الثلاثاء ١٩ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم حميد طولست

الإحباط وتأثيراته الخطيرة والمدمرة

أكيد أن أخطر ما ابتلي به مجتمعنا، ويتعرض له معظمنا، وتواجهه أكثريتنا، في كل الظروف والمناسبات، بفعل الكثير من العوامل الذاتية والموضوعية التي تخلق الجمود، وتنشر اليأس، وتعمم القنوط، وإن بدرجات متفاوتة، تختلف باختلاف الاحتياجات والرغبات والأهداف والتوقعات والظروف والخبرات والمقدرات الجسمية والعقلية، وتلفنا مصادرها الداخلية منها والخارجية المرتبطة بالفكر والثقافة، ليس من وجوهها المشرقة التي هي مصدر غنى وتنوع وتنوير ومفتاح للنهوض والتقدّم، بل في أبشع صورها التي هي دائما مثبط فعلي للعزائم، وكابح كبير للإرادة، وقاتل حقيقي للأمل المتمثل في "ثقافة التيئيس والتبخيس والإحباط" التي تحول الطاقات البشرية إلى كتل صماء منخورة الإرادة، وتجعل الشعور باليأس والقنوط أشد وطأه وإيلاماً على النفوس التي تدرك- وما فالهم غير اللي كيفهم كما يقال- أن موات الشعوب ليس "مرضا وراثيا"، و"لا قدرا محتوما"، ولا يحدث بصورة مفاجئة أو نتيجة سلوك اعتباطي، بل هو حصيلة مجهودات متضافرة يصنعها، مع مرور الزمن، تخطيط وتنظيم وتوجيه ومتابعة سائر السلطات والتيّارات والاتجاهات التي تزعم الاستئثار بالصواب، وامتلاك مفاتيح النهوض وحقيقة التقدّم، ولا ترى مصلحتها إلا في عدم تحقيق مصلحة الجماعة المصيرية، وقضاياها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما تسلّطت عليه من إمكانات وطاقات، ونهجته من سياسات وممارسات تكاد تقضي على جذور وأسباب القوّة الذاتيّة للمجتمع بالتشكيك في أهدافه وتبخيس لجهوده، الذي لا تقوم به من باب التنافس على استنهاض الهمم، وتجميع الطاقات التي عطلتها الصراعات الحزبية والحسابات السياسوية الضيقة. وإنما يفعلون ذلك من باب تآمر العاجز الذي يواري عجزه، ويعادي كاشفه، ويرفض تغيير نهجه وعاداته، ويأبى تسليم زمام المبادرات -التي تتخذها القوى الحية التي تعلن ولاءها للوطن وتظهر نواياها الطيبة وعزمها على إحداث الخلخلة على مستوى عقلية التفرج وانتظار الفرج- عساهم يصنعون، مشروعات ثقافية مجتمعية حداثية ديمقراطية، كالمشروع الثقافي الذي أطلقته ثلة من الفاعلين الجمعويين لـ"فاس الجديد" تحت عنوان "المهرجان الأول للشباب المثالي لفاس الجديد" في صورته الأولى، والتي أحبط المتصرّفون في مصائر ورغبات ساكنة هذا الحي الشعبي، نسخته الثانية -عملاً بالمثل المغربي الدارج ( ما يديروا خير، ما يخليوا اللي يديرو)- والذين كان حري بهم أن يرحبوا بذلك المهرجان، على الأقل كمبادرة خلاقة للديناميكية المجتمعية المتنامية والمتفاعلة بفعالية مع إرادات ومرامي التنمية التحديثية التي يدعو ويشجع عليها ملك البلاد مشكورا. وكما كان يجمل بهم أن ينافسوه في وضع التصورات الجادة، ورسم المسارات القمينة بالتنمية للخروج به (الحي والمهرجان) من الأوضاع الثقافية المتأزمة التي لا يشذّ إلا شاذّ عن الاعتراف بأنه لا شيء يؤزم الأوضاع ويعيق الإنجازات، ثقافية واجتماعية واقتصادية وحتى السياسية، غير التبجّح بالعجز الذي يصر عليه الكثير ممّن يصنّفون أنفسهم في مرتبة النخب المتشبّثة -حتّى الموت أو العزل- بمواقع صناعة القرار السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي، والجمع بينها وبين ممارسة الاحتكار والاستغلال والهيمنة، التي تعمي الأبصار عن إدراك المنجزات الجادة التي تخدم المجتمع وتنمي الوطن.

فالواجب الوطني يستوجب استخلاص الدروس والانتقال إلى مرحلة الفعل والسعي لإنجاح المبادرات عبر النظرة الصائبة المستوعبة للعوائق والنواقص والظروف المجتمعية والاقتصادية، ووضعها في الحسبان، وابتكار الوسائل الناجعة للتعامل معها، ابتداء من التنظير والتخطيط، وصولا إلى التنفيذ والتطبيق، مرورا بالمواجهة الذاتيّة الدائبة والتطوير المنهجيّ المنبثق عنها، حتى تستقيم على سكة التنمية المستدامة والاندراج في العصر بعد تأهيله، بدل التيئيس والتبخيس وخلق العوائق، التي طبقتها تلك "النخب المزعومة" المعادية لمهرجان "فاس الجديد" مند ولادته، والذي زعم المتسلطون عليه أن مبتكروه لم يصلوا بعد سنّ الرشد الذي يمكنهم من خلق وإدارة مهرجانا شعبيا خاصا بحيهم الشعبي الذي هو-حسب المتسلطين- دون مستوى رفع الوصاية عن أهله.

على ضوء هذه التصرفات غير اللائقة، يقف المرء مشدوها مذهولا، لا يكاد يصدّق أن هذه المواقف المحبطة للعزائم، يمكن أن تحصل فعلا في بلد يحكمه ملك شاب لا يفتأ يؤكد على القطع مع نزوعات التيئيس والتبخيس والتشكيك والعدمية التي تزيد من تأزيم الأوضاع ووضع العصي لحصر عجلات التنمية.

كما جاء في خطاب العرش ليوم الأربعاء 30/07/2008 بمناسبة حلول الذكرى التاسعة لتوليه مقاليد الحكم، حيث قال أنه سيظل ملكا لجميع المغاربة، على اختلاف مكوناتهم، ورمزا لوحدة الأمة، ومؤتمنا على سيادة المملكة وحوزتها الترابية، وبيّن أنه "مهما كانت محدودية النتائج الآنية، فإن المبادرة والمثابرة والنفس الطويل، يجب أن تكون عماد تدبير الشأن العام وأن تحديات مغرب اليوم، " لا يمكن رفعها بوصفات جاهزة أو بإجراءات ترقيعية أو مسكنة أو بالترويج لمقولات ديماغوجية ترهن الحاضر بالهروب إلى مستقبل نظري موهوم، وأضاف أن أساس نجاح أي إصلاح يكمن في" ترسيخ الثقة والمصداقية والتحلي بالأمل والعمل والاجتهاد وعدم الانسياق لنزوعات التيئيس والتشكيك والعدمية خاصة في الظروف الصعبة".

فهل الأعمال المحبطة الصادرة عن مسؤولي فاس الجديد، هو تصرف منطقي صادر عن نوايا طيبة، أم هو تعامل نابع عن وهم خطير بتحقيق منفعة من المنافع العامّة أو الذاتية، أو هو من باب الغباء المطبق أو الجهل المركب، أم هو تآمر على شعبية هذا الحي الطيب البسيط المتسامح المؤمن بالقدر خيره وشره. ومهما تكن الأمور، وعلى الرغم من تباينها الواضح، إلا أنها تنتهي إلى نفس الحصيلة الشديدة الوطأة على الطرفَ المتضرّر التي تنقل إليه عدوى اليأس والتعجيز، وخاصة منه الجيل الجديد، جيل المستقبل، الذي لا خبرة له ولا معرفة أو وعي وقدرة على استيعاب الواقع وتخطيطاته، والتعامل معه على النحو الصحيح. لذلك تجب إتاحة الفرص المناسبة لتدريبه على خوض غمار التنمية والمنافسة على اقتراح الحلول اًلبديلة وتجاوز الوضع القائم في سلبيته مهما تعددت، وإبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر واحترامه، وذلك لأن ثقافة التيئيس تحمل كل نفس تصيبها على الشعور بالفشل وخيبة الأمل وإدراك وجود عقبات تحول دون إشباعها لما تسعى إليه من حاجات ودوافع. وذلك، في نظري، جريمة مزدوجة.

ـــ منه على جيلنا الذي ألف مثل تلك الأساليب في التصرف مع أي مبادرة لا تخضع لتسلط....مهما وضحت أهدافها، وتجلت مقاصدها

ـــ فإن خصومها في تزايد لكسر جهودها الرامية إلى تجنيد المواطنين،كل من موقعه وكل حسب استطاعته

جادةي مبادرةأ ي مبادرة ومن أكثر من جهة..

ـــ الأسلوب الاستعراضي

ـــ ويجمل بنا التذكير بتلك المبادرة الذي ـ

ــ فكل حديث عما تصنعه تلك الجهات بالذات، حتى ولو صنعته علنا وليس في جنح الظلام، وصرّحت بمقاصدها منه هكذا باستهتار واضح دون حياء، حتى في هذه الحالة..

ـــ السؤال المسيطر على الذهنية السياسية والإعلامية لدينا

ــــ فتتركز في العوامل الشخصية ومصدرها الشخص ذاته وسماته ومن بينها عجزه بسبب ضعف حالته الصحية العامة أو الإعاقة الحسيه أو الحركية وقصور في استعدادات الشخص العقلية المعرفية كالذكاء والتفكير والمرونة والموهبة التي يحتاجها الشخص لهدف ما أو تعلم مهارة جديدة

ـــــ (عسى ان تكرهو شيئا وهو خير لكم).

ـ. فبقدر ما تكون الثقافة عنصرا فاعلا وحاسما في تشكيل

الوجدان وبعث روح الفعل وإرادة التغيير لدى شعب معين فنجد أفراده يتفانون في بذل قصارى الجهد لرفع التحدي وقهر "القدر" على حد قول الشابي " فلا بد أن يستجيب القدر" ؛ بقدر ما تتحول الثقافة إلى.

ـــ أما ثقافة التبخيس، فهي على نقيض ثقافة التيئيس، تستحث الهمم والأقلام والألسن للتشكيك في كل ديمقراطية.

ــ فلم الخوف والتوجس من الحركة إذن؟

وكيف يمكن محاربتها؟ في وسط يفرض فيه الطموح والتعطش والقبول لما هو جديد ومفيد.

ـــ والخرق الاستعراضي السريع لما يتمّ الاتفاق عليه في لقاءات القمم واللقاءات الوزاري.
والتحرّر بما تبنّى من رؤى ومناهج،

ـــ ولنأخذ هنا باعتراض مَن يعترض كالمعتاد وبأسلوب تقليدي ممجوج؛

ـــ فالحديث عنهم عند بعض المعترضين محض اتهام موهوم من نتاج "فكر المؤامرة".

ـــ إذا تحرّك بعض المسئولين فقد بات يتحرّك لقتل محاولات التحرّك الشعبي

ـــ إلا إذا بلغت السذاجة منه مبلغها!

الإحباط هو حاله إنفعاليه غير سارة قوامها

للإحباط وجوه مثلا أن يحرم طالب من دخول لجنة الإمتحان لوصوله متأخرا نتيجة عذر قهري خارج عن إرادته أو يفشل في الحصول على مجموع يؤهله للالتحاق بالكليه التي يطمح اليها نظرا لظروف مرضيه أو أسريه ألمت به أو شاب لم يستطيع الزواج بمن أحبها.

أما العوامل الخارجية فهي الظروف الماديه الطبيعيه كالمناخ والطقس والضوضاء والتلوث البيئي والظروف إلإجتماعيه والأسرية كمعاملة الوالدين وأساليبهما في التنشئه وبعض العادات والتقاليد والظروف الحضاريه كالانفجار السكاني وتعقد النظم والتراكم المعرفي والمعلوماتي.

الإحباط.....هل يصيب الكبار أم الصغار؟

النتائج المترتبه على الإحباط
نزوع الشخص للعدوان سواء بشكل صريح أو خفي وكلما إزداد العدوان إزداد شعوره بالإحباط ويتزايد كلما.

كيفية مواجهة الإحباط والوقاية منه

تنمية السمات المزاجية الإنفعاليه التي تساعد النشء على مواجهة الصراعات والإحباطات كالمثابرة وقوة العزيمة والصبر والتفاؤل والثقة بالنفس والمرونه في مواجهة المشاكل والمواقف الصعبه.

*تجنب استخدام الأساليب غير السويه في تنشئة الأبناء كالتفرقه والتذبذب في المعاملة.

*مساعدة النشء على معرفة قدراتهم ومواهبهم الفعلية والحقيقة.

*مساعدة النشء والشباب على اعتناق المبادئ والأخلاق و تقوية الوازع الديني واقناعهم بأن الفشل ابتلاء من الله و من صبر نال واهم شيء

*تنميه التفكير العلمي لدى النشء مما يعينهم على المشكلات.

*التخلي عن طريقة التفرقه في المعامله بين الأبناء ومراعاة الفروق الفرديه بين الأطفال.

*العمل على إشباع الاحتياجات النفسية للطفل دون إفراط أو تفريط وتجنب الإستجابه لكل رغبات الطفل في جميع الظروف حتى لو كنا نملك تحقيقها.

..................................................................

*

تتطلع إلى اليوم الذي يحل فيه الويل والثبور على كل الربوع. إن هذه الثقافة لا تترك فرصة لإمكانية الإنقاذ والتدخل لتصحيح الأوضاع وتدارك ما بقي من حظوظ الإفلات. وبسبب ذلك
ولا شك أن هذه الثقافة يتقاسمها تياران على طرفي نقيض، هما التيار العدمي والتيار الإسلامي الانقلابي. وكلا التياران توقفت لحظاتهما الزمنية عند فترات تاريخية متباينة. إلا أنهما يلتقيان عند هدف مشترك يتمثل في إضعاف الدولة والنظام كفاعل سياسي رئيسي بعد أن تراجع دور الأحزاب التي أصبحت متواكلة على الدولة حتى في تدبير خلافاتها الداخلية، في حركة مجتمعية شاملة تحدث قطيعة مع اليأس والتفرج وتخرج المغرب من "قاعة الانتظار"

. إن المفروض في الذين يشككون في حركة لكل الديمقراطيين ويبخسونها حقها في الفعل والتأطير،

التنمية وعرقلة حركتها. من هنا يمكن انتقاد التبخيسيين من منطلقين :

الأول : أن الحياة السياسية تقتضي ديناميكية حتى لا يطالها الشلل والجمود. وباعتبار الفاعلين السياسيين والحزبيين يقرون بحالة الفتور أو العزوف كما جاءت نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007 مؤكدة ومنذرة،

خصوصا وأن الفاعلين السياسيين والحزبيين يدركون مصادر الخطر لكنهم، للأسف، لا يعون أبعاده. فالمغرب يواجه خطرين حقيقيين :

أ ـ خطر الاتجار بالمال وبالذمم، الأمر الذي جعل بلادنا تحتل مراتب مشينة في سلم الارتشاء، مما يعيق كل جهود التنمية والإصلاح. وبات الفاسدون يشكلون محميات ومناطق نفوذ وجيوب لمقاومة كل تحديث ودمقرطة.

ب ـ خطر الاتجار بالدين الذي تشكله تنظيمات الإسلام السياسي التي تحمل مشاريع مجتمعية نقيضة للمشروع الذي يتطلع إليه المغرب ويسعى لإقامته،

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ المغرب الحديث التي يتحقق فيها الإجماع بين الملك والقوى السياسية بعيدا عن ثقافة الصراع وأدواته. لهذا تقتضي المسئولية الوطنية تجميع الجهود وتكثيف المبادرات لمواجهة الأخطار التي تتهدد الوطن والشعب. وليكن الشعار هو
. وبالتأكيد أن الفراغ الذي تتركه الأحزاب السياسية بسبب تراجع أدوارها في التأطير والتدبير ستملؤه القوى المعادية للحداثة والديمقراطية.

الثاني : إذا كانت الحركة لكل الديمقراطيين استنساخا لتجارب سابقة رعتها الدولة وانتهت كلها إلى الفشل،

لا شك أن المهتمين بالحق السياسي المغربي يقرون أن إيقاع الملك في إطلاق المبادرات والدفع بعجلة التنمية لا يجاريه إيقاع الحكومة والأحزاب. ومن هذا المنطلق ألا يحق للملك
إن الحركة لكل الديمقراطيين ليست استنساخا لتجارب "الفديك" الفاشلة، بل قامت على ما تحقق من مكاسب سياسية وحقوقية أبرزها تقرير الخمسينية وجسدها تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة. لذلك فهي نبتة أصيلة تستند إلى المكتسبات

بناء مغرب الغد الذي لا يتنكر لأسسه الحضارية ولا ينغلق أمام المكتسبات الثقافية والقيم الإنسانية الكونية

..............................................

مربي الاجيال وثقافة التيئيس

تحية تربوية للجميع.

في اطار الارتجالية والتدهور المهول الذي تعرفه المنظومة التعليمية ببلادنا,اصبحت ثقافة التيئيس تسيطرعلى اغلب اساتذتنا حيث اصبح الاستاذ بدون شعور يرفض كل جديد لا من المخطط الاستعجالي ولا من الميثاق الوطني.ويتضح هذا جيدا عند الالتقاء في اطار درس نمودجي او ايام التكوين المستمر...حيث الاحباط وفقدان الثقة في كل شيء يتعلق بالعملية التعليمية هي شعار اغلبية المدرسين.

وهذا هو ناقوس الخطر وهنا يطرح السؤال:

...................................................

وبخصوص مشكل الصحراء أكد الملك محمد السادس إرادة المغرب الراسخة، في مواصلة " نهج اليد الممدودة، بهدف إصلاح ذات البين وترسيخ الثقة، بالحوار والمصالحة الشاملة،" مع الأطراف المعنية بقضية الصحراء،وفي سياق متصل انتقد الملك محمد السادس إغلاق الجزائر حدودها مع المغرب وذلك رغم النداءات المتكررة لفتحها التي وجهتها الرباط موضحا أن اختلاف وجهات النظر في نزاع الصحراء لا يبرر إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، كإجراء أحادي وكعقاب جماعي يتنافى مع أواصر أخوتهما التاريخية.

وفيما يلي أهم النقط التي تناولها خطاب العرش:

الطبقة الوسطى تشكل عماد الاستقرار والقوة المحركة للانتاج
قال الملك محمد السادس إنه عازم على "جعل الفئات الوسطى مرتكز المجتمع المتوازن الذي نعمل على بلوغه، مجتمع منفتح، لا انغلاق فيه ولا إقصاء، مجتمع تتضامن فئاته الميسورة باستثماراتها المنتجة ومبادراتها المواطنة وما تدره من شغل نافع، مع غيرها، في المجهود الوطني الجماعي، للنهوض بأوضاع الفئات المعوزة وتمكينها من أسباب المواطنة الكريمة".
وأشار من جهة أخرى، إلى أنه مهما كانت أهمية الإصلاحات والأوراش الكبرى،" فلن تعطي ثمارها كاملة إلا بتسريع وتيرة النمو لتواكب الحاجيات المتزايدة ".:

دعوة الحكومة لبلورة مخطط لإصلاح القضاء

وبخصوص قطاع القضاء أكد الملك محمد السادس حرصه على مواصلة تحديث جهاز القضاء وصيانة استقلاله وتخليقه، ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم، وإنما أيضاً لتوفير مناخ الثقة والأمن القضائي، كمحفزين على التنمية والاستثمار.

ودعا الملك محمد السادس الحكومة للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية.
وأعلن الملك عزمه على إقامة المؤسسة الدستورية، للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
المغرب يواجه صعوبات في تدبير ثروته المائية وعليه التكيف مع استفحال مشكل الطاقة
قال الملك محمد السادس إن المغرب يواجه صعوبات حقيقية في مجال تدبير ثروته المائية قد تعيق بثقلها كل مشاريع التنمية البشرية والاقتصادية.

وأكد محمد السادس اعتماد استراتيجية مضبوطة لرفع تحدي تدبير تزايد الطلب على الماء وتعاقب فترات الجفاف وتقلص مخزون المياه الجوفية والتبذير اللامسؤول لهذه الثروة الحيوية، عن طريق تعبئة وتخزين المياه وتوسيع دائرة الاستفادة من الماء الشروب، لا سيما داخل العالم القروي.

ودعا الملك محمد السادس إلى انبثاق وعي وطني حضاري، في اقتصاد استعمال الماء. باعتباره موردا طبيعيا ثمينا.

وبخصوص التحديات التي يواجها المغرب في قطاع الطاقة، قال الملك محمد السادس أنه " علينا أن نتكيف، من الآن فصاعدا، مع التحولات العالمية العميقة لقطاع الطاقة، المتوجهة نحو الاستفحال......ولا خيار للمغرب أمام ضرورة الرفع من قدرته على الإنتاج المحلي للطاقة، وفتح المجال أمام الاستثمارات الواعدة بتوفيرها، وتكريس الجهود لجعل الطاقات البديلة والمتجددة عمادا للسياسة الوطنية في هذا القطاع".

اختلاف وجهات النظر في نزاع الصحراء لا يبرر إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر
وفي موضع الصحراء والعلاقات مع الجزائر أكد الملك محمد السادس إرادة المغرب الراسخة، في مواصلة " نهج اليد الممدودة، بهدف إصلاح ذات البين وترسيخ الثقة، بالحوار والمصالحة الشاملة،" مع الأطراف المعنية بقضية الصحراء.

وقال الملك محمد السادس إن المملكة ستواصل "اتخاذ المبادرات الصادقة والتجاوب مع كل الإرادات الحسنة من أجل تطبيع العلاقات المغربية- الجزائرية وإقامة شراكة بناءة مع هذا البلد الجار الشقيق ".

وأكد محمد السادس أن المنطلق في ذلك هو "الوفاء لروابط حسن الجوار، بين شعبينا الشقيقين، هدفنا الأسمى، التجاوب مع طموحات الأجيال الصاعدة لتسخير طاقات الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لرفع التحديات الحقيقية للتنمية والتكامل، بدل هدرها في متاهات نزاع موروث عن عهد متجاوز يعود إلى القرن الماضي".

وأضاف الملك محمد السادس أنه "مهما كان اختلاف وجهات النظر في هذا النزاع، فإنه لا يبرر استمرار إغلاق الحدود كإجراء أحادي يعيشه الشعبان الجاران الشقيقان كعقاب جماعي يتنافى مع أواصر أخوتهما التاريخية ومستقبلهما المشترك، ومع مستلزمات الاندماج المغاربي".
سأظل ملكا لجميع المغاربة والملكية تاج فوق رؤوس المغاربة

وقال الملك محمد السادس في ختام خطابه أنه سيظل ملكا لجميع المغاربة، على اختلاف مكوناتهم، ورمزا لوحدة الأمة، ومؤتمنا على سيادة المملكة وحوزتها الترابية، وضامنا لحقوق الأفراد والجماعات، مضيفا، أن الملكية المواطنة تاج فوق رؤوس المغاربة في التزام دستوري عميق ووفاء متبادل، لعقد البيعة الوثيق وللأرواح الطاهرة لبناة صرح الدولة المغربية
..........................................................

خصوصية الانهزامية عندما يصبح التيئيس نهجا والانهزامية حنكة بطولية

وإذا استمرّ ذلك، يمكن أن يوصل إلى تعطيل التفكير بإمكانية الدفاع، مع كلّ ما يرافق ذلك من القضاء على مقوّمات النهوض مجدّدا.

من حلّ إسلامي أو قومي أو علماني، من عمل وحدوي أو تحرّك إقليمي أو قطري، من الأنظمة وإمكانيّة إصلاحها، ومن الشعوب وقابليّة إحيائها، على أصعدة التقدّم والنهوض والبناء، وفي ميدان الحرب والسلام، وحتى من الإعداد لشيء من ذلك.

علنيّة التيئيس

الشواهد كثيرة تنطق بها عناوين كتب ومقالات متتابعة منذ سنوات، من قبيل "وداع العروبة"، أو "نعي الشارع العربي"، أو "السقوط الإنساني العربي المخجل"، ومقترنة بما يشابهها على الصعيد السياسي، كالقول بموت الوحدة العربية والجامعة العربية والتوجّه إلى القارّة الإفريقية أو الانبطاح أمام المطالب الأمريكية أو الإسهام المباشر في تنفيذ أهداف الضغوط الصهيوأمريكية على الأصعدة السياسية وما شابه ذلك.

ليست المشكلة مشكة "صحّة" ذلك أم لا، بل الكيفية، أو الفارق بين قوله للتسليم باستمراره واستفحاله، أو للبحث عن مخرج والتحرّك في اتجاهه.

ووُجد من يجادل في الماضي بتوزيع الاتهامات، بفكر المؤامرة، أو الغوغائية، أو غلبة العاطفة والحماسة على العقلانية والواقعيّة والمنهجية، ولم تعد المؤامرات سريّة بل هي علنية مضمونا وتنفيذا، مثل دعوات التيئيس والتسليم نفسها إلى جانب التبجّح بالعجز!..

من صور التيئيس

من أخطر حملات التيئيس أساليب عمليّة لنشره، كالتخلّي الاستعراضي المخزي عن قضيّة فلسطين وانتفاضة الأقصى، رغم الغليان الشعبي المتصاعد الذي رافق مولدها، وهذا جنبا إلى جنب مع وصول مستويات الإجرام العدواني في فلسطين إلى أقصى مدى أيضا. وكان مثل هذا التخلّي يتستّر قليلا عن الأنظار كما في التعامل مثلا حرب احتلال جنوب لبنان 1403هـ و1982م، والذي أصبح واقعيّا هو المقدّمة أو النموذج للتعامل الأخطر لاحقا مع حروب الاحتلال العدوانيّة التالية، في فلسطين نفسها وفي أفغانستان فالعراق.

ومن حملات التيئيس ما اتّخذ في الماضي ويتخذ الآن صورا كلاميّة، أبرز وسائلها الإعلام من خلال:

 شغله بالتوافه بالتزامن مع مشاهد الأحداث الدامية، وكأنّ المسؤولين السياسيين والإعلاميين يقولون لعامّة الشعوب، لن يتبدّل هذا النهج مهما بلغ حجم المآسي.

 أو عبر شغله بجدال لا يمكن توظيفه للتغيير، وصراخٍ -بدعوى أنّ هذا أسلوب الحوار الوحيد الذي نتقنه!- وفي الحالتين دون المساس بصناعة القرار ومواقعها.

وامتدّ هذا النهج إلى مواقف رسمية استعراضية، من صورها المخزية:

 تبادل الشتائم أمام عدسات التصوير الإعلاميّة في بعض مؤتمرات القمّة.

 والإعلان في وجه العدوان عن استحالة الحرب مع رفض مجرّد الحديث عن الإعداد للدفاع عن النفس وليس عن شنّ فوري للحرب، وهذا مع مواصلة هَدْر الطاقات الذاتية.

 إضافة إلى شنّ الحروب الأمنيّة الداخلية للحفاظ على السلطة، إذ لا يتورّع من يزعمون العجز عن تجاوزه واستخدام القوّة الباطشة، عند ظهور بذور مقاومة شعبية ما، حتى وإن لم تكن ضدّ الأنظمة القائمة، كما يجري في أكثر من بلد عربي في التعامل مع المظاهرات الشعبيّة والنقابات والروابط المهنية وحتّى الأنشطة الشبكية، ومع ما بقي في حدود مقاطعة شعبية للبضائع والسلع الأمريكية والإسرائيلية، والمطالبة بإصلاح حقيقي.

تسويغ التيئيس

من أسوأ صور التيئيس من الذات وإظهار العجز، نشرُ أسلوبِ التسليم المطلق في التعامل مع الإرادة السياسية والعسكرية الصهيوأمريكية، مع محاولة تسويغه بزعم أنّ هذا هو حال العالم أجمع، فلا مجال لشذوذ صانعي القرار ولا شذوذ الشعوب في المنطقة العربية والإسلامية!
هذا ما يقال عن أوروبا مثلا، ففي كلّ مناسبة من المناسبات نجد السؤال المسيطر على الذهنية السياسية والإعلامية لدينا هو:

"ما الذي يسمح به الأمريكيون للأوروبيين"!..

أمّا السؤال الموضوعي الواقعي الذي يطرحه الأوروبيون فأصبح الآن بالذات:

"ما الذي سيقدّمه رئيس الأمريكيين من جانبه كي يخفّف الأوربيون معارضتهم لسياساته، وليستجيبوا لبعض الرغبات الأمريكية" لا سيّما على صعيد ما وصل إليه واقع حرب احتلال العراق، وهو ما وصفه كثير من الساسة الأوروبيين بالمأزق الأمريكي.

ممّن كتب في ذلك مثلا المستشار الألماني الأسبق هلموت شميدت، وهو يشكّك بشدّة في محاولات التودّد الأمريكي للأوروبيين، ويشبّهها بحكاية "الذئب والأطفال السبعة" الأسطورية، فهو يتودّد بعبارات معسولة لافتراسهم، وما عاد قادرا على ذلك. ومنهم المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر، الذي طالب بإعادة النظر في وضع حلف شمال الأطلسي، ليكون ساحة حقيقية لتعامل الحلفاء بصورة مشتركة مع القضايا الدولية.

ومن الأمثلة أيضا بروفيسور إرنست أوتو تشيمبيل، أحد المراجع المرموقة في اختصاص العلوم السياسية بألمانيا، ويستعرض في أحد كتبه سياسات الهيمنة الأمريكية ويقول ((إن الاتحاد الأوروبي قادر على التصرّف بما فيه الكفاية ليمتنع عن الانسياق وراء الإرادة الأمريكية)).

ومن أراد تفصيلا فعليه بكتاب "ما بعد الامبراطورية" للكاتب الفرنسي إيمانويل تود، الذي سبق أن تنبّأ بسقوط الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، وتناول في هذا الكتاب الأسباب الذاتية، لا سيما الاقتصادية، والمتغيّرات الدولية لتأكيد نهاية حلم "الامبراطورية الامبريالية الأمريكية" التي تركّز هجماتها في الوقت الحاضر على البلدان الأضعف عسكريا وعلى الإسلام.

أوروبا لم تعد تتحرّك في حدود ما تسمح به إرادة واشنطون، بل مضت -رغم اعتراضاتها الشديدة- فعزّزت منذ مطلع التسعينات من القرن الميلادي العشرين تميّزها الماليّ والسياسي والأمني، بما يشمل تشكيل قوّة عسكرية خاصّة بها، ومضت على طريق التحرّك الفعّال في التوصّل إلى اتفاقات ومواثيق دولية جديدة، ترفضها واشنطون وترفض المشاركة فيها، مثل الاتفاقية الدولية لحظر الألغام ضدّ الأشخاص، وميثاق تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، والاتفاقية الدولية حول المناخ العالمي، وغيرها.

محترفو الانهزامية

ولا داعي للتفصيل في أمثلة أخرى تقارن بين حقيقة العلاقات الأمريكية مع القوى والدول الأخرى، وبين طريقة استيعابها أو عرضها عبر بعض الجهات العربية، كما هو الحال في الحديث مثلا عن مطالبة مجموعة شنغهاي (روسيا والصين وقازاقستان وأوزبكستان وقيرغيزيا وطادجكستان) الأمريكيين مؤخّرا بإعلان جدول زمني لسحب قواتهم من قيرغيزيا وأوزبكستان.
إنّ التمرّد العلني المتواصل والفعّال ضدّ الهيمنة الأمريكية، يتنامي بمختلف أشكاله ودرجاته، من جانب الأصدقاء والحلفاء والخصوم على السواء، ويسري في أنحاء العالم، بدءا باللاعبين الكبار –كما يسمّونهم- أي الصين الشعبية والاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي، وانتهاء باللاعبين الصغار مثل فنزويلا وكوريا الشمالية، فكأنّ المنطقة الإسلامية، لا سيّما العربية منها، هي وحدها التي يراد لها البقاء وراء قضبان موقف انهزامي يتقيّد بما تسمح به الإرادة الأمريكية، وفق ما بات يقول به العديد -وليس الجميع- ممّن يوصفون بالنخبة السياسية والفكرية والإعلامية العربية، بينما تساهم أشباه النخب الفنية والأدبية والثقافية في صناعة الفرد "المناسب" لروح الانهزامية.

وليست مهمّة التحرّر يسيرة ولا مهمّة النهوض يسيرة، ولا مهمة الحيلولة دون تحقيق أهداف الهيمنة الصهيوأمريكية يسيرة، ولكنّ هذه الأهداف وأمثالها ليست مستحيلة أيضا، فلا ينبغي التهوين من شأن أمانة حملها، كما لا ينبغي السقوط في وهدة التيئيس من القدرة الذاتيّة على حملها.

الإرث الثقيل

استقبلوا الاستقلال عند رحيل جيوش المستعمر الأجنبي وهم في مقتبل أعمارهم، وهاهم يودّعون حياتهم على رؤية عودة تلك الجيوش.

وليس بين أيدينا من تلك الأهداف الجليلة سوى الانهيار والتخلّف والتمزّق والتبعية.

كثير منّا بدأ النضال والكفاح والعمل والجهاد بالدعوة إلى تيّار أو حزب أو جماعة وتأسيس تنظيم أو هيئة أو التحرّك بانقلاب والسيطرة على السلطة، واعتبر طريقه هو الطريق، وسواه على ضلال،

لنخرج من أتّون الكوارث والنكبات، التي خلّفها هو، والتي يحمل -مع أسلافه على الطريق ذاتها- أوزارها والمسؤولية الأكبر عن وقوعها.

إنّ جيلنا المعاصر مطالَب برؤية موضوعية لذاته ولمواقعه ولحصيلة عمره. ومطالَب بإدراك أنّه لن يستطيع أن يعوّض في الفرصة الزمنية القصيرة الباقية أمامه عن خسائر الماضي إلاّ بهجره الأسباب التي أدّت إلى تلك الخسائر وبحثه عن صلة وصل أخرى، بينه وبين جيل المستقبل الذي بدأ باستلام المسؤولية على أيّ حال.

وإنّ الإرث الذي يخلّفه جيلنا المعاصر لجيل المستقبل إرث ثقيل، يستدعي الحياء وربما الاعتزال لا التشبّث بما كان معظمنا عليه.

وأوّل ما ينبغي على جيل المستقبل هو أن يحمل أمانة العمل والنهوض على نحو آخر غير الذي صنعناه، وأن يعطيها حقّها من الإيمان اليقيني، والفكر المستنير، والعلم المنهجي، والمعرفة الثاقبة، والوعي السديد، والتخطيط المدروس، والعمل الدائب، والجهد المتواصل، والصبر على المغريات والمرهبات، فذاك جميعه من شروط النهوض. وبين يدي جيل المستقبل من الإمكانات والثروات والطاقات الذاتية ما كان مثله بين أيدينا، ولم نصنع تلك الشروط للنهوض الحضاري والإنساني الذي كنّا نردّد الحديث عنه في خطبنا وكتاباتنا، ولهذا لم تتحوّل لدينا الشعارات إلى أعمال لتتحوّل الأحلام إلى حقائق.

..................................................

بون-

أو قضية العراق، وهي جهود هادفة يبذلها عدوّ خارجي، أو تبذلها من داخل الصفوف
وحكمت نفسها بنفسها، وعبّرت عن تطلعاتها دون قيود.

صانعو الموات من الخارج

تصنع المواتَ عمدا جهاتٌ أجنبية معادية وجهات داخلية ربطت نفسها بها

فكل حديث عما تصنعه تلك الجهات بالذات، حتى ولو صنعته علنا وليس في جنح الظلام، وصرّحت بمقاصدها منه هكذا باستهتار واضح دون حياء، حتى في هذه الحالة..
لننظر إذن في بعض جوانب ما يجري من صنع تلك الجهات في الوقت الحاضر، ثم سيّان بعد ذلك:

تسبب له الضرر، وتتضمّن فيما تتضمّن ترسيخَ "موات الشعوب"، وبالتالي فهي توجب العمل على معالجة الموات من خلال مواجهة تلك الأسباب الأولى ومَن يصنعها.

لقد أصبح ما يمارسه عدوّ خارجي كالصهيونية العالمية، أو طامع أجنبي كالقوى الغربية المهيمنة على استغلال النفط الخام في قلب بلادنا.. معروفا؛ فلا يتطلب ذكره تفصيلا، إنّما نرى الارتباط الوثيق بينه وبين ظاهرة ترسيخ الموات على المستوى الشعبي في بلادنا، من خلال عدد من العناصر الرئيسية،أبرزها في المرحلة الراهنة:

1- داخل عواصم بلادنا؛ فلم يعد ذلك يجري من وراء ستار، بل هكذا علنا أمام أنظار الشعوب، ولم يعد من المستهجن في وسائل الإعلام وحتى على ألسنة بعض المسئولين القول مثلا بكل تبجّح: إن واشنطن هي التي منعت عقد لقاء قمة عربية، أو هي التي أملت صياغة هذا الموقف العربي أو ذاك، وهذا القرار الرسمي أو ذاك بعد انعقاد القمم، أو إنّها تمارس الضغوط على المسئولين السياسيين فيستجيبون، بل لم يعد نادرا أن يقف وزير خارجية بلد عربي ليتحدّث هكذا جهارا نهارا عن بعض جوانب التبعية لواشنطن على الملأ، ويورد ما يورد من تعليلات مخزية!

2- نماذج التنكيل الرادع، وهو ما يزداد مفعوله عندما يرافق استعراضَ الهيمنة المذكورة جنبا إلى جنب، وقد أصبحت ضرباته الخاطفة أو الطويلة الأمد شاملة للدول والشعوب معا، بصورة مباشرة، أو عبر تمكين القوى الإقليمية المعادية من صنع ما تريد، ولئن أصبح التنكيل الصهيوني الإجرامي مثالا نموذجيا في حاضرنا "العربي المعاصر"، وأصبح التخاذل الرسمي تجاهه من أشدّ عناصر ترسيخ الموات على المستوى الشعبي في الوقت الحاضر؛ فالواقع أنّ هذا يأتي متضافرا مع سلسلة من عمليات تنكيل "نموذجية" أخرى: حرب شاملة، أو قصف صاروخي خاطف، أو حصار إجرامي، أو إهمال قاتل... وغير ذلك ممّا يؤدي -سيان نتيجة قصد مباشر أو غير مباشر- إلى أن يقف أي إنسان عاديّ أمامه موقف المشدوه المذهول؛ إذ لا يكاد يصدّق أنه يحصل فعلا وعلنا، وهذا بينما لا ينقطع حديث الساسة المسئولين والإعلام الموجّه داخل بلاده القائل:

وإنّه مجرّد فرد يعاني ما يعاني من مصائب الفقر أو مصائب البطر. كأنّما تضافر التعامل الدولي والمحلي مع نماذج التنكيل الجارية تلك على جعلها مثل الصدمات المتوالية؛ للتدويخ -إذا صحّ التعبير- أي ليستفحل "موات الشعوب" وينتشر. والأمثلة معروفة وإن اختلفت الصور والأساليب ما بين الشيشان والبلقان وجنوب الفليبين وكشمير وأفغانستان والعراق وحتى السودان والصومال.

3- التيئيس من مخرج: وله سبل وطرق عديدة، كان من أبرزها قبل الحرب ضد العراق إقحام استخدام تعبير "الشرعية الدولية" فيما يجري من تقتيل وتدمير وعدوان وفق "شرعة الغاب" المحضة، ونتيجة ترسيخ الاستبداد العالمي فحسب؛ فكأنّ المقصود بنسبة الإجرام المتواصل إلى الشرعية الدولية هو ألا يبقى أمام الشعوب بصيص أمل في أن تحصل على حقوقها المشروعة فعلا، أو أن تنال العدالة في التعامل مع قضاياها الذبيحة علنا، طالما استمرّ الترويج بأنّ هذا الذي يجري هو ما "اجتمعت عليه الأسرة الدولية" كما يقال، واستمرّت المزاعم الكاذبة بأنه هو ما يحمل صفة المشروعية لمجرّد أنّه صدر في صيغة قرار عن مجلس الأمن وإن طعنت المواثيق الدولية ونصوصها الثابتة في الصميم.

إنّ تعبير "الشرعية الدولية" الذي بات أكثر المصطلحات المزيفة انتشارا فيما يكتب ويقال بالعربية.. يتردّد -وهذا ممّا ينشر التيئيس- على ألسنة "من يمثلّ رسميا" أشدَّ المتضررين باستخدامه المنكوس ذاك؛ أي داخل نطاق المسئولين في بلادنا، وألسنة من يتبعهم أو يتبع الغرب إلى "جحر الضبّ" في سائر ما يقول ويصنع.

صانعو الموات من الداخل

المشكلة الكبرى ليست فيما تصنعه تلك الجهات الخارجية ويرسّخ نشر ظاهرة الموات، وإنّما هو فيما تصنع الجهات الداخلية في هذا الاتجاه.

مهما صنعت القوى المعادية من خارج الحدود؛ فإنّ مفعوله ردعا وتيئيسا لا يتحقق على مستوى شعوبنا العربية والإسلامية، إلا عن طريق الركائز التنفيذية المحلية، التي تسوّق ما تريده تلك القوى،

مثال ذلك قد يكون حديث واشنطن عن صور المقاومة المشروعة العربية والإسلامية لتحصيل حقوق مهضومة وفق المواثيق الدولية بأنّه "إرهاب"، ويكون إصدار واشنطن تقاريرها عن ذلك، وتوجيهها الاتهامات وإصدارها الأحكام، وفرضها الحصار والمقاطعات بدعوى مواجهة "إرهاب دولي".. قد يكون جميع ذلك مثيرا ومزعجا ومرعبا لبعض الجهات، ولكنّه لا يحقق المفعول الإرهابي الأمريكي الاستبدادي المطلوب منه تجاه شعوبنا وبلادنا، إلا عندما يجد داخل بلادنا من يتعامل مع تلك التقارير الأمريكية العدوانية وكأنها "أحكام قضاء وطني نزيه"، ويجد من يشاطر واشنطن مباشرة في سائر ما تقول أو معظمه على المستوى الإعلامي والرسمي، بل من المستحيل أن يصنع الإرهاب الأمريكي مفعوله لولا أنّه يجد محليا وإقليميا من الركائز ما يوصل مثلا إلى مؤتمر نكد كمؤتمر شرم الشيخ -في حينه- لمكافحة الإرهاب (بمعنى خنق المقاومة الإسلامية الفدائية في فلسطين المغتصبة)، أو ما يوصل أيضا إلى أن يكون الميثاق العربي الوحيد الذي صدر خلال سنين عديدة مضت، وفي حقبة "منع عقد القمة العربية" عمليا.. هو ما وقع عليه وزراء الداخلية العرب، وأبرز محاوره التعاون لمكافحة "الإرهاب"، وقد يكون فيه ما يستحق هذا الوصف فعلا، إنّما المستهدَف أكثر من سواه، كما تشهد الوقائع التطبيقية على الأرض، هو في الدرجة الأولى ما بات الاستبداد الدولي الأمريكي يعتبره "إرهابا إسلاميا" كعدو بديل عن شيوعية منهارة!

ومثال آخر: قد نرصد مفعولا سلبيا كبيرا من وراء تجنيد وسائل الإعلام في بلادنا العربية منذ عام 1967 على الأقل، لتسويق مصطلحات صنعها المنظور الصهيوني الأمريكي لقضية فلسطين، من أجل تحويلها في تصوّرات الشعوب من قضية اغتصاب وتحرير إلى مشكلة "نزاع فلسطيني إسرائيلي" انمسخ لاحقا إلى حكايات إدارة ذاتية مقيدة، وإلى أزمة "الشرق الأوسط" الإقليمية التي انمسخت -تبعا لذلك- إلى قضية حدود ومكاتب وسفارات وتعاون، تماما كما أرادت القوى الغربية المتضافرة مع الصهيونية العالمية للانحراف بالقضية المصيرية عن مسارها الأصيل. ربما كان مفعول تلك الحملة الإعلامية المستوردة عبر صحف وأقلام ارتبطت بالغرب وتصوّراته ارتباط الرقيق بالسيد المالك للرقاب.. مفعولا سلبيا على الوعي الشعبي في بلادنا بالقضية، ولكن المفعول الأخطر هو أنّ الحكومات المسئولة قد مضت على هذا الطريق، من قبل مدريد وأوسلو، كما كان في كامب ديفيد ومشروع فاس، وهي التي جنّدت ما تملكه من وسائل السيطرة الداخلية لتحويل التصورات المنحرفة إلى قرارات وتوجيهات، فساهمت بذلك مساهمة مباشرة في نشر "التيئيس" على المستوى الشعبي من إمكانية العمل للتحرير، ومن دعم من يعمل للتحرير، وذلك عبر تصوير صنيع من يصنع ذلك "إرهابا" ودعما للإرهاب تحت طائلة العقوبة!

وربما كان من أسوأ أساليب نشر الموات على المستوى الشعبي ودعمه هو تيئيس الشعوب من الحكومات، وأعجب ما في ذلك أنّ هذه الحكومات نفسها باتت تساهم في صنعه؛ فهي تبلغ بذلك أقصى درجات المخاطرة.. ليس بالبلاد فقط، بل بالمصالح الذاتية في التمسّك بالسلطة، وإلا فهل يمكن -على سبيل المثال- أن ينشر التيئيسَ القاتل شعبيا أمر أكثر ممّا نشره انعقاد مؤتمر بعد مؤتمر على أعلى المستويات؛ حيث ألقيت بعض الخطب؛ كما كان في القاهرة والدوحة وعمّان وبيروت وشرم الشيخ، ثم لم ينفذ حتى القليل ممّا أعلن على شكل توصيات أو قرارات. ثم انعقاد مؤتمرات أخرى على غير انتظار وإلحاح، ومعظمها على مستوى وزراء الخارجية، لتكرّر صورة مؤذية، مثل إصدار قرار بترسيخ المقاطعة، ثم ظهور مسئول بعد مسئول بالتصريحات العلنية الاستعراضية أمام الشعوب، في مسرحية تيئيس سياسي مأساوية مخزية، بأنّ بلاده لا تلتزم بذلك، وهذا بدءا بمصر والأردن، مرورا بموريتانيا وانتهاء بقطر، ناهيك عمّن صمت كأن الأمر لا يعنيه، وناهيك عمّن أعلن الاستهانة بهذا كله هكذا جنبا إلى جنب مع مشاهد الإجرام الإسرائيلي بفلسطين، ثم ما أضيف عليها من مشاهد الإجرام الحربي الأمريكي في العراق.

كيف نقول بعد ذلك: إنّ ما يجري من نشر "الموات" تيئيسا للشعوب يجري هكذا اعتباطا دون قصد؟

ويوجد مزيد من الأمثلة ولا يتسع المجال لها؛ فالآن مثلا لا يشذّ إلا شاذّ عن تلاقي العلماء على اعتبار العمليات الاستشهادية الفلسطينية صورة من أسمى صور الجهاد على طريق الحق ضد الباطل، ورغم ذلك لا تفتأ الأقلام ذات المداد الصهيوني أو التابع للصهيونية والاستبداد الأمريكي من ورائها تصرّ على وصفها بـ"الانتحارية"، كما تقول عنها القوى الصهيونية والغربية.
والآن أيضا لا يكاد ينقطع الجهد الصهيوني الأمريكي من أجل إثارة حرب أهلية انتحارية فلسطينية داخل نطاق الشعب الفلسطيني، عبر تجديد مهمة "الحراسة" من جانب فريق فلسطيني ضدّ آخر لمصلحة أمن العدو الصهيوني وسلامته. والفريق الفلسطيني "الآخر" معروف، لا سيما المجاهدون الاستشهاديون والفدائيون من منظمات حماس والجهاد الإسلامي، وقد بدأ يتحوّل إلى طريقهم الشطر الأكبر من منظمة فتح أيضا، علاوة على بعض المنظمات الأخرى، ثم أمام ذلك العداء الصهيوني الأمريكي لا يصدر موقف عربي رسمي واحد يدعم تلك المنظمات، ولا تتعامل معها الغالبية العظمى من الأنظمة العربية كما هي فعلا؛ كمنظمات مقاومة مشروعة ضد كيان استعماري إجرامي باطل.. بل على النقيض من ذلك تتضافر جهود فريق من الدول العربية باسم "مبادرات السلام" مع الجهود الغربية، وتصمت أخرى صمت القبور، ويتحرّك فريق ثالث بأسلوب الهيجان الفارغ المضمون من أي خطوات عملية!!

ومثال أخطر وأبعد مدى:

كما حدث في أكثر من بلد عربي؛ فمنهم من يحشر طلابه وراء قضبان الجامعات وأسوار المساجد، ومنهم من يلاحق نقابات بلده بالهراوات والاعتقالات، ومنهم من يساهم على الأقل في التعتيم على هذا وذاك وأمثاله.

إنّ هذا الذي نسميه "موات الشعوب" (ونعني به عدم تفاعلها تفاعلا حيا مع الأحداث الدامية والمصيرية في أرض فلسطين المغتصبة) إنّما "يساهم" في صنعه أعداء خارجيون، وعداؤهم ظاهر للعيان، ولا ينتظر إنسان عاقل واقعي منهم سوى العداء،

ولكن يصنعه أيضا على أرض بلادنا أناس من داخل صفوفنا، بعضهم يحمل المسئولية في الأصل عن مكافحة مظاهر موات الشعوب لا ترسيخها، وإنّهم في ذلك لا يصيبون بالضرر الكبير مصالح بلادنا وشعوبنا وقضايانا المصيرية فحسب، بل أصبحت مصالحهم ومنافعهم الشخصية الذاتية أيضا غير مضمونة، ومثل هذا السلوك لا يمكن وصفه بأقل من "الانتحار السياسي".
.......................................................................................................


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى