السبت ٢٠ آب (أغسطس) ٢٠١١
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

بين مفدي زكريا و الفيس بريسلي

.. وكيف يمكن مقارنة شاعر جزائري كبير بمغني أمريكي شهير؟.. أي قاسم مشترك يجمع بين كل من مفدي زكريا والفيس بريسلي؟.. هل توجد محطات متشابهة في رحلة كل منهما؟.. تساؤلات موضوعية طرحتها في مستهل مقالة مطولة نشرتها بملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية بتاريخ 14 أفريل 1986 وأتذكر اليوم هذه المقارنة، تزامنا مع تخليد ذكرى وفاة شاعرنا العملاق مفدي زكريا.

لا بأس إذن من أن نعود قليلا إلى الوراء، وننطلق من حيث ينبغي أن تكون البداية.
يوم الأربعاء 17 أوت 1977 الموافق لثاني رمضان 1397 تعلن وكالة الأنباء التونسية عن وفاة الشاعر مفدي زكريا بسكتة قلبية عن عمر يناهز 64 سنة. وقبيل ذلك بيوم واحد فقط، أي الثلاثاء 16 أوت 1977 تناقلت جميع وكالات الأنباء العالمية خبر وفاة المغني الأمريكي الفيس بريسلي عن عمر 42 سنة. من هنا إذن نمسك رأس الخيط كما يقال.
بدون انغلاق على الذات، أو تعصب مقيت لإنتاجنا المحلي، نقول : شتان ما بين اهتمام واهتمام يومئذ، على أعمدة صحافتنا الوطنية.

إذا كانت الصحافة الأمريكية والغربية، قد كتبت الصفحات الشاملة عن مطرب الروك أندرول مباشرة بعد وفاته، فلها عذرها الذي يفرض علينا الإعجاب والتقدير على هذا الاهتمام الذي نفتقده، وفي نفس الوقت، لا نلومها إذا ما أغفلت أو تجاهلت مجرد ذكر خبر وفاة شاعر الثورة الجزائرية، فهذا شيء لا ننتظره منها.. لكن الأمر يختلف هنا عندنا، ليعكس صورا متخلفة مختلفة عن الإهمال واللامبالاة، والجحود والاستلاب.

ما رأي القراء إذا قلنا بأن صحيفة المجاهد اليومية الوطنية الناطقة باللغة الفرنسية، لم تتبرع حتى بنشر خبر وفاة الشاعر مفدي زكريا؟.. بل إن عائلة الفقيد، دفعت نقدا ثمن نشر إعلان صغير عن نقل جثمان الشاعر المرحوم إلى أرض الوطن، ليدفن بمسقط رأسه، ومع ذلك نشر الإعلان، بعد أربعة أيام، بنفس الصحيفة، ناقصا وفي زاوية مظلمة مهملة وسط الإعلانات الكبيرة.. في حين تطوعت في نفس الأسبوع لنشر عدة كتابات عن حياة وأعمال المغني الفيس بريسلي.

و لعل أكبر اهتمام بهذا الحدث، عبر صحافتنا الوطنية، هو الذي أبرزته جريدة الجمهورية حيث نشرت بعددها ليوم السبت 20 أوت 1977 المصادف لليوم الوطني للمجاهد، بصفحتها التاسعة خبر وفاة الشاعر مفدي زكريا، ووفاة مطرب الروك أندرول، جنبا إلى جنب، يا للمصادفة!..

فالخبر الأول يضم حوالي 50 كلمة، بينما يشمل الخبر الثاني ثلاثة أضعاف هذا الرقم، أي حوالي 150 كلمة، هذا هو الفرق الكمي الأول في المقارنة، لصالح المغني الأمريكي.
ومن غير أن ندخل في كثير من التفاصيل المحرجة، أو نذهب بعيدا في نبش أعماق الذاكرة.. يحق للقارئ الكريم أن يتساءل معنا الآن بمرارة: ثم ماذا بعد كل هذا؟.. من المسؤول عن مثل ذلك التقصير والإهمال واللامبالاة، في حق شاعر كبير تسكن الجزائر فكره و جوارحه، وحياته ونضاله؟..

المهم، ما مضى فات.. والأهم هنا هو ضرورة أخذ العبرة، من عودة الاعتبار لشاعر ثورتنا المجيدة،مما يدفع إلى مضاعفة الإهتمام برموز النبوغ الجزائري في دنيا الأدب والفكر والصحافة، بجمع وطبع أعمالهم، وبمنحهم الجوائز والأوسمة، وبإطلاق أسمائهم على مراكزنا ومؤسساتنا التعليمية والثقافية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى