الخميس ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١١

الشرطي والوزير!

فوزي صادق

قبل أسبوع، وكما يقال صبّاحي، وبمعية قهوتي السوداء، كنت في طريقي إلي سوق شعبي شهير، فأردت أن أستغل الوقت وأستمع إلي إذاعة الكويت، والتي طالما أحببت برامجها منذ طفولتي، فرجع بي برنامج ( مراحب الشهير ) عشر سنوات للوراء، إذ تذكرت حينها قصة الوزير والشرطي أبو شارب، كما وصفه مذيع البرنامج الكوميدي الزميل هاني، إذ قال:

في العطلة الأسبوعية الرسمية لأنجلترا، أرتكب وزير بريطاني مخالفة مرورية بوسط سوق لندن، إذ أوقف سيارة الحكومة بالموقف المخصص لذوي الأحتياجات الخاصة، وبعد عودته من التسوق وجد تذكرة المخالفة مُلصقة على نافذته وبها أسم الشرطي الذي حررها ورقم شارته، وبينما هو ( الوزير ) يغادر الشارع، شاهد الشرطي الخمسيني وجهاً لوجه!

بعد مرور أسبوعان من الحادثة، رن تلفون منزل الشرطي، وكان المتصل مكتب الإدارة العامة للمرور بمحافظة لندن، وقال له ( راجع إدارة المرور حالاً )، فقال الشرطي لزوجته، أنا كنت أعرف أنهم سيتصلون بي، وأستباقاً للأحداث وضعت بدلة الشرطة مع الشارة بهذا الكيس، وسأسلمها لهم مع أستقالتي، فأستشاطت الزوجة غضباً، وأقنعته أن يوكل محامياً للقضية قبل يتهور بقطع رزقه، وما أن دخل الشرطي مطأطأ الرأس على مساعد وزير الداخلية، تفاجأ بوجود الوزير صاحب المخالفة جالساً أمامه، فأخبره المسؤول بالداخلية: لقد أخبرنا معالي الوزير بكل ماحدث، وكيف إخلاصك في عملك لم يتأثر أمام كبار مسؤولي الدولة، لذا فقد قدم الوزير توصية خاصة بك إلي وزير الداخلية، وهي بترقيتك شارتين تحتاج عشر سنوات حتى تحصل عليهما، وزيادة في راتبك تعادل الضريبة الحكومية التي تخصم من رابتك الشهري، وهذا ظرف به مبلغ قدم لك من صندوق الإعانات الخاصة برواتب الشرطة، كمكافأة لجهودك وإخلاصك لعملك ووطنك، فأبتسم الشرطي والغبطة تملأ محياه.. حتى تحولت الإبتسامة إلي بكاء من السعادة، ورجع إلي زوجته وأخبرها بكل ماحدث.

لنعود أحبتي إلي واقعنا وحاضرنا في السوق الشعبي، فحاولت على مضض الحصول على موقف، لكن لم أجد، مع إني أحتاجه فقط لمدة خمس دقائق لشراء حاجتي، فأنبعثت بعقلي فكرة ( أختبارية ) لعلها ُترزق النجاح، فأوقـفت سيارتي بزاوية رأس السوق المزدحم بالناس، وما أن هممت بمغادرة السيارة، حتى سمعت صوتاً كالرعد يأمرني بتحريك سيارتي، فعرفت إنه البوليس السري، فأدمت النظر هنا وهناك حتى أصطدت سيارته المختبأة! فذهبت إليه وطرقت زجاجة سيارته، فخرج مستغرباً، فأعطيته كرتي الخاص، ونفخت ريشي أمامه كالطاووس ببدلتي الأفرنجية، وقلت له: أنا المؤلف الفلاني والكاتب العلاني، حتى أبتسم وقال لي وقال: عادي سيدي، خذ راحتك وتسوق!، وبعد مرور خمس دقائق لا أقل، رجعت له ثانية فأستقبلني بحفاوة منقطعة النظير، فقلت له: هذا ليس من صالحك! وأنت خسرت الأختبار، فتفاجأ وقال لماذا؟ أنا خدمتك ، فـقاطعت كلامه: النظام فوق الجميع، ولايجوز أن تسمح لي أو لغيري بالقفز على القانون.. لذا سأكتب فيك مقالاً بالصحف، فخاف وترنح وأرتعدت فرائصه، وقال أرجوك لاتذكر أسمي، هذا رزقي ورزق عيالي، فقلت له: لاتخف، فقد أردت أن أجعـل من قصتك عبرة وللناس ذكرى، وكيف أضع أمام عقول الناس المفارقة بينك وبين الشرطي الانجليزي، مع فارق عقد كامل من الزمن! إنها وبالدقة إختلاف في الثقافات.

سيدي القارئ الكريم، أنا هنا لا أغمز أو ألمز إلي شخص بعينه، أو إلي إدارة حكومية معينة، يقال في الأمثال: المساواة في الظلم عدالة، والعتاب للجميع ولنفسي أولاً، ومع الأسف إنها ثقافتنا التي تربينا عليها، وإنصافاً لي ولقومي، الثقافة التي تربي عليها معظم أبنائنا منذ نعومة أظفارهم، وتعودنا أن نرى مثل تلك المشاهد تتكرر يومياً أمامنا.

لكن! أمل التغيير والتطوير لم ولن ينقـطع والحمد لله، حيث نعيش هذه الأيام أنتفاضة تعليمية تصحيحية لكل أبناء المجتمع، وللجنسين معاً، وفي عدة نشاطات، ثقافية وسلوكية وأجتماعية.. وشهادتي من أهلها، أني أعيش التجربة شخصياً، وبعيداً عن ذكر الأسماء وبراءة من التملق والتعلق، وبمبادرة نادراً ما تتكرر بمملكتنا الغالية، فقد أقدم مسؤول رفيع المستوى وبرتبة وزير، وبشخصه، بالتخاطب يومياً بوسيلة التواصل الإجتماعي الفيس بوك، كي يسمع هموم الجمهور مباشرة، وبدون وسائل أجراءات روتينية وتعطيلية وأنتظارية، وبنظام سياسة الباب المفتوح.. فأتمنى أن يكون الكل على قدر من المسؤولية، وأن يتحمل التكليف المنوط به، وأن يرى الله وإنسانيته أثناء تأدية عمله كما وجدنا الشرطي ( أبو شارب ).

فوزي صادق

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى