الجمعة ١٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١

«العالم من ثقب الإبرة» لمجدي بن عيسى

صالح سويسي

عن منشورات إنانا وضمن سلسلة مقاربات صدر للشاعر والناقد التونسي مجدي بن عيسى كتاب جديد حمل عنوان «العالم من ثقب الإبرة» وضمّ مقالات ومقاربات نقدية حول المتون الأدبية التونسية الحديثة شعرا وسردا. وسبق لبن عيسى أن نشر كتبا نقدية أخرى منها «الحماسة في الشعر العربي القديم» و«اللسان وعلومه في مقدمة ابن خلدون» فضلا عن عدد من الكتب الشعرية منها «احتراق الشذى» و«تقريظ الشهوة» و«نبالات مهجورة»..
وهذا الكتاب على ما ذكر مؤلفه في المقدمة هو حصيلة أكثر من عقد من قراءة الأدب التونسي ومتابعة جديده في الشعر والرواية والقصة والنقد الأدبي، حاول من خلاله الكاتب التأكيد على ما تميّز به الأدب التونسي من تنوّع وعمق وغزارة،وما حفل به من قضايا وشواغل أدبية وحضارية تعكس اهتمامات الكاتب التونسي في فضائه الوطنيّ وتفاعله مع محيطه القوميّ والكونيّ. ويجد القارئ في مقالات الكتاب قراءات متنوعة لمتون تونسية في فنون مختلفة، وقع اختيار الكاتب عليها كما يؤكد في مقدمة الكتاب «لأسباب لا تتعلّق بشهرة أصحابها قدر تعلّقها بالقضايا التي أثارتها فينا ونحن بصدد قراءتها..» ويواصل مجدي ويتنزّل هذا «ضمن سياق ثقافي عام اخترناه منذ دخلنا غمار الكتابة الأدبية يقوم على أسبقية النصّ الأدبي التونسي في الاهتمام النقدي من أجل إحلاله المحلّ الذي هو جدير به بين الآداب العربية..»

ويؤكد بن عيسى أنه حاول في مختلف المقالات والفصول عدم التقيّد بحَرْفيّة أي منهج من المناهج النقدية، مستفيدا في كل مرة ببعضها، ويضيف «إنّما كانت مجرد إضاءات أردنا أن تيسّر علينا ولوج عوالم النصّ المقروء دون أن تقيّد حوارنا معه أو تحدّ من تألقه وغناه، وظللنا طوال فصول الكتاب مخلصين لرغبتنا في تأكيد التنوّع والغنى الذي صار عليه الأدب التونسي، حقيقة لمسناها خلال سنوات معاشرتنا لنصوصه شعرا وسردا، وعملنا على تمحيصها من خلال هذا الكتاب..»

ويرى بن عيسى أنّه وإن لم يدّع الحرفية في النقد الأدبي ولا امتلاك كلّ أدواته، فقد كفى ببعض هذا الكتاب واجبا تجاه أدب تونسيّ ما يزال بحاجة ماسّة إلى أقلام نقّاده وجهد باحثيه لتشيع نفائسه بين القرّاء ويحتلّ عندهم المكانة التي يستحقّ...

الكتاب ضمّ عددا من المتون الأدبية التونسية بين سرد وشعر، سعى المؤلف من خلالها لتبيان مدى ثراء المشهد الأدبي التونسي وتنوّعه، مؤكدا من خلال تبحّره في تلك الأعمال التي تخيّرها ضرورة الوقوف أكثر عند تجرب أدبية تونسية تشي بكثير من التميّز والتفرد. أول دراسة في الكتاب، حملت عنوان «الذاكرة والذاكرة المضادة أو سؤال الهويّة في رواية «أسرار صاحب الستر» لإبراهيم الدرغوثي التي صدرت عام 1998 عن دار صامد للنشر. ثمّ يقدم الكتاب قراءة نقدية للمجموعة الشعرية «رجل المعراج» للشاعر الراحل محمد فوزي الغزّي وحمل المقال العنوان التالي «الآن إلى نفسك تسكن، قراءة في شاهدة قبر». كما اقترح الكاتب قراءة في «التحوّلات الاجتماعية وتطوّر الأشكال القصصية» من خلال نماذج من الأقصوصة التونسية، اشتغل فيها على المفهوم معرجا على بدايات القصة التونسية، كما تحدث عن الشكل والمضمون وتطور الأشكال الفنية تبعا لتطوّر المضامين...

مقاربة أخرى ضمّها كتاب مجدي بن عيسى حول «الشعر في الرواية التونسية، من العتبات إلى المتون» وفيها عناوين فرعية مثل «المصاحبة النصية أو العتبات الشعرية للنص الروائي و«الشعر استهلال» و«الشعر عنوانا» و«التناص وحضور الشعر في المتن الروائي التونسي».
وعرض الكاتب لكتابين في النقد الأدبي تمثّلا «قضايا الأدب العربي بعيون تونسية» وهما كتاب «الشعري في روايات أحلام مستغانمي» لزهرة كمّون صدر سنة 2007 عن دار صامد، والكتاب الثاني ويحمل عنوان « أزهار القانون قراءة في قصيدة النثر العربية» لقيس المرابط صدر سنة 2008 عن دار أسيس للنشر.

فصل آخر اقترحه مجدي بن عيسى على القارئ ويمكن ان يمثّل مرجعا لمرحلة ادبية هامة مرت بها بلادنا وحمل الفصل أو المقال عنوان «تجربة شعراء التسعينات من خلال بياناتهم» وفيه قدم الكاتب قراءته لتلك المرحلة التي مثّل أحد رموزها شعريّا. ويقول في سياق حديثه عن البيانات «لقد صار البيان الشعريّ إذن حمّالا لمعاني التغيير والتجاوز ضمن حركة الحداثة العربية في أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، وقد أثّر ذلك على طبيعة الخطاب الذي صيغت به البيانات الشعرية من جهة ما تحمله من بعد تعبويّ تحريضي، وما تستعمله من ضمائر، فينوب ضمير المتكلّم الجمع عن ضمير المتكلمّ الفرد الذي كان سائدا في مقدمات الدواوين، ويحضر في المقابل ضمير الغائبين مشيرا إلى كلّ جهة تناهض مشروع البيان الشعريّ. كما تحضر مفردات الخطابات السياسية الثورية بكثافة، ويميل الخطاب إلى المقارعة الحجاجية والجدل..

وحول ما ميّز تلك البيانات في تلك المرحلة بالذات يقول الكاتب «سمتان أيضا بدأتا تترسخان في البيانات الشعرية في نهاية التسعينات وما بعدها، الأولى سمة المراجعة والتصحيح، وهي السمة التي تجعل من البيانات الشعرية في تواصل مع جملة الأفكار والتصورات الرائجة أو السابقة فيما يتعلّق بالكتابة الشعرية وغاياتها وعلاقاتها بأدواتها وبالمشروع الثقافي الذي يلعب فيه النص الشعريّ دورا ما.. أمّا السمة الثانية فهي اللغة الاستعارية التي كتبت بها البيانات، هذه السمة وإن كانت أقلّ حضورا من السمة الأولى فقد كان لها تأثير واضح على جلّ البيانات الشعرية التي كتبت في التسعينات حيث وقع النسج على منوالها في صياغة البيانات بلغة أقرب إلى لغة الشعر...».

أمّا بقية المقالات التي تضمنها كتاب مجدي بن عيسى «العالم من ثقب الإبرة» فكانت على التوالي، «الخطاب الواصف في نماذج من الرواية التونسية» و«المرجع الصوفي في قصائد محجوب العيّاري» وتناول فيها بن عيسى مظاهر التناص وممكنات التحويل في نص العيّري وهي دراسة ثريّة قدمها الكاتب في ملتقى الشعر التونسي ببنزرت في أكتوبر 2010. ثمّ «المرايا المتناظرة في شبابيك منتصف الليل» لابراهيم الدرغوثي و«تجلّيات المعنى في نماذج من الشعر التونسي في التسعينات» وتخيّر الكاتب الحديث عن مراد العمدوني وهشام المحمّدي والتهامي الهاني وعبد العزيز الحاجي وأخيرا «التجريب في السرد التونسي» وفيه اشتغال على مدونات الدرغوثي وعمر الغدامسي وفوزية العلوي ومحمد عيسى المؤدب.

صالح سويسي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى