الخميس ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم بوعزة التايك

الشجرة الملعونة

تلك الشجرة التي تفتخر على جارتها بأنها ذات أصول وجذور تضرب في أعماق الحضارة والتي ترفض أن تعيش بين أغصانها الطيور المقهورة ولا تقبل أن يجلس المرضى والمسافرون تحت ظلها.. تلك الشجرة التي تتباهى على جارتها بأن أوراقها وأغصانها وفواكهها لا يشبهها لا الذهب ولا المرجان والتي تنادي على الثعابين لتأكل بيض العصفورة الحنون ولا تقول أبدا شكرا لله عندما تنزل القطرات الملائكية..

تلك الشجرة ستضرم فيها السماء النار ذات مساء عندما يكون العصفور اليتيم قد وجد أخيرا قبر أمه وأبيه. سينقض عليها يوما وحش غريب في الوقت الذي ستوضع فيه مائدة للطيور الجائعة. ستمحى من الأرض يوم يصل المسافرون إلى واحة الفضيلة.

تلك الشجرة لن يتذكرها أحد. لن تبعث كالأشجار يوم القيامة. لن يقوم لها مقام حتى في الدار الآخرة ولن تجد لها مكان حتى في الجحيم.

تلك الشجرة من كان يحلم بأن يستظل بها لن تمحى ذنوبه ومن حاول الأكل من فاكهتها لن يستمتع بأغاني عصافير الجنة .

تلك الشجرة سيتبرأ الأنبياء من الطيور التي كانت تنوي بناء أعشاشها بين أذرعها. تلك الشجرة التي كانت تأبى إطعام المسكين والتي كانت تمنع الضيف من المبيت تحتها لن يبقى لها أثر حتى في اللوح المحفوظ. هذا ما قالته لي الأشجار المظلومة و أنا أمر وسط دموعها. قالتها لي الطيور العرجاء التي لا أجنحة لها. قالتها لي أغصانها وهي تندب حظها لأن القدر كتب عليها أن تكون من رحمها.

تلك الشجرة التي كانت لا تستضيف إلا الذئاب والنسور الجشعة.. التي كانت لا تطعم إلا الطيور التي لا أصل لها والتي كانت لا تقبل سماع أغاني الخلود.

تلك الشجرة، أين هي الآن؟ لم يعد أحد يتذكرها، لم أعد أراها، لم تعد تتذكرها حتى التربة التي كانت نابتة فيها. أما تلك الأشجار الجميلة الكريمة التي تحمد الله صباح مساء كان الفصل فصل ربيع أم فصل جفاف. تلك الأشجار لا زالت في مكانها و التي لا زالت الطيور المؤمنة تقصدها للنهل من فواكهها والنوم بين أحضانها..

تلك الأشجار ستكون أول من يبعث يوم الحساب وسيجلس رسولنا الكريم بين خدودها لطلب العفو والمغفرة لأمته التي تاهت تيها لا حدود له. ستغرسها الملائكة على ضفاف الكوثر .

تلك الأشجار، تلك الحقول والغابات والجبال والأنهار والبحار ستبقى دائما تطعم الناس لأن هذا ما خلقت له. ستبقى تستقبل التائهين والمستضعفين. ستبقى فاتحة صدورها لكل مطرود طردته الشجرة الملعونة التي لا تؤمن إلا بروح الشياطين.

ستبقى أشجارنا دائما أجمل من تلك الشجرة التي لا تهوى إلا النعيب. ستبقى أشجارنا دوما أحلى من تلك الشجرة التي لا تتذوق إلا صراخ اليتامى والقتلى. ستبقى أشجارنا يانعة، خضراء، تغازل أغصانها خيام الملائكة. ستبقى فواكهها تحمل طعم الفواكه التي كانت توضع على موائد الأنبياء والرسل. ستبقى فواكهنا هي فواكهنا لها مذاق التين والزيتون. وسنبقى نحن وتبقى ضحكاتنا وضحكات أطفالنا وحكايات جداتنا. ستبقى رمال صحارينا وعلى أكتافها آثار قوافلنا وصهيل جياد مجاهدينا .

ستبقى لأننا لا نتحدى السماء. لأننا لا نتهكم على القضاء والقدر. سنبقى لأننا خلقنا لنبقى. لأننا خلقنا وبجانبنا كتابنا المقدس. سنبقى رغم حقد الشجرة الكريهة الماكرة. سنبقى رغم تلك الشجرة التي تكره حتى نفسها. سنبقى أيتها الشجرة التي أغصانها ثعابين وفواكهها أفاعي. سنبقى، فموتي بغيظك ومكرك وخداعك وكراهيتك. سنبقى وها هو التاريخ يحكم بيننا وﺇن كذبت فاسأليه وسيجيبك أننا كنا دائما نبعث من الرماد والهزائم.

و ستجيبك السحب أننا كنا دائما نوجهها نحو الأراضي القاحلة وستجيبك الرمال أننا من جنس لا يموت وأن الواحات لم تخلق إلا لنا وأن قوافلنا لا أول لها ولا آخر.

إسألي من تريدين ،ثم اسألي نفسك أيتها الشجرة الخبيثة. ألم نأويك بعد أن طردتك كل غابات الدنيا؟ ألم نفتح لك صدورنا يوم اختنق صدرك من حدة الحصار؟ ألم نطفئ النار التي أضرمها فيك أعداؤك؟ اسألي نفسك أيتها الشجرة ولو مرة واحدة في حياتك : لماذا أنت شجرة ونحن أشجار؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى