الخميس ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم فؤاد وجاني

شعبي العزيز...

وخطب الملك مستهلا خطابه كما جرت عليه العادة في المغرب السعيد بعبارة بدأت أشك في مغزاها: "شعبي العزيز"، وصوّت في خطابه بنعم على استفتاء حول مشروع دستور كتبه أعوانه، وفوق كل هذا وذاك قيل إن الدستور صفحة جديدة في تأريخ المغرب، فطبل المطبلون، وزغرد المزغردون، ونقنقت أحزاب المخزن: نعم للدستور، نعم للدستور، وكل ذلك على نفقة الشعب، ومنهم من قبض ومنهم مازال دائنا لوزارة الداخلية ينتظر ثمنا لحنجرته.

دستور أمة يضبط أحوالها وينظم قوانينها ويحدد ممثليها يُكتب في أيام معدودات كثُر فيها فسوق الهمجيين والجلادين ورفث أصحاب السوابق الإجرامية وجنون الحمقى والمعتوهين الذين استعان بهم المخزن ليفرض الاستفتاء بنعم قسرا. وهبت الحافلات المدرسية من كل مدرسة عمومية إلى دور الصفيح والقرى وكل بنيان عشوائي لتقل المعوزين وقليلي الحيلة والذين ضاقت بهم سبل التعليم إلى صناديق الاقتراع، ولم ينس المخزن أن يجند المقدمين والشيوخ والشيخات و"الطعارجية" و"الدقايقية" وشيوخ الزوايا "الصوفية" ويزود أئمة الجمعة بخطاب موحد وإن اختلفت الوسائل وتعددت الطرق: نعم للدستور ، نعم للدستور. وأغلبهم لم يقرؤوا ما جاء به الدستور إن كانوا يحسنون القراءة أصلا.

وويل لمن يمرق مروق السهم من خطاب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من الأئمة الشرفاء الذين أبوا أن يبيعوا ضمائرهم ودينهم ويتلوا مانزل به الوحي المخزني من "نعم" أنعم علينا بها "جلالة" الملك، فكان مصيرهم التوقيف لأنهم قالوا للناس خيرا: قاطعوا، وبعضهم لم يقل شيئا. وزج المخزن في معركته الخاسرة ببعض الأفارقة المقيمين بالمغرب والذين لا يجيدون حتى تشديد السين فما بالك بنطق حاء "محمد السادس" ولا حاء "ملكنا واحد" ليبين عن قلة حنكته في تدبير أزماته، فكيف يدير أزمات الشعب من لا يحسن تدبير أزماته؟

وقبضت الأحزاب وعلى رأسها حزب الاستقلال مبلغ 900 مليون سنتيم وحزب الأصالة والمعاصرة 800 مليون سنتيم، أي أقل بقليل عما قبضته شاكيرا ليرقصوا للمخزن في مهرجان الاستفتاء الذي لم تطل أيامه أكثر من مهرجان موازين. ولم ينس بن كيران -الذراع السياسي الديني الذي يلعب دور المعارضة الإسلامية الكاذبة- التشمير عن سواعده ليسخر من الأمازيغية والبربر مجسدا تجسيدا مكشوفا عقلية المخزن.

وحسِب المخزن أنه مازال يعيش فترة الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات وأنه قادر على إسكات صوت الحق وإخماد لهيب الشعب بالمال تارة والوعيد أخرى وإرسال الهمجيين بالهراوات وأسلحة السب والشتم والبصق. ولم ينفع شيء، ولا شيء ينفع ضد حركة باتت هي الشعب.

مايؤلم أن العالم أصبح يعلم أن المخزن مزور لاستفتاء غير ديموقراطي لم يكتب فيه الشعب حرفا واحدا مما يضر بصورة المغرب، فهل يصدق عاقل تصويتا بالإيجاب بنسبة 98.5% من المقترعين، وكأننا في عصور الظلام الوسطى! كان من الممكن أن يقولوا افتراء أن نسبة المصوتين بنعم من المقترعين 70% أو حتى 75% حفاظا على ماء الوجه ومسايرة لروح الديموقراطية التي لا تعرف الإجماع، أما أن يشجوا رؤوسنا ب98.5% فهذا من قبيل المحال في منطق العقل قبل عرف الديموقراطية .

بعد تفحص ثاقب للدستور نكتشف أنه مجرد بيعة جديدة وتكريس للولاء للعرش، وفيه نأي عن كل إصلاح حقيقي وإغلاق لأبواب مغرب القرن الحاي عشر أمام المغاربة، فالملك مازال يتحكم في الدين والجيش والأمن، ويعين السفراء وعمال الأقاليم والولاة، وينصب رئيس الوزراء من حزب الأغلبية في البرلمان، ولا يستطيع الوزير الأول أن يحل البرلمان إلا بعد استشارة الملك.
ويرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وله أن يوافق بظهير على تعيين القضاة من قبل نفس المجلس الأعلى، ومازال الضامن لاستقلال القضاء، والجلسات تفتتح باسمه والأحكام تصدر باسمه وليس باسم الشعب، ومازال يرأس المحكمة الدستورية. المحصلة واحدة: هذا الدستور لا يختلف مغزىً ومحتوىً عن سابقيه الستة منذ فجر استقلال المغرب في 1956، فالدساتير السابقة كانت تصاغ إخمادا لكل بوادر ثورة، لكن الزمن قد تغير والشعب قد تبدل، وسيفشل الدستور الحالي فيما نجحت فيه الدساتير السابقة.

إن ما يقلق المغاربة اليوم ليس الاستبداد وحده الذي يتشبث به النظام بل العقلية التي مازال وحكومته ووزراءه وأحزابه يتعاملون بها مع فئات الشعب المغربي والتي لا يمكن أن يقال عنها إلا إنها عتيقة وصدئة في زمن سرعة التواصل عبر الفيس بوك واليوتوب وتويتر وخدمة الرسائل متعددة الوسائط و القصيرة، تقنيات بات يتقنها حتى أطفال الشعب قبل كباره في البحث عن الحقيقة ونشرها بمنأى عن الوسائل الرسمية وعلى رأسها بوق النظام ووزير نكبة اتصاله خالد الناصري.

وإن الناس لترى وتسمع ما يحدث داخل برلمانات ومحاكم الدول الغربية المقببة، وتطلع على تشريعاتها ودساتيرها، وتتابع أخبار رؤسائها وملوكها بنقرة فأرة حاسوب ولوحة مفاتيح، وتقارن بينها وبين دستور وبرلمان ومحاكم وملكية الدولة "الإسلامية" المغربية، لذلك فإن التغيير ليس مطلبا شرعيا للشعب بل للعصر أيضا.

لقد جاء الدستور الجديد خارقا لكل معاني العدل والمساواة والديموقراطية، مكتوبا على مقاس المنتفعين من الملكية المطلقة حتى لا يضرهم ولا يُحاسبون يوما من الأيام، وهو ما رفضه الشعب المغربي الذكي. أضف إلى كل هذا حكومة ضعيفة قضت كل السنوات الماضية في تثبيت أبنائها وأقاربها وخِلانها في مناصب حكومية رفيعة متناسية أن وظيفتها الأولى هي خدمة الشعب، فكشفت الأحزاب التي كانت بالأمس معارضة بعد توليها رئاسة الحكومة عمالتها للظلم ونفاقها لأجل الوصول إلى الكراسي على حساب أحلام الشعب وآلامه ومستقبله، حيث إن أول ما قاله الوزير الأول عباس الفاسي إبان تعيينه عندما سأله أحد الإعلاميين عن سياسة حكومته الجديدة : " برنامجنا هو برنامج سيدنا"، لتكون هذه الحكومة نفسها تكريسا لسيادة الملك المطلقة والتي باتت أمرا متجاوزا عنه في الحرية التي يشهدها العالم اليوم.

إن استمرار الزواج الكاثوليكي بين السلطة والمال في المغرب سيؤدي في النهاية إلى الخلع من قبل الشعب، وإن النظام الذي لايساير متطلبات العصر المعقولة ولا يستجيب لطموحات الشباب الحقة سيصغر مقاسه وسيطرحه الشعب كالأسمال البالية في سوق التأريخ كما طرح دساتيره، واحتفاظ الملك بكل السلطات لن يقوي تمسك الشعب بالعرش بل سيزيد من امتداد رقعة الظل الذي يحمي المفسدين مما يضر مباشرة بصورة الملك، وسيدفع الشعب إلى المطالبة باسقاط النظام بدل اسقاط الفساد، ولا حل سوى الملكية البرلمانية لتجنيب المغرب كارثة الصراع بين الشعب والسلطة، حينها فقط سيكون لمقدمة: "شعبي العزيز" أثر جد عزيز في نفوس الشعب أيها الملك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى