الأربعاء ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم كريمة الإبراهيمي

من كوابيس الوطن..

قطرات المطر تنزلق في صمت نحو أديم الأرض لتغسل شوارع المدينة الصاخبة التي لا تعرف الراحة على مدى الفصول..

أصوات تتعالى من الخارج، الفتيات يذرعن مساحات الحي الشاسع..كنتُ أقف إلى نافذة غرفتي المطلة على الطريق..أترقب مرور السيارات بشتى ألوانها وأنواعها..ملل يجتاح أعماقي..لا أدري لمَ يكدر المطر صفو نفسي الليلة مع أنني أعشقه..حلمي كان دوما أن أغني تحت المطر..

الصور التي شاهدتها أمس تصر على ملاحقتي..بكيت كثيرا لأجل هذا الوطن الذي يأكل أبناءه وبكيت لأنني أحبه..أشلاء الأطفال المتطايرة تملأ ذاكرتي أكثر كلما حدقت بالطريق أكثر..جثثهم المحترقة في حافة المدرسة تزيدني وجعا..

تتسمر نظراتي على تلك الشجرة التي تطل عليها غرفتي الصغيرة..لاشيء يستهويني وحتى أوراقي أراها رمادية اللون وكأنها عرفت ما أعانيه..

أحاول أن أداعب أوراقي الصامتة فأراها تتلون بالأحمر أبتعد عنها ورعب يملأ القلب..أمد يدي إلى جريدتي فإذا هي لا تحمل إلا أخبار الموت والدم..ينتابني خوف كبير وأنا أذكر قول أمي وهي تردد: أخاف عليكِ..وأخاف على أخيكِ أكثر..كل شيء صار يخيف في هذا الوطن..
تحمل أمي تلك البذلة-كنتُ أتمنى أن أرتديها ذات يوم-فقد كنتُ مسكونة بحلم فتاة شرطة..وغاب الحلم وأنا أرى الخوف ينمو كعلقم في عيني أمي..

يزحف الليل ليضم المدينة..لاشيء يبدد ظلام أغواري الضاربة في الظلمة، ولا شيء يقتل ذاك الألم المتسلل ببطء ليمحو كل لحظة حلم..وتعالت طلقات الرصاص تخترق سمعي..هرعتُ إلى باب غرفتي ووقفت بالرواق..كل الوجوه شاحبة..ضجيج لا يحد..وتوالت الطلقات..شعرت وكأنها تخترق جسدي..رأيت كل الفتيات يتمددن على الأرض خوفا من الإصابة بإحدى الرصاصات..ودون أن أدري فعلتُ مثلهن..مرت بمخيلتي صورة أمي وجدتي وجنود فرنسا يقتحمون عليهن البيت برشاشاتهم..ما أشبه اليوم بالأمس..لا يمكنني أن أصدق..أيحدث هذا بوطني؟.أيقظتني من حيرتي لكزة إحدى صديقاتي وهي تقول:انهضي لقد مضوا..كان اشتباكا كالعادة بين الشرطة وإرهابيين..

لا أدري كم من الوقت مر وأنا على تلك الحالة..عدت إلى غرفتي..امتدت يدي بعنف إلى الجريدة التي أمامي..مزقتها بعنف والدمع يغسل وجهي..ما صدقت يوما كوابيس المدن لكنني اللحظة أعيشها بكل كياني..ما أصعب أن تكتب تحت الرعب وتحب تحت الرعب..

في تلك الليلة حزنت كثيرا وأنا أذرف دمعا ..وحين اقترب الفجر رأيت فرحا ينمو بداخلي..وأدركت أن الحلم قد يضيع مرة لكنه لن ينتحر..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى