السبت ٢٠ آب (أغسطس) ٢٠١١
بقلم أحمد الخميسي

ثورة يقودها أعداؤها!

يلح على حين أتأمل ما يجري في مصر مؤخرا أن ثمة ثورة.. يقودها أعداؤها ! ولعل المثال الأخير أعني محاكمة أسماء محفوظ أمام محكمة عسكرية يظهر مجددا متى يتشدد المجلس العسكري ومتى يتراخي. ولست هنا في معرض الدفاع أو الهجوم على أسماء محفوظ، لكني فقط أتأمل ما يقوم به المجلس الحاكم. وأغلب الظن أن " المصلحة المشتركة " التي ربطت الجيش بحركة 25 يناير قد تبخرت بتنحية مبارك، وقد كان للجيش مصلحة في تنحية مبارك، حفاظا على النظام وعلى استمراريته بحيث لا تفجره حركة غضب شعبية. مبارك الذي خدم السياسة الأمريكية – والإسرائيلية - والرجعية العربية لثلاثين عاما، تحول من قوة قادرة على القيام بالخدمات المطلوبة إلي قوة معرقلة ينبغي إزاحتها. نقطة اللقاء بين الجيش و 25 يناير كانت تنحية مبارك، والقيام ببعض الإصلاحات السياسية التي تتركز في تعديل الدستور وتقليص صلاحيات الرئاسة وتحديد مدتها وإجراء انتخابات يفترض أن تكون نزيهة. ثم افترقت الطرق بالجيش وبحركة 25 يناير، ومضى كل في طريقه. وقد وجد الجيش نفسه في موضع " قيادة الثورة " التي هو خصمها، لأن الثورة كانت ومازالت تطمح ليس لإزاحة أشخاص بل لإزاحة سياسات ونظام، بينما كان الجيش ومازال يطمح للحفاظ على السياسات والنظام. هكذا غدا الجيش قائدا لخصومه، وزعيما أعدائه، ورئيسا لحركة يقف ضد أهدافها.

ومع احترامي لدور الجيش الذي لم يقمع حركة 25 يناير، ورفض في معظم الأوقات إطلاق النار على المتظاهرين، إلا أن ذلك لا ينفي أبدا أن الجيش كان دائما، مع الشرطة، عماد كل دولة وعماد كل قهر داخل الدولة. ولكي تكتمل الصورة يمكن أن نقول إن الجيش والشرطة والمخابرات هي أدوات القمع التاريخية. وإذا لم نتحرج من تسمية المشير طنطاوي رئيسا لمصر ( إذا لم نتحرج حسب تعبير هيكل )، فإن المشير هو الشخص الذي لازم النظام المصري لأكثر من ثلاثين عاما في أرفع المواقع دون أن نسمع منه كلمة اعتراض واحدة على أي شيء، ولم يزد دوره عن كونه جزءا من صميم نظام مبارك بل والجزء الذي حمي تلك الدولة، وحمى سياسة حصار غزة، وسياسة فتح قناة السويس لضرب العراق، وبيع الغاز لإسرائيل، بل وبناء جدار فولاذي بمساعدة مباشرة من الجيش على حدودنا مع رفح، وهلم جرا. ولا أظن أن المشير، لم يكن على علم بكل ذكل وهو في قمة السلطة ثلاثين عاما، ولا أظن أنه لم يكن طرفا في كل ذلك ؟!

ومنذ تنحية مبارك – سواء بإرادة 25 يناير أو بإرادة 25 يناير والجيش وأطراف أخرى دولية – تبددت نقطة اللقاء الرئيسية بين الجيش والناس، وبهتت المصلحة المشتركة، وصرنا نسمع ونقرأ عن إلقاء القبض على المتظاهرين أمام سفارة الكيان الصهيوني في القاهرة في 22 مايو هذا العام ؟! وتقديم بعضهم لمحاكمات عسكرية ؟ وقانون تجريم الاعتصام والتظاهر؟ والتسويف المستمر في محاكمة مبارك وتفريق مظاهرة العباسية بالقوة الفظة، وفض اعتصامات ميدان التحرير بالقوة أيضا. ولم يعد خافيا على أحد ذلك التحالف الواضح بين الجيش وحركة الأخوان، ولا خافية أيضا تلك المشاورات المستمرة بين قادة الجيش والمبعوثين الأمريكيين بشأن ما ينبغي عمله في مصر.

كل ذلك لا ينفي ضرورة الحفاظ على موقف الجيش الإيجابي النسبي من 25 يناير، لكن مع إدراك أن هذا الموقف مرتبط أولا وأخيرا بقدرة وحجم الضغوط الشعبية واستمرارها.
لا يريد أحد، وليس من مصلحة أحد فتح معركة مع الجيش، لكن لا يمكن أن يظل خصوم الثورة هم قادتها ! فبينما تحتشد الثورة بمشاعر العداء لإسرائيل نجد أن قادة الثورة، المتحكمين فعليا في السلطة، وتحديدا سمير الصياد وزير الصناعة والتجارة قد التقى في يونيه بوفد أوروبي من بنك التنمية والتعمير للحصول على قرض بعد موافقة إسرائيل على القرض ! وبينما الثورة تحتشد بأماني الديمقراطية نجد أن قادة الثورة، المتحكمين فعليا في السلطة، يقدمون من يريدون للمحاكمات العسكرية، وبينما نجد أن الثورة محتشدة بطاقة التحرر من التبعية الاقتصادية إذا بالمتحكمين فعليا في السلطة يتقدمون بطلب للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي الذي دمر الاقتصاد المصري بتوصياته الملزمة، وحتى صحيفة مثل الجارديان البريطانية اعتبرت في 6 يونيو أن ذلك القرض " سيكون وبالا على مصر "، وبينما تقدر الثورة أن كراهيتها لم تكن لشخص مبارك بحد ذاته ولكن لسياساته، ومن ضمنها علاقته بأمريكا، فإن السلطة، أو قادة الثورة، مازالوا يعتبرون أن العلاقة مع أمريكا هي المرشد والمحرك للسياسة المصرية في المجال الدولي، وبينما يعيش أربعون بالمئة من الشعب المصري تحت خط الفقر وتحلم الثورة بتغيير ذلك، فإن يد السلطة لا تمتد بأية خطة للنهوض بالزراعة أو الصناعة.

ولهذا صار الكثيرون يراجعون حصاد نصف عام من الثورة، ويسألون: ما الذي تغير ؟ ماعدا تنحية مبارك ومحاكمة ومحاسبة بعض رموز النظام ؟. النظام نفسه، كله، مازال قائما، بسياساته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وثمة ثورة تغلي بالغضب، يقودها أعداؤها، ويوجهها خصوم أهدافها، ويحيلون الدماء التي أريقت في الشوارع ضد النظام القديم إلي أعمدة لتثبيت دعائم ذلك النظام.

ولعلها واحدة من المفارقات التاريخية المؤلمة أن تبذل كل تلك التضحيات من دون الوصول إلي السلطة، أي إلي قيادة الثورة والتحكم في مصيرها !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى