمض عيناه واضعا أصابعه فيها، أملا في التخلص من نقر عكازها الذي تحول إلى أجراس تقرع في رأسه، من شدة حنقه وقهره وخيبته .

بينما كانت تبتعد أم فاطمة وتختفي بين أشجار الحقول، سمع صدى ضحكاتها تجلجل الفضاء المتسع، فانكب على الأرض باكيا، صارخا، يتخبط بذيله ذات اليمين وذات الشمال...

حلقة (4) الأخيرة

وصلت بيت الشيخ حسان بصعوبة بالغة، فقد أعياها كثيرا ما لاقته طوال أكثر من شهر من معاناة وإرهاق، حتى فتك بجسدها النحيل.. بدا لها الشيخ بحالة تزداد سوء يوما بعد يوم، جراء صمت رهيب عصف براحته وأعصابه كاد أن يطيح بما تبقى من عقله.. رحب بها، فهي أم فاطمة التي تلقى احتراما وتقديرا لأعمالها الصالحة لأهالي القرية والمجاورات من القرى القريبة.كان ترحيبه حذرا؟ فقد اعتاد مؤخرا استقبال أناس من كل لون، يطرقون بابه من اجل إرجاع زوجته؟ عارضين وساطتهم لفعل الخير، مما جعله في حيرة من أمره على هذا الاهتمام البالغ بحالته دون سواه! في قرية اختلف معظم رجالها مع نسائهم،فزخرت وتشابهت حالات كثيرة، حتى بات يتوجس كل قادم إليه.

عندما أحضرت ابنة الشيخ صينية القهوة على عجالة، امتثالا لرغبة أم فاطمة، كانت ما تزال تجوب بنظرها أركان البيت قائلة: أتذكرين بنيتي قبل أكثر من شهر؟ عندما حضرت إلى هنا، وكنت في وضع صحي سيء، حيث لجأت إليكم، فوجدت أمك من أطيب وأنقى النساء، فأكرمتني حتى استعدت عافيتي.. وصليت على سجادتها المزركشة بالون شتى، ومرسوم عليها صورة الكعبة المشرفة..كان الشيح يستمع باهتمام بالغ إلى ما تقوله أم فاطمة.. وهو يرقب ابنته التي أومأت برأسها دليل صدقها على ما تقوله، ثم اتجهت بحديثها إلى الشيخ: ولى بحوزتكم أمانة! نسيتها، ولم استطع الحضور لاحقا لأخذها لانشغالي الكبير في أمر هام، سترون نتائجه لاحقا على القرية ؟.

 أي أمانة بحق السماء؟ لا اعلم بهذا الأمر إلا اللحظة!

 كنت قد نسيت في غرفة زوجتك كيس اصفر اللون، بداخله قطعة قماش من الحرير الاحمر، كنت قد دفعت ثمنها لابن أبو مرعى، الذي تزوج دون أن اهديه إياها كما وعدت أمه صديقتي، وصانعة معروف معي، و....

 ماذا تقولين ؟؟ أعيد بالله عليك ما قلتيه، وقد وقف على قدميه مستنفرا،لا يصدق ما تقوله.. يتساءل اهو في علم أم في حلم؟ بسرعة البرق انفرجت أساريره واستبشر خيرا .. كان يرمق ابنته الجالسة والواجمة، لا تدرى ما الذي يحدث من حولها، تراقب أبيها مذهولة لا تجد تفسيرا، وقد عادت إليه روحه الغائرة عميقا قبل لحظات في حزنها.

 نعم يا شيخ حسان، كما قلت لك تماما، لقد نسيت الكيس في غرفتها بعد أن صليت على سجادتها المزركشة.. لقد كانت سيدة كريمة، صاحبة خلق وشرف وأمانة، بارك الله بك فيها.
يمسك بابنته، يطيرها في الهواء.. يهلل كمن مسه جنون، يرجها فرحا، ضاحكا، في مشهد غريب ،ثم يستأذنهما، لحظات مرت .. يعود حاملا دليل أخفاه عن عيون الجميع، واحتفظ به لنفسه، ليكون دليل خيانة زوجته كما كان معتقدا، والآن يصبح نفسه دليل براءتها.

 أهذا هو الكيس؟ أهذه هي قطعة القماش يا أم فاطمة ؟ أهذه هي الأمانة؟ تأكدي بالله عليك!

 نعم هي .. حفظكم الله، حفظتم الأمانة، وها هي تعود إلى أصحابها.

يرفع يديه إلى السماء..يبكى.. يتضرع، يصلى ركعتي شكر، ثم يعود إليهم، يضحك فرحا، يبتهل إلى الله على هذا الكرم، وهذا الخير الوفير الذي منحه له ولأسرته فقد ظهر الحق أخيرا.

 أم فاطمة لا اعرف كيف أشكرك؟ لكنى مدين لك الآن بكل ما تتمنيه.. وأي شيء تطلبينه سيكون ملبي لك بإذن الله .. فأنت قد فرجتي كربتنا، واعدتي البسمة إلى نفسي وأسرتي.. لن اشرح أكثر من هذا؟ لكن سأسرع إلى أهل زوجتي، استردها إلى ذمتي، أعيدها إلى بيتها الآن وفورا.. ستبيت أمك الليلة في بيتنا يا ابنتي الحبيبة ..كان يقبل ابنته، يخاطبها كأنه يمسك بالحياة بقبضته من جديد.

تركت أم فاطمة البيت،غارقا بالفرح والسعادة، تحمل أمانتها تحت إبطها، قبل أن يهرول الشيخ إلى حيث تسكن زوجته في بيت أهلها.. يطرق الباب، يؤذن له بالدخول.. كان يطير فرحا ، حيث بادرهم قائلا: أين أم قاسم؟ أين زوجتي المصون، لقد انعم الله على قبل ساعة فقط بفرجه، وظهرت براءتها، واني هنا لأردها إلى بيتها وأطفالها سيدة مكرمة ،عزيزة كما دوما، شريفه كشاش ناص البياض.. فكان له ما أراد بعد أن قبل يديها وجبهتها وانهمرت منهما دموع ساخنة!.

لم يمض أسبوع عليه حتى استعاد نشاطه وحيويته، وزادت بضاعته وانتعشت تجارته من جديد، وبدأت حياته كسابق عهدها. ذاع خبر شفاء الشيخ وعودته لتجارته من جديد أرجاء القرية والمناطق المجاورة ..حتى هلت وفود المهنئين أفواجا من كل مكان، إلا واحد قد اختفت أخباره ولم يظهر حتى الآن ؟.

وصل الغريب إلى القرية يتأكد بنفسه الأخبار السيئة والقاتلة التي وصلت مسامعه.. كان يتجول سريعا دون أن يتحدث مع احد، أو يدخل إلى أي محل أو دكان لكبار التجار كما كانت عادته.. كان سريع الخطى، يكاد يقفز في الهواء! وسرعان ما اختفى عن العيون...

بعد أسبوع على اختفاء الغريب المفاجئ، وغيابه على مباركة وتهنئة الشيخ حسان.. حضر لديوان المختار الحاج أبو مرعى راكبا على ظهر حماره، فهو يسكن أطراف القرية، وعلى لسانه كلام خطير يريد أن يقوله! مستأذنا المختار للحديث: يا رجال القرية ومختارها.. قد شاهدت أمرا عجبا..صمت الجميع وقد حبسوا الأنفاس.. شاهدت الغريب قرب بيته، يقف مرتعدا أمام أم فاطمة، وقد خلع ملابسه وقبعته.. كان له ذيل طويل مدبب، وقرنين يبرزان من جانبي رأسه..كان يتحدث معها مرتبكا حائرا، وقد تقلص حجمه؟.. ثم اختفى ! ولم يعد يظهر! وكنت ارقب المشهد عن قرب مختبئا بين الأشجار.. هذا ما شاهدته بعد إتمام زيارة لأبنى الذي تزوج حديثا كما تعلمون، فلكم أن تصدقوا أو تكذبوا ما رأيته بأم عيني ، لكنها الحقيقة.. وبقيت أم فاطمة واقفة مكانها، تتمتم بكلمات لم أتبينها، كانت المسكينة ترتجف، تشجعت و اقتربت منها، بعد أن استجمعت شجاعتي، سألتها عما رأيته؟... فابتسمت ولم تجبني بأي كلمة .. ثم بدأت تمشى متثاقلة باتجاه بيتها...لكنها أبلغتني رسالة إليكم وهذا سبب قدومي الآن:

هاج وماج الرجال.. يتحدثون فيما بينهم.. مبهورين ومذهولين بما سمعوه عن الغريب..

 كلنا أذان صاغية أبا مرعى، قل يا رجل ولا تنس شيئا، أجابه المختار..وساد صمت مهيب أركان الديوان من جديد..

قالت: أن أخبركم بان اللعنة قد زالت عن قريتنا، وان تمسحوا الغشاوة عن قلوبكم، وتفتحوا عقولكم، فقد زال الشر من بينكم ..وان الحب والوئام سيسود قريتكم من جديد كما كانت قبل قدوم الغريب، وان الفرحة والسلام سيعم ربوع قريتنا وطالبت أن تحتفلوا معا وتكونوا يدا واحدة وان تذكروها بالخير!!

تلقى المختار ورجالات القرية الرسالة ..كانوا يومئون برؤوسهم .. يضربون كفا بكف ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم.

قبل مغادرة الرجال ديون المختار، كان خبر وفاة أم فاطمة قد وصل مسامعهم ، فارتبكوا وذعروا وساد صمت مترقب من الجميع .. ينظرون إلى المختار والدهشة والذهول في عيونهم.. كسر هذا الذهول والحزن صوت المختار: على جميع الرجال اصطحاب نسائهم وزوجاتهم الآن فورا، والتحرك جميعكم إلى بيت أم فاطمة، والبقاء جوار جثمانها الطاهر حتى الصباح، وليقمن النساء بواجب العزاء لثلاثة أيام متتالية..وستكون جنازتها وعزاءها وضريحها على نفقة المختار واعيان القرية لينالوا شرف المشاركة بواجب اقل ما يكون.. عرفانا للفضل العظيم الذي قامت به من اجلنا وأجيالنا القادمة..

نادي من بينهم الشيخ حسان قائلا: سأكون من أول المتبرعين بسخاء، ولولا خجلي منكم لأخذت على عاتقي كل التكاليف.. فوافقوه جميعا وبدئوا بالعودة إلى بيوتهم، منفذين ما قاله المختار من قول الصواب.

في الصباح .. كان البنائين يشيدون ضريحا في وسط بيتها، وتم تشييع جنازة أم فاطمة بعد صلاة الظهر بحشود غفيرة، حيث خرجت القرية عن بكرة أبيها، بشيبها وشبابها دون أن يتخلف احد، في جنازة مهيبة لم تعهدها القرية من قبل.. ووري جثمانها في ضريح وسط بيتها، ليصبح مزارا فيما بعد، يعمه أهل القرية، وكل القرى المجاورة جيلا بعد جيل.
 تمت -


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى