الثلاثاء ٥ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم أوس داوود يعقوب

قراءة في كتاب الثورة الفلسطينية في لبنان

الثورة الفلسطينية في لبنان (1972م – 1982م) كتابٌ وثائقيً، للشاعر والأكاديمي الفلسطيني الدكتور عز الدين المناصرة، الأستاذ في جامعة فيلادلفيا (الأردن)، صدر مؤخراً عن «دار الأهلية للنشر والتوزيع»، عمان. وهو يقع في خمسمائة وتسع وعشرين صفحة، من القطع الكبير، يغطيها صورة قديمة للمناصرة، وهو يرتدي الزي الفدائي الفلسطيني، وعبر فصول ستة، وثق (المناصرة)، لرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني، في لبنان، وما تلاها من أحداث مرتبطة. ليصل إلى نتيجة مفادها أن تفكك أوصال الدولة اللبنانية في الفترة، (1967م-1989م)، تمَّ بسبب (العامل الإسرائيلي)، الذي هو أكثر العوامل خطراً على لبنان، منذ عام 1948م وحتى الآن.

أمّا الأسباب الداخلية اللبنانية، فهي: (الصراع الطائفي)، و(الصراع الطبقي)، بسبب «صيغة 1943م»، غير العادلة. أمّا (العامل الفلسطيني)، فهو عاملٌ لا يمكن تجاهله، لكنه جاء كردّ فعل على تدمير المخيمات الفلسطينية: (جسر الباشا، ضبيَّة، وتل الزعتر) في بيروت الشرقية، التي دُمّرت ضمن مخطط استراتيجي (إسرائيلي)، يهدف إلى «الإبادة التدريجية» للشعب الفلسطيني، وإلى «تقسيم لبنان» إلى «كانتونات طائفية». وكان الهدف أيضاً، هو توريط الثورة الفلسطينية في الحرب الأهلية، التي انفجرت بسبب «مذبحة عين الرمّانة» الشهيرة، والتي ارتكبها «حزب الكتائب اللبناني».

مؤلف الكتاب الفدائي، والشاعر، والباحث، والناقد، والأكاديمي، المتحدرة أصوله من قرية بني نعيم الخليلية، يطلق عليه تحبباً ـ في الأوساط الفلسطينية ـ «المتطهر الثوري».

صدر له (11) ديواناً شعرياً، و(18) مؤلفاً في النقد والفكر والتاريخ، منها: «علم الشعريات»، و«الهويات والتعددية اللغوية»، و«السماء تغني»، و«موسوعة الفن التشكيلي الفلسطيني»، و«النقد الثقافي المقارن»، وآخرها «الثورة الفلسطينية في لبنان»، الذي نحن بصدد عرضه.
يحتوي الكتاب على ستة فصول، هي:

الفصل الأول: اللاجئون الفلسطينيون والمقاومة الفلسطينية في لبنان (1948م ـ1969 م).

الفصل الثاني: إيديولوجيا أحزاب اليمين الطائفي: الفكر الذي قاد إلى المذابح.

الفصل الثالث: عشّاق الرمل والمتاريس.

الفصل الرابع: مخيم (تل الزعتر (بيروت الشرقية.

الفصل الخامس: حصار بيروت، 1982م: خرجوا مرفوعي الرؤوس.

الفصل السادس: مذبحة اغتيال الشهود في مخيمي صبرا وشاتيلا.

محاولة أوّلية لكتابة «تاريخ الجماهير»

ثمانية وعشرون عاماً مضت على وقوف الشاعر الفدائي، عز الدين المناصرة، قبالة باخرة «شمس المتوسط»، اليونانية: ليسلم بندقيته، ويرحل عن بيروت، حين أشار الضابط اللبناني، إليه، قائلا لرئيسه: «سيدي لقد اكتمل العدد».

يقول (المناصرة) عن كتابه، في حوار له مع الصحفي الزميل توفيق عابد: اعتقدت أن كتابي «الثورة الفلسطينية في لبنان» يهم الجيل الذي عاش الثورة لكنني اكتشفت ـ حسب الناشر ـ أن معظم الذين اشتروه من الشباب الذين يريدون فهم تلك الفترة.

فابني «لطش» مسودة الكتاب واكتشف أنني كنت فدائياً فكان يمازحني بكلمة «خربتوها» والآن تريدون تلبيسنا إياها، لكنه حين قرأ الكتاب تغيرت وجهة نظره بأننا قاومنا بشرف لحماية لبنان من الخطر (الإسرائيلي) ومخيمات الفلسطينيين في معارك بطولية وزرعنا المقاومة في لبنان وتلقفها لبنانيون آخرون وورثوها ونحن سعيدون بذلك.

ويشير ناشر الكتاب في دار «الأهلية» على الغلاف الخلفي أنه في وقت خلا كان فيه المناصرة «الفلسطيني الأخير» من جموع الفدائيين المغادرين بيروت، بات، قبل أشهر، «الفلسطيني الأول» في التوثيق الشامل لوجود الثورة الفلسطينية في لبنان، بعد أن وُثقت المرحلة من قِبل لبنانيين و(إسرائيليين) وأجانب.

في مقدمة الكتاب، يقول الدكتور المناصرة:

لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية، مجموعةً من (كتلة الرموز القيادية)، التي تمحورت حولها وسائل الإعلام، على الرغم من أهمية دورها، بل كانت (م.ت.ف)، (فكرة شعبية جذَّابة متحركة) في جميع أنحاء العالم. تدور حول إيديولوجيا (اليسار القومي، والفلسطينية الوطنية). ولهذا، يقدّم هذا الكتاب محاولة أوّلية لكتابة «تاريخ الجماهير»، التي ساندت الثورة، وقدمت التضحيات والضحايا على الطريق الشاق الطويل، سواءٌ أكانوا من فقراء المخيمات، أم فقراء الريف الفلسطيني في المنفى، أم فقراء الحركة الوطنية اللبنانية.

ويشير (المؤلف) أن كتابه ينحصر في سرد «قصة الثورة الفلسطينية في لبنان» في الفترة (1972م – 1982م)، بايجابياتها، وسلبياتها، وبالتالي، لم يتعرَّض الكتاب، للكفاح (السياسي)، الذي مارسته قيادات الفصائل الفلسطينية، ومؤسسات الثورة، من أجل صدور قرارات فلسطينية، أو عربية، أو دولية لصالح الشعب الفلسطيني.

ويؤكد (المناصرة) أن الثورة الفلسطينية في لبنان كانت، تقاتل (إسرائيل)، والأحزاب الموالية لـ(إسرائيل) في لبنان، التي كانت تروّج لمقولة: (قوة لبنان في ضعفه !!). ولم تكن الثورة الفلسطينية، تقاتل المسيحيين، ولا الموارنة منهم. ولم تدخل الثورة الفلسطينية في (الحرب الأهلية) في عام 1976م، إلاّ بعد تدمير عدد من مخيمات اللاجئين في بيروت الشرقية: مخيم جسر الباشا، ومخيم ضبية والكرنتينا، والأخطر هو حصار وتدمير ثاني اكبر المخيمات آنذاك، (مخيم تل الزعتر). وكأنَّ هناك من كان يريد توريطها، حتى يتجمّد العمل الفدائي في جنوب لبنان ضدّ (إسرائيل). ومنذ مطلع عام 1977م، لم يكن للثورة، أية فاعلية في المجال اللبناني الداخلي، بل وجّهت فاعليتها الأساسية نحو الجنوب اللبناني، حيث الحدود.

وحول المنهجية التي اتبعها (المناصرة) في تحرير كتابه يقول: «لم يكن أمامي سوى استخدام ثلاثة أساليب مجتمعة: أسلوب المذكرات الشخصية، اسرد من خلالها، (ما أعرف)، كشاهد عيان، عاش تلك الأحداث، بل وانخرط في كثير منها كفاعل أصلي شعبي. أما الأسلوب الثاني، فهو الأسلوب الباحث عن الحقيقة، من خلال الكتب والوثائق، لأن كثيراً من الأحداث في زمن حدوثها، كانت غامضة بالنسبة إلينا ولكثيرين. وقد صدرت لاحقاً كتبٌ كثيرة من وجهة نظر لبنانية خالصة، أو من وجهة نظر (إسرائيلية)، وقد حاولت الاستفادة من بعضها من وجهة نظر فلسطينية. وهناك كتب أكاديمية صدرت تدّعى الموضوعية !!، لكنها لم تكن كذلك. أما الأسلوب الثالث، فهو محاولة الربط والتحليل، ما أمكن ذلك. لقد قمت بالمزج بين الأساليب الثلاثة».

ويسجل (المؤلف) في مقدمة الكتاب ملاحظة مفادها: أنّ أحد أبواب هذا الكتاب، كان قد صدر في كتاب مستقل في (تشرين الثاني/ نوفمبر 1976م)، أي في نهاية « حرب السنتين»، تحت عنوان «عشاق الرمل والمتاريس»، ويومها أثار ضجة كبرى، بسبب صدور قرار من الراحل ياسر عرفات، بمصادرته، ومنع توزيعه، حيث كان أوّل كتاب، يتعرض للمنع في تاريخ الثورة الفلسطينية، وكان السبب الرئيس للمنع، كما قال عرفات، لاحقاً، هو وصف الحرب الأهلية الفلسطينية، بأنها (حرب قذرة!) !!، حيث ورد هذا الوصف أربع مرات في الكتاب.

ويخبرنا (المناصرة) أنّ الحرب الأهلية اللبنانية (1975م –1989م)، «حدثت، عندما أراد (حزب الكتائب)، وضع يده على السلطة، فدمّر لبنان، وتقهقر، لذلك لا أوافق على مصطلح حرب الآخرين» – كما قال العميد ريمون ادّه ، (جريدة الحياة، 24/04/1998م). أو قول سمير قصير: « العناصر المحرّكة للأزمة، كانت تكمن بالدرجة الأولى في التناقضات الداخلية اللبنانية، دون إلغاء العامل الفلسطيني»: (حرب لبنان ص: 113).

لقد كان (الإسرائيليون)، هم اللاعب الأكبر في لبنان، سواءٌ بتفجير الحرب، أو تواصلها حتى مطلع التسعينات. والأدلة كثيرة، حيث كان الهدف هو «الإبادة التدريجية» ضدّ الشعب الفلسطيني، إضافة إلى هدف «تقسيم لبنان».

وحشية المحتل وغدر الشركاء

يلاحظ قارئ الكتاب أن الصبغة الأكاديمية والتوثيقية البحتة، غلبت على الفصلين: الأول، والثاني، حيث يستعرض (المناصرة)، بالتواريخ الدقيقة، تآمر الطائفة المارونية، مع فرنسا، ضد عروبة لبنان، بداية، ثم مع رؤوس الكيان الصهيوني، رافعين، وإياهم، شعار: «دولة يهودية في فلسطين ، ودولة مارونية في لبنان».

وفي هذين الفصلين، يسعى (المؤلف)، إلى تأكيد عدم رغبة الثورة الفلسطينية، حينها، في زج نفسها في الصراع اللبناني الداخلي، لولا أن الكتائب المارونية فرضت عليها ذلك، حين دمرت مخيم تل الزعتر، وجعلت من الفلسطينيين ـ في أكثر من مرة ـ كبش فداء، للاستقواء أمام المجتمع اللبناني والدولي، مستعيناً ـ إلى جانب الوثائق التاريخية ـ بشهادات مارونية تلت المجازر ضد الفلسطينيين، بسنوات ، كاعترافات جوزيف أبو خليل، عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب، عام 1990م، بالعلاقة مع (إسرائيل)، خلال الحرب الأهلية.

«عشاق الرمل والمتاريس»، هو عنوان الفصل الثالث، وقد كُتًبَ في مرحلة عمرية مبكرة للمناصرة ـ كما نوه المؤلف لذلك ـ يومها، لم تكن المأساة، بعد، تغلغلت، في نفسه، إلى الحد الذي كتب فيه، لاحقاً، لا سيما توثيقه المجازر. لكل شيء معنى حميم وخاص، حين كانت آمال الفلسطينيين ما تزال مرتبطة بالمقاومة، والعمل الفدائي.

وفي هذا الفصل يحصي (المناصرة)، أسماء رفاقه الذين كانوا يتساقطون أمام عينيه، الواحد تلو الآخر، والذين كان يتحدث عن بطولتهم، وآلامهم، وطرائفهم و«تشبيحهم»، كما يحب أن يصف بعضهم، في مرات. تحدث عن زواج فدائيين وفدائيات، خلف متاريسهم، التي كانوا يرابطون خلفها.

ومن أكثر ما يلفت النظر، في سردية (المؤلف) للتفاصيل الفلسطينية، على مستوى الفدائيين، والقادة، والعامة، أيضاً، هو تداخل الفصائل الفلسطينية إلى حد لم يحسم فيه البعض، حتى اليوم، لأي فصيل مقاوم كان ينتمي، بالتحديد.

كل الفصائل كانت تختلف، في مرات، بيد أنها كانت تتخندق، معاً، في حال مقاومة قوات الكتائب، أو (الإسرائيليين)، أو الإثنين، معاً ... تظهر هذه الحقيقة، مبطنة، من خلال المواقف التي يستعرضها (المناصرة)، في كل فصول كتابه، وإن كان يشكو صعوبة أن تكون «فلسطينياً مستقلاً»، كما حرص هو، دوماً، حين كان يصر على انتمائه إلى منظمة التحرير، لا إلى فصيل بعينه، وكذلك حين كان يصر على فصل الثقافة عن السياسة، كما حدث ـ ذات مرة ـ حين علّق على توصية عرفات بنشر قصيدة رديئة، لشخص ما، بقوله: «الأخ أبو عمار.. القصيدة ليست شيكاً، ليُصرف».

الفصل الرابع كان عن «مخيم تل الزعتر، (بيروت الشرقية)»، الذي اقتبس له شهادات عدة، يقف أمامها القارئ بفجيعة من يرى المأساة ذاتها تتكرر، منذ النكبة، مروراً بالمجازر، وليس انتهاء بالمذابح التي تعرض لها قطاع غزة، قبل مدة، من بينها شهادة طفلة ناجية، اسمها رندا الدوخي، استشهدت عائلتها، وقالت: «كنا نجد الماء ممتزجاً بالدم، فنضطر لغليه، من أجل أن نشرب. وكنا نشاهد القطط، وهي تلتهم جثث الآدميين. كانت تلك القطط قد أصبحت سمينة، وتحولت إلى مصدر خطر».

استطاع (المناصرة) تبديد أي لبس حول مجزرة مخيم تل الزعتر، وما تلاها، من تداعيات، حول بلدة الدامور، وحول المدرسة التي أمسك بإدارتها، هناك، بناء على طلب عرفات، ليُدافع عما طالها من اتهامات، من قًبل الكتائب و(الإسرائيليين) والصحافة الأجنبية، وفي مقدَّمَتها وصف الصحفي البريطاني «روبرت فيسك» بأنها كانت ثكنة عسكرية ومعسكر تدريب للأشبال.
ويدرج (المؤلف) محاولة اغتياله، في صوفيا، ضمن فصل «تل الزعتر»: إذ رحل إلى هناك لنيل درجة الدكتوراه ، بعد أن استقال من منصبه مديراً لمدرسة أطفال تل الزعتر، في الدامور، بعد اشتراط الأونروا اعتماد المدرسة أن يكون مديرها ضمن طاقمهم، ويعود، عقب ذلك، ليكون شاهداً على حصار بيروت، واجتياحها، في عام 1982م.

في فصل «حصار بيروت»، يسرد (المناصرة)، بالتواريخ والحقائق، دفاع الفلسطينيين المستميت، عن بيروت، مراراً، ليتحدث عن جرائم الحرب (الإسرائيلية)، في حصار بيروت واجتياحها، وليستعرض إرهاصات خروج الفدائيين الفلسطينيين من بيروت.

ويعلن (المناصرة) في كتابه استياءه من عدم تدارس منظمة التحرير الفلسطينية الأخطاء التي شابت حقبة العمل الفدائي، في لبنان، مستعرضاً تحليله لها في محاور عدة: أخطاء عشائرية، وأخرى بيروقراطية وعسكرية، وأخرى ترتبط بالفساد، تماماً، كما ينتقد ـ في فصل الكتاب الأخير، عن مجزرة صبرا وشاتيلا ـ عدم صدور أي تقرير رسمي، أو تشكيل أية لجنة تحقيق، في المجزرة، من قًبل منظمة التحرير الفلسطينية.

يكتسب كتاب «الثورة الفلسطينية في لبنان»(1972م – 1982م)، قيّمته و فرادته الخاصة لكونه ـ من ناحية ـ مزج بين أسلوب السرد القصصي الممتع، والوثائق، والمذكرات الشخصية، حيث كان المؤلف، شاهداً، وشريكاً أحياناً في هذه الأحداث. ومن ـ ناحية ثانية ـ لأن مضمونه لا يتحامل على الثورة، والعمل الفدائي، كما لا يجنح (المؤلف) نحو «الشعاراتية» ونصرة الأخ، ظالماً أو مظلوماً، ولا بمنطق فصائلي يؤمن أن تنظيماً، بعينه، يشكل الفرقة الناجية.. إلى جانب دقته الشديدة، في توثيق المعلومات، بالتواريخ، والأرقام.


مشاركة منتدى

  • عزالدين المناصرة ... هو شاعر عربي شهير وناقد كبير - وهو أيضا - ( صانع تاريخ ) أي أنه شريك في صنع الثورة الفلسطينية 1964-1982 . ولم يكن مجرد صحافي يتابع الأحداث. أما كتابه هذا فهو ( أول كتاب عن الثورة الفلسطينية في لبنان ) صدر عام 2010 عن الدار الأهلية بعمان. ولم ينصف هذا الشاعر الفلسطيني حتى اليوم بسبب معارضته لاتفاق أوسلو.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى