الاثنين ١٥ آب (أغسطس) ٢٠١١

نصر العاشر من رمضان

عبدالرحمن يوسف

صفحة ناصعة البياض في التاريخ المصري الحديث‏,‏ صفحة حرب العاشر من رمضان‏,‏ والتي تعودنا أن نحتفل بها في التاريخ الإفرنجي‏,‏ في السادس من أكتوبر من كل عام‏,‏ ولكننا فوجئنا هذا العام باحتفال لم نتعود عليه في المناسبة الهجرية‏,‏

بشكل أعاد لنا ذكريات أيام حكم الرئيس السادات, الذي لو استطاع أن يحتفل بهذه المناسبة بالتقويم الصيني لفعل, فهو يعتبر نفسه صاحب قرار الحرب, وهو الذي تحمل المسؤولية السياسية عن هذا القرار, وسيذكر له التاريخ ذلك, لذلك لا عجب في احتفائه بهذه المناسبة, إذ لولاها لطعن الطاعنون في شرعية حكمه.

لست ألوم الإعلام الرسمي علي تذكيرنا بهذه المناسبة العظيمة, ولكني أعتقد أن الإلحاح و(الزن علي الآذان) الذي اتخذته الأجهزة الإعلامية أسلوبا لم يكن أمرا ضروريا, إذا كان الهدف مجرد التذكير.

لقد تمت استضافة عشرات الضيوف من خارج القوات المسلحة ومن رجال القوات المسلحة الذين اشتركوا في هذه الحرب العظيمة, وكانت النغمة واحدة في حوار الجميع, وهي أن هذه الحرب لم تأخذ حقها, ولم تكشف أسرارها, وأن أبطالها لم يكرموا, وأن هناك قصصا لبطولات خارقة لم يحكها أحد. وأحب أن أسجل هنا أنني أؤيد كل دعوة لتكريم أبطال حرب أكتوبر الحقيقيين, هؤلاء الأبطال الذين ألقوا في سراديب الإهمال ونكران الجميل علي يد النظام السابق الذي لم ير في حرب أكتوبر( أو العاشر من رمضان) سوي ذريعة لاستمرار الحكم إلي الأبد, وتكريم رئيس فرد, وإظهاره بمظهر البطل الأوحد في هذه الحرب. ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل: كيف يكون كلام الضيوف الذين استضافهم الإعلام صحيحا بعد ما يقرب من أربعين سنة من الحكم بشرعية أكتوبر؟

أبعد كل هذه السنين يقال لنا إنها حرب مظلومة ولم تأخذ حقها ؟ ما المقصود من كل هذا التمجيد في القوات المسلحة في مناسبة لم نعتدها ؟

أسئلة من حق الرأي العام أن يعرف إجابتها.

إن الإصرار علي تعظيم ذكري الثالث والعشرين من يوليو قبل عدة أسابيع, والإصرار علي الربط المتعسف بين ثورة يوليو التي قام بها الجيش, وبين ثورة يناير التي قامت بها الأمة, ومحاولة تصوير ثورة يناير وكأنها تكملة لما حدث في يوليو, ومحاولة إظهار القوات المسلحة وكأنها شريك في ثورة يناير, وإجهاد المؤسسات الإعلامية الرسمية بما يشبه المن علي الشعب المصري بأنه يملك جيشا لا يطلق الرصاص علي المتظاهرين, والتذكير بما يحدث في سوريا واليمن وليبيا, يجعل من المشهد كله مشهدا غريبا لا يدل سوي علي رغبة في إضفاء شرعية علي المجلس العسكري, بحيث من الممكن أن تستخدم هذه الشرعية في غير أغراض المرحلة الانتقالية, ويجعل من الجيش بقرة مقدسة لا يمكن أن تحتويها قوانين الدولة أو دستورها, ويجعل الشعب عالة علي أفضال الجيش, وكل هذا إن دل علي شيء فيدل علي تصرف غير حكيم, قد يؤدي إلي كارثة في المستقبل القريب, أو في المستقبل القريب جدا.

لا خلاف علي عظمة حرب أكتوبر, ولا خلاف علي أن ثورة يوليو صفحة مجيدة في تاريخنا, ولا خلاف علي عظمة دور جيشنا المحترم في كافة مراحل تاريخنا الوطني.

ولكن علي الجميع أن يحترم شرعية ثورة يناير, وعلي الجميع أن يعلم أن الشرعية الآن للصندوق, وأن عهد الحكم بضربة جوية أو برية أو بحرية قد انتهي.

ليس الهدف من المقالة استعداء أحد ضد أحد, وليس الهدف من المقالة تهميش أي مؤسسة من المؤسسات, ولكن الهدف هو أن تتقدم مصر خطوة إلي الأمام, وذلك لن يتم إلا بأن يخضع الجميع( أفرادا ومؤسسات) لحكم القانون والدستور, وأن يتوقف كل صاحب سلطة عن العبث بعقول الناس عن طريق أجهزة الإعلام التي تعودت علي جعل الحق باطلا, والباطل حقا. سيظن البعض أنني ضد المؤسسة العسكرية, وأنا أقسم أنني لست كذلك, ولكني أحب أن أري المؤسسة العسكرية في ثكناتها, ماديا ومعنويا.

فليس هناك من معني لوجود الجيش في ثكناته بينما هو فوق القانون, أو له وضع دستوري يجعله دولة مستقلة.

قد يغضب هذا الكلام البعض مني, وقد يراه بعض أبطال القوات المسلحة تجاوزا في حق المؤسسة, ولكني أزعم أنني أنتمي لجيل يري مصر بشكل مختلف, ومن حق هذا الجيل أن يعبر عن نفسه الآن, بلا خوف, وبلا اعتبارات شكلية تجعله يؤجل أحلامه إلي الأبد.

لذلك أرجو من السادة في القوات المسلحة, وفي أجهزة الإعلام أن يحتفلوا مع كل مناسبة بالحجم الذي يلائمها, ولا يتم توظيف أو استخدام أي نصر عسكري حققته الأمة كلها من أجل أي أغراض سياسية, لأن هذا الأسلوب استخدمه من استخدمه عبر عشرات السنين وكانت النهاية التعيسة مصير الأمة المصرية كلها.

باسم جيل جديد, احترموا ذكاءنا قليلا, خصوصا بعد أن أثبتنا أننا أذكياء.

للتعليق على المقال في جريدة الأهرام

عبدالرحمن يوسف

المقال منشور بجريدة الأهرام 13-8-2011 م


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى