الاثنين ١١ تموز (يوليو) ٢٠١١

أين يخبئ السَّماويُّ كنوزه؟!

بلقيس الملحم

يحدث أن تُباغتك عبارة فتُصعِّد من زفيرك، إلآ أنها تعود لتدهشك مرة أخرى وبنفس الشعور إن تجرَّأت وعاودتَّ قراءتها، حيث ينساب أنين القلب ووجع الذات. يحدث هذا فقط بصحبة نصوص المُسمَّى بـ «أنيس الروح» وحين أنسب لأبي الشاعر يحيى السماوي ذلك الإعجاز، فأنا أنسبه بوثوق المضطر في استجابة الله وسماع ندائه. فالمعجز في شعره أن الولادة التي يتأمَّلها القارئ نهاية النص ما هي في الحقيقة إلاَّ ولادة مستحيلة! فمخاض الجمال يزداد صعوبة كلما انتفخ الرَّحم, مما يجعل النص نفسه يتمنى عدم رؤية النور آخر النفق!!

وهنا لا ينفع المتلقي صدى صوته المستغيث ولا حبال المنقذين..

وبين نداء الإستغاثة للهروب من سياط الإبهار والتشبث بخيط ماء، تسكب بعض الحناجر حبرها على ورق خجول، مُسبرة برؤاها أعماق ذلك الكائن السماوي الغريب، فاتحة مغاليق تلك التجربة الفذَّة، محاولة التقاط قمح الصور المثيرة في موحيات خطابه الشعري. إلاَّ أنها تدخل صامتة وتخرج صامتة!

فقرْن الثور يُعرّج على مرايا النهر، وقافلة الشموس تزحف القهقرى أمام توقد الحب، بثلج أرعب رغيف الدموع، فقرر إمساك دمعه وإغماض عينيه.

ذلك أن السماوي يبتكر أشكالا جديدة للأنثى، وأسلوبا أكثر غرابة لبدعة البكاء في حضرة البوح، وأسماء للوطن المذبوح الذي ورد ذكره ربما في اللوح المحفوظ. هو من يجعل الوردة ترتبك دون أن نعرف لماذا رغم ذكره للسبب جليا، مما يدفع قلوبنا للسير في مهمة معتمة الدرب وهو يُساقينا بابتسامته يبادلنا دور المبهور من جَلَدِ بحثنا. نرتوي قليلا متأبطين الضوء، وحين يلوِّح لنا بمُغتسل الفجر نكون قد أضعنا أقدامنا التي باتت تفتِّـش عن حذاء يؤويها، أو عن ربابة تؤنس شفاهها المُخاطة بالحمَّى.

هو الذي لا يستنسخ الأسئلة، ولا الدم المعصور المكرَّر. هو يصغّـر الخريف بقصيدتين ويكبّـر الربيع بزهرتين. لذا حين يهزُّ فسيلته، فإن ظنون الأرض تنشطر عن كنز آخر..

هكذا نحسبه في الأرض، بينما ربما يكون في كفِّ أعمى عاش منذ ملايين السنين يخدم في زقُّورة الناصرية، أو كان مختبئا بين نهدي فتاة ترضع الفاكهة ببطء، أو في ثقب ناي لملَك بات لربه قائما ساجدا، أو قصة عشق لموت صغير الأجل. أو في مسقط رأس القُبلة التي اغتالوها برصاص طائش. أو في فخَّار مكسور لقلب استفاق على انسكاب الماء.

والآن.. من أين لنا أن نأتي بالفطام؟ وجدار الرجل الستِّيني بات ظِلَُّنا الوحيد. كيف لنا أن نقاوم وجه العصفور لو أضاع أمه وسط العظام! كيف ننفصل عن أجسادنا التي ذاقت طعم العناق؟ أننحت من عيوننا النجوم؟ أم نركع للهوى ونحن بعد، عدمٌ في رحِمه؟ وجوهنا لا تسكت عن العرق، وخيالنا لا يملُّ عن ضرب الأخماس بالأسداس.

أيها السماوي الأخضر. مملكة أنت للضياع..

وما أنا هنا إلآ قافلة من شعب الهائمين في واديك. أنا لا أغبط ناقدا تناول نصوصك بالإبرة والمعول والسهر الطويل، لكن يؤلمني توجع ذائقته وهو من أطال رحلته وأنهكه البحث في فتح أسفارك الطوية مع الشجن الاغترابي الموصوف باللاموصوف.

كم هو شقي من يورِّط قلمه، يظنُّه نصلا بارزا فيُحلِّلك شخصية وشعرا.

عطفا لا أمرا أقول له: ضع سيف قلمك، دعه يستسلم فرهان الفوز بكنوزه خاسر، وافتح نافذة غرفتك لتدخن الكثير من السجائر. أليس هو من قال:

أموت وفي نفسي شيء منه!

بلقيس الملحم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى