السبت ١٦ تموز (يوليو) ٢٠١١
صدور الطبعة الثانية من ديوان:
بقلم سامي العامري

السكسفون المُجَنَّح

توطئة

قصائد ونصوص هذه المجموعة كُتبتْ عِبر سنوات من حياة بوهيمية لم تخلُ من حرارة وجمال وعمق رغم الأسى والفقر وكوابيس الحرب ولهذه المجموعة مكانة خاصة في روحي لأسباب عديدة، منها أنها ديواني البكر الذي لم أستطع طبعه حتى بلغتُ الرابعة والأربعين ومنها أنني حاولت فيه التوليف بين شعر التفعيلة والنص النثري في مرحلة كان فيها شعر التفعيلة في أوج صراعه مع ما سمي بقصيدة النثر، هذا الصراع الذي - بتقديري - لم يَخُضْ فيه ببراعة وحكمة وإفحام منقطع النظير كما خاض الشاعر والناقد فوزي كريم في كتابه النقدي الفذ (ثياب الإمبراطور) وكذلك لديواني هذا قيمة خاصة في روحي لأنه أتى والعالم يحزم أمتعته للإنتقال الجدِّي من بيت الآجر والقرميد والطابوق إلى بيت العنكبوت! وأعني الشبكة العنكبوتية وكذلك فنصوص الديوان هذه هي آخر ما أرسلتُ للنشر في الصحافة الورقية إذ نشرتُ أغلب قصائد المجموعة في مجلات أدبية ثقافية كمجلة الإغتراب الأدبي للشاعر صلاح نيازي ومجلة اللحظة الشعرية للشاعر فوزي كريم ومجلة الثقافة الجديدة ومجلة الناقد اللبنانية وغيرها من المجلات والصحف التي كانت تصدر في المغتربات وهناك أمر آخر فقد حصلت عدة أخطاء طباعية في الطبعة الأولى مما أربك بعض المعاني المتوخاة ونظراً لهذه الأسباب وغيرها رأيت أن أعيد طباعته ولا يفوتني هنا أن أشير للشاعرين الكبيرين اللذين غادرا العراق إلى إيران في نفس الفترة التي غاردتُ أنا وهما جمال مصطفى وحميد العقابي وفضلهما الكبير في تقويم قصائدي ونصوصي هذه فقد كنت أرسلها لهما بالبريد من ألمانيا إلى الدانمارك حيث يقيمان وكانا يردان عليّ بكل كرم ولطف وصبر حيث لم يكن لي هنا في ألمانيا صديق واحد من الشعراء!
وبما أن نادي الرافدين في برلين سيقيم لي في الفترة القادمة حفل توقيع كتاب أقدّم من خلاله مجموعاتي الشعرية الأربع ورواية: حديث مع ربة الشفاء، والمجموعة القصصية: النهر الأول قبل الميلاد وأتحدث عن ظروف تأليفها وعن الشعر والوطن والمغترَب، فقد وجدتُ من المفيد أن أنشر هذه المجموعة في الإنترنيت وبقية المؤلفات تباعاً...
مع الشكر الجزيل للجميع.

المجموعة الشعرية الأولى

السكسفون المُجَنَّح

بوهيميا الحَمام
*** *** ***

- 1 -
نهراً بجنحٍ من أزاهيرٍ
جناحي يستطيلْ،
غجراً بفوضى اللونِ
ينتشرون ما انتشر
الهديلْ
.
- 2 -
قمرٌ ولكن ليتَهُ جيرانُنا،
جيرانُنا نأيُ الحَمامِ
ولاتَ حين نوافذٍ
غيرُ المُدام !
 
- 3 -
متحمسونَ
فكانَ في الأمداء مسعى
لكنما البحرُ الذي ركبوُهُ
- لايدرون -
ضَمَّتهُ العواصفُ
طار
طار
كثوب أفعى !
 
الثلاثاء
***
 
- 1 -
ماذا إذا عَبَروا التخومْ
مِن دائرينَ
وجنَبهُمْ لوحٌ بهِ
أوقاتُ إقلاع الغيوم؟
 
- 2 -
النخلُ في الأفق الخَضيلْ
رَبٌّ
أطاحَ
بهِ
الهديلْ !
 
- 3 -
صيفٌ … رصاصْ
مُدُنٌ … رصاصْ
هذا الرصاصُ
أراه مزروعاً على جسدي
ثقوباً فوقَ نايْ !
 
سباق الخيل والعَبَراتْ
*** *** ***
 
هل أطلعَ القصبُ الإوَزَّ
على طوّية قاربي حتى يضجَّ؟
ولو دعتني النفسُ
أوقفتُ القواربَ كي تراني،
لو دعتني الريح
طوّرتُ الحكايةَ،
قلتُ: إني سابحٌ،
بيدي زمامُ الضفَّتينِ
فلا أهاب وشايةً
من طحلبٍ ضَجِرٍ
ولا ترنيمةً من معزفٍ عَطِرٍ
ولا حتى السنابلَ
وهي تترك جَذْرها يقفو دمائي
إنه شَغَبي النخيليُّ المدى
إنْ تلغِهِ يفرشْ سجاجيدَ الشظايا،
تفتقدْكَ هداهدُ القمر الشرود
مع الصدى
فاليكَ عنك
وسِرْ اليَّ
وليس عنواني سوى...
إِلاّ...
عدا
كَلَّ النواعير الغريقة،
كلَّ حرفٍ ضَلَّ ذاكرتي
فطوَّبَهُ فراتُكَ عاقلاً
لا يستعيرُ مسلَّة الصبواتِ،
دمْلَجَهُ غيابُكَ بالصدأْ
حتى ابتدأْ...
يرتاب،
ترجع صبوتي ورقاءَ كالأحزان،
غصنٌ لا تني
رئتي تفاتِحُهُ برفّات اليمام
وكيف تقتبس الشموعُ ضياءَها
من جمر قلبي
كنتُ حتى قبل ساحاتٍ
أُجيدُ الذكرياتِ
فلا أسير إلى ملاكٍ
لا يُرى بالعين والشرفات
حتى فاض نهر القافياتِ
وليتها قيلولةٌ في القاع
ثم تفيض كأسي...
قلتُ: كنتُ مخضرمَ العَبَراتِ
مقتدياً بخيلكَ
فأنتهيتُ لأرضِ فارسَ
ساكباً دمي والقناديل َ
احتراقي السرمديُّ أضاءَ طهراناً
فاعطيتُ الامانَ لكلّ ساعٍ،
طُفْتُ ( مَشْهدَ )
في القرون المعتماتِ
وكلُّ عينٍ مثل عيني
ليس يملأها سوى حلمٍ
تكاد الشام لا تنساهُ
ثم ابتاعنا
والغرب حاضرةٌ تكرَّمَ دربُها
فأضاعنا !
وأضاعَ سرباً من منافي
ينبيكَ ما لاقى كفافي
أفكان زالْ؟
أفذاك فاوستُ المخلَّدُ
حيث لا حجرٌ ولا تمثالْ؟
وعلقتُ ثانيةً بأهداب السؤالْ
ورأيتُ ثََمَّ اللهْ
وسمعتُ ثَمَّ اللهْ
وشَممِتُ ثم الموتَ زهراً يانعاً
يمشي فيتبعُهُ نداه ْ
لو أيقظ الامواتَ بالباقاتِ
أطفالٌ حيارى في المدينهْ
لَسَمَتْ بلادُ النهر
حيث النهر بحرٌ لم يزل فَي المهدِ
ساعاتٌ...
وتسبح قامةُ الصبح الحزينهْ
من طارحٍ عنها السُّرى
ومطارح العشاق
عطراً
كي يغازَلَهُ مغازلةً ضَروسْ
أو واحةً لعبتْ على ريحانها
خُضرُ النفوسْ
وتَزَيَّنَتْ للطير ساقيةٌ !
فهل أنا كاتبٌ حقاً دواري الحلوَ
أم حزني المُعرّى؟
ليس الفراش’ جميع ما يخفي الهواء
وراء غابتهِِ الشفيفة
فالظباءُ تطلُّ عصرا
وكأنَّ منضدي بَرارٍ
وأنتظرتُ ظباءَها
شعراً يمُتُّ إلى النساء بغبطةٍ
والى مدائنَ - لم يشاهدْها -
بذكرى
شعراً يمتُّ إلى العراقِ بدجلةٍ
والحربُ تلوَ الحربِ تترى
أنا قادمٌ حزناً
وهم يتهامسونْ
مازلتُ أسمعهم
وها هو ذا النهار
والحقل يلغط بالخضار،
سمعتهم يتهامسون،
عرفتُ ما قد سوّلتْ
لهم الحجارةُ
إنهم ينوون رجم القادمَ التالي
وما فيَ الدرب غيري أنا
وغير بقيةٍ من بعض شيءٍ
لستُ أعرف كُنْهَهُ
أدعوك من قلقٍ إذنْ
أدعوك لقِّنّي الرمالَ وعثرةَ الأجيالِ
لا تتركْ هضابا
إلاّ وسيَّرْها سحابا !
وأنا هنا أدعو السراب وإنما
أدعو لقُاهُ لِما تعشَّقَ فيه
من دُرر المحارْ
أدعو اليك حمامةً بيضاءَ من فرط النهارْ
أدعو اليك مقامتي الأولى
وهل رئةٌ كما ضفةٍ؟
وهل ضفةٌ كما وترٍ؟
وهل أدراك ما أدراكَ؟
أملينا الجراحَ على الطفولةِ،
تستعيدك حيث تحنو
والزنابقُ حالماتٌ بانقضاض فراشةٍ !
هذي شظايا من أقاصيصٍ
تمنُّ بها الرياحُ على شراع المُبْعَدَينَ
فراحَ يغرقُ ,
تضحك الأسماكُ
وهي تدُلُّ غارقَنا على أفقٍ
نما في القاعِ
حتى لم يعدْ في الوسع إصغاءٌ لناي !
بيني وبينك صيحةً خطروا
تجاه الموت والمجهولِ
ملءَ أناهمُ يهوون،
مِلءَ أناكَ
مِلءَ أنايْ
هم طالعون من ارتعاشاتِ الغلالْ
أسماؤهم أدواؤهم ْ
وجنانُهم حرمانُهم ْ
ورياضُهم أنقاضهم ْ
إن كان موعدُنا غداً صبحاً
فانّ الضوء سالْ
أفلستَ رُبّاناً......؟
تعالْ !
 
رايةٌ مُغْمَضةٌ
*** *** ***
لا شفاءَ للَهِّم المعتَّقِ
واقفاً أسير على
غير هدىً،
كجناحٍ معتصمٍ في طيّات مرفأٍ
وَعِبْرَ هانوفر ما !
هامبورغ ما !
أسير مصطحباً خطاي لا غير
ساعتي تُشير إليّ وأربعين دقيقةً
خطاي، خطاي المثابرة على اليأس !
مئات الأفكار خطرتْ ببالي
في المسافة القصيرة ما بين بيتي
وبين السوق،
ليت نقودي بعدد أفكاري
فأشتري ما أشاء من صناديق النبيذ !
 
ميقات الثمر
*** *** ***
 
في هذا القلبِ، تشبُّ النارْ
وتشبُّ النارْ
في هذي الدارِ
تركتُ الدارْ
تصّاعَدُ منها ألسنةٌ من أزهارْ
أزهارِ الحبِّ
وأسرابُ حمائمَ حائمةٍ
أدْهَشَها اللحنُ الهامي
من أنباضِ الينبوعْ
وانداحت مرآةٌ عند ضباب الأفق
فيعدو الناسَ
وتّسابقُ والغزلانَ
فلولُ الغيم
فألمحُ قلبي المشبوبَ يُشعُّ
ووسط النار يضوعْ
أقنعةٌ تسقطُ،
أسماءٌ تتداعى
لا يمكثُ إلاّ عُشٌّ مبنيٌّ
من رفرفةٍ وصداحْ
لا تمكث إلاّ الذكرى في الساحْ:
كان البلبل فوق التينةِ
يتعجَّل ميقاتَ الثمرِ
وكان صحابي
يعنيهم ما يخفي وأخفي،
كُنّا كصديقين.
على ضفةٍ سائرةٍ
كَبُرَتْ ذكراها
فلثمتُ صداها
وسعيتُ الى طاولةٍ
مُثْخَنَةٍ بالأقداح !
 
حزن يجهله القاموس
*** *** ***
 
ما قاد دماءَكَ للشعرِ؟
أَدبيبُ الخمرِ
أم أعماقٌ تلمَسُها
في آناءِ الليل وأطرافِ الفجرِ؟
أم خيباتُ الحبِّ !؟
أم لحظاتُ خيار صعبِ؟
أم خوفٌ مِنْ وعلى وطنٍ مَغتَصَبِ؟
أم أخطاءْ؟
أم كِْبرٌ وإباءْ؟
أنا محزونٌ منذ نعومة أشعاري
في قلبي الحالم بالثورةِ
يكمن حزنُ
جميع الأشياءْ
يجهلهُ القاموسْ
حزنٌ يوقف بندولَ الفانوسْ !
 
ذرَّة الشعراء
*** *** ***
المرض والجوع
فعلان مساعدان
ولكن على الغضب حَدَّ الذَرَّةِ
فأين هي ذَرّةُ الشعراء؟
لو كان بيدي سيفٌ
لشطرتُ القمرَ إلى نصفين
والنصفين إلى أربعة
والأربعة إلى ثمانية
والثمانية إلى ستة عشر
والستة عشر إلى ملايين الدموع
تضامناً مع أطفال النخيل.
 
أنجم ٌ كالجروح الطرّية
*** *** ***
 
إنها الحرب تغلي
ولا سامعٌ يسمعُ
ولا نسمةٌ تلمعُ
سوى سنوات المحال الثماني
وأخرى تلتها
وأخرى غداً تتبعُ
فعلى أيِّ لحنٍ
تودّعُ أشياؤنا أرضَها النَيِّرهْ؟
وكيف تُصلّي
ووجهُكَ ولّيتَهُ صوبَ دجلةَ
هل تصطفي قِبلةً سائرهْ؟
أنجمٌ كالجروحَ الطرّية تقطر،
أدمعُها الحمرُ تهطل كالشذراتِ
كدمعي وما أكثرَهْ !
أَعنّي
فاني وأَيمِ الشوارعِ في بوحها والمعابرْ
وأيمِ العذاباتِ
لاقطةً حَبَّها حيث جاع المسافرْ.
تخلّلْتُ جرحَكَ
باباً فَبابْ
فانتهيتُ الى أُفُقٍ قد سما
فاذا بَجَعٌ هالني صاعداً للسحابْ
بجعٌ يتهاوى بمرج الدخانِ
على حين غَرَّهْ
فيلفظ أنفاسَهُ دُرَّةً بعدَ دُرَّهْ !
 
جذورٌ شاهقة
*** *** ***
 
وراءَ البابِ
يُقعي الليلُ
يَنشد رؤية الأسرارِ،
يا ليلاً ضبابيّاً،
ليلبسْ قلبُك المنهوكُ
نظّاراتِ ساحرةٍ
ولو حلمي شراعٌ راجعٌ
بالغَمْر نحو بدايةٍ أُخرى،
قِفا نَمضِ........
وكانَ دمي الدليلَ بعتمةِ المسرى
وكنتَ سألتني
عمّا دعا الأشجارَ للإقرار بالظمأَ الكبير
فَرُحتُ الصقُ غيمةً بالصمغ
في أفقٍ يشير الى مغيب الشرقِ،
أعبرُ قامتي،
تجتازني الأسوار
كُنتُ سأمتُها
في كل طور كُنْتُهُ:
سكرانَ أم يقظانَ أم ما بينَ بينَ !
ومثلما وترٌ هو الشريانُ
أعزفُ صبوتين عليه
أعزف عالماً بأصابع الغابهْ
 
مساجلة على باب غرناطة
*** *** ***
 
قد طابَ للأمير والقُوّاد
أنْ يحلموا،
أنْ يكتبوا،
أنْ يخرجوا من أطوارهم،
من باب عُشِّ الببغاءْ
وللجواري أنْ يرينَ الطفلَ
في همهمةِ الريحِ
كمرعى بسمةٍ بريّةٍ مُسْتَفْسِرَهْ
وكلُّ هذا كانْ
تزاوجَ الخفافيشْ
في الظلمةِ الطاهرهْ !
ها إنهم يرحلونْ
والشاعر الليلةَ يرتجفْ
ويرقب الراحلينْ
آمالهم عريضةٌ كالطبولْ
وحين عاد الشتاءْ
ماذا وعى الشاعرْ؟
تناثرتْ اشلاؤهُ
كختمةٍ شمعية حمراءْ
تغلق بابَ النملْ
غرناطةٌ
غرناطةٌ
لو أنهم أدركوا ما الجرح
الذي يبني دم الشاعرْ
لكنما
لكنما
لن تثقبَ الأحلامُ أقواسَ السحاب
عاد كذا الاميرُ
مسرورَ الدُمى
وضاحكاً وعارياً
وضاجع القاتلَ والمقتولْ
وحَدَّثَ الناسَ عن الفِراشْ
ووحدةَ الفصولْ
لا تنصح الشاعرَ بالقفزِ من الأسوارْ
لا تنصحِ الاميرَ بالعدولْ... !
 
صيغة تفضيل
*** *** ***
أنقى من الهواء
دخانُ طاغيةٍ
يحترق.
 
حكاية قلم
*** ***
 
فَرَّ لوركا
بعدما راموهُ شحّاذاً بعُرْسِهْ
ثمّ في الحانةِ قد ماتَ
مُسيحاً قَلَقَهْ
فتذكّرتُ بأنَ القلمَ
اصطفَّ مع القاتل
فاستأذنتُ لعناتي
لأبدو خارجاً مني
أنا مَن كنتُ رَحمَ الورقَهْ !
 
آخر القطاف
*** ***
 
أعوامٌ بلا مفاجآتٍ
أزفرها تجاه سماء تموز الصافيه.
في ذهني مراكب صيدٍ
وخمرٌ وتبوغ
حيث تتبدّد على مدِّ البَصَر
جزرٌ حمراء كقطرات دمٍ
لطائر بحريٍّ جريحٍ
وغيمةٌ تأتي من بعيدٍ،
تهبط لتتزوّد بالماء والأسماك
وقد تستريح ليلةً
وفي اليوم التالي
أوْدِعُها بعضَ غربتي لتواصل السفر.
أناَ البحّار الخاسر
خسرتُ المرأة
ومن قبلُ اكتشفتُ زيفَ الصديق
وها انا أوشك أنْ أخسر الوطن !
 
الصباح يتبعني على رؤوس الأصابع
*** *** *** *** ***
نائمون
سوى عاهرات الطريق
يضاجعن أعمدة الكهرباء،
وما هي إلاّ تناول شايٍ
وردَّدَ ثغرُ الصباحِ
سعالَ العصافير،
والليل بقّالْ
يُلَمْلِمُ كلَّ النجوم ويوصد أبوابَهُ
ها أنا في الدروب،
تفحَّمَ وجهي بصوت الغُراب المسافر توّاً !
وفي النهر أرمي حَصىً
فتنمو الدوائرُ في النهر كالطاولات
ومن زهرةٍ في الضفاف لأخرى
يطير الندى حشراتٍ صغيرهْ
ولكن أنا
مَن يكون شهيداً بوقعٍ كهذا
إلى أين
بل فيمَ أصهر وقتي؟
تطاولتُ،
أغمرُ كلاًّ
بخُصلات صوتي !
 
إنعتاق
***
قلبي
لمّا تزَلْ سيّداً للكآبةِ
إني سأرميك في ( سانت باولي )
مقاطعةِ العاهراتْ
فقد يحسبونك سِّيدَ قومٍ
فتمسي سعيداً
وأمضي انا دون قلبٍ
لعلّي أحسُّ - ولو لحظةً - طعمَ هذي الحياةْ !
-----------------

سانت باولي: إحدى ضواحي مدينة هامبورغ (*)

بكاء
***
- 1 -
قلبي يبكي منذ نعومةِ أَضفارهْ !
كانَ المرجوُّ
هو البحث عن المصباح السحريِّ
ولقد شاركني الرأيَ الصيادونَ
فَهُمُ أيضاً ماعادوا يثنون على البحر !
 
- 2 -
أَتَذَكّرُ
أتذكّرُ
لكنَّ قطرات دمعي المتساقطة
حاذقةٌ في العزف
على البيانو !
 
أنامل رعوية
*** ***
 
لم يكن لسفينة مِلحٍ
أن تلاحق غيوماًَ عذبة.
عطر الأوراد رغم الدماء
كان موغلاً في تفتّحِهِ
والنخلاتُ نافورات ماءٍ أخضر
كمدىً يتوسّدُهُ رحيلُ يمام
وعلى هذه الدوحة بالأمس
أناملُ رعويةٌ
رأيتُ إليها
فقلتُ: يا شوقُ،
فاكهةً تعال نسمع
وتعالَ نشمُّ نواقيس
كُنْ حُرَّاً كرؤىً في مهجةِ تمثالْ
 
قبل نحو ثلاث قلاعٍ
*** *** ***
 
دفعتُ ظلالي أشرعةً
كان صوتي يطوي ممالكها
والمهالك مزدهرهْ
ربما إنني الطفلُ
همتُ بها قبل أن تُنهيَ العدَّ للعاشرهْ !
قال: ها هي تعبر دونكَ ,
ثم انبريتُ لافتحَ بعضَ الرسائل
بحثاً عن الأوجه العابرهْ
ومن ثم المح’ مليون عينٍ مسافرة في الهواء
راح يرتعش الخيزرانْ
وتخفق في الكأس أعماقُ مرجانْ
ويُقتل انسانْ !
قبل نحو ثلاث قلاعٍ
ترفُّ عليها اللّقالقُ
أشرعةً من غيومٍ تُشعُّ
اعتصمتُ بهاويةٍ،
كنتُ أَملّتُ
لا أعرف المنتهى
غير أني خلعتُ السكينهْ
مبتدئاً بالبكاء
لأفسدَ أفراحَ هذي المدينهْ !
وقد أستفزُّ القمرْ ,
حفيفَ المياه إذا ما صبا
وخرير الشجَرْ......
عالمٌ لم يزلْ غامضاً
طالما عادَ بيْ
فاستمعتُ لوقع الأَثَرْ !
 
إمرأةٌ في الثلاثين من عمري
*** *** *** ***
 
ولكن لن يضيرني
فحتى إذا وَجَدْتُني واقفاً
وظلي سكران يترنّح
فسأَغُذُّ السير
حتى أُهدي لأعشاب الحقول
باقاتٍ من الخرفان !
وفي الليل
حيث النجومُ مساماتُ الله..
والبحر يتخبّط موشكاً على الغَرَقِ
والهواء عليلٌ مثلي
ستناديني فاتسلَّل اليها عَلَناً
إنها زهرةُ قّداحٍ،
عبيرُها يتفتّحُ
بصُحبةِ أنفاسي !
 
المآل أمام بحر الشمال
*** *** ***
 
جالسٌ،
بيدي السجارةُ
وهي شريانٌ تمرَّسَ باللهيبْ
وفي أُذُنَيّ ترتيلٌ ترابيٌّ يدورُ،
وموجةٌ صفراءُ
تغمر نصف ساقي جورباً !
 
عناقيد الرصاص
*** ***
 
رئةٌ بها
تَتَنَفَّسُ الأكوان
من بعدَ اختناقِ
مدار أنجمها بموسيقى الصديد
ورجعِهَا اَلدَبَقيّ
ها عدتُ انتبهتُ الى صلاةِ الميّتين
فما عجبتُ لأنها أشجى،
عبرتُ اليهمُ،
مُترَنّحاتٌ فوق أسماعي
عناقيدُ الرصاصِ،
هوىً يُدوّر - مثل مروحةِ الطواحينِ -
الحمامَ أذيعُهُ
فأهابُ ألاّ يُستطابَ
لأنَّ آلهةَ الخرابِ
تهافَتَتْ،
غرستْ مسافتَنا جراحاتٍ تسيلُ
وبعدُ لم تغمدْ مخالبَها
أهالكَ أينما حَدّقتَ ثَمَّ دمي؟
دمي ما كانَ يرفو اليأسَ
في سجن الإهابْ
لكنه مُذْ كانَ كانَ غدائراً
وصدىً بغابْ
 
كمانٌ ليس عندي
*** *** ***
 
بشراهةٍ أصغيتُ ,
إصغائي سدى
وبصبوةٍ حَدَّقْتُ ,
لم يرجعْ صدى
صَعُبَ الضحى دون الهديل
وقد حفظتُ كما الخواتمِ
كلَّ أسرارِ القتيلِ
وَدَدْتُ لوَ أنّ الحَمامَ أذاعني،
أوحى إليَّ ولو على رَغم اجتهاداتِ النخيل،
هيَ الأزقةُ كالمرايا
في نثارٍ، لستُ ادري
هل تخطُّ يداي باللَّهب الشبيهِ
بصبغة الحناء حرفاً في الهواء الطلْق
من شِعري؟
غيومٌ حّلقت عِبْري
كمانٌ ليس عندي
كي أُطمئنَها بأني جَنَّةُ الأخطاءِ،
ماشٍ
أستظلّ بها
وفي زُوّادتي حطبُ الشتاءِ
أرى ملاكاً
في المدى الشرقيِّ
يهبط كالشهابِ
مَن شاءَ أن تختَارني؟
صعبٌ كمرقاكَ
اصطحابي !
 
ينتهي نسبي للحرائق
*** *** ***
 
أعوامي الماضية
أرخبيلاتُ ضبابٍ
يُحيط بها العساكر الناشبةُ أضفارُهم في الضياء
كانوا عساكرَ
كانوا فضاءاتٍ بلا حزن ولا أسرار
والآن
طرقٌ مجهولةٌ تتغذّى على خطاي،
تنمو، تتّسع، تطول
أنا الذي اختبر الملهاة مرتين
لي قصة بعيدة
وها قلبي وحيد
يتسلى بالملل !
بلا قّبعة
تقيهِ حَرَّ الشمس
وبردَ القمر !
وكم بعيدٌ هو العراق،
بل كم مُغبَّرٌ وَمنسيّ !
 
من بعيد
***
 
هنا وهناك
أقفُ متمدّداً على ظلّي !
أرى الضياء
أزهار عبادِ شمسٍ تلامس النجوم،
وأطفالاً بعيونٍ مختلفٍ الوانُها
يهرعون للإحتفاء بها
وأضحتْ قلوب السابلة
بعد قلوب الشعراء
فريسةً للشكر والإبتهاج !
هكذا
ذاكرتي لؤلؤةٌ ترمشُ
أو أكمةٌ يتبعني ضوؤها
أسرابَ نحلٍ
وأمواجاً تسيح راياتٍ
على الضفاف
بينما ينحدر من بعيدٍ...
لا أحدٌ !
 
جزيرةٌ من ماء
*** ***
 
الصيف
والجسد المبلول بالعَرَقِ
كجزيرةِ ماءٍ
وهكذا،
واقفاً عند ظل كرمةٍ كنتُ،
أنفاسي تصطكُّ،
عيناي تتبعان
نبعاً مَهملاً،
كرمة ليس لها ما لكرمة الأمسِ
من ماءٍ زلالٍ
ونشيجٍ مالح
ومن ثمّ تذكّرتُهُ...
كان يافعاً يتهجّى حرب الثماني مراراتٍ،
زجُرَتُه ولم أكنْ داعيةً أو رسولاً.
لحظةً كبيسةً كانتْ
إنه أنا...
إنني أنحدر
أجلس على صخرة زرقاء
أرتق قميصي الأحمر
كمَن يرتق حريقاً
ناديت عليه
غير أنَّ سفينةً...
ها هو يبحر
ولكنْ مَن يدُلُّ البحرَ
على أشياء أعمق منه
تمشي عليه؟
 
مقطع مستوحى من إحدى جداريات بيتهوفن
*** *** *** *** *** ***
 
ياحافلةَ الأطيار
الداهسةَ على ضلع الشعراءِ
كشواظ الوتر الصيفيِّ
ومَن غيرُكِ يقلبُ هذا الماطرَ،
هذا الماطَر مثل مساماتِ القيثارِ؟
عفريتٌ
يحكمُ
أمصاري !
 
أنا
***
 
- 1 -
أنا الذي رأى السماءَ والأرض
تتعانقان كامرأتينِ
سُحاقّيتين !
 
- 2 -
أنا مَن تمادى لا يعودْ
إِلاّ ويُخفي زحمةَ الأشواقِ بالأشواقِ
والغدَ بالرعودْ
أنا مَن تصفَّحَني كتابُ الشعرِ،
أغلقَني ونامَ بظِلِّ عودْ
 
السجود على درع السلحفاة
*** *** *** ***
 
غنيتُ الربَّ
فأعطاني مسبحتَهْ
أعطاني أبدية ان أُعلي الأشجارَ
وأشركها في حكمي
انا العاري
والمنبوذ
الحافي
إخلعْ نعليكَ
فإنك في حضرة ( بوهما الإسكافي )*
وسِرْ فوق الماءْ
هاتيكَ سلاحفُ تتبعني
هاتيك السجدةُ أبسطها
ليراني كُلاًّ ولأنسى
أني كنتُ لحينٍ بعضَ سماءٍ
بعضَ سماءْ !
---------------
بوهما الاسكافي: متصوف الماني شهير (*)
 
سوح الفراغ
*** ***
 
وأصابعٌ ركضتْ
بدوحة كلِّ أفقٍ
أخفى نسائمها نضارْ
ومسمَّرون
سوى خصال الأعين التعبى
إذا ذرفتْ على العتبات
دَمْعاً مُشرِكاً
وسوى الخيول تدور في سوح الفراغ
بلا قرارْ
 
فتوحاتٌ مَدَنيّة
*** *** ***
إلى حميد العقابي
--
 
في تَسَمُّركَ ما يُذكِّر بماجلان !
صاح بي الغيم ساخراً،
ولكنني أخيراً وصلتُ،
أنا العَدّاءُ،
مُرَمِّماً الرقم القياسي،
مُجْهَداً كالضوء المسكوب
من مآقي النجوم.
أفكارٌ ما زلتُ أُشكِّلهُا،
أدور حول أسوارها
حتى توهّمتُ بأني فتحتُها
الواحدةَ تلو الأخرى
مغرياً الحبرَ المتجمِّدَ في عروق قلمي
بكتابة قصيدةٍ.
حتى إذا نَهَضْتُ
تحاشاني السابلةُ
مُخْلينَ لي السبيل
وناظرين إليَّ من ثقوبٍ
في الحدائق المتراكمة.
إعتصامٌ في فُوّهةٍ
ذاكرة المدينةِ،
وعشقُهُ للسلام
يُجَرّحُهُ تجريحَ النمور،
قال الغيمِ.
والمدينة خَتُمها مُريبٌ:
إختفى القرميدُ فتحسَّسْتُ دمائي،
إختفى الرصيفُ فتحسَّسْتُ خطاي
قالوا:
إنْ عُدْتَ فلن تجدهم كما خَبرِْتَ
يستعدّون لِخِتان السنابلِ،
ينحني الليل فَتَنتَعِل المدائنُ مَوْقِداً
ولستَ نَبيِّاً
فَتُتَّبَع
أو لُصَّاً فَتُشَدُّ إلى جذعِ نخلةٍ
أمّا المدينةُ الأخرى
فهيَ الأخرى بلا تَذَمُّرٍ ولا وَباء
حتى بلا سُكْرٍ وتشهيرٍ بالأضواء !
أين أُعلِّق صوتي؟
أرجعتُ عقربَ الفانوس
ذاكراً كوكباً قَصّياً
كان رأسي قد دلفَ الى مِشْنَقَةٍ
فأبى أن يَعْتَمِرَ الرماد
صُرتُ بحراً
تصالبَ عبْرَهُ موجٌ
وأغنياتٌ
تمدّ شِباكها لتُعيدَ أسئلةَ الغريقْ !
 
أَقول والعهدةُ...
*** ***
 
يعرّشُ موتٌ على الجبل القرمزيِّ
وللوادي خنزيرُهُ الجائعُ
الأصلعُ المَعِدَهْ
وفانوسُ راعيةٍ في الظلامِ
يسُّرحُ أظَفاره الراجفاتِ
قشوراً على مائدهْ
خنازيرُ جائعةٌ
فوانيسُ ترعى
وقافلةٌ من جنودٍ
تسير بعيراً بألف سنامٍ
أَضاعتْكَ خطوتُها الماردَهْ !
 
رغم الخوف
*** ***
-1 -
 
أيتها النساء
إقطفنَ قلائدَ تتشكّل في دمي
دمي فانوس ديوجين
تحمله الخيولُ
مُفَتّشةً عن ميدان !
 
-2 -
برغم الخوف لأوَّل وهلهْ
أدنو من عينيها
أذرف فَوقهما قُبلهْ
 
دعوة إلى مالك الحزين
*** *** ***
الحقلُ يأسرني بمالكهِ الحزينْ
يا مالكاً،
مرآكَ يسعدني وليس تشفِّياً
صنوانِ نحنُ،
ألا ترى:
متباطيءٌ دربي، وخطوي لا يبينْ؟
دعْ حقلكَ الواهي إذنْ
فغداً تُعَبِّدُهُ المدينهْ
وتعال توصلك الدموعُ
لقعر روحيَ، قعرهِا
فإذا وصلتَ ترى
حقولاً يانعاتٍ بانتظاركْ
وهوىً ربيعياً
ومالكةً حزينهْ !
 
المُنَجِّم نهاراً
*** ***
 
عسلٌ مضيءٌ عِنْدَ النافذة
زجاجةٌ … زجاجتان من مذكَّرات النحل
ووراء النافذة
عيونٌ تتمرأى بعصفورٍ
زهورٌ تتماثل للرحيق
وكصوت أحجارٍ صغيرةٍ تُرمى في الماء
كان صوت القبلات
وكانت الريح ترجّ سنابك السفن.......
كم يا تُرى هَزَزتُ مهد هذه الأغنية البعيدة؟
وكم جنحتُ يأساً للمديح !
بحيراتٍ يتسلقُ الضوءُ وصحارى
وهناك الخيلُ صهيلٌ
يفضي إلى برارٍ ما
أيتها الأَعالي , أيتها القمم
كذا الأبوابُ لا تستميل أحداً عن ترفٍ
بل عن جنونٍ
كالطَلْع الواقف مزاراً للفصول
وكأفواه الأساور
وأنا المنجِّمِ نهارا
أعمدةٌ مَن يبعثرها في حضرة فوضاه؟
لتَثِبَ الشمسُ هناك ,
تمتدُّ وهي ممسكة بحدود العالم
مُحاذِرةً عصراً محدودبَ الروح
أيها الشاعر , هاتِ قلبك أفتحه
أدقِّقُ في جداولهِ
أحراشه
مرثياته
أيها الجنون مؤَطَّراً بمجد الوحدة !
 
عملة بثلاثة أوجه
*** *** ***
 
-1-
ثمنُ الحريّةِ
أعلى من أعشاش
اللقالق.
 
-2-
تُلاحقُني الثواني
أَتَّقيها حامِلاً آثاَر أقدامي
على ظهري.
 
-3-
ياعالماً مغامراً بالرمل والأمواجْ
عزاؤنا حريةٌ
عزاؤنا حريةٌ،
ومطلقُ اليدينِ في السجنْ
أفضلُ من مُقَيَّدٍ وَسط خِضَمِّ الحياةْ !
 
قالت: كأنه هو
*** ***
 
أيتها المدينةُ
مدينتي - إِذْ أراكِ - أرى،
هي عينَها:
سربَ عصافيرها الثرثار،
غصنَها الذي تقوَّمُهُ العواصف،
فَتاها الذي يرمي بسنّارتِهِ في الماء
لا ليصطادَ سمكةً
وإنما مَوجةً
ينطلقُ وإيّاها في رحلةٍ بتول !
 
تعاطفٌ ليس إلاّ
*** *** ***
 
- 1 -
شجرةٌ
مُسنَةٌ
عمَياء
أمسِكُها من يدها
وأعبِّرُها الشارع
 
- 2 -
ظلَّ الناس يبتهلون فوق التل
وَلمّا لم يُنزلْ الإلهُ شيئاً
بكيتُ لهم
وفتَّشْتُ في قلبي عن سِيجاره !
 
صالات الريح
*** ***
وأخيراً
ها أنا ذا ساديٌّ
أَنتُفُ ريشَ الأطيارِ
وأَجلدُ ماهبَّ ودبَّ من الأشجارِ
أَسكبُ مافي مِحبرتي
في عِبِّ الريحِ الداخلةِ
إلى صالاتٍ تَزْحَمُها
جُثَثٌ
مُتَجَمِّدةٌ
كالأرصدةِ،
وَفي كَفّي مِعْوَلْ
أتحَّدثُ بلُغاتِ الإنسانِ الأوَّلْ
تشكرُني غاباتٌ
تحترقُ بصاعقةٍ من بدءِ المَولِدْ
أدري أني لا أَملكُ هذا...
دَمعي الدانوبُ
يَصُبُّ بشطِّ العربِ
وَرَجعُ زئيري
يَنْقُلُهُ ناقوسُ المَسجِدْ !
 
سِيّان
***
 
في هذا الخريف العاري الأغصان
إنْ لم تكن هناك حمامة
تَحتضنُ بيضتين
فهناك غيمةٌ داكنةٌ
تحتضنُ الشمس والقمر !
 
مفارقتان لزمن واحد
*** *** **
 
- 1 -
كالشيخ
لم يَعُدْ يُعيننُي أَيٌّ
من أطراف جسدي
لا الشمس
ولا القمر !
 
- 2 -
في وقتٍ واحدٍ
قطارٌ منطلقٌ بسرعة الصاروخ
نحو الإتجاهات الاربعة،
أنا !
 
من جناح الليل الأليَل
*** *** ***
 
- 1 -
الليل مرآةٌ
نصفَّفُ فيها أحزانَنا
قبلَ للنوم
 
- 2 -
الغرابُ دقيقةٌ
من الليلْ
 
- 3 -
رصيفُ الليل
حافلةٌ من خطوات
 
- 4 -
كُلَّما أرى إلى النجوم
أخالُها هي التي تحصيني
 
ميلادي
***
 
حينما احتفلتُ بعيد ميلادي
أطفأتُ ثلاثين شمعةً
ولكنّ الله كم شمعةً او نجمةً
سيطفيءُ في عيد ميلادِهِ؟
ربما النجومَ كلهَّا !
آه ٍ ايها الكون
فَلْتَنْطَفيءْ بكامل نجومك
وَدَعْنا نفرحْ بميلاد الله !
 
الموشور
***
 
مدينتي يقطعها الغناءْ
حَبْواً على الهواءْ
مدينتي يقطعها الهواءْ
حَبْواً على الغناءْ
لو ضَمَّها زُهْريةً لوَحُ
يبني دمي جرحُ
مدينتي تُخَلّدُ الجراحْ
ختماً على الرياحْ
مدينتي الطفولهْ
مدينتي مقامعُ الرجولهْ
وهاهي الشمس التي دارت بنا عُمِرْيَنِ
لاتُحسنُ - إِذْ تَبْرَحُنا - حتى البَراحْ !
 
كوَّةُ الألوان
*** *** ***
إلى جمال مصطفى
---
 
ناظرٌ من كوّةٍ كالعينِ صفراءَ هنا
غيمةٌ مقلوبةٌ
تعطيكَ ما تسألُها
إلاّ المَطَرْ.
ناظرٌ من كُوَّةٍ كالعين سوداءَ هنا
الشارع تلميذٌ على مقعدهِ يغفو
وذكرى شجراتٍ
حَفَرتْ قلبي
كذكرى حَفَرتْ قلبَ الشَجَرْ.
ناظرٌ مِن كوّةٍ كالعين زرقاءَ هنا
ما التَقَتْ سفينةُ الشعرِ فَناراً
إنّما باتَ على الشاعرِ
أنْ يكتبَ في القاعِ
على هَدْيِ الدُّرَرْ.
ناظرٌ مِن كوّةٍ كالعين خضراء هنا
عطرٌ تدلّى
أَجْمَعَ البستانُ والبَرُّ
أَنِ العاشقُ موعودٌ وإِلاّ...
سبقَ السيفُ ابنَ آوى
وتخطاكَ الاَثرْ !
 
إلى المدعو وطناً
*** ***
 
إرجعْ
ياحرفاً
شمسيَّاً
تحضُنُهُ
الظُلُمات!
……………
أو أقول:
طوبى
لأهلي
خريفاً
شتاءً
ربيعاً
وصيفاً
لخامسِ فصلِ
 
الرحيل
***
 
ذراعان ممدودتان مطاراتِ جيادٍ
وما استساغتا حَمْلي ,
بحرٌ بأشرعةٍ من الأمواج
وما استساغ حَمْلي ,
وقادمُ سمعني أُصيح:
مَن وضَعَ قشور الموزِ
على دروب السفن المُبحْرِةِ
مع الشتاء !؟
 
أرضٌ أضيقُ من فتحةِ منِْخر
*** *** ***
 
يُمارسُ زائرُنا الإختناقَ
ويمتصُّ أنفاسَهُ خلسةً !
رمى للشوارع قطعةَ نقدٍ
وأخرجَ من جيبهِ
مناديلَه ُ كالنوافذْ،
يُعلّل نفساً كما لو سيمتلكُ الَمشْرِقَين !
مضى مُتْعَباً...
زائرٌ
والشوارعُ ضَيِّقةٌ،
ضيقُها
ربّما كانَ في نفسهَ
فُسحةً من طفولهْ...
 
تماثيل من خمر
*** ***
 
كَفٌّ تخطو
عِبْرَ ضباب الفودكا
هَا...
عدتُ فهل تسمعُ ضَحْكا؟
أسمع ضحكاً
يمتدّ بلا لونٍ
ونهاراتٍ شاحبةً،
عدتُ ومن يدري؟
قد ألقى ثانيةً
حَشْداً من مجذومينَ
يسدّون طريق الفَجْرِ
أَو قد أمشي
ضمآنَ ولكنْ للجَمْرِ
ليسَ يقيناً،
من لاهاي
إلى كولونيا
حاورتُ النَفْسَ
بكوكبةٍ من قيلَ وقالْ !
من نافذتي
أرقبُ عمراً
يصدأُ
في الريحِ وما زالْ
 
المغْتَبِط الصاعق
*** ***
 
أقفُ ,
متشابكةٌ ضلوعي مع بعضها
كقنوات الرَّي
الشمس مُدَوَّرَةَ الروح تعلو
الشمس تضيع بين الغيوم
ضياعَ قُبَّعةٍ في الزحام.
الغيوم أثوابُ اللهِ
مُعَلًّقةٌ
على حَبْلٍ من البروق
الغيومُ النازفةُ من الماء
ما يحني وادياً من الخيزُران
مَن غيري أغرى المغتَبِطَ الصاعق؟
هي روحي تخترق زجاجَ الغيوم
سكسفوناً
مُجَنَّحاً !
 
الغرقى حُرّاسُ البحر
*** *** ***
 
في البِّر بحيراتٌ تقطنها أشرعة منفيّهْ
وأنا أُشعلُ عودَ ثقابٍ
فتلَوُحُ فصولٌ متنافرةٌ
لا تجْمَعُها إلاّ أضدادُ هويّهْ
لكأَني أزدادْ
يأساً من عمري الطافي فوق مدِادْ !
غصنٌ كالشمعةِ
يرقبُهُ الغرقى
يعلو بجناحين يجوبانِ الأَبعادْ
لكنَّ الأبعادْ
كرسيٌّ ذو قائمتين
على الأفقِ المتدفِّقَ
يستندُ إلى غيمةِ صَبحٍ
أفْعَىً تتكوّرُ
عند القائمة اليسرى
وشرائطُ دودٍ
عند القائمة اليمنى
حتى أنَّ يدَ الصيادْ
راحت تتلاشى
كالموجةِ أوْهَنَها الَتّيارْ
غرقى
أدمنهُمْ هذا البحرُ بِصَمْتٍ
حتى أيقظَهُم جرسُ الأمطارْ
 
مَشْهدٌ لا يُبارِح
*** *** ***
 
لم تكْفِني مِيتَةٌ.....
مُتُّ تسعا
وعدتُ فَمتُّ
وما ضقْتُ ذَرْعا
وعدتُ عبرتُ مع الفَجرِ،
كان زفيرُ القطارْ
تَبَدَّد فَي بَرِّها طائراً من بُخارْ،
طائراً لستُ أعرفُ
ماذا حدا الآنَ بيْ
فَتَذكّرُتهُ قَطَرةً بَعْدَ قَطرهْ
رُبى القُبرَّاتِ
وعصَر المماتِ
الجنونَ،
العذابَ،
وغيرَهْ
عَبَرْتُ مع الفجر وحديَ
مُسْتَسلماً للقَلَقْ
أُلَقِّنُ ما يتعرّى
على ساحلي من كواكبَ
بعضَ فنونِ الغَرَقْ
ولعاشر مَرَّهْ
جسدي يتشظّى الى ألفِ فكرِهْ
يُحَلِّقُ
بيْ
عالياً !

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى